الأحد، 30 أغسطس 2009

قراءة في ابن الراوندي 4

كتاب فضيحة المعتزلة

لابن الراوندي

قال عنه الحسين بن عبد الرحمن الأهدل (المتوفى 855ه/1451)

لابن الراوندي مقالات في الكلام على فضيحة المعتزلة ، ردّ فيه عليهم ، و أصحابنا ينسبونه إلى ما هو أصل في مذهبهم ( شذور الذهب ج2 ص236 )

و كان الرأي السائد في القرون التالية للقرن الخامس الهجري أنّ الكِتاب المعتزلي ينبغي ألا يُطالَع و أن يُتجنّب. و لكن كان لكتاب ابن الراوندي ـ فضيحة المعتزلة ـ استثناء لأنه فضحهم و كشف الغطاء عن أسرارهم لدى عوامّ المسلمين

نعرف الكتاب من خلال الردود التي جاء بها أبو الحسن الخياط في كتابه الانتصار الذي ينتصر فيه للمعتزلة: و سنذكر أقوال ابن الراوندي و ردود الخياط عليه

ابتدأ الراوندي كتابه بقوله

ـ أمّا بعد ، فإني وجدت كثيرا من المعتزلة يستطيلون على جملة الشيعة ، و يتسلقون على إبطال حقهم لوصف مقالات لغُلاتهم ليست من التشيع الذي باؤوا به من جميع المبطلين في قبيل و لا دبير.

رد الخياط قائلا:

إنّ المعتزلة لم تعني جملة الرافضة بقول تفرّد به بعضُها ، و إنما عابت كلَّ فريق منها بما تفرّد به دون سواه (الانتصار 12/13)

قال ابن الراوندي:

سأرسم في كتابي هذا جملا من شنيع مذاهبها نجتزئ ببعضها في معارضتهم، و من توحيد الرافضة أنّ الله عزّ و جلّ ذو قدّ و صورة و حدّ ، يحترك و يسكن و يدنو، و يبعد و يخفّ و يثقل ، و إنّ علمه محدث ، و إنّه كان غير عالم فعلم ، و إنّ جميعهم يقول بالبداء و هو أنّ الله يخبر أنه يفعل الأمر ثم يبدو له فلا يفعله، إلا نفرا منهم يسيرا صحبوا المعتزلة، و اعتقدوا التوحيد، فنفتهم الرافضة عنهم و تبرأت منهم. كعلي بن ميتم بن يحيى التمّار ( قال نصير الدين الطوسي أنه كلّم أبا الهذيل و النظام و إنّ عليا الأسواري ناظره)

ردّ الخياط

ـ هذا الكلام لم يخطر على بال الرافضة إلا لإنسان سرق كلاما من كلام المعتزلة فأضافه إلى نفسه. ( الانتصار 14/15)

ابن الراوندي و أبو الهذيل العلاف

حكى السفيه ( يعني ابن الراوندي) عن أبي الهذيل قولا كان يناظره فيه على البحث و النظر ، و هو الكلام فيما كان و يكون و يتناهى و ما لا يتناهى و الكلام في البعض و الكلّ.

زعم الماجن السّفيه : أن أبا الهذيل كان يقول : إنّ لِما يقدر الله عليه و يعلمُه غايةٌ ينتهي إليها ، لا تتجاوزها قدرتُه و لا يتعدّاها علمُه

ردّ الخياط

إن أبا الهذيل كان يقول : إنّ الله عزّ و جلّ يعلم نفسه، و أنّ نفسه ليست بذي غاية و لا نهاية، إن أراد السائل غاية العلم،و ليس يخفى على الله منه شيء و لا يعجزه شيء منه ، و إن أراد السائل أنّ له غايةٌ و نهايةٌ إلى زوال و فناء و نقص ، فلا.

قال ابن الراوندي

نفى أبو الهذيل، التغيير و الزيادة و النقصان و العجز و العوارض و الموانع عن الله جل ذكره، ثم أحال الذي أضافه إليه من أفعاله كي لا يلزمه بزعمه تصحيح مذهب الدهرية، فكأنه قال:اعلموا أنّ ما ذهب إليه الدهريون صحيح.

رد الخياط:

هذا الكلام الذي ذكره أن أبا الهذيل رحمه الله قد تاب ، من الكلام في هذا الباب عند من ظن الناس به أنه يعتقده ، و أخبر أنه كان يناظر فيه على الرأي و النظر ( الانتصار 20/21)

قال ابن الراوندي

و كان يزعم أبو الهذيل أن علم الله هو الله، وأنّ قدرته هي هو، فكأن الله على قياس مذهبه علم و قدرة إذ كان هو العلم و القدرة. و ما علمتُ من أهل الأرض من اجترأ على هذا من قبله ( الانتصار 59)

و قال أيضا : لو اقتصرنا على قول أبي الهذيل وحده لأربى على كفره من لم تضبطه العقول، و لو نازعت المعتزلة عابدي الحجر لم تظفر بهم و أبو الهذيل شيخُها ، لأن الحجر لا يقدر أن يفعل بطباعه ، و من قوله أنه محال في قدرة القديم أن يغنيه و يعريه من أفعاله. و قد أجاز أن يجمع بين الحلفاء و النار فلا يحدث الله إحراقها فلا تحترق

ردّ الخياط عليه :

هذا ضرب من التجاهل ، و التجاهل باب من السوفسطائية ( الانتصار 61/62)

ابن الراوندي و معمر بن عباد السلمي (المتوفى225ه/840)

قال الراوندي : إن معمر يقول : إن فناء الشيء يقوم بغيره.

فإذا قيل له : هل يقدر الله أن يفني العالم بأسره؟ قال : نعم. بأن يخلق شيئا غيره و يحل فيه فناؤه.

فإذا قيل له

أفيقدر الله أن يفني خلقه حتى يبقى وحده كما كان ؟ قال : هذا محال

ردّ الخياط:

فقد شاركه في هذا القول كثير من الأمة( الانتصار 23)

قال ابن الراوندي

سمعت بعض أصحاب معمر يقول

إنّ من زعم أن الله يعلم نفسه فقد أخطأ. لأن نفسه ليست غيره، و لا بد أن يكون المعلوم غير العالم. فقلت له : أبهذا كان يقول صاحبكم؟ قال : نعم.

رد الخياط

الإنسان عند معمر يعلم نفسه و هي ليست غيره . فكيف يحيل على الله أن يكون لا يعلم نفسه لأنها ليست غيره؟؟

قال ابن الراوندي

كان معمر يزعم أن هيئات الأجسام، فعل للأجسام طباعا ، على معنى أنّ الله هيّأها هيئة تفعل هيئاتها طباعا.

و كان يزعم: أنّ القرآن ليس من فعل و لا هو صفة له كما تقول العوام.لكنه من أفعال الطبيعة.ألزم معمرا قياسا على قوله في فعل الطبائع.

