الأحد، 20 سبتمبر 2009

مؤلفات ابن الراوندي

مؤلفات ابن الراوندي

لابن الراوندي ما يربو على المائة و أربعة عشر مؤلفا ، ضاعت كلها , و بقي ذكر لأربعة عشر كتابا،فقط، و هي مفقودة اليوم و لكن بقيت منها جذاذات أقوال في ثنايا الكتب و سأذكر خلاصة كل كتاب منها أو ما قد بقي منه

1 ـ كتاب التاج:

موضوعه الفلسفة و قد أثبت فيه قدم العالم و قدم الصانع. نقضه عليه أبو الحسن الخياط ، قال:

ـ كتاب التاج ، أبطل فيه حدث الأجسام،و نفاه و زعم أنه ليس (للمحدث أو الصانع) في الأثر دلالة على ما يؤثر، و لا في الفعل دلالة على فاعل، و أنّ العالم بما فيه أرضه و شمسه و قمره و جميع نجومه قديم لم يزل لا صانع له و لا مدبر، و لا محدث له و لا خالق ، و إن من أثبت أن للعالم خالقا قديما ، ليس كمثله شيء ، فقد أحال و ناقض. (الانتصار 11ـ 12)

و قال عنه أبو العلاء المعري في رسالة الغفران:

ـ أما ابن الراوندي ، فلم يكن على المصلحة بمهدي ، و أما تاجه فلا يصلح أن يكون نعلا...و يجوز أن ينظم تاج عقارب ، فما كان من المحسن و لا المقارب ، و ما تاجه بتاج ملك و لكن دعي بالمهلك ، و لا اتخذ من الذهب و سوف يصور من اللهب، و لا نُظم من در بل وقع في عفاء بقر، و ما هو كتاب كسرى،،لكن طريق بسوء المسرى، و لا تاج الملك أنو شروان، و لكن أثقل من وجر الهوان ، و لا هو كمحززات النعمان بل شين يدخر في الأزمان (رسالة الغفران ،237)

و قال القاضي عبد الجبار الهمداني عن كتاب التاج

إنّ أحدا من العقلاء لم بذهب إلى نفي الصانع للعالم بالكلية ، و لكن قوما من الورّاقيين اجتمعوا و وضعوا بينهم مقالة لم يذهب إليها أحد و هي:

ـ إن العالم قديم لم يزل على هيئته هذه

ـ و لا إله للعالم و لا صانع له أصلا، و إنما هو هكذا و لا يزال من غير صانع و لا مؤثر

و أخذ ابن الراوندي هذه المقالة فصيّرها في كتابه المعروف بكتاب التاج، قال فيه:

فأما الفلاسفة القدماء و المتأخرون ، فلم ينفوا الصانع ، و إنما نفوا كونه فاعلا بالاختيار ، و تلك مسألة أخرى

قال: و القول بنفي الصانع قريب من القول بالسفسطة، بل هو بعينه.فما من شك في المحسوس أعذر ممن قال ، إن المتحركات تتحرك من غير محرك حركها ( شرح نهج البلاغة 239 ، ابن أبي الحديد تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم)

2 ـ كتاب التوحيد

قال أبو الحسن الخياط

و قد ألف هذا الماجن كتابا في التوحيد ، يتجمل به عند أهل الإسلام ، لما خاف على نفسه ، و وضع الرصد في طلبه ، و مما فصله في هذا الكتاب إلا من فصول المعتزلة ، و الكتاب فصلان:

الفصل الأول

قال فيه :إنما تبتدئ الأشياء و تستأنف من أوائلها لا من أواخرها، فلو لم يكن أول تبتدئ منه لا شيء قبله ، أو لاستحال وقوع شيء منها ، و في صحة وجودها ما يدل على أن لها أولا ابتدأت منه ، و إذا كان المبتدأ لها لا يجوز عليه التغيّر جاز أن يديمها أبدا و لا يقطعها

