الأربعاء، 10 أبريل 2013

مسرحية محمد ـ فولتير

الشخصيات الدرامية:
محمد Mahomet .
الزبير Zopir: شيخ مكة
عمر Omar: قائد ونائب محمد
زيد Said وزينب Palmyra: عبدان لمحمد
فنار Phanor: من سادات مكة.
المشهد: مكة

الفصل الأول :المشهد الأول
الزبير وفنار

الزبير: أتعتقد أن صاحبك سيحني يوما ركبته لهذا المنافق,  آآركع لأتعبد, أنا الذي قد نفيته من مكة؟ لا! ألا عاقبيني أيتها السماء كما أستحق إن انحنت هذه اليد, خليلة البراءة والحرية, لتتعبد للتمرد العفن أو تتآمر لخداع البشرية

فنار: إن حماسك لنابع عن نبل, وهو يليق بزعيم مجلس بني إسماعيل المقدس, إلا أنه قد يغدو مضرّا بمصلحة القضية التي من المفترض أن يخدمها. إن هيجانك لا يستطيح أن يكبح قوة محمد المتزايدة, وليس من شأنه إلا أن يثير رغبته بالثأر. لقد مر زمنٌ كان بإمكانك فيه أن تجرد سيف الحق لتدافع به عن حقوق مكة, وتمنع نيران الحرب من أن تنتشر في البلاد, كان محمدٌ آنذاك مواطنا شجاعا ولكنه كان يحب الشقاق, إلا أنه الآن فاتحٌ وملك. إن مدعي النبوة المكي قد أعلن نفسه نبيا مقدسا تنحني أمامه الأمم وتتعلم تعظيم الجرائم التي نمقتها. إننا لنجد حتى هنا عصابةً من المتحمسين ممن قد أطلق العنان لنفسه, إنهم مشرّبون بالحماسة الهائجة, وهم يساندون تهيئاته المفرطة بالعاطفة وقصصه التي لا أساس لها ومعجزاته الخيالية. إن هذه الأفعال تنشر التمرد بين الغوغاء, وتحشد قواته, وتنشر الإيمان بوحي الله, مما يجعله عصيا على الغير. ان محبي هذا البلد يعتقدون ما تعتقده, الا ان واسعي الحكمة لا يُتبعون احيانا فالحماسة الزائفة والخوف وحب التجديد تثير الجماهير وها ان نصف مدينتنا  قد هُجر. ان مكة تدعوك يا والدها باعلى صوت وتنشد السلام. 

الزبير: أسلامٌ مع خائن؟ يا لجبن هذه الامة, ما عساك ان تتوقع من طاغية غير الاستعباد ؟ إذهبوا, احنوا ركبكم وخروا  سجدا لصنمٍ سوف تسحقكم يداه المضطهِدتان . أما بالنسبة لي, فسوف أمقت الخائن, إن جرح هذا القلب أعمق من أن يقبل منه الغفران , إن القاتل الهمجي قد سلبني زوجة ووَلدان, كما أن بغضه لي ليس أقل من بغضي له, فقد اقتحمت معسكر الجبان ولاحقته حتى خيمته وذحبت ابنه. إن نار الحقد متقدة في ما بيننا , ولا يمكن للزمان أن يطفئها. 

فنار: آمل ألا تنطفيء, ولكن, بالرغم من ذلك, ألا يجدر بك أن تخبيء جذوة النار وتضحي بما تشعر به من الحزن لمصلحة عامة الناس؟ ماذا إن خَرّب المدينة؟ أيثأر ذلك الأمر لك؟ أيخدم قضيتك؟ إنك سوف تخسر كل شيء, الابن والأخ والابنة والزوجة, إن مكة وحدها باقية لك تعزيك فلا تفقد هذا الأمر ولا تدمر بلدك

الزبير: إن فقدان المُلك لا يكون خلفه إلا الجبن.

فنار: كما أن ذلك يكون بسبب المقاومة العنيدة.

الزبير: إذا فلنهلك إن كان هذا مصيرنا.

فنار: أن تتصرف كما لو أنك في الميناء تتحدى العاصفة امرٌ خاطيء ورعونة. لقد رأيت كيف أن السماء الطيبة قد أشارت عليك بالوسائل التي  تجعل من هذا الجبار شخصا لين العريكة. إن زينب الحسناء , أسيرتك الجميلة  التي قد تربت في معسكر هذا المخرب المحتل, قد أرسلتها السماء الرحيمة, رسولة السلام, ملاكك الحارس, لتطفيء جذوة محمدٍ. لقد وصل أمرها إلى مسامع محمد وها هو يطالب بها.

الزبير: أتريد مني أن أتخلى عن جائزة بمثل هذا الحسن لهذا المتوحش؟ ما هذا؟ أبينما ينشر الطاغية الدمار حوله ويهلك البشر يتم التضحية بذات الحسن والجمال لرشوة مجنون هائج؟  عندها سأحسده على هذه الحسناء الحلوة أكثر من حسدي إياه على كل مجده. على أن هذا ليس لأنني أشعر بوخزات الشوق الجامح, أو أنني أنغمس, وأنا في أواخر أيامي وعلى كبر سني, في هواها بلا حياء, ولكن, سواء أكانت مثيلاتها قد وُلدن للإمتاع , أو ليثرن في أنفسنا مشاعر الشفقة الرقيقة, أو ربما  آمال أب لا ذرية له ويأمل في أن يجد فيها ابنة بديلة, لا أعرفها إلا ما أرى منها في هذه الجارية التعيسة , إلا أنني لا أزال قلقا حتى وإن كان ذلك  بدافع من ضعفٍ فيّ أو بسبب نداءٍ العقل المجلجل. أنا لا أستطيع أن أتحمل رؤيتها في يد محمد, أفتراني أستطيع أن أخضعها لرغباتي, وأن أصيغ إرادتها فأجعلها تكره الطاغية كما أكرهه؟ لقد أرسلت إليها لتأتي فتحدثني هنا تحت هذه السقيفة المقدسة- أنظر! ها قد أتت تعلو وجنتاها حمرة التواضع  وبياض محياها يحكي نقاء قلبها. 

الفصل الأول, المشهد الثاني:
الزبير وزينب وفنار

الزبير:تحياتي أيتها العذراء الحلوة! لقد جعلتك صدفة وقوع حربٍ قاسية أسيرة للزبير, إلا أنك لست بين جماعة من الهمج, إن جميع من معي يقدرون سجايا زينب, ويحزنون لمصيرها, كما أن الشباب والبراءة والجمال يشفعون لك, وسوف لن تخيبي في نيل أي شيء تطلبينه ما دام في استطاعة الزبير أن يحقق لك مطلبه. إن حياتي في أواخرها, فأن كان لأواخر ساعاتي حياتي أن تحقق لزينب سعادتها فإني سأقدر هذه الساعات أكبر تقديرٍ, فهي ستكون أسعد ما قد عرفت منها. 

زينب: إنني لم أكد أن أشعر طوال الشهرين الذان قضيتهما ها هنا, يا سيدي, سجينةً,  بأنني تحت نير العبودية. إن يدك الكريمة لا تزال ممدودة لتداوي الجراح, فلقد مسحت دموع الحزن من عينيّ, وهوّنت علي شدة ما لقيت من مصيري. سامحني إن استغليت طيبتك فتجرأت على طلب المزيد, ووضعت كل رجائي في مسقبلٍ زيد فيك وحدك. سامحني إن أرفقت إلى جانب طلبِ محمدٍ طلبي, وتضرعت لك أن تمنحني هذه الحرية التي كان قد طلبها. ألا فاستمع له ودعني أقول أنني بعد السماء وبعدهُ أدين بأكثر الفضل للزبير الكريم. 

الزبير: أللقمعِ, إذا, هذه المحاسن الفاتنة التي تجعلك تتوسلين لكي تكوني أمةً لمحمد, فلا تسمعين إلا ضجيج التحام الجيوش, و تعيشين معه في البوادي والكهوف, وترتحلين في أرجاء دياره دائمة التغيّر؟

زينب: إن بيتنا هو أينما يحل صفاء البال وراحته, وهنالك يكون موطننا. لقد شكّل محمدٌ لي نفسي, فله أدين بالتعاليم التي صاغت أولى سنواتي. ففي سلام وغبطة,  تعلمت من  شريكاته السعيدات في السرير, اللاتي, وهن لازلت محبوبات  ولا يزال يحبهن, يرفعن أيديهن إلى السماء بالدعاء لأجل سلامته الغالية! فلم تلوث التعاسة يوما مقام نعمتي حتى حلت ساعة مصيبتي الحزينة, عندما جائتنا على حين غرة حرب ماحقة جعلت من زينب أسيرة. اشفق يا سيدي على ذات قلبٍ ملئه الحزن, تتنهد حزنا على أشياء بعيدة بعيدة عنها.

الزبير: أفهم من هذا, يا سيدتي, أنك تترقبين وقوعك بين يدي الطاغية وتأملين أن تشاركيه عرشه.

زينب: إنني أوقره يا سيدي. إن نفسي المرتعشة تنظر إلى محمدٍ برهبة مقدسة كالتي تجدر بإله, إلا أن هذا القلب لم يتعلق يوما بأمل كاذب يجعله يصدق بأنه سيجد زينب جديرة بأن تُزف له. كلا, إن مقاما كهذا لن يليق بحالي المتواضع. 

الزبير: إنني أؤمن بأنه لم يولد ليكون زوجك أيا ما كُنتِ, لا بل أنه لا يليق له أن يكون ربّك. وأخطيء إن لم أقل أنك تنبعين من جنسٍ قد صممته السماء لوضح حدٍ لهذا الأعرابي المتباهي, ولكي يبين الحدود لمن يدعي جلالة المُلك.  

زينب: عجبا! لا أعرف بم عساي أن أفاخر, أبمحتدي أم بثروتي؟  فقد عدمت الوالدين والأصحاب والوطن منذ سنواتِ رضاعتي, مقدرةً علي العبودية. وها نحن ذا مستسلمون لمصيرينا التعس, غريبون عن الكل خلا الله الذي نعبده, نعيش قانعين في فقرٍ وتواضع. 

الزبير: أتكونون قنوعين؟ أو أنكم غرباء بلا أب وبلا سكن؟ إنني شيخٌ  أبتر  مسكينٌ وحيد. كان بإمكانك أن تكوني سلوة حياتي. لقد خخفتْ من بؤسي وجعلتْني أعدل عن جميع أخطائي رغبتي في تخطيط مستقبلٍ زيد لأجلك. إلا أنك تبغضين بلدي وشرائعي.

زينب: إنني لا أملك نفسي فكيف أكون مملوكتك؟ إنني أعطف عليك لشدة مصائبك وأباركك على حسن معاملتك لزينب, إلا أن محمدا كان بمثابة أبٍ لي.

الزبير: أبٌ! ياللآلهة العادلة! أهذا المدعي الخسيس!

زينب: أيستحق هذا الاسمَ النبيُ الكريمُ رسولُ السماء الأعظم الذي أُرسل ليبلّغ إرادتها السامية؟

الزبير: أناسٌ فانون مضللون ! ما أعمى بصيرتك حتى تتبعين متكبرا مجنونا, هذا اللص السعيد الذي لعدالتي أعفي عنه وارتقى إلى العرش بعد أن كان على منصة الإعدام!

زينب: مولاي, لقد اهتز بدني لسماع  لعناتك. وبالرغم من أنني مقيدة بحبك لعطاياك بالاحترام وبأواصر الامتنان,  إلا أن هذا التطاول على حاميّ العطوف يقطع الآصرة ويملأ قلبي بالرعب. آه يا خرافة, كيف تسلب قوتك الوحشية حالا أطيب القلوب وأحنها من إنسانيتها!

الزبير: عجبا يا زينب! إنني أعطف على ضعفك رغما عن نفسي وأحزن لمصيرك.

زينب: إذا فأنت لن تمنحني......

الزبير: لا أستطيع أن اُخضعك لمن خدع قلبك الساذج, لطاغية وضيع. كلا, إنك كنزٌ أثمن من أن يتم تقاسمه, فيُصبح هذا المنافق أعلى ذكرا من ذي قبل. 

المشهد الثالث
الزبير, وزينب, وفنار

الزبير: ما خطبك يا فنار؟

فنار: لقد حظر عمر الشجاع للتو إلى حقل معاذ الخصب.

الزبير: فعلا! إنه عمر الباطش الحقود, صاحب الطاغية, المنتسب الجديد إلى ديانته, والذي لطالما عارضه, إلا أنه اشترك في حربه معنا بالرغم من ذلك.