ردّ الخياط:

إن معمرا كان يقول إن القرآن كلّه كلام الله. و إنّ القرآن محدث، لم يكن ثمّ كان. أي مخلوق . (الانتصار47/48)

ابن الراوندي و علي الأسواري

كان علي الأسواري من أصحاب أبي الهذيل ثم انتقل إلى النظّام

قال ابن الراوندي:

كان علي الأسواري يزعم بأن الله لا يقدر على الظلم و الكذب

ردّ الخياط

أمّا القول بإحالة قدرة الله على الظلم و الكذب فقد شارك إبراهيمَ النظام فيه و أصحابَه ، عالمٌ من الناس من جميع فرق الأمة

ابن الراوندي و الجاحظ( المتوفى 255ه/869)

قال ابن الراوندي:

و أمّا الجاحظ فإنه يقول أنه محال أن يعدم الله الأجسام بعد وجودها و إن كان هو أوجدها بعد عدمها.ثمّ قال : و متى استحال أن بُعْدَمَ الجسمُ بعد وجوده، استحال أيضا وجوده بعد عدمه.

و زعم الجاحظ

إنّ الله لا يخلّد كافرا في النار و لا يدخله فيها ، و أن النار تُدخل الكافر نفسَها و تخلّده فيها .

قال ابن الراوندي

فقلت لأصحابه: و كيف صارت النار هي التي تخلّد الكفّار في عذابها و تصيّرهم إليها؟

فقال:من قِبَلْ،أنهم عملوا أعمالا فصارت أجسادهم لا تمنع النار إذا حاذتها في القيامة من اجتذابها

قال ابن الراوندي

وجدت الجاحظ قد جمع كل حقّ و باطل أضيف إليهم في كتابه الذي يدعى فضيلة المعتزلة و جعله أبوابا منها:

ـ باب ذكر فيه ( الجسم و الماهية و حدوث العالم و القول بالرجعة)

ـ باب ذكر فيه ( جناية المسلمين على ولد رسول الله لمنعهم من التفرقة في الدين، و أن الله يلهمهم العلم إلهاما بغير تعلم و لا طلب)

ـ باب ذكر فيه طعنهم على الصحابة و إكفارهم إياهم في ظنه

ـ باب ذكر فيه أن الله ينتقل في الصورة ، و طبقة تزعم أن عليا هو الله تعالى ثم قال إني سأعرفكم أنه لم يرد بالطعن على الشيعة وحدها و إنما قصد الإسلام

قال ابن الراوندي :

قال الجاحظ و أستاذه النظّام

إنّ الله لا يستطيع أن يزيد في الخلق ذرة و لا ينقص منهم ذرة، لأنه قد علم أن أصلح الأمور كونه على ما هو علبه في العدد

ردّ الخياط:

إنّ هذا القول عند إبراهيم و غيره كفر و شرك (الانتصار 78/95)

ابن الراوندي و ثمامة بن أشرس

قال ابن الراوندي

و قد خيرني بعضهم انه سمع ثمامة يزعم أن الله فعل العالم بطباعه. و هذا كفر ، لأن المطبوع محدث لا ينفك من أفعاله التي طبع عليها

رد الخياط

أوليس كتب ثمامة معروفة و قوله مشهور؟ و هل المطبوع عند ثمامة إلا الأجسام المعتملة المحدثة؟ أما القديم الذي ليس بجسم فسبحانه و تعالى عن ذلك علوا كبيرا. لأن المطبوع على أفعاله لا يكون منه إلا جنس واحد من الأفعال، كالنار لا يكون منها إلا التسخين، و الذي تكون منه الأشياء المختلفة فهو المختار لأفعاله لا المطبوع عليها (الانتصار 25). و اليهود و النصارى و الزنادقة يصيرون يوم القيامة ترابا و لا يدخلون النار.

قال ابن الراوندي

كان يقول بالماهية، و القول بها كفر عند المعتزلة

رد الخيّاط

كيف يكون الله عنده فعل العالم طباعا و ذو الطباع عند ثمامة هو الجسم و الله ليس بجسم؟ و الكفار عنده في النار خالدون (الانتصار 122)

ابن الراوندي و أبو عفان الرقي (المتوفى 240ه/ 855)

قال ابن الراوندي :

في أصحاب إبراهيم رجل يزعم أن الله علة لكون الخلق و كان مع هذا يلزم المنانية أن يزعموا أم المزاج قديم لقدم علّته و صاحب هذا القول أبو عفان الرقي

ردّ الخياط

هذا كذب على أبي عفان ، قد قرأنا كتبه في التوحيد و الردّ على الملحدين فما رأينا فيها ما حكاه هذا الكذّاب عنه.و أبو عفان رجل من أصحاب الجاحظ من أصحاب إبراهيم الذي كان يحيل قول من وصف الله بالقدرة على الظلم و إدخال أهل الجنة في النار و قد وافقه على هذا القول المجبرة و الرافضة كهشام بن الحكم ، و كان إبراهيم يزعم أن الظلم و الكذب لا يقعان إلا من جسم ذي آفة، فالواصف لله بالقدرة عليهما بأنه جسم ذي آفة. (الانتصار 28)

ابن الراوندي و إبراهيم بن سيّار النظّام

ذكر ابن الراوندي

قول إبراهيم في المجانسة ، كان يزعم أن الكفر مثل الإيمان و أن العلم مثل الجهل و الحبّ مثل البغض و أن الله يعذّب عبدا و يغفر لمثله

رد الخياط

قول إبراهيم : أن المعصية و الكفر كانت معصية و كفرا و إنما كان بالله التقبيح للمعصية و الكفر، و هو الحكم بأنهما قبيحان. و الذي يجوز تغيير حكمه، فالعبد فاعله على ما هو عليه، لا فاعل له غيره و لا محدث له سواه. (الانتصار 30)

قال ابن الراوندي

كان إبراهيم يزعم أن الأرواح جنس واحد، و أن سائر الأجسام من الألوان و الطعوم و الأراييح آفة عليها. و قد نفَّس عنهم برفع بعض الآفات و لم يجز من أهل الجنة أكل و لا شرب و لا نكاح.

رد الخياط

أما قوله أن الأرواح جنس واحد فقد صدق

و قوله أن الأكل و الشرب و النكاح و أنواع النعيم لا تجوز إلا بإدخال هذه الأجسام عليها، لأنّ دار النعيم ليست بدار آفات

و إنّ الله يُدخل على أهل النار من العذاب بقدر ما تحتمله بنيتهم، و لا يزيل عقولهم ، و لا يبطل حسّهم ، و إلّا لم يجدوا ألم العذاب و لا شدّة العقاب. (الانتصار 30)

قال الراوندي

إنّ الأرواح كالنار شأنها الصعود، فإذا أفلتت مما يحبسها في هذا العالم لم تثبت فيه طرفة عين، و لحقت بعالمها إن كانت خفيفة. و إن كانت الأرواح ثقيلة لم تقصر دون النزول إلى عالمها.