الفصل الثاني

قال فيه، في إيجاب الحركة ، إن الفاعل لم يسبق فعله و لم يكن قبله و هذا محال ، و ليس في إيجاب أن فعلا بعد فعل لا إلى آخرٍ إيجابُ إنِ الفاعلُ لم يتقدم فعلَه و لم يكن قبله (الانتصار ،19)

و علق الخياط قائلا

قد فصل إبراهيم النظام بينهما بفصل واضح بيّن و هو موجود في كتابه التوحيد ، أفلا ترى الكلام كله للمعتزلة دون سواها؟؟؟

و عنه أخذ أصحاب بشر المريسي من مرجئة بغداد و كان يقول: الإيمان هو التصديق بالقلب و اللسان كما قال الراوندي (كتاب التبصر في الدين ،61 ، أبو المظفر الإسفراييني ـ تحقيق محمد زاهد الكوثري)

3 ـ كتاب الإمامة

قال عنه خصمه اللدود أبو الحسن الخياط:

طعن فيه على المهاجرين و الأنصار، و زعم فيه أن النبي (ص) استخلف عليهم رجلا بعينه و اسمه و نسبه ، و أمرهم أن يقدموه و لا يتقدموا عليه ، و أن يطيعوه و لا يعصوه هو الإمام علي كرم الله وجهه فأجمعوا جميعا إلا نفرا يسيرا خمسة أو ستة على أن أزالوا ذلك الرجل الذي وضعه الرسول(ص) و أقاموا غيره استخفافا منهم بأمر الرسول و تعمّدا منهم لمعصيته( الانتصار ص 12)

و قد نقضه عليه أبو بكر البردعي محمد بن عبد الله ، و لكن أبا جعفر بن جرير الطبري ( المتوفى 310ه/925م) فلأنه قال ما قاله ابن الراوندي ، و جمع الأحاديث التي قيلت في غدير خم في مجلدين ضخمين :فإن عوام الحنابلة نسبوه إلى الرفض يل رموه بالإلحاد (البداية و النهاية ج11 ص146)

و لكن الشريف المرتضى ( المتوفى عام 416/1020م) قال عن خبر الغدير،فميزته ظاهرة. و مما يدل على صحة الخبر إطباق علماء الأمة على قبوله ، فالشيعة جعلته الحجة في النص على أمير المؤمنين عليه السلام بالإمامة (الشافي في الإمامة ج 2 ص 146). و مخالفوهم قالوا إن واضعيه هم ابن الراوندي و أبو عيسى الوراق و هشام بن الحكم.قال الداماد محمد بن باقر الحسيني الإستراباذي ( المتوفى 1041ه/1631م): و العامة يقولون إن دعوى النص الجلي في إمامة علي مما وضعه هشام بن الحكم و نصره ابن الراوندي و أبو عيسى الوراق و إخوانهم ، و بالجملة لا مطعن و لا غميزة في أبي عيسى أصلا، إنما المطعون في دينه و المغموز في إسلامه هو ابن الراوندي (الرائح السماوية في شرح الأحاديث الإمامية، ص55 ،الداماد الإستربادي )

و جاء في كتاب رياض الفضلاء ،فال الميرزا عبد الله الأصفهاني:الشيخ أبو الحسن الراوندي الفاضل المشهور العالم الأقدم ، كان من فضلاء عصره و يقال إمامي،و قد نسب إليه العامة إبداع القول بالنص الجلي على إمامة علي عليه السلام و إنه اختلق الروايات على صحة دعواه ، لكن هذا الكلام من خرافات كلام العامة بل من خرافاتهم عامة(رياض العلماء و حيض الفضلاء ج1 ص 117)

4 ـ كتاب التعديل و التجويـر

قال أبو الحسن الخياط:

قال فيه: إن من أمرض عبيده و أسقمهم ليس بحكيم ، و كذلك من أمر بطاعته من يعلم أنه لا يطيعه، و أنَّ مَن خَلّدَ مَن كفرَ به و عصاه في النار طول الأبد ، سفيه غير حكيم ، و لا عالم بمقدار العقاب على الذنوب (الانتصار 12)