فنار: ربما لايزال في وسعه أن يخدم وطنه, فقد تقدم بالفعل  بشروط الصلح. إن كبار قومنا قد تفاوضوا معه, وهو يطلب رهينة, وقد سمعت بأنهم قد قدموا له زيدا ذي الشرف.

زينب: زيد! رحماك أيتها السماء!

فنار: أنظر يا سيدي! ها قد أتى.

الزبير: ها إنه عمر! لا تراجع الآن فلا بد أن نستمع لما يقوله. بإمكانك أن تغادرينا يا زينب -  يا آلهة آبائي, يا من حميت بني إسماعيل طوال ثلاثة آلاف سنة مضت, وأنت يا شمس, بكل هذه الأنوار المقدسة التي تشع حولنا, اشهدي لصدقي, وساعديني وسانديني في الصراع المجيد مع الظلم والكِبَر!

المشهد الرابع
الزبير وعمر وفنار وجماعة من المرافقين

الزبير: وأخيرا, يعود عمر, على ما يبدو, بعد غياب ثلاث سنوات ليزور هذا البلد الحبيب الذي لطالما دافعت عنه يمينه والذي يخونه قلبه الصادق اليوم. يا نابذا آلهتنا, يا تاركا شرائعنا, كيف تجرؤ  على الاقتراب هكذا من هذه الأسوار المقدسة لكي تؤذي وتضطهد. يا عبدا لنهّاب, ما مهمتك؟ ولم جئت إلى هنا؟ 

عمر: لكي ما يسامحك, يمد نبينا الكريم, بواسطة منّي, يده شفقة بك لكبر سنك ولما عُرف عنك من الشجاعة ولما حل  بك من مصائب. إن عمر قد حضر لينقل لك شروط الصلح هذه.

الزبير: ألمتمردٍ حالمٍ أن يعرض الصلح؟ هذا الذي كان عليه أن يلتمس العفو؟ رحماك أيتها الآلهة! أتأذن له أن يجردك من سلطتك  وتسمح له بأن يحكم الجنس البشري؟ ألا تخجل من خدمة خائن كتابعٍ وضيع؟ ألم تر كيف أنه كان مواطنا وحيدا مسكينا متواضعا, يعد بين أوضع الرعاع؟ فما أقل شأنه إذا في الثراء وفي المجد!

عمر: إن الأنفس الوضيعة كنفسك تدعي القدرة على تقييم الرجال هكذا بقياس قيمتهم بمقياس الثراء. أيها الكائن المملوء كبرا, ألا تعرف أن الدودة المسكينة التي تزحف على سطح الأرض والنسر الملكي الذي يرتقي إلى السماء كلاهما متساويان في عين خالقهما الحي البصير, وأنهما يُستصغران فلا يساويا شيئا؟ إن الرجال سواسية كلهم فبالفضائل وحدها يبين التمايز لا بالمحتد. إن هنالك أرواحا سامية  تكتسب الاحترام والشرف بأنفسها ولا ترثه عن أسلافها., وهذه هذه بالذات, يا سيدي, هي عناية السماء, ومن أطيعه ومن يستحق وحده أن يكون سيدا من بينها. لسوف تركع البشرية بأسرها يوما عند  قدمي الفاتح, ولسوف تتنبع الأجيال اللاحقة مثالي.

الزبير: إني أعرفك جيدا يا عمر فيدك اللعوب عبثا ترسم هذه الصورة الخيالية. إن بإمكانك أن تخدع جمهور الناس, ولكن اعلم أن بإمكان الزبير أن يستصغر ما تجلّه مكة. كن صريحا إذا, وبعين محايدة, انظر بعين العقلٍ إلى محمد, اعتبره إنسانا فانيا وخذ جيدا بنظر الاعتبار الأسس التي على شأن المدّعي الوضيع بالاستناد عليها, راعي الجمال هذا, عبدٌ فقيرٌ حقير, خدع أولا امرأة مؤمنة ساذجة, وهو الآن يجذب الضعفاء والسذج  من العوام يسانده حلمٌ  باطل. لقد عاقبت المتمرد بلينٍ بحكمي بنفيه, وها إن وقاحته تعود مضاعفة لتعاقبني على سهوي. لقد هرب برفقة فاطمة من كهفٍ إلى كهف, وتعرض إلى التقييد بالسلاسل وإلى الاحتقار والطرد, وخلال ذلك  انتشر الهيجان الذي ادعى أن مصدره إلهي كسم زعاف بين جمع الناس. لقد أصيبت المدينة بالعدوى. آنذاك, إصغائا لصوت العقل, كان من الممكن لعمر أن يوقف الموجة العاصفة , فقد كان, إذاك, يمتلك من الشجاعة والفضيلة ما يمكّنه من مهاجمة المتغلّب الفخور, رغم أنه اليوم يركع له كعبد. إن كان سيدك الفخور نبيا حقا, كيف تجرأت على معاقبته؟ ولمَ تجرؤ على خدمته إن كان مدعيا؟

عُمر: عاقبته لأنني لم أعرفه. إلا أن غشاوة الجهل قد أزيحت الآن, إنني أراه كما هو, وأعتبره شخصا قد ولد ليغير العالم المأخوذ على حين غرة وليحكم الجنس البشري. عندما رأيته يعلو مكانة بأبهة رهيبة, صلبا, لبقا, معجبا به ومحبوبا من قبل الجميع, ورأيته يتكلم ويتصرف ويعاقب ويعفو كإله, أعرته يدي المتواضعة والتحقت بالفاتح, وكانت المحاريب والعروش مكافأتنا كما تعرف. كنت ذات يوم أعمى مثلك, إلا أن عيناي, بفضل السماء, مفتوحتان الآن. لعل عيناك يا زبير تنفتحا كذلك! دعني اتضرع لك: تغيَّر كما قد تغيّرتُ, كف عن التباهي بغيرتك وعن الكراهية الدفينة, ولا تتطاول على إلهنا بل خرّ خاضعا عند قدمي البطل الذي قد آذيته, قبّل اليد التي تحمل صاعقة الغضب لئلا تُرسَل عليك. إن عُمَرَ اليومَ الثانيْ بين البشر, إلا أن هنالك مرتبة شرفٍ قد تبقّت لأجلك, إن كنت حصيفا فتخضع وتتخذ لنفسك ربّا. لقد علمت ما كنا عليه الأمس وما نحن عليه اليوم. إن جمهور العوام ضعيف وضال على الدوام, وهو مخلوقٌ لحاجتنا, ولم يولد إلا لخدمة العظماء, ولكي يعظّمنا ويؤمن بنا ويطيعنا. إذا فاحكم إلى جانبنا, واشترك في محفل العظمة, لا تجرؤ بعدُ على مسايرة العوام بل اجعلهم يرتجفون من الآن فصاعدا.

الزبير: بل ارتجف أنت ومحمد بمكيدتك الكريهة. أتظن أن كبير مكة الأمين سيهوي عند قدمي مدعٍ ويتوّج متمردا؟ أنا لست جاهلا بقيمته الزائفة, فشجاعته وسيرته تنال حمدي, ولو كان خلوقا لأحببته كما تحبه أنت, إلا أنني أكره الطاغية وهو على حاله هذه. لذلك لا تكلمني عن رحمته الخادعة وعن عفوه وطيبته, فكل غرضه القسوة والثأر.  لقد قتلتُ ابنه العزيز بيدي هذه, ونفيته, فكراهيتي لا تلين, وكذلك حقد محمد. أن دخل مكة ثانية سيكون عليه أن يشق طريقه عبر دم الزبير, لأنه ملطخ بسمعة الجريمة لدرجة لا يمكن ليد العدالة أن تسامحه بعدها أبدا. 

عمر: لكي أبين لك رحمة محمد, وأن بمقدرته أن يسامح رغم عدم مقدرتك على ذلك. ها أنا ذا أعرض عليك ثلث جميع غنائمنا التي حصلنا عليها من الملوك التابعين, ضع شروطك, وعين أسباب الصلح, ووحدد شروطك الخاصة بزينب الحسناء, وخذ حقوقك من الثروة وكن سعيدا. 

الزبير: أتظن أن الزبير سيبيع شرفه ووطنه لأي غرض, أو أنه سيقرن اسمه بسوء السمعة لأجل الثراء, مكافأةَ الخطيئةِ القذرةِ, أو أن زينب ستتخذ يوما طاغيةً ربّا؟ إنها أكثر خُلقا من أن أن تكون يوما أمةً لمحمد, وسوف لن أجبرها على السقوط ضحية لمدّعين سفلة, يطيحون بالشرائع ويعرضون سلامة الجنس البشري وخُلُقه للخطر.

عمر: إنك تكلم عمر بشدة لا تلين وكأنه مجرم تقاضيه, وأنا أطلب منك من الآن فصاعدا أن تتصرف بشكلٍ أفضل, وأن تعاملني كصديقٍ ورسولٍ لمحمدٍ الفاتحِ الملكِ. 

الزبير: ملكٌ! من ملّكهُ ومن توجه؟ 

عمر: النصر! فاحترم سؤدده وارتجف لهيبة سلطانه. في خضم فتوحاته يعرض البطلُ الصلح, وسيوفنا لا تزال مجردة, فويلٌ لهذه المدينة المتمردة إن لم تخضع. فكر بأي الدماء ستسيل, إنها دماء نصف قومك. اعلم يا زبير أن محمدا ها هنا وهو الى الأن يطلب التحدث إليك.

الزبير:ماذا! محمد!

عمر: نعم, إنه يلتمس رؤيتك.

الزبير: لو كنت الحاكم المتسلط الوحيد ها هنا لأجبته سريعا..... بالعقاب. 

عمر: إنني أشفق عليك يا زبير لخُلُقك المتكلّف, ولكن فلنذهب إلى مجلس الشيوخ ما دام المجلس يدعي بجرأة تقاسم الإمبراطورية معك. سيقابلك عمرُ هناك.

الزبير: سأتبعك وسنرى آنذاك من سيقدر على عرض قضيته بشكل أفضل. سأدافع عن آلهتي ووطني وشرائعي وسيخفت صوتك الفاجر المدافع عن معبودك الحقود, إلهك المضطهد ونبيه الكذاب.(ملتفتا إلى فنار) أسرع يا فنار واردع الخائن معي, فمن يعفو عن وغدٍ يكون وغدا مثله. تعال يا صاحبي ولنتوحد لنسحق كبريائه, ولنطح بأهدافه الخبيثة ,ولنحطمه أو نهلك دون ذلك. إن أصغت مكة لمشورة الزبير سأحرر بلدي من سلطة طاغية متكبّر وأنقذ الجنس البشري. 

نهاية الفصل الأول


الصفحة الرئيسية في النسخة الأصلية من المسرحية

الفصل الثاني, المشهد الأول
زيد وزينب

زينب: مرحبا بزيد, أحقا أراك سليما ها هنا ثانية؟ أي إله صالحٍ قد قادك؟ وأخيرا سيكون لأحزان زينب نهاية وننال الفرصة لأن نكون سعيدين.

زيد: يا أحلى الحلوات, يا بلسما لكل جرح, يا مصدرا عزيزا لآلامي ودموعي,  وا حزني مذ ذلك اليوم الدموي الذي اختطفك الهمجي العنيف المملوء بشهوة الفتوحات من بين يداي, عندما اضطجعتُ منهكا على الأرض وسط كومة من جثث أصحابي القتلى,  واستدعيت الموت عبثا ليضع نهاية لوجودي المقيت. ما أكثر ما عانيت لأجل عزيزتي زينب! وكم لعنت الساعات الثقيلة التي لطالما كبحت رغبتي في الانتقام ونفسي المنهيّة التي تتوق عطشى إلى ساحات الوغى المخضبة بالدماء لكي ما أتمكن بيداي هاتين من أن أدمر محل العبودية هذا  الذي لطالما ناحت فيه زينب في ظل أسرٍ محزن. ولكن حمدا للسماء! فنبينا الكريم, الذي تتسامى أغراضه التي في قلبه عن أن تفطن إليها حكمة البشر,  قد أرسل  خادمه المفضل عمر إلى هنا فخففت لملاقاته, لقد طلبوا رهينة فمنحت كلمتي  فقبلوها, وأنا ثابت على قراري بأن أحيى أو أن أموت لأجلك. 