رد الخياط

إنّ المنانية تثبت عالماً للنور في العلو، و عالما للظلمة في السفل دون عالمنا هذا. و أنهما غير ممتزجين. و إن عالمنا هذا ممزوج من جزأين من ذينك العالمين. و إنهما قديمان لم يزالا . و أن الحادث هو مزاج هذا العالم فقط . (الانتصار 36)

قال ابن الراوندي

و أصحاب إبراهيم يصولون على الناس بدليل له على حدوث العالم: و هو قوله وجدت الحرّ و البرد مع ما هما عليه من التضاد و التنافر مجتمعين في جسد واحد فعلمت أنهما لم يجتمعا بأنفسهما إذ كان شأنهما التضاد ، و أن الذي جمعهما و قهرهما على خلاف ما في جوهرهما هو مخترعهما و هو رب العالمين. و لو قيل له : أ يقدر الله أن يخترع الحرّ مبردا و البرد مسخنا و أن يقهرهما على ما ليس في جوهرهما لأحال السؤال ، لأنه محال أن يعمل الجوهر ما ليس في طباعه

ابن الراوندي و هشام بن الحكم و أبو الهذيل العلاف

قال ابن الراوندي

أيهما أشبه بغلط العلماء ، غلط ابن هشام في العلم أم غلط أبي الهذيل فيه؟

قال هشام ابن الحكم: ليس يخلو القديم من أن يكون:

ـ لم يزل عالما لنفسه ، كما قالت المعتزلة

ـ أو عالما بعلم قديم، كما قالت الزيدية

ـ ثم قال ، و قد أجمع الموحدون ( أنّ الله كان و لا شيء ) . فإذا كان هكذا و كان العلم لا يقع إلا على شيء فلا معنى لقول القائل : لم يزل الله عالما بالأشياء قبل كونها، إذ الأشياء لا تكون قبل كونها

رد الخياط

و المعتزلة قالوا: إنّ الله لم يزل عالما بالأشياء و لم يزعموا أن الأشياء معه لم تزل، و إنما قالوا: إنه لم يزل عالما بالأشياء تكون و تحدث إذا أوجدها واحد سبحانه و بحمده ( الانتصار 90)

قال ابن الراوندي

أمّا القول بالرجعة ، فإنّ الشيعة تزعم أنها لا تنقض توحيدا و لا عدلا و لا تستحيل في القدرة و لا يفسد فعلها بالحكمة.و ما كان هكذا فليس يدفعه العقل و لن يبطل عندهم إن كان باطلا إلا بالسمع، و طرقه القرآن و الإجماع و الخبر الموجب للعلم ( معاهد التنصيص ج6 ص158)

و إنّ الشيعة تزعم أن الأرض لا تخلو في كل عصر من رجل معصوم لا يخطئ و لا يزلّ . فإن أبا الهذيل و هشاما الفوطي يزعمان أن الأمة لا تخلو في كل عصر من عشرين معصوما( مما لم يعصم منه الرسل) لا يزلّون و لا يخطئون و لا يفارقون صغيرا و لا كبيرا

رد الخياط

جاء في الخبر عن المعتزلة لا يخلي الله الأرض من جماعة مسلمين أتقياء و أبرارا، صالحين يكون نقلهم إلى من يليهم حجة عليهم. و لكن الرافضة غلت في إمامها و أفرطت في وصفه.فبعضهم زعم أنه إله ، و بعضهم زعم أنه الواسطة بين الله و خلقه، و بعضهم زعم أنه رسول و بعضهم زعم أنه نبي و ليس برسول. و المقتصد منهم في وصفه : إنه عالم بجميع ما بالناس إليه حاجة لا يخفى عليه منه شيء ، و إنه نقي السريرة و العلانية لا يجوز عليه التغيير و التبديل ، و إنه أعلم الناس بالتدبير و أزهدهم في الدنيا و أشدهم بأسا، و إن الله هو المتولي لنصبته و إقامته ، و أن الأمة أزالته و دفعته عن موضعه ، و أقامت غيره ، و إن من أنكره و خالفه و جحد إمامته فكافر مشرك ولد لغير رشده ( مقالات الإسلاميين ج1 ص216 لأبي الحسن الأشعري ، تحقيق :محمد محي الدين)

قال الخياط

إن صاحب كتاب فضيحة المعتزلة شديد الغيظ على أنبياء الله و رسله يريد أن يشتمهم و يعيبهم على لسان غيره

و قال ابن الراوندي

إذا رأيت أهل المذاهب يعيّر بعضهم بعضا بشنيع الأقاويل فعليك بالصمت

تلك هي صورة ما يمكن استخلاصه من موجز تحليل كتاب الانتصار، قد تكون باهتة و قد تكون مشوهة إلا أنها تحمل صورة الكتاب الأصلية ، فهي كصورة من ينظر إلى نفسه في ماء البئر فيراها متحركة غير ثابتة ، و لكنها تحمل سمات الناظر إليها

أبو قثم

الأربعاء، 26 أغسطس 2009

قراءة في ابن الراوندي 3

ابن الراوندي

قراءة في

كتاب الزمرّدة

إن من أهمّ ما ألفه ابن الراوندي كتاب الزمردة الذي عرض فيه رأيه في إبطال النبوة

و قد سمي هذا الكتاب باسم آخر هو: في إبطال حجج الرسل و أدلّتها

قال الخياط:

و بوضعكَ كتاب الزمرّدة تطعن فيه على الرسل و تقدح في أعلامها ، و بوضعك فيه بابا ترجمته على المحمّدية خاصة (الانتصار 123)

ثم يضيف

ثمّ أنت إذ ألفت كتابا في إبطال حجج الرسل و أدلتها و جعلت فيه بابا أوّله على المحمدية خاصة (الانتصار 111)

و هكذا نحد الخياط ذكر الكتاب مرّة بعنوانه و مرّة بموضوعه

فابن الراوندي إذا هو أول من طعن في كتاب مستقل على الرسل و اعتبرهم أهل مخاريق مموهين سحرة ممخرقين ، و أنّ القرآن فيه تناقض و خطأ و كلام يستحيل (الانتصار 12)

يقال أن ابن الراوندي و أبا عيسى الوراق قد تنازعا حول تأليف كتاب الزمرّدة فكلّ يدّعي تأليفه (المنتظم في التاريخ ج6 ص100) ، لهذا السبب لم يذكره أبو العلاء المعري في رسالة الغفران بين كتب ابن الراوندي.

عابه أبو عليّ الجبّائي في تلك التسمية. قال :

إنه أخطأ و جهل في تلقيب العلم بالجواهر، و إنّ أهل العلم لا يعبّرون العلوم بأسماء ما دونها، و الجواهر ناقصة بالإضافة إلى العلوم

فردّ عليه ابن عقيل بقوله:

إنّ ما قصده هو أخبث مما ظننته يا أبا علي.إنّ للزمرّدة خاصة هي أنه إذا رأته الأفعى و سائر الحيوانات عميت (المنتطم في التاريخ ج6 ص 99)

و لكنّ أبا الريحان البيروني ينفي هذا الخطأ الشائع منذ أيام اليونان قال

امتحنت الأفعى تسعة أشهر في زماني الحر و البرد فلم يؤثر الزمرد في عينيها (الجماهر في معرفة الجواهر البيروني ص273)

ضاع الكتاب أثناء الحملات التي شنّها علماء الحديث و الكلام على ابن الراوندي و لكن حفظت لنا منه نصوص كثيرة في كتاب المجالس المؤيدية ، للمؤيد في الدين هبة الله بن أبي عمران الشيرازي الإسماعيلي ( المتوفى سنة 470 ه / 1070 م)، الذي كان داعي الدّعاة في عصر الخليفة المستنصر بالله الفاطمي

كان الكتاب قد صاغه ابن الراوندي على أسلوب الحكاية ، و وضع قدحه للأنبياء و الرسل على ألسنة البراهمة الذين لم يرسل الله إليهم نبيا، و إنما هداهم العقل البشري إلى السيرة المستقيمة و الصالحة في الحياة.