ـ كتاب نعت الحكمة

موضوعه سنة الله في تكليف خلقه ، أمره و نهيه ، نقضه أبو سهل بن علي بن نوبخت المتوفى عام311/923م

كتاب في فعل الطبائع

ذكره الخياط ، و موضوعه أن المطبوع على أفعاله جنس واحد كالنار التي لا يكون منها إلا التسخين و الثلج الذي لا يكون منه إلا التبريد ، و أما من تكون منه الأشياء المختلفة فهو المختار لأفعاله لا المطبوع عليها. و كان ثمامة بن الأشرس يقول : إن الله فعل العالم أطباعا

7 ـ كتاب الفريد

قيل خصه ابن الراوندي في الطعن على الرسول (ص) قال عنه المعري:

و أما الفريد، فأفرده من كل خليل، فإن فريد ذلك الجاحد ،ينفرد لحقارته كأنه الأجرب إذا طلي بالعنية فر من دنوه من يرغب عن الدنية

8 ـ خلق القرآن

قال أبو الحسن الراوندي :

مررت بشيخ جالس و بيده مصحف ، و هو يقرأ ( و لله ميزاب السماوات و الأرض. فقلت له: ماذا يعني ميزاب السماوات و الأرض؟ قال: هذا المطر الذي ترى.فقلت : ما يكون التصحيف إلا إذا كان مثلك يقرأ.إنما هو ميراث السماوات و الأرض. فقال الرجل: اللهم غفرانك ، أنا من أربعين سنة أقرؤها و هي في مصحفي هكذا ( الفهرست ،ابن النديم ، ص4)

9 ـ كتاب المرجان

خصّه في موضوع اختلاف أهل الإسلام. قال عنه أبو العلاء: فإذا قيل أنه صفار اللؤلؤ، فمعاذ الله أن يكون مرجانه صفار الحصى بل أخس من أن يذكر فيتقص...فإن قيل لذلك له قيمة ، فسارة كتابه عقيمة و قد سمعت من يخبر أن لابن الراوندي معاشر ، تذكر أن اللاهوت سكنه ، و أنه من علم مكمنه ، و يخترصون له فضائل ، يشهد الخالق و أهل العقول ، أن كذبها غير مصقول ، و هو في هذا أحد الكفرة لا يحسب من الكرام البررة (رسالة الغفران 240)

10 ـ كتاب القضيب

موضوعه أن العَالم محدث ، و أن الباري كان غير عالم حتى خلق لنفسه علما. نقضه عليه الخياط.

و قال عنه المعري:

فمن عمله أخسر صفقة من قضيب و خير له من إنشائه ، لو ركب قضيبا عند عشائه ، فقذفت به على قتاد ، و نزعت المفاصل كنزع الأوتاد

إن الطرماح يهجوني لأشتمه هيهات هيهات، عيلت دونه القضب

و قضيبُ وقفةٌ في الجاهلية بين كندة و الحارث بن كعب ، فكيف لهذا المارق أن يكون قد قتل في قضيبَ، و سقط إهابه الخضيب ( رسالة الغفران ،238)

11 ـ كتاب الدامغ

يطعن فيه على نظم القرآن.قيل ألفه لابن لاوي اليهودي ، عارض فيه القرآن ، و طعن فيه على نظمه

قال عنه أبو العلاء المعري

فما أخاله دمغ إلاّ مَن ألّفَه و بسوء الخلافة خلفه... إن هذا الكتاب الذي جاء به محمد(ص) كتاب بهر بالإعجاز و لقي عدوه بالإرجاز ما حذي على مثال و لا أشبه غريب الأمثال ، ما هو من القصيد الموزون و لا الرجز من سهل و حزون ، و لا شاكل خطابه العرب و لا سجع الكهنة ذوي الأرب ، و جاء كالشمس اللائحة للمـسرّة و البائحة ( رسالة الغفران 238)

12 ـ كتاب فضيحة المعتزلة

و هذا الكتاب عرضنا قراءته و هو عبارة عن مقالات في الكلام ، ألفه في نقض كتاب الجاحظ فضيلة المعتزلة.ردّ فيه عليهم. قال الحسين عبد الرحمن بن الأهدل الشافعي ( 855 ه/1451)