زينب: إن اللحظة ذاتها التي أتيت فيها لتهديء من روعي وتخلصني من الياس, كنت أتضرع فيها للمغتصب المتكبر. أتعلم؟ لقد صرخت قائلة أن الغرض الوحيد الذي أعطيه قيمة قد خلفته ورائي فأعيدوه إلي. ثم أني تشبثت بركبتي الطاغية وهويت عند قدميه وغسلتهما بدموعي, إلا أن كل هذا كان عبثا. كم هز رفضه الخشن  كياني! لقد غارت عيناي فوقفت بلا حراك كمن سُلبت منه حياته. لم يكن هنالك خلاص في الأفق ولم يتبق شعاع أمل حتى أتى زيد ليروح عن قلبي المتعب وليعزيني. 

زيد: من بإمكانه أن يشهد أحزان زينب من غير أن يهتز؟

زينب: الزبير القاسي الذي لم يبد غير مبالٍ بمصائبي, إلا أنه برغم هذا أخبرني في النهاية أن علي أن لا آمل مطلقا بأن أغادر هذه الأسوار فلا أحد بإمكانه انتزاعي منه. 

زيد: إن هذا كذب, فمحمدٌ, سيدي ومليكي, ومعه المظفر عٌمر, وسامحيني إن أضفت بفخر إلى هذين الصديقين النبيلين اسم زيد, سيعملان على عتقك, فجففي دموعك وافرحي يا زينب, فإله محمد حامينا العظيم, الإله الذي حملت رايته المقدسة والذي دمر أسوار المدينة المزهوة, سيطرح مكة عند أقدامنا. إن عمر ها هنا  والشعب المبتهج ينظر بعين اليه بعين صديق, لقد أتى نيابة عن محمد وهو يحمل نوايا نبيلة.

زينب: ربما بإمكان محمدٍ أن يحررنا حقا, فيوحد بين قلبين لطالما كانا مخلصين لقضيته. إلا أنه , ويا للأسف, بعيد عنا ونحن أسرى منبوذون. 

الفصل الثاني, المشهد الثاني
زينب وزيد وعُمر

عُمر: لا تيأسي فلعل السماء تكافئك, لأن محمدا والحرية سواء.

زيد: هل أتى إذا؟

زينب: وَلِيّنا وأبونا؟

عمر: لقد التقيت بأعضاء المجلس وخاطبتهم, يملأني الإلهام المحمدي, قائلا: " داخل هذه الأسوار, حتى هنا, صدحت مناديا باسم نبينا الكريم, من فضّلته السماء, أول من نُفخت فيه الروح, العظيم, الفاتح الجبار, عون الملوك, وها أنتم لا تسمحون له إلا بمرتبة صديق ومواطن؟ إنه لم يأت ليخرّب أو ليستعبد, بل ليحميكم ويعلمكم ويخلّصكم, ليثبت سلطته ويسود على القلوب الخاشعة." لقد  تكلمت فتبسم الحكماء الشيب استحسانا, ومالوا بأجمعهم إلى التودد لنا, إلا أن الزبير, مقيما على التشبث برأيه وعلى صلابته, أعلن أن من الواجب مناداة الشعب للتجمع والإدلاء برأيهم الجماعي. التقى الشعب وتكلمت ثانية وخاطبت المواطنين, وشددت عليهم وهددتهم ومارست أنواع الفنون  لأكسب مودتهم, فنجحت في آخر الأمر. إن الأبواب مشرعة لمحمد العظيم, الذي يعود بعد خمسة عشر عاما من النفي القاسي ليبارك ثانية أرض أجداده, يرافقه زير النساء عليٌ وعرفجة الشجاع وآمنٌ  الذي لا يقهر, يتبعهم صفٌ طويل من خاصة الأتباع. احتشد الشعب حولنا, وكان بعضهم يحمل نظرة كراهية, وبعضهم ابتسامات مودة. بارك بعضهم البطل, ولعن البعض الطاغية. هدد بعضهم وجدّف, بينما هوى الآخرون تحت قدميه واحتضنوه وصلوا عليه. خلال كل هذا كانت أسماء الله والسلام والحرية تصدح من أفواه الحشد المؤمن, بينما كان حزب الزبير المحتضر يخور مطلقا تهديداته الفارغة بالانتقام المزعوم. وسط صيحاتهم, ثابت الجنان هادئا, مشى محمدٌ شبيه الإله بزهو الانتصار, يحمل غصن زيتون في يده. لقد تم إعلان حالة السلام بالفعل,وانظرا! ها قد أتى الفاتح. 


الفصل الثاني, المشهد الثالث
محمد, عمر, عرفجة, زيد, زينب, وجماعة من المرافقين

محمد: يا أصدقائي ورفاقي في التحرير, يا علي الشجاع ويا مُراد ويا آمن ويا عرفجة, اشرعوا بعملكم العظيم, وعلموا الناس باسمي, قودوهم إلى سبل الحق, عدوهم وأوعدوهم, لا تدعوا إلها يُعبد غير إلهي, واجعلوا من لا يُحبه يخشاه.- يا زيد أأنت هنا؟ 

زيد: يا أبي الذي أجله دائما, ويا مليكي. تقودني القدرة الإلهية التي قادتك إلى أسوار مكة. لقد جئت قبل أن تأمرني مستعدا لان أحيى أو أن أموت لأجلك. 

محمد: كان عليك انتظار أوامري, فمن يتجاوز خطوط واجبه لا يعرف واجبه. إنني خليفة السماء وأنت مُلكي فتعلم مني أن تخدم وتطيع. 

زينب: أعذر, يا مولاي, شابا على تهوره, فمصائرنا وأفكارنا هي نفسها لأننا تربينا سوية منذ الصغر. عجبا! لقد كانت حياتي مليئة بالأحزان ولطالما كابدت مشقة الأسر بعيدةً عن أصحابي وعن زيد وعنك, وها أن قسوتك تطيح بآمالي الجميلة وتُظلم الدنيا بأسرها في عيني بعد أن بدأت أرى شعاع عزاءٍ يسطع علي.

محمد: مه يا زينب. أنا أعرف فضائلك فلا يقلقنّك شيء, فبرغم جميع همومي ومجدي وإمبراطوريتي وثقل الحرب, .......ك ولا تزال زينب تعيش في قلبي وتشارك البشرية فيه. سوف يلتحق زيد بفيالقنا, أما أنت يا جاريتنا الرقيقة, فبإمكانك أن تعبدي ربك بسلام, فلا تخشي من أحد إلا الزبير. 

الفصل الثاني, المشهد الرابع
محمد وعمر

محمد: تريث يا عمر الشجاع, ففي قلبك المؤمن سأستودع أسرار نفسي. إن التقدم المتعثر نحو نجاح حصارٍ مشكوكٍ في فعاليته بإمكانه أن يوقف زحفنا السريع.  علينا ألا نسمح لهؤلاء الفانين الضعفاء المظللين  باستغلال فسحة كبيرة من الوقت تكفيهم لتصيّد إنجازاتنا. فالكبرياء تتحكم بالعاميّ تحكّم طاغية. إنك تعلم بأن هنالك حكايةً نشرتها فصدقوها, حكايةً تقول بأن هنالك إمبراطورية كونية تنتظر النبي الذي سييقود عصائب جيشه الفاتح إلى أسوار مكة ويجلب لها السلام, فقدري إذا أن أحدد مواطن عيوب الجنس البشري فأستغلها, ولكن, وبينما أحاول قدر استطاعتي أن أطمئن هذا الشعب المتذبذب, ما رأيك بزيد وزينب؟ 

عمر: أرى فيهما الخير كله, فمن بين القلة المخلصة من الأتباع الذين ليس لهم إله غير إلهك ولا عقيدة غير عقيدتك, والذين يحبونك كأبٍ لهم وصديقٍ ومُحسن, لا أحد يطيعك أو يخدمك بروحٍ أكثر تواضعا من روحيهما أو خاطر أطيب. إنهما الأكثر إخلاصا.

محمد: إنك مخدوع ياعمر. إنهما أسوأ خصومي, فهما يحبان بعضهما. 

عمر: أو تلومهما على رقتهما؟

محمد: سأخبرك يا صاحبي بجميع ما فيّ من نقاط الضعف.

عمر: وكيف يكون ذلك يا سيدي!

محمد: إنك تعرف الشغف الذي يتحكّم بنفسي, فبينما ينوء محمدٌ بثقل الطموح لنيل المفاخر وبهموم الإمبراطورية, غدت حياته المجهدة صراعا مع طبيعة مضادة قهرتها بالزهد وإنكار الذات. لقد صرفت عن نفسي هذا السم الزعاف الذي يسلب البشرية شجاعتها, والذي..... على إيصالهم إلى حالة الجنون,....على الرمال الساخنة... أواجه الأنواء القاسية, وأتحمل المواسم المتقلبة. الحب سلوتي الوحيدة وغرضي الوحيد من كل عنائي. إنه الوثن الذي أعبده, إله محمد وخصم طموحي اللدود. إعلم أنه من بين جميع الملِكات من نسائي تجلس زينب متوجة سيدة قلبي الوحيدة. تصور إذا أي نوبات غيرة مؤلمة يشعر بها صاحبك عندما تعبّر عن غرامها القاتل بزيد.  

عمر: ولكنك قد أخذت بثأرك

محمد: أحكم بنفسك إن لم آخذ بثأري منهما قريبا. وحتى تكره خصومتي بشكل أكبر, سأخبرك عن حقيقة زيد وزينب- إنهما ولدا أكثر من اُبغض وغريمي اللدود.

عمر: ماذا؟ أتعني الزبير؟

محمد: إنه والدهما, لقد مضت خمسة عشر عاما منذ أن ولاني عرفجة الشجاع مسؤلية سنوات رضاعتهما. إنهما لا يعرفان بعد ما هما أو من هما, فلقد ربيتهما سوية وأوقدت فيهما هذا العشق الفاجر, وصببت الزيت على نار الخطيئة. يخال لي كما لو أن يد السماء  قد قصدت وضعهما في بؤرة كل جريمة. إلا أن عَلَيَّ....- ها! إن أباهما أتٍ نحونا وعيونه تقطر مرارة وسخطا علي - عليك الآن أن تكون يقضا يا عمر, على عرفجة أن يحرص على السيطرة على هذا الممر المهم ثم يعود ليخبرني آلمُجدي إعلان الحرب عليه أم الانسحاب بعيدا. 

الفصل الثاني, المشهد الخامس
الزبير ومحمد

الزبير: يا له من مصير مشؤوم! يا زبيرا التعس, أهكذا تضطرني لمقابلة أسوأ خصومي, خصم البشرية بأسرها!

محمد: بما أن مشيئة السماء كانت أن يتوحد محمد والزبير بعد فرقة, اقترب من غير أن تشوبك حمرة الغضب وأخبرني بقصتك بلا وجل. 

الزبير: إن الحمرة تشوبني غضبا منك أنت وحدك, يا من جرت ألاعيبك المدمرة بلدك إلى حافة الوبار, يا من تشن  في حضن سلام عادل حربا  أهلية, وتقطع عرى الصداقة الوثقى فتقضي على سعادتنا. إنك لا تنوي من خلف ستارٍ من البنود التي عرضتها إلا أن تخون بينما تتقدمك الخصومة بخلسة. يا تركيبة خسيسة من النفاق والكبر  يا طاغية بغيضا! أهكذا يمنح خلفاء السماء بركاتها المقدسة ويدعون إلى إلههم؟

محمد: لو لم تكن الزبير لجاوبتك كما تستحق بصاعقة هي صوت الكائن الذي أهين باستصغارك شأنه. مسلحا بالقرآن الكريم كنت سأعلمك كيف ترتجف وتطيع بصمتٍ وضعة وأن تركع أمامي كبقية العالم الخاضع. إلا أنني ساكلمك من غير  مواراة كما يكلم الرجل الرجل, والصديق الصديق. إن لدي طموحا يا زبير, وأي امرء ليس لديه ما لدي؟ إلا أنه لم يحدث أن وضع مواطن أو زعيم أو كاهن أو ملك خطة نبيلة كالتي وضعها محمد, لقد أظهرت كل أمة بدورها تفوقها في الفعال وفي عدة الجيوش. إن جزيرة العرب اليوم تخطو خطوتها إلى الإمام, فهذا الشعب الكريم, الذي لطالما كان مغمورا ومستصغرا, قد رآى أمجادها تخفو  شرفها يضيع. ولكن ها أن الساعة التي سيكون لها فيها أن تنهض متوجهة تحو النصر والشهرة قد حانت. إن الأرض خاوية على عروشها من الطرف إلى الطرف, ها إن الهند مستعبدة وفارس الجريحة تنوح على أبنائها القتلى بينما تعلق مصر الرأس المقطوع. فرّت الأبهة من أسوار القسطنطينية و الإمبراطورية الرومانية التي مزقتها الخلافات تنظر إلى مواطنيها وهم ينبثون في كل صوبٍ بذلة. دعنا ننهض بجزيرة العرب على أنقاض البشرية. إن الكون الأعمى المضطرب يطلب عبادة جديدة وإلها جديدا, فلكريت إلهها مينوس ولمصر أوزوريس. لآسيا منح زرادشت شرائعه وكان نوما جليلا في روما. لطالما نشر الحكماء حكمهم التي لا جدوى منها بين أمم متوحشة, حيث لم يحكم يوما ملك, ولا ألانت الأخلاق عريكة ولا عُلمت ديانة. تحت نيرٍ أكثر نبلا أنوي أن أقيد العالَم الراكع, وأغير قوانينه المتساهلة, وألغي عبادته الباطلة, وأهوي بآلهته التي لا حول لها, وأسس بإيماني الأنقى إمبراطورية كونية. لا تقل يا زبير  أن محمدا قد خان وطنه, لا, إنني لا أنوي إلا أن أهدم أسسه الضعيفة وأوحده بإلغاء الوثنية تحت حكم ملكٍ واحد ونبي واحد وإله واحد. إنني سأخضعه, ولكن لا لشيء إلا لأجعله مجيدا. 