ناقش هذه المجالس المستشرق (بول كراوس) و عرضها عرضا علميا دقيقا و ترجمها الدكتور عبد الرحمن بدوي في كتابه من تاريخ الإلحاد في الإسلام الذي نشره عام 45

و التصوّر الذي وضعه كراوس للكتاب ، كان على الشكل التالي:

1 ـ المدخل في سمو العقل

2 ـ صلب الموضوع و فيه نقد للإسلام و الشريعة

ـ قال أن الإسلام يناقض العقل

ـ نقد معجزات الرسول

ـ نقده لتواريخ المعجزات

ـ نقده لإعجاز القرآن

ـ نقده لخبر التواتر و أن القرآن جاء بالتواتر

3 ـ خاتمة الكتاب بيّن فيها أن العقل يناقض النبوة

ـ و إن الكلام الإنساني حادث بطبعه و لا يرجع في أصله إلى الأنبياء

ـ و الفلك و الموسيقى لا يرجعان في أصلهما إلى الأنبياء

هذا التصوّر قائم على أنقاض ما وجد من الكتاب الأصلي في المجالس المؤيدية ، و هو قد عرضها من خلال عدائة لابن الراوندي

فالكتاب بصورة عامة معروض شأنه شأن المائة والأربعة عشر كتابا لابن الراوندي من خلال الرأي الآخر المعادي له.

القول الأول : العقل و النبوة

قال المؤيد في الدين:

وقع أحد دعاتنا في تصنيف صنّفه ابن الراوندي على ألسنة البراهمة في ردّ النبوات و إبطال مراتب من أقامهم الله، لتبليغ كلامه، سماه الزمردة و نسبها إلى البراهمة، لكي يمنع إحداد شفار القتل عن نفسه.

قال ابن الراوندي :

إنّ البراهمة يقولون إنه قد ثبت عندنا ، و عند خصومنا أن العقل أعظم نعم الله على خلقه، و أنه هو الذي يُعرف به الرب و نعمه ،و من أجله صحّ الأمر و النهي و الترغيب و الترهيب ؛ و أنّ الرسول يأتي مؤكدا لِما فيه من التحسين و التقبيح و الإيجاب و الحظر ، فساقط عنّا النظر في حجته و إجابة دعوته ، إذ غنيَنا ما في العقل عنه. و إن كان بخلاف ما في العقل من التحسين و التقبيح و الإطلاق و الحظر، فحينئذ يسقط عنّا الإقرار بنبوّته (من تاريخ الإلحاد 80)

القول الثاني : نقده للمناسك و الطقوس

قال ابن الراوندي

إن الرسول عليه السلام أتى بما كان منافرا للعقول مثل الصلاة و غسل الجنابة و رمي الجمار و الطواف حول بيت لا يسمع و لا يبصر، و العدو بين حجرين لا ينفعان و لا يضرّان، و هذا كله مما لا يقتضيه عقل ، فما الفرق بين الصفا و المروة إلا كالفرق بين أبي قبيس و حرى. و ما الطواف على البيت إلا كالطواف على غيره من البيوت. و إن الرسول شهد للعقل برفعته و جلاله فلماذا أتى بما ينافره إن كان صادقا (من تاريخ الإلحاد84)

القول الثالث: نقده لمعجزات الرسول

قال ابن الراوندي:

في شان المعجزات و الدفع في وجوهها. إنّ المخاريق شتى و إن فيها ما يبعد الوصول إلى معرفته و يدق على المعارف لدقته، و إن أورد أخبارها عن شرذمة قليلة يجوز عليها المواطأة و الكذب كقولهم بتسبيح الحصى و كلام الذئب و شاة أم معبد و حديث سراقة ، و كلام ضلع الشاة المسمومة ( من تاريخ الإلحاد 90)، فهذه كلها مما تنكره العقول

القول الرابع : في قول المسيح

قال ابن الراوندي:

وما قاله النبي في دفع أقوال ملّتين عظيمتين متساويتين اتفقتا على صحّة قتل المسيح و صلبه فكذّبهما.و إن كان سائغا أن يبطل خبر ذلك الجمهور العظيم المتكاثر العدد، و ينسبها إلى الإفك و الزور ، كان ردّ الشرذمة القليلة من نقلة أخباره أمكن و أجوز بحجة الوضع و القانون الذي قنّنه في المباهلة(من تاريخ الإلحاد 90)

القول الخامس: نقده لنظم القرآن و إعجازه

قال ابن الراوندي

إنه لا يمتنع أن تكون قبيلة أفصح من القبائل كلها، وتكون عدة من تلك القبيلة أفصح من كل القبيلة ، و يكون واحد من تلك العدة أفصحها جميعا...إلى أن قال : و هب أن باع فصاحته طالت على العرب فما حكمه على العجم الذين لا يعرفون اللسان ، و ما حجّته عليهم (من تاريخ الإلحاد 87)

و يبدو أن مسألة إعجاز القرآن قد بحثها في كتابه ( الدافع للقرآن) أيضا.

قال ابن الجوزي

و زعم ابن الراوندي إنّ في القرآن لحنا..و أننا نجد في كلام أكثم بن صيفي أبلغ من إنّا أعطيناك الكوثر.و قال أبو هشام بن علي الجبّائي:ابتدأ ابن الراوندي في كتاب الفريد،فقال: إنّ المسلمين احتجوا لنبوة نبيهم بالكتاب الذي أتى به و تحدى الفصحاء به فلم يقدروا على معارضته.قال : فيقال لهم غلطتم و غلبت العصبية على قلوبكم، أخبرونا لو ادعى مدّع لمن تقدّم من الفلاسفة،مثل دعواكم في القرآن، و قال: الدليل على صدق بطليموس و إقليدس فيما ادعيا أنّ صاحب إقليدس جاء به فادعى أن الخلق يعجزون عنه لكانت ثبتت نبوته ( المنتظم في التاريخ ج6 ص101)

و قال ابن الجوزي :

تقشعرّ منه الأبدان ، قال عن الله تعالى

من ليس عنده الدواء للداء إلا القتل فعل العدوّ الحنق الغضوب فما حاجته إلى كتاب و رسول؟؟.