و أصحابنا ينسبونه إلى ما هو أصل في مذهبهم

و قد نقضه أبو الحسن الخيّاط في كتابه الانتصار كما بيناه سابقا

13 ـ كتاب البصيرة

ذكره أبو العباس الطبري . و قد صنف كتاب البصيرة ردأ على الإسلام لأربعمائة درهم أخذها من يهود سامراء. و قد اطلع عليه إمام الحرمين الجويني و قال:

نبغت شرذمة من اليهود تلقنوا من ابن الراوندي سؤالا علّمهم: إذا سألكم المسلمون عن النسخ ، قولوا : قال موسى لا نبي بعدي.و قالوا : النسخ جائز عند المسلمين ، و لكنهم قالوا بتأييد شريعتهم التي تصرم عمر الدنيا ، فإذا سئلوا الدليل على ذلك رجعوا إلى أخبار نبيهم إياه بتأييد شريعتهم (الإرشاد إلى قواطع الأدلة ص 343)

14 ـ كتاب الزمردة

و هو الآخر سيق أن أوردنا تحليلا له بين طيات هذه المدونة ، و موضوعه في إنكار ضرورة إرسال الرسل ، و إبطال رسالاتهم و زعم أنها مخاريق ، و أن الذين جاؤوا بها سحرة و أن القرآن من كلام غير حكيم فيه تناقض و أخطاء

أبــو قــــثم

الاثنين، 7 سبتمبر 2009

فلسفــة ابن الراوندي

فلسفـــة ابن الراوندي

كان ابن الراوندي فيلسوفا إنساني النزعة ، ذا أفق فكري أوسع من عصره الذي عاش فيه ،قصر فلسفته على الإنسان ، و لم يتقيد بمذهب من المذاهب. عايش نكبات زمانه و كان لها بالغ الأثر في تحديد مساره الفكري ،.كانت النكبات تلاحقه فلم تترك له مجالا للشعور بطعم الفرح أو السعادة ، مما دفعه إلى البحث عن عالم خال من أية منغصات للبشر

إلا أن البحث في فلسفة ابن الراوندي طالما يصطدم في كل الحالات بصعوبتين أساسيتين:

أولاهما :تدمير كتبه، و تناقض ما نسب إليه من الأقوال حول الله و الإنسان و الطبيعة التي حفلت بها تلك النصوص التي رواها أعداؤه عنه.

ثانيهما : أن ابن الراوندي لم يبلغ مرتبة النظام في تمثل الفلسفة اليونانية ،مما لم يجعله قادرا على تشكيل مذهب فلسفي خاص به، و أن كل محاولاته الفكرية الممتازة لم تخرجه عن إطار علماء كلام عصره المستنيرين.

علاقة الله بالإنسان و العالم

الله في نظر المعتزلة ، واحد ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، و ليس بجسم و لا شبح ، و لا جثة و لا صورة و لا شخص و لا جوهر و لا عرض و لا بذي لون و لا طعم و لا رائحة و لا طول و لا عرض و لا عمق ، لا يتحرك و لا يستكين ، و ليس بذي أبعاض و لا أجزاء ، و لا تدركه الحواس ، و لا يقاس بالناس ، و إنه القديم وحده، ليس بذي غاية فيتناهى و لا يجوز عليه الفناء ، و تقدس عن اتخاذ الصاحب و الأبناء (مقالات الإسلاميين ج 2 صص116 لأبي الحسن الأشعري. تحقيق : محمد محي الدين). و أن الله سبحانه و تعالى لم يزل عالما حيا قادرا بنفسه لا بعلم مستحدث.