الزبير: أيكون هذا غرضك إذا, ثم تجرؤ هكذا على إعلانه ؟ ألا تستطيع أن تغير ألباب الرجال وتجعلها تفكر بطريقة تفكيرك؟ أتكون الحرب وسفك الدماء بشائر الحكمة والسلام؟ ألمخربٍ أن يعلم البشرية؟ أيجب عليك, إن اننا ضللنا طويلا في عتمة الجهل والخطأ, أن تنيرنا بمشعلك المرعب؟ ما حقك في تأسيس إمبراطورية؟

محمد: هو ذلك الحق الذي تدعي الأنفس الراسخة في الطهر امتلاكه على عقول العوام.

الزبير: بهذا, كما يبدو, يكون لكل مدعي جرئ أن يصوغ قيودا جديدة ليخدع العالم, إن كان له أن يفعل هذا بنفخة خيلاء. 

محمد: أعرف قومك جيدا, وأعلم أنهم يريدون قائدا. إن ديانتي, سواء كانت حقة أو باطلة, ضرورية لهم. ما الذي فعلته جميع آلهتك وجميع أصنامك؟ وأي غارٍ ينمو تحت مذابحها؟  إن مذهبك المنحط المذل يخفظ مكانة الإنسان ويثبط روحه الطلقة ويجعله ثقيلا باردا لئيما. بينما يرتفع مذهبي به ويمنحه قوة وشجاعة. إن شريعتي تصنع أبطالا.

الزبير: أفضل أن أدعوهم لصوصا. إذهب من هنا ولا تأت بمحاضراتك الحقودة إلى هذا الموضع. إذهب إلى مدرسة الطغاة, فاخر بحيلك التي انطلت على "المدينة" الضالة التي تنفرد فيها بالحكم, حيث ينحني المتعصبون العميان لسلطانك, فتنظر إلى نظرائك يخرون سجدا عند قدميك. 

محمد: نظرائي! ليس لمحمد نظير, فلقد سبقتهم منذ زمان بعيد. إن المدينة لي وحدي ومكة ترتجف أمامي فإن كنت تريد سلامتك يا عزيزي فاقبل بشروط السلام التي أمنحها.

الزبير: إنك تتكلم عن السلام إلا أنه ليس ما تضمره في قلبك. ليس أنا من يمكن خداعُه.

محمد: سوف لن أتمكن من كسبك بخدعة مكشوفة أو بأمر صارم.  سأجبرك على الخضوع  غدا, أما اليوم فقد كان بالإمكان أن أكون صديقك. 

الزبير: أيكون لنا أن نصبح أصدقاء؟ أيمكن لمحمد والزبير أن يتوحدا يوما؟ قل لي, أي إله سيدبر معجزة كهذه؟

محمد: سأخبرك بواحد. إنه إله قدير, إله يُصغى إليه دائما. إنه يتحدث إليك من خلالي.

الزبير: من هو؟ قل لي ما اسمه؟

محمد: المصلحة, مصلحتك العزيزة.

الزبير: سرعان ما تنطبق السماء على الأرض إذا! ربما كانت المصلحة إله محمد إلا إن إلهتي هي العدالة, فأي شي له أن يجمعهما ببعض؟ أين هو الرباط الذي بإمكانه أن يلحم صداقتنا؟ أهو ابنك الذي قتلتُه أم دم آل الزبير الحي الذي سفكتَه؟ 

محمد: إنه دمك وهو ابنك.- إن علي اليوم أن أكشف لك سرا لا يعلمه أحد غيري. إنك تندب ولداك الموتى وهما بعد حيان.

الزبير: ما الذي تقوله؟ حيان؟ يا للنعمة التي لم اتوقعها؟ ولداي حيين؟

محمد: نعم, وكلاهما أسيرٌ عندي.

الزبير: ولداي عبدان عندك؟ مستحيل!

محمد: إن غنيمتي  تغذيهما

الزبير: أوتصفح عن ولدٍ للزبير؟

محمد: إنني لن أعاقبهما على أخطاء أبيهما.

الزبير: إذا فاخبرني وقل لي, لم هما محتجزان؟

محمد: إن حياتهما وموتهما يعتمدان على قرار مني, تكلم كلمة تجد نفسك مالكا لمصيرهما.

الزبير: حدد الثمن وستناله. أعَلَيَّ أن أبذل دمي, أَم عَليَّ أن أحمل أغلالهما عنهما, فأكون عبدا لمحمد؟

محمد: إنني لأ أطلب منك أيا من هذا, لا أريد منك إلا أن تساعدني في إخضاع العالم. سلم لي مكة وتخل عن معبدك, أطلب من الشعب المذهول أن يقرأ قرآني الكريم, كن ملكا تابعا لي, وخر ساجدا أمامي, عندها سأعيد لك ابنك, وربما أكافئك بعد ذلك بأسباب الشرف وأعقد مع الزبير صلات أوثق.

الزبير: يا محمد, إنك ترى فيّ أبا رقيقا. أن أرى أولادي وأن أموت في أحضانهم, بعد خمس عشرة سنة من الغيبة القاسية,أفضل وأحسن نعمة يمكن أن تتمناها نفسي, ولكن إن كان علي أن أخون وطني أو أن أضحي بأولادي فاعلم أيها الطاغية الفخور أن القرار قد اتُخذ فعلا –أراك بخير.

محمد: يا لك من خرف عنيد! ولكنني من الآن فصاعدا سأكون أكثر صلابة وقسوة  حتى منك.

الفصل الثاني, المشهد السادس
محمد وعمر

عمر: عليك بالحزم وإلا ضاع كل شئ. لقد جئتك توا بمشاوراتهم التي يسرونها. الصلح سينقضي غدا يا محمد, وسيستأنف الزبير ممارسة سلطته. حياتك في خطر فنصف مجلس الشيوخ قد تعاضدوا ضدك, ومن كان لا يجرؤ على القتال قد يستأجر مغتالا سريا ليقضي عليك. وربما غطى على جريمته بستار تحقيق العدالة, فيدعو جريمة القتل عقابا شرعيا.

محمد: سيجربوا نقمتي أولا, فلطالما كان القمع عونا لي كما تعلم. على الزبير أن يموت

عمر: نِعمَ القرار, فمصيره سيعلم الآخرين الانصياع. عجّل بذلك.

محمد: إلا أن علي, بالرغم من حنقي, أن أتستر على اليد القاتلة التي ستسدد الضربة, وأن أتجنب عين الشك الحذرة, وألا أثير الغوغاء.

عمر: إنهم لا يساوون اهتمامك.

محمد: إلا أن من الواجب إرضائهم بالرغم من ذلك. إنني أريد يدا تسدد الضربة بشجاعة.

عمر: زيد هو الرجل الملائم. سأستدعيه.

محمد: زيد؟

عمر: نعم, فهو خير الوسائل واكثرها ملائمة لتحقيق غرضنا. فلكونه رهينة عند الزبير, ربما يكون بإمكانه أن يجد فرصة ليتحدث معه, ثم أنه سرعان ما ينتقم لسيده. إن الآخرين ممن تفضلهم أكثر حكمة مما ينبغي, وهم أكثر تعقلا من أن يتم توضيفهم للقيام بهذ المغامرة الخطرة, فكبر السن ينزع عن أعين البشر عصابة السذاجة. إلا أن القلب الغر الساذج, العبد الخانع لآراءه الحمقاء, والخالي من الخداع, سيفعل ما نوجهه إلى فعله. إن فترة الشباب هي الفترة الملائمة لخلق التهيؤات, وزيد كما تعلم مؤمن بالخرافات وشجاع وعنيف, إلا أنه سهل الانقياد. كأسد مروض خاضعٍ لصوت صاحبه.

محمد: ماذا؟ أأخا زينب تعني؟

عمر: نعم, زيد, الابن شديد البأس لخصمك المتكبر. إنه الغريم الذي ينافس, بغَرامِهِ بأخته, محمدا العظيم, خصم مالكه.

محمد: إنني أمقته يا عمر, بل أكره سماع اسمه. إن ابني القتيل يستصرخني لكي أنتقم له منه, إلا أنك تعرف من كرست لها حبي وما من إين قد نبتت. كما أنك تعرف بأن الضغوط تحاصرني من جميع الجهات, فعلي أن أسعى لأمتلاك مذابح القرابين وأن أنال الضحايا وعرشا. وعلي أنا أسفك دم الزبير ودم زيد أيضا. علي أن آخذ بنظر الاعتبار مصلحتي وانتقامي وشرفي وحبي, هذا الحب القاتل الذي, بالرغم من انزعاجي منه, يقيد هذا القلب بأغلال مشينة. وعلي أن آخذ بنظر الاعتبار ديانتي التي هي دافعي الأقوى, والحاجة, التي تغطي بردائها على كل جريمة....-فلنغادر.

نهاية الفصل الثاني


الممثل الفرنسي ليكاين (1728-1778) في دور محمد

الفصل الثالث, المشهد الأول
زيد وزينب

زينب: أي زيد, لا تتركني في ترقب مرير, ما هي هذه التضحية السرية؟ وأي دم طلبته السماء؟

زيد: إن صاحب السلطان الأبدي قد قرر قبول خدمتي فاستدعاني لتنفيذ غرضه الإلهي. إن قلبي مخلص له ولأجله سترتفع هذه اليد انتقاما. إنني  مكرس لخدمة عمر ومحمد, وقد أقسمت على الهلاك في سبيل قضية السماء المجيدة. أما اهتمامي التالي, وهو الأعز عندي, هو اهتمامي بزينب.

زينب: لم لم أكن شاهدة على يمينك؟ لو كنت معك لكنت أقل فجعة. إلا أن الشكوك تخامرني, فعمر يتحدث عن خيانة وعن دم سيسيل قريبا. إن نيران الحرب قد أوقدت ثانية وجرّت السيوف والسماء وحدها تعلم متى تعود إلى أغمادها. كذلك يقول نبينا الذي ليس باستطاعته أن يكذب وليس بإمكانه أن يخدهنا. آه كم أخاف على زيد, وما خوفي إلا من الزبير.

زيد: أيمكن أن يكون له قلبٌ بهذه الخسة الغدر؟ فقد حسبته, بالرغم من ذلك, هذا الصباح عندما مثلت أمامه باعتباري رهينة, نبيلا, كريما, وإنسانيا. لقد عملت قوى خفية سرا فأكسبته إياي, ولا أعلم إن كان ذلك بسبب الاحترام الذي يليق باسمه, أم لهيكله الخارجي الزائف الذي يخفي سواد قلبه, أم لأن وجودك قد ملأ روحي المبتهجة  بالفرحة التي طردت كل شعور مرير فلم تسمح لي بالتفكير في شيء سواك. لقد شعرت, مهما كان السبب, بأنني في منتهى السعادة وأنا بقربه. أن يغوي هكذا قلبي البسيط أمرٌ يجعلني أبغضه أكثر. ولكن, بالرغم من ذلك, ما أصعب النظر إلى من نتمنى أن نحبهم بأعين الكراهية. 

زينب: أقسم بكل رباط وحدتنا به السماء, وواحد هما زيد وزينب, أنني, لو لم أكن مخلصة لك وللإيمان الذي يلهمه محمد, لتشفعت لصالح قضية الزبير, إلا أن الدين والحب والطبيعة يأبون ذلك.