و قال:

أهلك ثمودا لأجل ناقة و ما قدر ناقة؟ وجدناه يفتخر بالفتنة التي ألقاها بينهم ، كقوله تعالى < و كذلك فتنا بعضهم ببعض . سورة الأنعام الآية 53 >، و قوله <و لقد فتنا الذين من قبلكم : سورة العنكبوت الآية3> وقال في وصف الجنة < فيها أنهار من لبن لم يتغير طعمه> و هو الحليب و لا يكاد يشتهيه إلا الجائع و ذكر العسل و لا يطيب صرفا،و الزنجبيل و ليس من لذيذ الأشربة و السندس يفرش و لا يلبس، و كذلك الإستبرق ، و هو غليظ من الديباج. و من تخايل أنه في الجنة ، يلبس هذا الغليظ و يشرب الحليب و الزنجبيل صار كعروس الأكراد أو النبط (المنتظم في التاريخ خ6 ص 103)

القول السادس: نقده نصرة الملائكة للرسول

قال ابن الراوندي :

إنّ الملائكة الذين أنزلهم الله تعالى في يوم بدر لنصرة النبي بزعمكم.كانوا مغلولي الشوكة قليلي البطشة على كثرة عددهم و اجتماع أيديهم و أيدي المسلمين، فلم يقدروا أن يقتلوا زيادة على سبعين رجلا. أين كانت الملائكة يوم أحد؟ لما توارى النبي ما بين القتلى فزعا و ما بالهم لم ينصروه في ذلك المقام؟ (من تاريخ الإلحاد 93)

القول السابع : نقده لإخبار الرسول في الإسراء

قال ابن الراوندي :

و أمّا قول الرسول في إخباره عن بيت المقدس ، و إعطائه علامته للناس ، إنه مخرق بذلك لأنه يمكن المسير إليه من مكة و مشاهدته له و العودة ليلته لقرب المسافة بين مكة و بينه ( المصدر السابق 94)

القول الثامن : الإلهام و التوقيف

من المسائل الهامة التي طرحها ابن الراوندي ، مسألة اللغة . فبينما الوحي يقول< و علّم آدم الأسماء كلها ، آل عمران 29> نجد ابن الراوندي يربط اللغة بقدم العالم ، و تبعه في ذلك الرازي مستخدما عبارته:

أخبرونا بأي لغة وقف نبي أو إمام من أئمتكم على اللغات؟ و هل في ذلك بدّ من الرجوع إلى الإلهام؟ على أن إماما لو عرف لغة ثمّ أراد أن يعرفها الناس لما قدر على ذلك، إذا لم تكن عندهم سابقة ، فليس بد من الرجوع إلى الإيهام بتة ( نفس المصدر 126) و أما قوله لمن يقول بالنبوات ، قال ابن الراوندي ،

أخبرونا عن الرسول ، كيف يفهم ما لا تفهمه الأمة ؟

فإن قلتم بإلهام ففهم الأمة أيضا بإلهام ، و إن قلتم بتوقيف فليس في العقل توقيف (نقس المصدر 94)

القول التاسع:

قال ابن الراوندي ردّا على من قال: لولا النبي الذي يخبر عن السماء لكان الناس قاصري القدرة على فهم وضع الأرصاد على النجوم :

إنّ الناس هم الذين وضعوا الأرصاد على النجوم حتى عرفوا مطالعها و مغاربها و لا حاجة إلى الأنبياء بهم إلى ذلك

و أورد مثالا على معرفة بطليموس للكواكب أكثر مما عرفه العرب المسلمون مجتمعون.(نفس المصدر 95)

القول العاشر : نقده لخبر الغيلان

قال ابن الراوندي :

ورد في الأخبار أن الغول خلق يغتال الناس و يهلكهم و برمي بهم في الأجراف و الآبار ، و أن كثرة بأسه على الأعزاب و الصبيان. و قالوا: إن سبب ذلك أنها تظهر في صورة المرأة الحسناء ، و تعترض للأعزاب ، فتحركهم الشهوة فيتبعونها فتتنكب بهم عن طريق الجادّة إلى المجاهل حتى ترميهم في البئر أو الجرف. و يؤثر عن النبي إذا تغولت الغيلان فأذّنوا بالصلاة تهتدوا إلى الطريق (من تاريخ الإلحاد96)

القول الحادي عشر : إنّ الله أمر رسوله أن يعلم صوت العيدان.

قال ابن الراوندي على سبيل الاستهزاء:

إنه يلزم من يقول بالنبوة أن ربهم أمر الرسول ، أن يعلمهم صوت العيدان ، و إلا فمن أين يُعرف أن أمعاء الشاة إذا جفّت و عُلقت على خشبة ، فضُربت جاء منها صوت طيب( نفس المصدر97)

القول الثاني عشر : نقده لإخبار الرسول عن الغيب

قال ابن الراوندي :

أما قول الرّسول لعمّار بن ياسر (تقتلك الفئة الباغية يا عمّار) فإنّ المنجّم يقول هذا ، إذا عرف المولد ، و أخذ الطالع ثم قد لا يصيب ( المنتظم في التاريخ ج6 ص 101)

أبو قثم

الأربعاء، 19 أغسطس 2009

قــراءة في ابن الراوندي 2


ابن الراوندي

من الاعتزال إلى الإلحاد


قال الدكتور إبراهيم مدكور:

اتّصل ابن الراوندي بالمعتزلة ، و كان من حذّاقهم ، ثمّ خرج عليهم ، و وقف ضدّهم، و حمل عليهم لأسباب نجهلها(في الفلسفة الإسلامية، إبراهيم مدكور)

نعم ، اختلف المؤرخون في أسباب انشقاقه ، و اقترحوا أسبابا يمكن تقسيمها إلى قسمين.

أ ـ ما ذكره المعتزلة:

فأول من أطلعنا عن انشقاقه عنهم هو أبو الحسن الخيّاط في كتابه الانتصار.دافع فيه عن المعتزلة و فنّد ما جاء به ابن الراوندي في كتابه <فضيحة المعتزلة>. حيث حاول الخياط أن يدلي بأسباب عدّة من خلال ردوده على ابن الراوندي و من هذه الأسباب المختلفة:

1ـ أنّ نبذ المعتزلة له، عندما تكلّم بالسّوء عن عبد الله بن جعفر و عن الحسن بن علي (ض) .فقالوا له قصدت إلى من خبّر رسول الله (ص) أنه أحد سيدي شباب الجنّة بمثل هذا القول (الانتصار،أبو الحسن الخياط ، ص80)

2ـ و عندما رمى ثمامةَ بن أشرس بالمجون (حبه للغلمان) و هو الماجن، وقد عوتب على ذلك مرارا من قبل المعتزلة، فلم يتركه حتى أهلكه الله(نفس المصدر، ص66).و لكنّ ابن حزم ذكر أن ثمامة ين أشرس قد أحبّ غلاما من النصارى و كتب له كتابا يفضل فيه التثليث على التوحيد(طوق الحمامة ،ابن حزم الأندلسي ص338)

3ـ و عندما حاول نُصرة الإلحاد و الطعن في التوحيد ، و وضع كتاب التّاج و فيه احتجّ بقِدم الأجسام (قدم المادّة) و كتاب الزمردة حيث طعن فيه على الرّسل و وضع بابا فيه ترجمة على المحمّدية خاصة.من أحل هذا نفته المعتزلة و طردته من مجالسها.(الانتصار، 116)

4 ـ و يضيف أبو الحسن الخياط أنه في آخر صحبته للمعتزلة ، صحِبه أحداثٌ ، فكلّهم ظهر إلحاده و انكشف كفره ، فكانت المعتزلة أشدّ الناس عليه حتى هجره أكثرها ، فبقي طريدا وحيدا ، فحمله الغيظ إلى أن مال إلى الرافضة فوضع لهم كتاب الإمامة و تقرّب إليهم بالكذب على المعتزلة بوضعه كتاب فضيحة المعتزلة.