وكذا ابن الراوندي فإنه قال:

إنّ المعلومات ، معلومات قبل كونها. و إنه لا شيء إلا موجود. و إن المأمور به و المنهي عنه و كذلك كل ما تعلق بغيره يوصف به الشيء قبل كونه . و كل ما كان رجوعا إلى نفس الشيء القديم لم يسم و لم يوصف به قبل كونه (الانتصار ص 11/12)

و هذه إشارة واضحة الدلالة على أخذ ابن الراوندي و بعض المعتزلة بفلسفة أفلاطون ، التي مفادها: إن الله صانع العالم على ما في ذهنه من مثل ، و إن علم الله أزلي لأنه يعرف الأشياء قبل كونها. و لا صحة لما نسبه إليه أبو الحسن الخياط عندما يقول:

أن له كتاب التاج أبطل فيه حدوث الأجسام، و أن العالم لم يزل لا صانع له و لا مبرر و لا محدث و لا خالق ، و إن من ثبت للعالم خالقا قديما أحال و ناقض (مقالات الإسلاميين ج1 ص26)

و يجب إضافة مذهبه في قدم العالم إلى مذهب أبي عيسى الوراق في قدم الاثنين ( الله ، و الهيولى) (طبقات الشافعية الكبرى ج3 ص97)

أراد المعتزلة عندما نازعوه الرئاسة بعد وفاة النظّام و طردوه، أن يشوّهوا صورته لدى العامة فنحلوه قولا:

لا يتم التوحيد لموحد إلا أن يصف الباري بالقدرة على الجمع بين الحياة و الموت و الحركة و السكون ، و أن يجعل الجسم في مكانين في وقت واحد ، و أن يجعل الواحد الذي لا ينقسم (الجوهر الفرد) مائة ألف شيء من غير زيادة ، و أن يجعل مائة آلاف شيء شيئا واحدا من غير أن ينقص في ذلك شيئا و لا يبطله؛ بل و أنه قال أيضا: إنهم وصفوا الباري بالقدرة على أن يجعل الدنيا في بيضة و الدنيا على كبرها و البيضة على صغرها: و بالقدرة على أن يخلق مثله و أن يخلق نفسه و أن يجعل المحدثات قديمة و القديم محدثا.) (نفس المرجع السابق)

و نسب المعتزلة إلى ابن الراوندي كتابا هو (عبث الحكمة الإلهية) ، و اتهموه بالقول إن الإنسان أودع عقلا يميز به بين القبيح و الحسن،و يميز بين الخير و الشر،و إن الله لا يتدخل في أعمال العباد ، ثم نسبوا إليه شعرا يدل على عبث الحكمة أو العناية الإلهية ، قال:

سبحان من أنزل الأيام منزلها ****و صيّر الناس مرموقا و مرفوضا

كم عاقل في الورى أعيت مذاهبه ****و جاهل في الورى تلقاه مرزوقا

هذا الذي ترك الأيام حائرة ****و صيّر العالم النحرير زنديقا

فعلق السبكي على هذا القول:

قبحه الله ، ما أجرأه على الله (كتاب المحصل ص63 ، فخر الدين الرازي)

هذا التناقض في فكر ابن الراوندي إن حصل ،فمردّه إلى تناقضات عصره،و هو شاهد على ظلم العصر.فحوله كانت تجري معارك ثورة الزنج (255 ـ 270ه) . و هو ممن وضع كتابا في الإمامة ، فالإمام هو الذي يملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا. و كان يميل إلى الإمام غلي بن محمد الزيدي ، قائد الزنج. و ربما كان هذا هو السبب في طلب الدولة له.

الإنسان و النفس

اتفق كافة مؤرخي الفلسفة الإسلامية أن (القول بالجزء الذي لا يتجزأ في القلب هو مذهب ابن الراوندي، و زعم النظّام أنه أجزاء) . و أن الأنا أو الإنسان هي النفس (الموسوعة الفلسفية الروسية ص 547 ترجمة سمير كرم). هذا القول بالأساس هو لأفلاطون ، فالجسم عندما ينحل بالموت تبقى النفس لأنها بسيطة و هي مؤلفة من أجزاء لا تقبل التجزئة و هي أبدية أزلية (مقالات الإسلاميين ج1 ص26).قال ابن الراوندي:

الإنسان هو في القلب و هو غير الروح، و الروح ساكنة في هذا البدن (الإمتاع و المؤانسة ج1 ص 229)