زيد: لا تحاولي بعد هذا الشعور بندم لا طائل منه, بل أصغي إلى صوت السماء, فالله الذي نعمل لأجله ستجدينه صالحا وسيبارك نبينا الكريم الذي يحمي أولاده حبنا المخلص. شخصك العزيز أخاطر بكل شيء. وداعا. 

الفصل الثالث, المشهد الثاني
زينب بمفردها

زينب: إن طالعا أسودا يتنبأ بمستقبل من التعاسة لا يزال يلاحقني. ذلك الحب الذي خلق سعادتي, إن هذا اليوم الذي لطالما تمنيته هو يوم رعبٍ. ما هو هذا القسم المرعب, العهد الموقر الذي يتحدث عنه زيد؟ عندما أفكر بالزبير تعتريني ألف من المخاوف.  كلما أتشفع بمحمد العظيم أشعر برعب خفي وأرتجف كلما أتعبد. ألا فاحميني أيتها السماء! إنني أطيع وأنا خائفة وأتبع كعمياء. ألا فوجهي خطاي في طريق الصواب ودبري لي كفكفة دموعي. 

الفصل الثالث, المشهد الثالث
محمد وزينب

زينب: لقد استجابت السماء الطيبة لدعواتي, ها قد أتى, ها قدى أتى النبي. يا محمدا الكريم, إن زيدا الحبيب قد......

محمد: ما به؟ تبدين مضطربة, ما الذي تخشاه زينب وأنا برفقتها!

زينب: أليس من حقي ذلك عندما يبدو كما لو أن محمدا نفسه قد انتابه الحزن؟

محمد: لعل ذلك كان لأجلك. أتجرؤين, أيتها الجارية الساذجة على إشهار غرام لم أوافق عليه. هل أضحى القلب الذي شكلته أنا متمردا على سيده, وخائنا لشرائعي؟ ياللجحود!

زينب: يا مولاي, أنظر إلي وأنا مرتمية عند قدميك واعطف علي. ألم تتبسم يوما في وجهنا بطيبة ومنحت مباركة رسمية لحبنا المتنامي؟ إنك تعلم أن العشق الطاهر الذي يوحدنا ما هو إلا قيد يربطنا بك بشكلٍ أكبر.

محمد: إن الروابط التي تحيكها الحماقة والسذاجةُ خطرةٌ, فالذنب يتبع عن كثب أحيانا خُطا البراءة. إن قلوبنا تخدعنا, والحب, بكل ما يختزنه من مُتع عزيزة, قد يكلفنا الدموع, و يغرز نصله في الدماء.

زينب: ما كنت لأتمتم متذمرة لو أنها سالت لأجل زيد.  

محمد: أأنت متعلقه به لهذه الدرجة؟

زينب: منذ ذلك اليوم الذي احتجزنا عرفجة الطيب سوية تحت جناح سلطانك الكريم, لا تزال الغريزة الجامحة تنمو معنا سنة بعد سنة, موحدة إيانا بصداقة رقيقة. لقد كان التدبير السماوي خلف كل خطوة نخطوها, وهو الذي يتحكم بمصائر البشر, كذلك تتعلمنا عقائدك. ليس لله أن يتغير ولا للسماء الرحيمة أن تعترض على الحب التي ألهمته هي نفسها, فما كان صوابا يوما سيكون كذلك دوما, أفبعد هذا تلوم زينب؟

محمد: بل أستطيع, وعلي فعل ذلك. بل أنك سترتعدين أكثر من ذلك عندما أكشف لك السر المفزع. انتبهي أيتها العذراء المتسرعة, ودعيني أعلّم نفسك ما عليها أن تتجنبه وما عليها أن تتّبعه. أصغي إلى أنا وحدي.

زينب: إن زينب, أمة محمد المطيعة, ستصغي دوما إليك وحدك. ليس لهذا القلب أن يفقد تكريمه لاسمك الأقدس.

محمد: إن المبالغة في هذا التكريم قد يقود إلى جحودٍ قذر. 

زينب: فليعاقبني زيد إن نسيت طيبتك!

محمد: زيد!

زينب: لم يا سيدي هذه العبسة القاسية وهذا المحيا الصارم؟

محمد: لا تفزعي, فأنا لم اقصد إلا استكشاف أسرار قلبك, وتجريبك لأعرف إن كنت مستحقة لأن تُخَلَّصي, فكوني واثقة واطمأني لحمايتي. إن مصيرك سيعتمد على طاعتي, فإن كنت تتوقعين أن تباركك يداي عليك أن تتأكدي من أن تستحقي ذلك, ومهما قررت إرادة السماء في ما يخص زيدا, عليك أن تكوني مشيرته وأن تقوديه في سبل الواجب والدين. دعيه يحفظ وعده فيكون كفؤا بزينب. 

زينب: إنه سيحفظه يا سيدي فلا تشك فيه, وأنا سأجيب عن قلبه كما أجيب عن قلبي. إن زيدا يهيم في حبك, هو يعبد محمدا أكثر من حبه لزينب. إنك بالنسبة له كل شيء, صاحبه وأبوه ومليكه. سأذهب إليه على جناح السرعة وأحثه على أداء واجبه. 

الفصل الثالث, المشهد الرابع
محمد بمفرده

محمد: حسنٌ. عَلَيّ, بالرغم من نفسي, أن أكون مستودع أسرار. الفتاة الساذجة قد خانت لهيب ولائها المذنب وطعنت ببراءة قلبي بخنجرها. أيها الجنس التعس! يا أبت ويا أولادي ويا جميع خصومي, إن من المقدر لكم كلكم أن تجعلوني محطم المشاعر! إلا  أنكم ستتثبتون عاجلا أن كراهيتي مريعة... وكذلك حبي. 

الفصل الثالث, المشهد الخامس
محمد وعمر

عمر: لقد حانت الساعة, بعد طول انتظار, للاستيلاء على زينب وفتح مكة ومعاقبة الزبير. إن من شأن موته فقط أن سند قضيتنا المتهاوية ويُذل هذا الشعب الفخور. زيد الشجاع خير من يثأر لك, فلديه القدرة على الدخول بحرية إلى الزبير من خلال ممرٍ ضيقٍ على مبعدة يقول إلى مسكنه, حيث الزعماء المتمردون والنذور الباطلة والبخور المحترق تزلفا يُسكبُ أمام معبوداته الوهمية. هناك, سيضحي زيد بالخائن لإله محمد تملؤه روح الشريعة الإلهية التي ألهمتها أنت له.

محمد: سيفعل ذلك, فهذا الشاب قد ولد للقيام بأشد الجرائم السوداء حلكة. سيكون أولا عبدي الخدوم وأداتي, ومن ثم ضحية ثورة غضبي. يجب أن يكون ذلك, فسلامتي والثار وكبريائي وحبي وعقيدتي المقدسة والقرارات القطعية بشأن المصائر, كلها تتطلب مني أن يتم ذلك. ولكن, أتظن يا عمر أن لديه كل الحميّة التي يوقدها التعصب الديني الأعمى؟ 

عمر: أنا أعرف أن لديه ذلك, وأنه يخدم قضيتنا بشكل ملائم, وسوف تحثه زينب بدورها. إن الدين والحب والكبرياء سيعملون على سلب شبابه العنيد بصيرته, ويسرعون به إلى الهبال. 

محمد: هل استوثقت منه بعهد؟

عمر: نعم, في ظل كل ما في الطقوس الليلية والعهود ومذابح القرابين من أبهة كئيبة قمنا بتكريس روحه المؤمنة بالخرافات, ووضعنا في يده السيف المقدس, وأشعلنا فيه هيجان الحماسة المضطرمة... ألا فانظر إليه. 

الفصل الثالث, المشهد السادس
محمد وعمر وزيد

محمد: يا ابن السماء, يا من تقرر أن تنفذ  من قبله أحكام إله تم التطاول عليه. إستمع الآن إلى مشيئته القدسية أنقلها لك بنفسي. عليك أن تثأر له انتصارا لقضيته.

زيد: يا من تنحني له نفسي المخلصة تكريما متواضعا. يا ملكا ونبيا, يا حاكما على الأمم الراكعة اعترف به صوت السماء...أنني ملكٌ لك بكل كياني. هلا أضأت لي عقلي المظلم. ألا قل كيف يُمكن لرجل ضعيف أن يثأر لإلهه. 

محمد: إنه كثيرا ما يستعمل أيادٍ ضعيفة كيداك ليعاقب بها الوقحين من البشر الفانين, فيؤكد سلطته الإلهية.

زيد: أهكذا قرر من تنعكس صورته المُثلى في وجه محمد أن يشرّف زيدا؟

محمد: إفعل ما يامرك به, فتنفيذ قراره العظيم بلا نقاش أكبر شرف يمكن أن يفتخر به إنسان. كن ممتنا للاختيار وسدد اللكمة, فملاك الخراب سيساندك وإله الجنود سيحميك.

زيد: هلا تكلمت؟ أي طاغية عليّ أن أقتله؟ وأي دمٍ علي أن أسفكه؟

محمد: دم القاتل الذي يمقته محمد, الذي يضطهد ملتنا ويرفض إلهنا باحتقار والذي ذبح ابني, إنه الزبير القاسي أشد خصومي.

زيد: ها! أعلى الزبير أن يهوي قتيلا؟

محمد: أينتابك التردد في ذلك؟ يالوقاحة الشباب! ليس من الأدب الالتزام بالجدال. ألا فليكن كل من يحاسب بجرأة بعيدا عن محمد, فألئك الذين يتنمطقون قليلا ما يكونون مستعدين للإيمان. حسبك أن تطيع. ألم أقل لك ما استقرت عليه إرادة السماء؟ إن كان قد تقرر أن تصبح مكة, بالرغم من جرائمها ووثنيتها الوضيعة, المعبد الموعود, ومقر الإمبراطورية المختار, حيث سأنصب ملكا وحاجبا, أتعلم أن إبراهيم الكريم قد ولد هنا, وأن رفاته الكريمة تستقر هنا؟ هذا الذي خنق صيحات الطبيعة, طاعة لأمر الله, فتخلى عن ابنه الحبيب. إن نفس الكائن القدير يرغب منك بتقديم قربان. إنه يطلب دما. أفتتجرأ, بعد ذلك, على التردد بعد أن يأمرك الله؟ إذا, أيها الوثني الدنيء, ايها المسلم الذي لا تستحق لقبك, انصرف واطلب سيدا آخر. إذهب واعشق زينب, بالرغم من أنك تحتقرها وتتحدى نقمة السماء الغاضبة, انصرف وانس مولاك واعمل على خدمة ألد خصومه.

زيد: إن ما يقوله محمد هو صوت الله... مرني وسأطيع

محمد: إذا فاضرب, ونل بدم الزبير جزائك حياة أبدية...-يا عمر, رافقه وراقبه جيدا. 

الفصل الثالث, المشهد السابع
زيد بمفرده

زيد: يا له من شيخ مسكين ضعيف لا يقدر على الدفاع عن نقسه!...-لا يهم ذلك, فكم من ضحايا قد هووا صرعى على المذابح بلا منقذ مثله! إلا أن دمائهم, رغم ذلك, تصعد إلى السماء في جداول ملؤها الامتنان. إن الله قد اجتباني. لقد أقسم زيد وسيبر زيد بقسمه المقدس...-ألا أعينيني الآن أيتها الأرواح اللامعة, يا من دمرت طغاة الأرض. ألا اجمعي ثورتك بثورتي, ألا قودي هذه اليد المرتعشة. وأنت أيها الملاك المُفني, يا من تدافع عن قضية محمد, ألهم هذا القلب كل ما فيك من الشدة! ...-ها! ما الذي أراه؟ 

الفصل الثالث, المشهد الثامن
الزبير وزيد

الزبير: إنك تبدو مضطربا يا زيد. أيها الشاب التعس! لم انضممت إلى صفوف خصومي؟ إن قلبي يشعر بآلامك ويرتجف لهول مخاطرتك. أهوال فوق أهوال تحتشد من كل صوب. إن بإمكان بيتي أن يكون ملجا من العاصفة, فاقبل به, واعلم أنك مرحبٌ بك, فحياتك عزيزة على الزبير. 

زيد: رحماك أيتها السماء! أتحميني هكذا؟ أيحرس الزبير خصمه؟ ما الذي أسمعه! يا للواجب ويا للضمير ويا للخُلُقِ! يا محمدُ, إن هذا الأمر يحز في قلبي. 