فتبعه أبو حيّان ، فقال:

و ابن الراوندي من طاح في أودية الضلالة و استجرّ إلى جهله أصحاب الخلاعة و المجانة (الإمتاع و المؤانسة ، أبو حيان التوحيدي ج2 ص19)

و قال ابن المرتضى المعتزلي:

تمنّى رئاسة المعتزلة فما نالها فارتدّ و ألحد ( باب ذكر المعتزلة ،ص92)

ب ـ ما ذكره الآخرون من غير المعتزلة

و هؤلاء رموه باتهامات ، و عللوا من خلالها سبب خروجه عن المعتزلة، ومن هؤلاء:

ـ أبو الفتح عبد الرحيم العباسي ، ذكر أن أبا العبّاس الطبري قال:

إن ابن الراوندي كان لا يستقرّ على مذهب، و لا يثبت على حال و قد صنّف كتاب البصيرة ردّا على الإسلام لأربعمائة درهم أخذها فيما بلغني من يهود سامراء، فلما قيض المال رام نقضها حتى أعطوه مائة درهم أخرى فأمسك عن النقض (معاهد التنصيص ج6 ص155)

وقد اطّلع إمام الحرمين أبو المعالي الجويني على الكتاب فقال: و قد نبغت شرذمة من اليهود تلقّنوا من ابن الراوندي سؤالا، علمهم: إذا سألكم المسلمون عن النسخ ،قولوا:قال موسى لا نبي بعدي. و استذلوا به الطغام و العوام من أتباعهم. و قالوا: النسخ جائز عند المسلمين، و لكنهم قالوا : بتأبيد ( أبدية) شريعتهم التي تصرم عمر الدنيا فإذا سئلوا الدليل على ذلك ، رجعوا إلى أخبار نبيهم ( نبي المسلمين) إيّاه ( بمعنى عن موسى) بتأييد شريعته (أي شريعة موسى)

(الإرشاد على قواطع الأدلة ص343 ، تحقيق محمد يوسف موسى)

و علل أهل السنة أن ابن الراوندي لم يناصر اليهود إلا لأنّ جدّه (إسحق) كان يهوديا من أهل خراسان: و أنّ المسلمين، قد حذّرهم اليهود من إسلام جدّه قائلين لهم:

لا يفسدنّ عليكم هذا كتابكم كما أفسد علينا أبوه التوراة 33

و لكن خصومه المعتزلة كانوا أكثر اتزانا إذ لم يطعنوا في أصله كما يفعل أهل السنة ، بل قال خصمه اللدود أبو الحسن الخياط

كان عمّه و أخوه معتزليان و ليس يعيب عليهما إلحاده لعنه الله (الانتصار 108)

ـ قال ابن الجوزي :

قيل كان يميل من قبل إلى مذهب الشيعة ، و أنه كان يكثر من مجالسة هشام بن الحكم الرافضي ، فلمّا عاتبه المعتزلة على ذلك قال: إنّما أريد أن أعرف مذاهبهم ثمّ كاشف و ناظر(تلبيس إبليس ص 11 ابن الجوزي) و صنّف لهم كتابه في الإمامة و أخذ منهم ثلاثين دينارا ، و لمّا ظهر منه ما ظهر قامت المعتزلة في أمره و استعانوا بالسلطان على قتله (بباب ذكر المعتزلة ص 92)

ـ و لكن الشريف المرتضى له رأي مخالف لما سلف.قال:

فأما الراوندي فقد قبل عمل الكتب التي شنّع بها عليه (كتاب الإمامة و كتاب فضيحة المعتزلة) معارضة للمعتزلة و تحدّيا لهم لأنّ القوم أساؤوا عشرته ، و استنقصوا معرفته فحمله ذلك على إظهار هذه الكتب ليبيّن عجزهم عن عدم استقصاء نقضها، و تحاملهم عليه في رميه بقصور الفهم و الغفلة( الشافي في الإمامة ،ص13 ، الشريف المرتضى)

و بمثل ما اختُلف في أسباب انشقاقه عن المعتزلة ، اختلف المؤرخون في وفاته كذلك،

فمنهم من قال قتل و صلب. قال ابن تغري بردي

لمّا اشتهر أمره في الزندقة، و لما تزايد أمره صلبه بعض السلاطين و هو ابن ست و ثمانين سنة (النجوم الزاهرةج2 ص185)

و هذه الرواية مستبعدة لقول ابن عقيل:

عجبي كيف لم يقتل، و قد صنّف كتاب الدّافع يدفع به القرآن و الزمردة يزدري بها على النبوات( شذرات الذهب ج2 ص236 ، ابن عماد الحنبلي)

قال ابن الجوزي:

لمّا ذمّ ابن الراوندي أهل زمانه لم يقتلوه رغم ازدرائه للنبوات، و كم قتل لصّ في غير نصاب و لا هتك حرز، و إنّما سلم مدة و عاش لأن الإيمان ما صفا في أكثر قلوب الخلق، بل في القلوب شكوك و شبهات، و إلا فلمّا صدق الإيمان حاول بعض الصحابة قتل أبيه.و قد ذكر أن السلطان قد طلبه هو و أبو عيسى الورّاق ، و لكن ابن الراوندي هرب إلى ابن لاوي اليهودي في الأهواز و وضع له كتاب الدافع في الطعن على محمد (ص) و على القرآن ثم لم يلبث إلاّ أياما يسيرة حتى مرض و مات(المنتظم في التاريخ ج6 ص102)

و أضاف ابن كثير على رواية ابن الجوزي

و يقال أنه أخذ و صلب(البداية والنهاية ج11 ص113)

و أما ابن خلكان فإنه قال أنه توفي برحبة مالك بن طوق التغلبي(رحبة الميادين) و قيل في بغداد(وفيات الأعيان ج1 ص79)

و كان ابن الوردي ، يتمنى أن يكون في زمنه ، ليقتص منه ، و ينتقم لنبيه ، فقال في ذلك شعرا

ألا يا ليتني مكّنت منه فكنت فعلت فيه ما أشاء

فإنّ! أبي و عرضي لعرض محمد منه وقاء

مما تقدم نستطيع الجزم بأنه لم يقتل و إنّما مات،أما مكان وفاته فلا يمكن الجزم به

ابن الراوندي و القدماء

قليلون هم الذين أنصفوا ابن الراوندي، و معظمهم ناله بالشتم و السب و اللعنة

قال ابن خلكان العالم المشهور

كان من فضلاء عصره، له مقالات في علم الكلام و له من الكتب المصنّفة نحو 114 كتابا منها فضيحة المعتزلة، و كتاب التاج ، و كتاب الزمرّدة، و كتاب القضيب، و له مناظرات و محاضرات مع جماعة من علماء الكلام، و قد انفرد بمذاهب نقلها أهل الكلام عنه في كتبهم( وفيات الأعيان ج1 ص79)

و لكن ابن كثير قد لام ابن خلكان للثناء عليه، قال:

و قد ذكره ابن خلكان على عادته، في الوفيات و قلس عليه (أثنى عليه)و لم يجرحه بشيء، و لا كأن الكلب أكل عجينا..(البداية والنهاية ج11 ص79)