و معنى هذا ما قاله أبو سليمان السجستاني:

النفس وحدها ليست بإنسان و البدن وحده ليس بإنسان بل الإنسان بهما معا. (رسالة في النفس الإنسانية ، ابن العبري ، ص 33)

كان جالينوس يقول: إن الدماغ هو معدن الإدراك و القوة المتحركة و ليس القلب. و لكن علماء الكنيسة و فلاسفتها أبطلوا هذا القول و قالوا مع غريغوريوس اللاهوتي : إن الإنسان الخفي هو في القلب (مقالات الإسلاميين ج1 ص27)

و ينسبون قول ابن الراوندي في النفس إلى المنانية ، و أن المنانية تقول:

النفس معنى موجود ذات حدود و أركان و طول و عرض و عمق و أنها غير مفارقة هذا العالم لغيرها مما يجري عليه حكم الطول و العرض و العمق، فكل واحد منها يجمعها صفة الحد و النهاية. (الفيلسوف اللاهوتي موسى بن كيفا ص 31 للمطران بولس بنهام). و معنى هذا أن النفس جوهر مادي أو جسم ذو أبعاد. هذا ما قاله الأشعري و بقية علماء الإسلام. أما علماء السريان و هم على اطلاع مباشر على فكر المنانية من خلال كتاباتهم السريانية فلهم رأي آخر، يقول المطران موسى بن كيفا المتوفى سنة 903 ه :

النفس عند المنانية بسيطة غير مجسمة، و إنها خالدة لا تموت إلا أنها تنقسم إلى أقسام كثيرة لا تحصى فيصيب كل جسم من الأجسام الحية و غير الحية قسم منها فتأخذ الأجسام الحية القسم الأكبر بينما تكتفي الأجسام غير الحية بشيء ضئيل. و هذا هو رأي ابن الراوندي و إن كان لا يقول بالتناسخ مثلهم.

لقد نسب المطهر بن طاهر المقدسي إلى ابن الراوندي قولا في النفس:

إن الإنسان مقدار ما في القلب من الروح و يحس الجسد بها و هي عرض قد بطل بالموت و الميت يعلم ضربين من العلم محتجا بالخبر المروي عن الرسول ، إن الميت على النعش يسمع نوح أهله (البدء و التاريخ ج2 ص120 ، طاهر بن المطهر المقدسي)

في هذا النص نلمح فلسفة هشام بن الحكم صديق ابن الراوندي و الذي كان مذهبه في النفس أنها عرض ، و العرض ما يعترض الشيء و يقوم به ، ومنه ما يختص بالأحياء و هو الحياة و الشهوة و النفرة و القدرة و الإرادة و الاعتقاد و النظر و الظن و الألم . (هشان بن الحكم ص 161). كان ابن الراوندي يعتبر النفس مبدأ الحركة فهو تابع لمذهب أفلاطون الذي يرى أن المتحرك إما أن يتحرك بنفسه ، و إما أن يتحرك بغيره و هذه تقف عن الحركة بعد حين ، أما الأولى فلا تقف لأن حركتها من ذاتها فهي لا تكون و لا تفسد. و كل ما يتحرك بنفسه فلا يتولد من شيء آخر فهو مبدأ. و من التناقض أن يفسد المبدأ.و إذا كانت النفس هي المبدأ؛ وهذه هي حقيقتها و ماهيتها؛ يمكن أن نعرفها بأنها ما تحرك نفسها. (أفلاطون ؛أعلام الغرب؛ ص 99 ، أحمد فؤاد الأهواني).من ذاك النص السابق يمكننا تفسير القول الذي نسبه عبد القاهر البغدادي لابن الراوندي ، قال : و منهم من قال إن الحركة كونان في مكانين أحدهما يوجد في المتحرك و هو في المكان الأول ، و الثاني يوجد فيه و هو المكان الثاني و هذا قول ابن الراوندي (الفرق بين الفرق ص 144 عبد القادر البغدادي ، تحقيق محمد بدران.