الزبير: ربما تفاجات بقدرتي على العطف على عدوٍ, وعلى تمني الخير لزيد. إنني إنسانٌ مثلك, وهذه الرابطة وحدها تتطلب, على الأقل, انحدار دمعة تعاطفٍ مع  برئٍ أصابته نائبة.  رحماك أيتها الآلهة, أزيلي عن هذه الأرض هؤلاء البشر الوضيعين والمتوحشين, الذين يسفكون بفرح دماء أمثالهم من المخلوقات.

زيد: ياللمشاعر السامية! أفيمكن أن يوجد في كافرٍ خلقٌ كهذا؟

الزبير: إنك لا تعرف عن هذا الخُلق إلا القليل, فلا يجدر بك أن تقف في موقفك هذا واعضاً به! أيها الشاب الضال, في أي متاهة من الأخطاء ضعت! إنك تحسب, مقيدا بشرائع وحشية  لطاغية, أن الخٌلٌق لا يكون إلا عند المسلم. إن سيدك يتحكم بك بقبضة من حديد, ويقيد روحك الحرة بقيودٍ مخزية. عجبا! فالزبير الذي تكرهه لا تعرفه. إنني أسامحك لأنك عبد محمد, ولكن كيف تؤمن بإله يعلم الكراهية ويستمتع بالخصومة؟

زيد: لا, أنا لا أستطيع إن أطيعه البتة. إنني أعلم وأشعر بأنني غير قادرٍ على أن أكرهك أيها الزبير.

الزبير: عجبا! كلما تكلمت معه, كلما استحوذ علي, فملامحه النبيهة, وشبابه, ونقاءه, كلها تتآمر لتسحرني. كيف لتابع لهذا المدعي الوضيع أن يكسب هكذا قلبي! من ولدتك؟ ومن أنت؟

زيد: إنني امرء يتيم تعس. كل ما أمتلكه من الدنيا سيدٌ حنون لم اعص له امرا حتى هذا اليوم. إلا أن حبي لك قد يغويني لخيانته.

الزبير: إذا فأنت لا تعرف من هما والداك؟ 

زيد: كانت مضاربه أول شئ رأته عيناي ومعبده موطني. إنني لا أعرف أحدا غيره, ومن بين جموع من يقدمون جزية سنوية لنبينا الكريم, لم يُعامل يوما أحدٌ برقة أكثر مما عومل زيد.

الزبير: إنني أحب امتنانه. إن ردك الطيب للجميل الذي تلقيته يستوجب مدحي...- آه, لم وضفت السماء يد محمد للقيام بهذه المهمة؟ فلقد كان أباك وأبا زينب أيضا.لم تتنهد؟ ولم ترتعش هكذا؟ لم تشيح بوجهك عني؟ لابد أن فكرة رهيبة قد تدور في ذهنك.

زيد: لا بد يكون ذلك صحيحا, فهذه الأوقات حافلة بأسباب الرهبة.

الزبير: إن كنت تشعر بالندم فقلبك برئٌ. إن جريمة القتل تنتظر خارجا, فدعني أحفظ حياتك. 

زيد: رحماك أيتها السماء! أفيمكن أن أفكر بسلبك حياتك؟ يا زينب! يا عهدا قطعته! يا إله الانتقام!

الزبير: أذكرك للمرة الأخيرة بأنني توسلت إليك أن تتبعني, فمصيرك يعتمد على هذه اللحظة. 

الفصل الثالث, المشهد التاسع
الزبير وزيد وعمر

عمر (يدخل مسرعا) : أيها الخائن, إن محمدا ينتظرك.

زيد: أواه, فأنا لا أعرف أين أنا ولا من أنا, الدمار والخراب واليأس محيطون بي ينظرونني, متسائلين عن الجهة التي سينطلق إليها زيد البائس.

عمر: إلى من اختاره الله, مليكك الجريح ومالكك.

زيد: نعم, وهناك سأنكث بالوعد الرهيب الذي أعطيته.

الفصل الثالث, المشهد العاشر
الزبير بمفرده

الزبير: لقد ذهب الشاب اليائس.- لا أعرف لم, ولكن قلبي ينبض تعاطفا مع محنته. إن سيماه وعطفه وندمه وجميع أفعاله تؤثر في بعمقٍ. علي أن أتبعه. 

الفصل الثالث , المشهد الحادي عشر
الزبير وفنار

فنار: لقد  سُلِّمت هذه الرسالة إلى يدي سرا على يد اعرابي يا مولاي. 

الزبير: إنها من عرفجة! ياللآلهة, ما الذي أقرأه؟ هل ستعوضني السماء بحنان ورقة عن حياة من الأحزان بعد طول انتظار؟ عرفجة يتوسل إلي أن أراه – إنه هو الذي اختطف من هذا الحضن المحب ولداي قليلا الحيلة. إنهما لا يزالان على قيد الحياة مستعبدان عند الطاغية, هذا ما تخبرني به هذه الورقة.- زيد وزينب كلاهما يتيمٌ, ولا يعرفان نسبهما, فلعلهما يكونان ولداي- أيها اللأمل المخادع, لم تداهني؟ لا يُمكن أن يكون ذلك, أكون سعيدا بتصديقك أيها المخادع معسول اللسان. سأنطلق على جناح السرعة لألتقي بولديّ وأحتضنهما. نعم, سأقابل عرفجة. عند انتصاف الليل دعوه يدخل علي في هذا المذبح المقدس, حيث كثيرا ما توجهت إلى الآلهة بالصلاة فلربما تقبل نذوري أخيرا. يا أيتها القوى الخالدة, أعيدي لي ولداي, أرجعي إلى سبيل الفضيلة قلبين كريمين أفسدهما متغلّب فاسق خسيس! إن لم يكن زيد وزينب من صلبي وكان هذا مصيري القاسي فسأتبنى الثنائي النبيل وأكون أباهما بالرغم من ذلك. 

نهاية الفصل الثالث


مثل فولتير دور الزبير ولي كاين دور محمد

الفصل الرابع المشهد الأول
محمد وعمر

عمر: مولاي, لقد ذاع سرنا, فقد أفشاه زيد لعرفجة. نحن على حافة الهاوية, إلا أنني أعلم أنه سيطيع.

محمد:أتقول أنه أفشاه؟

عمر: نعم, فعرفجة يحبه حبا جما.

محمد: بالفعل! فما قال له؟

عمر:  لقد وقف مذهولا, وبدا حزينا على الزبير.

محمد: إنه ضعيف القلب, ولذلك لا يمكن الوثوق به, فلطالما كان الحمقة خونة. ولكن لا بأس بذلك, فليصغ, فلربما توجد وسيلة تخلصنا من مثل هذا الشاهد الخطير.  أخبرني يا عمر,  أتمت تلبية أوامري؟

عمر: لقد تم ذلك يا مولاي.

محمد: جيد. تذكر يا عمر أنه خلال ساعة مهمة سيختفي أحد الإثنين محمدٌ أو الزبير. فإن مات الزبير, سيعبد الشعب الساذج الله الذي أوحى لي بذلك, وخلّص نبيه. فلتكن هذه أولى مهامنا العظمى, وما إن تتم حتى نتخلص من زيد. أمتيقن أنت من أن السم سيقوم بغرضه؟

عمر: لا تقلق يا مولاي.

محمد: علينا أن نعمل سرا, وعلى ظلال الموت الداكنة أن تخفي غرضنا.  فبينما نسفك دم الزبير العجوز, عليك أن تتأكد من بقاء زينب على جهلها المطبق, عليها ألا تعرف سر محتدها, فغبطتها وغبطتي يعتمدان على ذلك. أنت تعلم جيدا أن انتصاراتي تخرج بلا انقطاع من نبع الخطأ الدافق, فصلات الدم, وكل ما تتفاخر به من قوة ليست إلا أوهاما. ما هي أواصر الطبيعة؟ ما هي إلا عادة,  وقوة التقليد المحضة. إن زينب لا تعرف لها واجبا غير طاعتها لي, فأنا سيدها ومليكها وأبوها, ولعل بإمكاني إضافة إلى ذلك اسم الزوج. سينبض قلبها الصغير بطموح وفخر ليأسر سيدها. إلا أن الساعة التي فيها أتخلص من غريمي الزبير البغيض قد أزفت. وأنظر, ها قد أتى. فلننسحب.

عمر: أنظر إلى تصرفه الأهوج, لقد استحوذ على روحه الغضب والامتعاض الشديد.

الفصل الرابع: المشهد الثاني
محمد وعمر وقد انسحبا إلى أحد جانبي المنصّة وزيد في الجانب المقابل.

زيد:إذا فمن الواجب القيام بهذه المهمة الفضيعة.

محمد (لعمر): فلنبدأ بالبحث عن وسائل أخرى لتأمين استحواذنا على السلطة. (يخرج هو وعمر)

زيد (وحيدا): لم أقد على الرد, فكلمة توبيخ واحدة تصدر عن محمد تكفي.لقد وقفت مشدوها ولكن غير مقتنع. إن كان هذا ما تريده السماء مني سأطيع, إلا أن هذا سيكلفني غاليا.  

الفصل الرابع: المشهد الثالث
زيد وزينب.

زيد: زينب أأنت هنا؟ أي علة قادتك إلى مشهد الرعب هذا؟

زينب: لقد قادتني الخشية والحب إليك يا زيد, لأسألك عن التضحية الرهيبة التي تنوي تقديمها ها هنا. أتطلب منك السماء ومحمد هذا؟ أيجب أن يتم ذلك؟ تكلم!

زيد: يا زينب, أنت تسيطرين على كل أفكاري وعلى جميع أفعالي, فكلها منوطة بك. تحكمي بها كما تشائين, تملكي نفسي وقودي يدي. كوني إلهي الحارس, فسّري لي إرادة السماء التي لا أعرفها إلى اليوم, لم اصطفيتُ لأكون أداة انتقامها؟ أقطعيةٌ أوامر النبي المريعة؟

زينب:  يا زيد, علينا أن نخضع بصمتٍ وألا نشك بقراراته, فهو يسمع التنهدات التي نطلقها سرا, ولا تخفى معانتنا عن عيني محمد البصيرة. الشك بالرب جهالة, فلا إله إلا إلهه, وإلا لما استطاع أن يكون مضفرا هكذا لا يُهزم.

زيد: إله زينب لا يكون إلا إلهي, إلا أن نفسي المذهولة لا تقدر أن تتصور أن شخصا حنونا رحيما وطيبا يأمر بجريمة قتل. إلا أنني أعود لأفكر في أن الشك ذنب. إن الكاهن الذي لا يشعر بالذنب يدمر الضحية. أخبرني صوت السماء أن الزبير محكومٌ عليه, وأعلم أن  من المقدر لزيد أن ينفذ الحكم الإلهي. قد أمرني بذلك محمد وأنا أطيعه. أنا ذاهب لأقتل عدو الله مدفوعا بحماسة مقدسة, ولكنني بالرغم من ذلك أشعر كما لو أن يد إله آخر تشد ذراعي لأتأخر وتأمرني بأن أصفح عن الضحية. لقد فقد الدين سلطته عندما رأيت الزبير البائس. لقد ألح علي نداء الواجب عبثا لأبت في قضيته القاسية, حاثا إياي على ارتكاب جريمة القتل. لقد أصغيت إلى الصوت المتألم  للإنسانية الرقية. ولكن ما أرهب جانب محمدٍ وما أفخمه! من يستطيع تحمل ثورة غضبه؟ فعبْسته تؤنب ضعفي المخجل. الدين سلطة مروعة. آه يا زينب! إنني ضائع وسط الشكوك والمخاوف, والرغبات المتناقضة تمزق هذا القلب الرهيف. علي إما أن أكون فاجرا وأن أكفر بمعتقدي أو أن أكون قاتلا.  لم يُخلق زيد ليكون مغتالا, إلا أن هذا أمر السماء وقد وعدت بأن أثأر لها. إن دموع الحزن ودموع الغضب تجريان سوية, والمهام المتنافسة تعصف في داخلي. عليك أنت وحدك يا زينب, أن تهدئيها. عالجي قلبي المضطرب, وامنحيه السلام. وا عجباه! بدون هذه التضحية المروعة, ستنفصم إلى الابد العرى التي تربطنا سوية, ولهذا الأمر وحده أن يضمنك لي.

زينب: أنا إذا ثمن الدم, دم الزبير؟

زيد: كذلك حكمت السماء ومحمد.

زينب: لم يكن غرض الحب يوما أن يجعلنا قساة همجا مجردين من الإنسانية.