و لام ابن خلكان على ترجمته الجيدة لابن الراوندي اليافعي الذي قال:

و المشاهير من أهل الحقّ، ينقلون عنه في كتب الأصول أشياء ينسبونه فيها إلى الزندقة و الإلحاد، فلا اعتبار لمن يمدحه بالفضائل كابن خلكان و غبره46 (مرآة الجنان ، اليافعي،ج2 ص238)

و قد أنصفه ابن حجر العسقلاني (المتوفى852ه/1448) قال عنه

أحمد بن يحيى بن إسحق الراوندي الزنديق المشهور ، كان أولا من متكلمي المعتزلة ثمّ تزندق و اشتهر بالإلحاد. و قيل أنه لا يستقرّ على مذهب و لا يثبت على شيء، و يقال: كان في غاية الذّكاء. و حكى جماعة عنه أنه تاب قبل موته مما كان فيه و أظهر الندم ن و اعترف بأنه صار ما صار إليه حمية و أنفة ثم انسلخ من ذلك كله بأسباب عرضت له، و لأن علمه كان أكثر من عقله (لسان الميزان ،ابن حجر ، ج1 ص323)

قال الإمام جلال الدين السيوطي

قال ابن الجوزي: زنادقة الإسلام ثلاثة ابن الراوندي و أبو حيان التوحيدي و أبو العلاء المعري، و شرّهم على الإسلام التوحيدي.لأنهما صرّحا و هو جمجم و لم يصرح (بغية الوعاة ص349 السيوطي)

يتبع

أبــو قثـــم

الجمعة، 14 أغسطس 2009

قراءة في ابن الراوندي


ابن الراوندي

حياته و عصره

كلّ الروايات المؤرخة لحياة الراوندي تؤكد أنه عاش و مات في القرن الثالث الهجري. و لكن المؤرخين اختلفوا في نسبته.

فمنهم من ينسبه إلى قرية ريوند إحدى قرى قاشان بناحية أصبهان فتكون نسبته ريوندي ، و منهم من ينسبه إلى قرية راوند من قرى مرو في خراسان ، فتكون نسبته آنذاك الراوندي المعروفة و الشائعة عنه (القاموس المحيط ، الفيروز آبادي ، ج1 ص297)

يقال أنّ عائلته يهودية ، هاجرت إلى البصرة ، و سكنت حي الخراسانية ، و قد أسلم جدّه و حسن إسلامه و كان والده و عمّه من المعتزلة . و عندما هاجمه الخياط في كتاب الانتصار قال عنه:

(كان من أصحابنا و لا زال عمّه منّا)

هو يحيى بن إسحق الراوندي المزداد في مدينة البصرة عام 212 ه الموافق ل827 م

اعتمدت الرواية التي جاءت في كتاب النجوم الزاهرة:أنه عاش مدة ست و ثمانين سنة و أنه توفي سنة298 للهجرة الموافق ل 911 ميلادية (النجوم الزاهرة ، ابن تفري بردي ،ج2 ص185).فاستبعدت كلَّ الروايات التي تقول أنه عاش حوالي39 أو45 عاما.و رجّحت أنه عاش عمرا مديدا أتاح له كتابة هذه المؤلفات ذات التأثير الفكري العميق في الفكر الإسلامي

ولد ابن الراوندي في عصر المأمون، في عصر أسست فيه دار الحكمة، و ترجمت فيه علوم الأوائل. و كان الخليفة مثالا للرجل العالم.فكان يأمر كبير قضاته( يحيى بن أكثم )أن يحضر له رجالا يحسنون الفقه و السؤال و ردّ الجواب ، فيدخلون عليه، و هو على فراش الملك جالس ، ثمّ ينزع ثيابه ، و ينزعون قلانسهم و يقول لهم :

إنّما بعثت إليكم معشر القوم للمناظرة(العقد الفريد ، ابن عبد ربه ،ج3 ص 42)، و قد أباح حرية القول، قال الجاحظ:

و ما يمنع الناظر للحقّ من القيام بما يلزمه، و قد أمكن القول ، و صلح الدهر ، و خوى نجم التقية، و هبت ريح العلماء ، و كسد العيّ و الجهل و قامت سوق البيان و العلم (كتاب الحيوان ، الجاحظ ، ج1 ،ص97)

يحكي ابن عوف البصري المتوفى سنة(151 ه / 768 م) أنه في مساجد البصرة كان لعلماء الفقه حلقة واحدة ، على حين كان للقصاص حلقات لا تحصى،حتى كانت المساجد مملوءة بهم(الحضارة الإسلامية في القرن4 الهجري :آدم متز نقلة ، ج2 ص150).و لكن الصورة تغيّرت في القرن الثالث الهجري،فازدحمت حلقات العلم و تراجعت حلقات القصاص

قال الجاحظ

لا تذهب إلى ما تريك العين ، و اذهب إلى ما يريك العقل ، و للأمور حكمان ، حكم ظاهر للحواسّ و حكم باطن للعقول و هو الحجة(كتاب الحيوان ، ج1 ص97)

و في هذا القرن تطوّرت العلوم ، ومنها علم الكلام

و لكن المجتمع رغم تطوّره و ازدهاره اقتصاديا فقد كان ذلك على حساب الريف . كان مُلّاك الأراضي يعيشون بالمدن في ثراء<يأكلون الدّجاج المغذى بالجوز و اللوز و المسقي بالحليب>(ابن قتيبة ،أعلام العرب ، عبد الحميد سند الجندي ، ص74) ، بينما العلماء يعيشون عيشة الكفاف. قال ابن قتيبة: صار العلم عارا على صاحبه ، و الفضل نقصا ، و أموال الملوك وقفا على شهوات النفوس ، و الجاه الذي كان زكاة الشرف يباع بين الخلق(ص 64 ابن قتيبة ، أعلام العرب)

في هذا المجتمع البصري درس ابن الراوندي مبادئ العربية على كبار علماء العصر في اللغة و الفقه و النحو ، فدرس على أبي العباس المبرد (كتاب المقتضب) في النحو ، و هو أكبر مصنّفات المبرد و أنفسها.

يقول ياقوت الحموي

ويزعمون أن سبب عدم انتفاع المبرد بكتابه لأن هذا الكتاب أخذه ابن الراوندي الزنديق عن المبرد ، و تناوله الناس عنه ، فكأنما عاد إليه شؤمه فلا ينتفع منه.

(معجم الأدباء ، ياقوت الحموي ،ج3 ، ص133)

و قد نسب إلى ابن الراوندي كتاب في الردّ على النحويين

قال عنه أبو حيان التوحيدي

سمعت في مجلس أبي سعيد السيرافي في البصرة شيخا من أهل الأدب يقول :

إنّ ابن الراوندي لا يلحن و لا يخطئ لأنه متكلم بارع و جهبذ ناقد، و بحّاث جدل ، و نظار صبور ، و قد استطاع باقتداره على علل النحويين لأنه رآها مفروضة بالتقريب و موضوعة على التمثيل لأنها تابعة للغة جيل من الأجيال و مقترنة بلسان أمة من الأمم ، فلم يكن للعقل مجال إلا بمقدار الطاقة في إيضاح الأمثال.