و هذا النص لا يفهم إلا بعرضه على فلسفة أفلاطون

قول ابن الراوندي في القتل

فاعل القتل في حال فعله ، و المقتول مقتول في حال وقوع القتل به عند من عرف أن القاتل استعمل السيف ، بضرب ما يقع بعده خروج الروح.و قال: ليس يكون الإنسان قاتلا على الحقيقة إلا لمن خرج روحه من ضربته و القضاء على الظاهر(مقالات الإسلاميين ج2 ص97/98) 1250 و قد زعم أصحاب التوالد أنه يحدث عن الضربة في بدنه شيء هو الألم و القتل. قال: و ذلك الحادث في قولهم مشتغل و ليس عندنا إلا عمل الضد و عمل الروح فإنهما يحدثان منهما طباعا (المصدر السابق ص102)

قوله في الخواطر

اختلفت المعتزلة في الخواطر .قال أبو الهذيل و سائر المعتزلة: الخاطر الداعي إلى الطاعة هو من الله ، و خاطر المعصية من الشيطان ـ و ثبتوا الخواطر أعراضا. و كان النظّام يقول : لا بدّ من خاطرين، أحدهما يأمر بالإقدام و الآخر يأمر بالكفّ ليصبح الاختيار و لا تلتزم الحجة التفكر إلا بخاطر.

و حكى عنه ابن الراوندي : أنه كان يقول إن خاطر المعصية من الله إلا أنه وضعه للتعديل لا ليقضي. و كان يقول : إن الخاطرين جسمان.

و لكن الأشعري قال : و أظنه غلط في الحكاية الأخيرة.لأن الأفعال التي من شأن النفس أن تفعلها و تجمعها و تميل إليها و تحبها فليس تحتاج إلى خاطر يدعو إليها

كما قال ابن الراوندي عن النظّام : أما الأفعال التي تكرهها النفس و تنفر منها ، فإن الله تعالى أمر بها فأحدث لها من الدواعي مقدار ما يوازي من كراهتها لها و نفارها منها.و إن دعا الشيطان إلى ما تميل إليه النفس و تحبه زادها من الدواعي و الترغيب ما يوازي داعي الشيطان، و يمنعه من الغلبة ، و إن أراد الله سبحانه أن يقع من النفس فعل ما تكرهه و تنفر طباعا منه، جعل الداعي و الترغيب و التنفير و الترهيب يفصل ما عندها من الكراهية لذلك منه.فتميل النفس إلى ما دعيت إليه و رغبت فيه طباعا. (المصدر السابق 239).و كان ابن الراوندي يقول بقول ابن النظّام في عملية اتخاذ القرار في الفعل الإرادي

قوله في خلق القرآن

حكى ابن الراوندي: أنه سمع بعض المعتزلة يقول : إن القرآن مخلوق ، و إنه كلام في الجوّ ، و إن القارئ يزيل مانعه بقراءته فيسمع عند ذلك ، و هذا قول إبراهيم النظّام.

أما رأي ابن الراوندي فهو أن القرآن معنى من المعاني ، و عين من الأعيان، خلقه الله عزّ و جلّ ليس بجسم و لا عرض قائم بالله. و هو غيره و محال أن يقوم بغير الله . فإذا تلاه التالي أو حفظه الحافظ أو خطه الكاتب ، فإنه يُخلق مثلَ تلاوة كل تال، و حفظ كل حافظ ، و خط كل كاتب ، قرآنٌ آخر مثل القرآن، قائما بالله دون التالي و الكاتب و الحافظ (نفس المصدر 68/69)

قوله في المحال

قال بعض علماء الكلام: كل كذب محال ، و كل محال كذب.. و لكن من الكذب ما ليس بمحال كقولهم ( الغائب حاضر).و الكذب المحال كقولهم(القديم محدث).أما ابن الراوندي فإنه يرى ، إن كل كلام لا معنى له فهو محال.و كل قول أزيل عن منهاجه و اتسق على غير سبيله و يقصر به عن موقعه و إفهام معناه ، فهو محال، و ذلك كقول القائل (أتيتك غدا) و ( سآتيك أمس)( نفس المصدر)

أبو قثم