زيد: لا ينبغي أن توهب زينب إلا بقتل الزبير لا غيره.

زينب: يا للشرط القاسي.

زيد: إلا أنها مشيئة السماء ومشيئة محمد.

زينب: واعجباه!

زيد: إنك تعرفين أمر اللعنة المخيفة التي تنتظر مرتكب العصيان, لعنة الآلام الأبدية.

زينب: إن كان لابد لك من أن تكون أداة انتقامٍ, وإن كان الدم الذي وعدت به سيُطلب على يدك.....

زيد: ما عسا أن يُفعل؟

زينب: إنني أرتعش عند تفكيري بذلك, ولكن بالرغم من ذلك....

زيد: إذا يجب أن يكون ذلك, لقد قررتِ مصيره . ها قد وافقت زينب.

زينب: أوافقتُ؟

زيد: قد فعلتِ.

زينب: يا للخاطرة البغيضة! ما الذي قلتُه؟

زيد: عبرك يُصدر صوت السماء أمره المروع النهائي, وأنا أطيع. ذلك النُصْب المميت, موقع تعبّد الزبير المفضل, هناك يحني ركبتيه لآلهته الزائفة. انسحبي يا زينب الحلوة.

زينب: لا أستطيع أن أتركك.

زيد: لا ينبغي أن تكوني شاهدة على فعلٍ مروع كهذا. إن هذه يا زينب لحظات رهيبة. اهرعي إلى ذلك البستان, هناك ستكونين بقرب النبي, اذهبي.    

زينب: إذا, على الزبير أن يموت؟

زيد: نعم, محتمٌ على هذه اليد أن تجره إلى التراب, أن تقتله هناك وتغسل ذلك النصب الخرب بدمه.

زينب: يهلك على يديك! إنني أرتجف عند تفكيري بذلك. ولكن انظر! ها قد أتى , أيتها السماء العادلة!

(يُفتح الطرف الأبعد من المنصة, ويُكشف عن مذبح) الزبير وزيد وزينب, إلى أحد الجانبين.

الزبير (واقفا قرب المذبح): إنك يا آلهة مكة الحارسة مهددة بمذهبٍ فاجر أصحابه مدّعين أنذال. استغلي قدرتك الآن وأصغي إلى صلوات عبدك الزبير التي لعلها أقل ما بإمكانه القيام به. لقد انفصمت العرى الضعيفة لسلامنا القصير, و نقمة الحرب الطاحنة تثور. هلا ساندت القضية ضد هذا المتغلّب.

زيد (جانبيا متحدثا إلى زينب): أصغ يا زينب إلى تجديفه.

الزبير: فليكن الموت من نصيب الزبير! لا أتمنى شيئا من هذه الدنيا غير أن أرى ولداي في آخر ساعاتي, وأن أحتضنهما, وأن أموت بين يداهما المحبوبتان. لعلما حيّان, لعلهما ها هنا, لأن شيئا ما يهمس لي بأنه لا يزال بإمكاني أن أراهما.

زينب (جانبيا إلى زيد): أيتكلم عن ولديه؟

الزبير: سيسعدني أن أموت إن رأيتهما. ارعيهما واحميهما أيتها الآلهة اللطيفة, دعيهما يتخذان منهجي في التفكير ولكن لا يكونان كمثلي بائسين.

زيد: أرأيت؟ إنه يتوجه بالدعاء إلى آلهته الزائفة. حان وقت لوضع نهاية لحياته. (يجرد سيفه)

زينب: لا تفعل يا زيد.

زيد:إن هذا السيف المكرّس لقضية السماء مجردٌ لأخدم به إلهي ولأنال الرضى فأستحقك, ولسوف أدمر به ألد أعداءه.  إن ذلك الممشى الكئيب يدعوني إلى الفعلة. أخال الدرب داميا, الأطياف المرتحلة تنساب خلال الظلّ وتوميء لي أن أرحل.

زينب: ما الذي تقوله يا زيد؟

زيد: يا ملائكة الموت, قودوني نحو المذبح, وخذوا بيدي المرتعشة.

زينب: لا يجب أن يكون ذلك, إنه أمرٌ مروع.  توقف يا زيد.

زيد: لا, لقد أزفت الساعة, فانظري, ها إن المذبح يرتجف.

زينب: إنها علامة على موافقة السماء, وعلينا ألا نشك بعد هذا.

زيد: أتعني بذلك دفعي أم ردعي؟ إن نبينا سيوبخني على هذا الضعف. زينب!

زينب: حسنٌ!

زيد (يخاطب السماء): إنني منطلق لتنفيذ المهمة. (يذهب إلى ما خلف المذبح حيث ينزوي الزبير)

زينب (وحيدة): ما أرهبها من لحظة! ما أشد شعوري الداخلي! إن الدماء تجري في عروقي باردة. ولكن, إن كانت السماء تطلب هذه التضحية, من أكونُ لأطلق أحكاما أو لأطرح أسئلة أو لأتذمر؟  أين القلب الذي يدرك ذاته, الذي يميز بين برائته وبين ذنبه؟ علينا أن نطيع. ولكن اصغي! أعتقد أنني سمعت صوت الموت المحمّل بالآلام, لقد تمت الفعلة. ها إنه خِلي زيد!

زيد (يعود بادية عليه آثار الهيجان): أي صوت هذا؟ أين أنا؟ أين زينب؟ لا أستطيع أن أرى زينب. أواه, لقد راحت, ضاعت إلى الأبد.

زينب: أعميت عن رؤيتها, هذه التي لا تحيا إلا لأجلك؟

زيد: أين نحن؟

زينب: تكلم يا زيد, هل تم أداء التضحية المروعة, فتحقق  بذلك وعيدك؟

زيد: ما قلتِ؟

زينب: الزبير, أهو ميتٌ؟

زيد: من؟الزبير؟ 

زينب: أيتها السماء الطيبة احفظي عقله! تعال يا زيد, فلنغادر.

زيد: كيف تحملاني هتان الساقان المرتجفتان! إنني أستفيق. أهذا أنت يا زينب؟

زينب: نعم. مافعلت؟

زيد: أطعت صوت السماء, قبضت بهذه اليد اليائسة على خصلات شعره الفضية, وسحبته إلى الثرى. لقد كان ذلك أمرك. يا الله! ما كنتَ لتأمرني بارتكاب جريمة! وقفتُ لوهلة مرتعدا وشاحبا, ثم جردت هذا السيف القدسي, وغرزته في صدره. أي نظرة رقة وحب ألقاها الشيخ المسكين على قاتله! إن قلبي يحتفظ وسيبقى محتفظا بهذه الخاطرة الحزينة. ليتني مت كما مات.

زينب: فلنعد إلى محمد النبي الذي سيحمينا فأنت هنا في خطر. اتبعني.

زيد: لا أستطيع يا زينب. ارحميني.

زينب: أي خاطرة مريرة تصيبك بكآبة كهذه.

زيد: لو أنك رأيت نظرته الرقيقة, عندما سحب السلاح القاتل من جانبه الدامي وصرخ :"زيد يا عزيزُ, يا زيد المسكين التعس!" آه, ذلك الصوت وتلك النظرات والزبير يتضرج بدمائه عند قدميّ  باقية أمام عيناي. ما الذي فعلناه؟

زينب: إنني أرتجف خشية على حياتك. بحق كل أصرة مقدسة تجمعنا سوية, فُرَّ  وخلّص نفسك.

زيد: اذهبي واتركيني, لم أمرني حبك المشؤوم بارتكاب هذه التضحية المروعة يازينب؟ فبدون أمرك القاسي ما كانت السماء نفسها لتُطاع.

زينب: يا للتوبيخ القاسي! لو عرفتَ ما تعاني منه زينب لأشفقتَ عليها!

زيد: أي شيء مخيفٍ هذا الذي أمامنا؟

(ينهض الزبير ببطء من خلف المذبح ويتكيء عليه)

زينب: إنه الزبير القتيل داميا وشاحبا يجر ساقيه المحطمتان متجها نحونا.

زيد:هل ستذهبين إليه؟

زينب: علي أن أفعل ذلك. لأن الشفقة والندم يسلباني روحي, ويسحباني إليه.

الزبير (يتقدم متكئا على زينب): أيتها العذراء اللطيفة, اسنديني! (يجلس) يا زيدا الجَحود, لقد قتلتني, وها أنت الآن تبكي! لقد فات الأوان.

الفصل الرابع, المشهد الخامس
الزبير, زيد, زينب وفنار

فنار: يا له من منظرِ مرعب! ما الذي أجده ها هنا

الزبير: كنت أتمنى لو أنني رأيت صاحبي عرفجة. فنار أأنت  هنا؟ تعال وانظر إلى قاتلي. (يشير إلى زيد).

فنار: يا له من ذنب! يا لها من فعلة شنعاء! يا زيدا التعس انظر إلى.......أبيك.

زيد: من؟

زينب: هو

زيد: أبي؟

الزبير: رحماك أيتها السماء!

فنار: لقد احتضنني عرفجة بذراعيه في آخر لحظاته وصرخ منتحبا: ألا اسرع, إن كان هنالك  فسحة من الوقت, امنع ارتكاب جريمة قتل ولد لوالده, وأوقف يد زيد. لقد كتم الطاغية في صدري السر المخيف, وها أنا ذا أتعذب بسببه وأموت بيد محمد الكريهة. أسرع يا فنار بل انطلق على جناح السرعة وأبلغ الزبير أن زيدا وزينب... هما ولداه.

زيد: زينب!

زينب: أنت أخي؟

الزبير: أيتها الآلهة! أيتها الطبيعة, لم تخدعيني إذا عندما تشفعت لهما! يا زيدا التعس,ما عساه حثك على ارتكاب فعلة دنيئة كهذه؟

زيد (راكعا): امتناني, وواجبي, وديني, وكل ما يقدسه بنو البشر, دفعوني لاتكاب أسوا الأفعال. أعد لي هذه السلاح القاتل.

زينب (ممسكة بذراع زيد): اغرزه في صدري. لقد كنت سببا في مقتل أبي العزيز وكان سفاح القربى ثمنا لجريمة القتل.

زيد: اضربينا كلانا, فالسماء لمّا تعاقب كفاية على جرائم كجرائمنا.

الزبير (محتضنا إياهما): فلأحتضن ولداي. لقد صبت الآلهة في كأس أحزاني جرعة من أحلى فرحة. إنني أموت قنوعا وأسلم نفسي لقدري. إلا أن عليكما أن تعيشا يا ولداي.  بحق اسم الطبيعة المقدس وبحق دم والدكما المحتضر الذي يجري متدفقا من الجرح الذي تسببتما فيه يا ولدي زيد ويا زينب, أتضرع إليكما أن تعيشا , انتقما لنفسيكما, وانتقما للزبير الجريح, ولكن حافظا على حياتكما الغالية. إن الساعة العظيمة المهمة تقترب, فعليكما ان تغيرا المشهد المحزن. سينهض الشعب الجريح بسلاحه, ما إن يتبين الفجر, ويعاقب المتغلب. سيضيف دمي وقودا جديدا تضطرم به غضبتهم. فللننتظر انتهاء المسألة. 

زيد:  ألا أنني منطلقٌ للتضحية بالوحش, فإما أنتقم لحياة أبٍ عزيز أو أخسر حياتي.

الفصل الرابع, المشهد السادس
الزبير, زيد, زينب, عمر, ومرافقون

عمر: اقبضوا على القاتل أيها الحرس, لقد أتى محمد ليعاقب على الجريمة ويطبق القوانين.

الزبير: ماذا أسمع؟

زيد: هل أمرك محمدٌ بمعاقبة زيد؟

زينب: يا للطاغية الكريه, ألم تكن الجريمة قد نفذت بناءا على أمرك؟

عمر: لم يتم إصدار أمرٍ كهذا.

زيد: حسنا كوفئت بهذه الجائزة العادلة على قسوتي.

عمر: أطيعوا أيها الحرس.

زينب: توففوا, سوف لن.....

عمر: يا سيدتي, إن كانت حياة زيد غالية عندك, عليك بأن تسلّمي صابرة, لئلا حل على رأسك غضب النبي كالصاعقة. فإن أطعت, سيكون بإمكان محمد العظيم أن يحميك. أيها الحرس قودوها إلى الملك.

زينب:ألا خذني أيها الموت بعيدا عن هذا المشهد المحزن للفجيعة التي لا أخر لها. (يحمل زيد وزينب بعيدا).