(البصائر و الذخائر ، أبو حيان التوحيدي تحقيق :إبراهيم الكيلاني)

درس ابن الراوندي الاعتزال على يد أبي الهذيل العلاف و إبراهيم النّظّام ، و لازم هشام بن الحكم و أبا عيسى الورّاق و أبا حفص الحداّد و أبا شاكر الديصاني و غيرهم.

قال عنه أبو القاسم البلخي المتوفى(319 ه/921 م) في كتابه محاسن خراسان:

لم يكن في نظرائه في زمنه أحذق منه بالكلام: و لا أعرف بدقيقه و جليله، و كان في أول أمره حسن السيرة جميل المذهب، كثير الحياء، ثمّ انسلخ من ذلك كله لأسباب عرضت له

(كتاب الفهرست ، ابن النديم ، ص223)

فما هي هذه الأسباب؟
قال ابن المرتضى اليماني(1373 ـ 1436 )

إن سبب كفر ابن الراوندي يعود إلى فاقة لحقته.

(باب ذكر المعتزلة ، توماس أرلوند ص 62)

لم يقبل ابن الراوندي بالحكمة القائلة : إنّ الله تعالى بقدر ما يعطي من الحكمة يمنع من الرزق

لم يقبل ابن الراوندي بهذه الحكمة السخيفة و إن نسبت إلى أفلاطون، فهي تبرير لغنى الغني و فقر الفقير و ليست علاجا

قال أبو حيان التوحيدي:

و قد ابتلي الناس فيها و هي حرمان الفاضل و إدراك الناقص، و لهذا المعنى خلع الراوندي ربقة الدين

(الهوامل و الشوامل ، أبو حيان التوحيدي ،ص 212 ، تحقيق: إبراهيم الكيلاني

و قال شعرا عبّر فيه عن احتجاجه ، قال:

قَسَّمْتّ بيْن الورى معيشَتَهم

قِسْمَةَ سَكــــــرانٍ بَيِّنِ الغلطِ

لو قَسَّـــــمَ الرٍّزْقَ هكذا رجلٌ

قلنا له : قد جُــــننْتَ فاستعطِ

قال ذلك عندما سمع بقصة ابن الجصّاص و المعتضد ، الذي سأله :

أتعـــرف مرارة الخسارة؟

قال ابن الجصّاص: لا.

قال له

تضمَّنْ تمر الكوفة و بعه في البصرة! ففعل.

و شاءت الأقدار أن يسوء موسم الكوفة و ربح الجصّاص المال الوفير ، فقال المعتضد:

سبحان الله ، كلّ إنسان يأكل بعقله إلا الجصّاص يأكل بحظه.قال ابن الراوندي(معاهد التنصيص ، أبو الفتح عبد الرحمن العباسي ، تحقيق : محمد محي الدين عبد الحميد ـ القاهرة 1947):

سبحان من أنزل الأيام منزلــــــها

و صيّر الناس مرفوضا و مرموقا

كم عاقل في الورى أعيت مذاهبـه

و جاهل في الورى تلقاه مرزوقـــا

هذا الذي ترك الأوهام حائــــــــــرة

و صيّر العالــــــــم النحرير زنديقــا

علّق الحافظ عبد الوهاب السبكي على هذا الشعر قائلا

قبّحه الله ما أجرأه على الله(طبقات الشافعية الكبرى ج3 ص97 ، عبد الوهاب السبكي))

عاش ابن الراوندي العالم حياة بؤس و تشرد ، و لكنه رغم فقره كان محبّا للحكمة و الفكاهة مع أنه لم يعرف الفرح أو طعم السرور و قد عبّر عن حالته شعرا

(معاهد التنصيص ج6 ص158)

محن الزمان كثيرة لا تنقضي

و سروره يأتيــــــــك كالأعياد

مــلك الأكارم فاسترقّ رقابهم

و تراه رقّــــا في يـد الأوغــاد

كما أنه عبّر عن سخطه بصوّر كلامية جميلة أشبه بصور كاريكاتورية عصرية

قال ابن كثير

و قد أسندت إليه حكايات من المسخرة و الاستهتار و الكفر و الكبائر، منها ما هو صحيح عنه، ومنها ما هو مفتعل عليه ، ممن هم على شاكلته و طريقته ومسلكه في الكفر و التستّر في المسخرة يخرجونها في قوالب سخرة و قلوبهم مشحونة بالكفر و الزندقة

(البداية و النهاية ، ابن كثير ، ج11 ص 113)

و من هذه الحكايات الساخرة التي تحكى عن الراوندي نذكر

حكاية : ما تجرّأ الله علينا لولاكم

وقف ابن الراوندي يوما عند رجل يبيع الباقلاء (الفول النابت) فنظر إلى رجل غني اشترى الباقلاء ، و أكل لبّها و رمى قِشْرَها ، و مضى من غير حمد و لا شكر. فأتى بعده رجل فقير فالتقط القشور و أكلها حامدا شاكرا لله. فقرب إليه ابن الراوندي و صفعه صفعة محرقة و قال: ما تجرّأ الله علينا معاشر المساكين إلا منك و من أمثالك إذ علم منكم الشكر و أكل القشور

(زهر الربيع ، السيد نعمة الله الشوشتري الجزائري ، ص38)

حكاية : دعوتك بأن تسهّل لي من يحملني فسهلت لي من أحمله

ذكر المسعودي: أنّ الأتراك كانت تؤدي العوام بمدينة السلام بجريها بالخيول في الأسواق، و ما ينال الضعفاء و الصبية من ذلك، فكان أهل بغداد ربما ثاروا ببعضهم فقتلوه عند صدمه لامرأة،أو شيخ كبير أو ضرير.فعزم المعتصم على النقلة منهم إلى موضع ـ سر من رأى ـ

(مروج الذهب ، المسعودي ،ج2 ص272 ، تحقبق محمد محي الدين عبد الحميد).

و فيها قال ابن الراوندي"

أعياني التعب فدعوت الله أن يسهّل لي من يحملني على دابته، و إذا أقبل رجل من جنود السلطان ، و كانت فرسه في ذلك الوقت ولدت فلوا لا يقدر على المشي من الولادة.نادى الجندي ابن الراوندي:

احمل هذا الفلو على رقبتك حتى نصل إلى البلد! فامتنع . فعلاه الرجل التركي بالسوط ، و أقبل عليه بالضرب.

فقال ابن الراوندي مناجيا:

يا رب دعوتك بأن تسهّل لي من يحملني ، فسهّلت لي من أحمله

(زهر الربيع ص 163)

هذا نموذج مما كانت العامة تتندر به من قصص ابن الراوندي و يضحكون منها و لكن ابن الوردي قال

و العجب أن العوامّ يضحكون لأقواله و يغفلون عن كونه سبّ النبي في مصنّفاته في عدّة مواضع

(تتمة المختصر ، ابن الوردي ،ج1 ص248)

في حلقة مقبلة سنرى موقف المعتزلة من الراوندي و موقفه من الاعتزال ،و سنعرّج على تشيّعه لآل البيت دون التعريف بمؤلفاته

أبو قثم