الزبير (لفنار): لقد راحوا, ضاعوا. ياللأب الأشد تعاسة. إن الجرح الذي ألحقه بي زيد ليس بأعمق ولا أشد إيلاما من هذا الفراق.

فنار: انظر يا سيدي, لقد حل الصبح وها هي الجموع المسلحة تتقدم لتدافع عن قضية الزبير.

الزبير: اسندني يا فنار, فلعل صاحبك يحيا ليعاقب هذا المنافق الخسيس, فربما بموتي أقدم خدمة لولديّ العزيزين القاسيين.

نهاية الفصل الرابع.

الفصل الخامس, المشهد الأول
محمد, عمر, حرسٌ على مبعدة.

عمر: إن اقتراب الزبير من حتفه يثير مخاوف العامة, لقد حاولنا التخفيف من روعهم وأنكرنا كل معرفة بأمر الفعلة. لقد أسمينها في خطابنا مع البعض يد السماء المنتقمة التي بهذه الفعلة تبين ميلها لقضية النبي. وفي خطابنا مع الآخرين نعينا سقوطه قتيلا, وتفاخرنا بعدالتك المهابة التي سوف تنتقم له قريبا. لقد أصغى الحشد بانتباه لمديحك فانتهى خطر الثورة. وإن بقي شيء من غضب فرقة متطفلة, فهو لن يكون إلا كتلاطم الموج إثر العاصفة بعد أن تصبح السماء هادئة صافية. 

محمد: فلنحلرص على أن يبقى الأمر كذلك. أين عصائبي  المغوارة؟

عمر: إنها جميعا على أهبه الاستعداد. لقد قادهم عثمان في عتمة الليل إلى مكة عبر ممراتٍ سرية.

محمد: من المستغرب أن يكون من الضروري إما خداع الناس أو إجبارهم ليطيعوا. ألا يعلم زيد بأن الدم الذي سفكه كان دم أبٍ؟

عمر: من عساه يعلمه بذلك؟ عرفجة, وهو الوحيد الذي يعرف السر قد فنى, وسرعان ما يتبعه زيد. أما الآن فهو قد شرب السم بالفعل. لقد عوقب على جريمته ساعة ارتكابها. لقد كان الموت يجري خلسة في عروقه حتى وهو يجر والده إلى المذبح فلا يمكن أن يبقى حيا. زينب حية أيضا وبإمكانها أن تكون مفيدة. لقد منحتها الأمل بالعفو عن زيد حتى أكسبها إلى قضيتنا وهي لا تقدر على التذمر, كما أن قلبها طيّع ورقيق, خُلق ليُطيع وليكرم محمدا ويجعله قريبا أسعد البشر. ها هم يحضرونها إليك مرتجفة وخائفة.

محمد: احشد قواتي  ثم عد إلي يا عُمر.

الفصل السادس, المشهد الثاني
محمد, زينب وحرس

زينب: يا للسماء! أين أنا, رحماك يا الله!

محمد: لا تفزعي, لقد قدرنا مسبقا مصير مكة. اعلمي ان الخطب الجلل الذي يملأ نفسك بالرعب سرٌ بين السماء وبيني لا يجب إفشاءه. إلا أنك حرة وسعيدة فلا تشغلي فكرك بعد بزيد ولا تنحبي عليه. اتركي لي مصائر الرجال, وكوني شاكرة على ما آل إليه مصيرك. إنك تعرفين أن محمدا لطالما أحبك, وأنني لطالما كنت أبا لك, ولربما رفع قدرك بشكل أكبر موئلا أكثر شرفا ولقبا أفضل, غن استحقيتيه, لذلك امحي من ذاكرتك اسم زيد واسمحي لروحك أن تتطلع إلى نعَمٍ أكبر يكون لها أن تأمل بها. فليكن قلبك آخر انتصاراتي وأكثرها تشريفا, وانضمي إلى العالم المقهور فتتخذين مني سيدا لك كما فعل.

زينب: أي مُتع وأي نِعمٍ وأي سعادةٍ لي أن أتوقعها منك أيها المدعي النذل؟ أيها المتوحش الدامي! هذا وحده ما ينقص, هذه الإهانة القاسية  تنقصني لأكمل بها أحزاني. أيها الأب الخالد انظر إلى هذا الملك, هذا النبي الكريم, هذا الإله القدير الذي عبدته. يا وحشا خدع قلبين نقيين فأقنعتهما بارتكاب جريمة قتل أبيهما المروعة, يا مغويا سيء الصيت لشبابي البريء. كيف تجرؤ على الاعتقداد بأن بإمكانك كسب قلب زينب وأنت ملطخ بدم أبي العزيز؟ ولكن اعلم أيها الطاغية المتكبر أنت لست بعد لاتُقهر. إن القناع الذي يُخفيك قد سقط, ويد الانتقام مرفوعة لتجلدك عقابا لك على ذنبك. ألا تسمع صوت الحشد الهائج المجهز بسلاحه ليدافع عن البراءة الجريحة. إن والدي القتيل سيأتي ليقودهم من بين ضلال الموت المعتمة.ألا ليت لهتين اليدين الضعيفتين أن تمزقاك إربا, أنت وكل أتباعك! ليت لي أن أراهم يضرجون في دماءهم. أنظر إلى مكة والمدينة وآسيا, لقد اجتمعت كلها ضدك! حتى ينفض العالم الساذج عن جسده قيودك القذرة فتكون ديانتك مصدر تفكه واحتقار البشرية بأسرها إلى أجيال فأجيال! ليت هذه الجحيم التي  كثيرا ما حذرت منها كل من تجرأ على الشك في لاهوتك الزائف تفتح الآن بواباتها النارية وتكون جزاءك العادل! هذا هو الشكر الذي أدين به لك لأجل مكارمك وهذه هي الصلوات التي أؤديها لأجلك.

محمد: أرى أنني قد غُدرتُ.ولكن فليكن.  مهما كنت, تعلمي  أن تطيعي من الآن فصاعدا, أما هذه المرة فتعلمي أن تطيعين قلبي.

الفصل السادس, المشهد الثالث.
محمد, زينب, عمر, علي ومرافقون

عمر: لقد كُشف السر, فقد أفشاه عرفجة ساعة موته. لقد اقتحم الشعب الثائر السجن, وقاموا مسلحين, حاملين على أكتافهم الجثة الدامية لزعيمهم التعس, نادبين نهايته, ومنادين عاليا بالثأر له. إن الفوضى تعم في كل مكان. وزيد على رأسهم يحثهم على التمرد ويصرخ: "أنا قاتل أبيه" بغضب وبحزن. إنه يبدو كمن به جُنة. الشعب يهتف بصوت واحد لاعنا النبي وإلهه. حتى من وعد بالسماح لقواتنا بالدخول داخل أسوار مكة قد تآمروا معهم ليشهروا سلاحهم اليائس ضدك, فلا يُسمع غير صرخات الموت والانتقام.

زينب: فلتآزره السماء العادلة ولتنتصر لقضية البراءة.

محمد (لعمر): حسنٌ, وما الذي علينا أن نخافه؟

عمر: إن عمر, يا مولاي, ومعه أصحابك المخلصون القلائل, مجهزون لمجابهة العاصفة الثائرة ولأن يهلكوا عند قدميك, مستصغرين الخطر.

محمد: بمفردي سأدافع عنكم جميعا. اقترب وانظر وقل أنني اتصرف كمحمد.

الفصل السادس, المشهد الرابع
محمد, عمر وحزبه في جانب, وزيد والشعب في الجانب الآخر. زينب في الوسط.

زيد: انتقموا لأبي, اقبضوا على الخائن.

محمد: أيها الشعب الذي ولد ليطيعني, استمعوا لسيدكم.

زيد: لا تصغوا للوحش, اتبعوني. (يتقدم قليلا ثم يترنح) ياللسماء! أي ضلمة مفاجئة غطت عيناي المضطربتان؟ اقتحموا الآن يا رفاق.... آه, إنني أموت.

محمد: ها! إذا فكل شيء على ما يُرام.

زينب: يا أخي, ألا تستطيع أن تسفك دما غير دم الزبير؟

زيد: بلى. تعالي... لا أستطيع, إلهٌ ما يسلبني قواي (يُغمى عليه)

محمد: منذ الآن فصاعدا, فليعلم كل خصمٍ لمحمد أن يخاف ويرتعد. اعلموا أيها الكفار المتكبرون, أن هذه اليد وحدها لها القدرة على أن تسحقكم جميعا, فقد أناط بي إله الطبيعة سلطانه. اعترفوا إذا بنبيّه, وبشرائعه, وليحكّم ذلك الإله في الخصومة التي بين محمد وزيد, وأيا منا كان مذنباٌ أيا كان ذلك الذنب, فليهلك في التو واللحظة.!

زينب: أخي زيد, ألهذا الوحش المفاخرة بسلطة كهذه؟ إن الشعب واقف مشدوها به مرتعدا لسماع صوته, أفتخضع لمحمد؟ 

زيد (يسنده مرافقوه): وا عجباه! إن يد السماء مسلطة علي, إن الجريمة غير المقصودة يقتص منها بشدة. عبثا يا زينب كان زيد خلوقا. لو أن السماء هكذا تعاقب على على أخطائنا, فأي شيء يتوقع من جرائم كجرائمك يا محمدا البغيض؟ مالذي يجعلك ترتعد!... إنني أموت. استقبليني أيتها السماء الرحيمة واعفي عن زينب. (يموت)

زينب: ليست السماء الغاضبة من تلاحق زيدا, ليست السماء الغاضبة, لا, بل قد دُس له السُم.

محمد (مقاطعا إياها ومخاطبا الشعب): أيها الكافرون, تعلموا من مصير زيد أن توقروا محمدا الذي تدافع عنه السماء. إنكم ترون كيف أن الطبيعة والموت قد أصغيا لصوتي, وأن هذه الجثة الشاحبة كانت شاهدة على طاعتما. إن سيف القدر معلقٌ فوق رؤوسكم, احذروا من أن يهوي عليكم. هكذا سأجازي كل المتمردين الفسقة, وجميع الكفار الانجاس, وأعاقب على كل كلمة وفكرة موجهة ضدي. فإن كظمت غيظي وأستحييتكم تذكروا أيها الخونة أنكم تدينون بوجودكم لتسامحي. أسرعوا إلى المعبد واسجدوا لعرش الرحمة, وصلوا اتقاءا لنقمة محمد. (ينسحب الشعب)

زينب: امكثوا واستمعوا لي أيها الناس. إن الهمجي قد دس لأخي السم....إيها الوحش الذي رفعته الجريمة هكذا ليستلم إمبراطورية, ويُأله بالذنب. يا قاتل جنس زينب الشقي, أكل عملك واسلب حياتي البائسة. يا أخي العزيز دعني أتبعك! (تقبض على سيف أخيها وتطعن نفسها).

محمد: أقبضوا عليها وامنعوها.

زينب: لقد فان الأوان فأنا أموت. إنني آمل, وأنا أسلم روحي, وجود إله أكثر عدلا من إلهك يكون محتفضا بسعادة تجازي على البراءة الجريحة. فليحكم محمد هنا بسلام فهذا العالم قد خُلق للطغاة. (تموت)

محمد: لقد راحت, ضاعت. الجائزة الغالية الوحيدة التي رغبت بالاحتفاظ بها من بين جميع جرائمي.عبثا قاتلت وفتحت فمحمد بلا زينب تعيسٌ. أيها الضمير, الآن أشعر بك, وأشعر أن ليس بإمكانك أن تمزق القلب المذنب. أيها الإله السرمدي, الذي جعلتُه أداة سوء, والذي أسأت له, وتحديته, وجدفت بحقه, يا من لا زلت أخافه, إنظر إليّ وكيف أني معترفٌ بجرمي وكيف أني يائسٌ مع أن العالم يصلي علي. عبثا كان كل سلطاني الذي أفاخر به. لقد خدعت البشرية, ولكن كيف لي أن أفرض على قلبي شيئا؟ يجب أن يُنتقم لأبٌ قتيل, ولولدين بريئين. تعالوا أيها الضحايا البائسون وضعوا لي نهاية على عجل!..يا عمر, علينا أن نجهد لإخفاء هذا الضعف المخزي, وإنقاذ مجدي, فلأحكم على عالم موهوم. لأن محمدا يعتمد على الخديعة وحدها, ولكي يكرُم, لا يجب أن يُعرف ذلك أبدا.

انتهى ..

تأليف : الأديب الفرنسي فولتير
ترجمة: ابن المقفّع... 
« آخر تحرير: 25/09/2012, 05:59:24 بواسطة أبن المقفّع »