الأربعاء، 10 أبريل 2013

مسرحية محمد ـ فولتير

الشخصيات الدرامية:
محمد Mahomet .
الزبير Zopir: شيخ مكة
عمر Omar: قائد ونائب محمد
زيد Said وزينب Palmyra: عبدان لمحمد
فنار Phanor: من سادات مكة.
المشهد: مكة

الفصل الأول :المشهد الأول
الزبير وفنار

الزبير: أتعتقد أن صاحبك سيحني يوما ركبته لهذا المنافق,  آآركع لأتعبد, أنا الذي قد نفيته من مكة؟ لا! ألا عاقبيني أيتها السماء كما أستحق إن انحنت هذه اليد, خليلة البراءة والحرية, لتتعبد للتمرد العفن أو تتآمر لخداع البشرية

فنار: إن حماسك لنابع عن نبل, وهو يليق بزعيم مجلس بني إسماعيل المقدس, إلا أنه قد يغدو مضرّا بمصلحة القضية التي من المفترض أن يخدمها. إن هيجانك لا يستطيح أن يكبح قوة محمد المتزايدة, وليس من شأنه إلا أن يثير رغبته بالثأر. لقد مر زمنٌ كان بإمكانك فيه أن تجرد سيف الحق لتدافع به عن حقوق مكة, وتمنع نيران الحرب من أن تنتشر في البلاد, كان محمدٌ آنذاك مواطنا شجاعا ولكنه كان يحب الشقاق, إلا أنه الآن فاتحٌ وملك. إن مدعي النبوة المكي قد أعلن نفسه نبيا مقدسا تنحني أمامه الأمم وتتعلم تعظيم الجرائم التي نمقتها. إننا لنجد حتى هنا عصابةً من المتحمسين ممن قد أطلق العنان لنفسه, إنهم مشرّبون بالحماسة الهائجة, وهم يساندون تهيئاته المفرطة بالعاطفة وقصصه التي لا أساس لها ومعجزاته الخيالية. إن هذه الأفعال تنشر التمرد بين الغوغاء, وتحشد قواته, وتنشر الإيمان بوحي الله, مما يجعله عصيا على الغير. ان محبي هذا البلد يعتقدون ما تعتقده, الا ان واسعي الحكمة لا يُتبعون احيانا فالحماسة الزائفة والخوف وحب التجديد تثير الجماهير وها ان نصف مدينتنا  قد هُجر. ان مكة تدعوك يا والدها باعلى صوت وتنشد السلام. 

الزبير: أسلامٌ مع خائن؟ يا لجبن هذه الامة, ما عساك ان تتوقع من طاغية غير الاستعباد ؟ إذهبوا, احنوا ركبكم وخروا  سجدا لصنمٍ سوف تسحقكم يداه المضطهِدتان . أما بالنسبة لي, فسوف أمقت الخائن, إن جرح هذا القلب أعمق من أن يقبل منه الغفران , إن القاتل الهمجي قد سلبني زوجة ووَلدان, كما أن بغضه لي ليس أقل من بغضي له, فقد اقتحمت معسكر الجبان ولاحقته حتى خيمته وذحبت ابنه. إن نار الحقد متقدة في ما بيننا , ولا يمكن للزمان أن يطفئها. 

فنار: آمل ألا تنطفيء, ولكن, بالرغم من ذلك, ألا يجدر بك أن تخبيء جذوة النار وتضحي بما تشعر به من الحزن لمصلحة عامة الناس؟ ماذا إن خَرّب المدينة؟ أيثأر ذلك الأمر لك؟ أيخدم قضيتك؟ إنك سوف تخسر كل شيء, الابن والأخ والابنة والزوجة, إن مكة وحدها باقية لك تعزيك فلا تفقد هذا الأمر ولا تدمر بلدك

الزبير: إن فقدان المُلك لا يكون خلفه إلا الجبن.

فنار: كما أن ذلك يكون بسبب المقاومة العنيدة.

الزبير: إذا فلنهلك إن كان هذا مصيرنا.

فنار: أن تتصرف كما لو أنك في الميناء تتحدى العاصفة امرٌ خاطيء ورعونة. لقد رأيت كيف أن السماء الطيبة قد أشارت عليك بالوسائل التي  تجعل من هذا الجبار شخصا لين العريكة. إن زينب الحسناء , أسيرتك الجميلة  التي قد تربت في معسكر هذا المخرب المحتل, قد أرسلتها السماء الرحيمة, رسولة السلام, ملاكك الحارس, لتطفيء جذوة محمدٍ. لقد وصل أمرها إلى مسامع محمد وها هو يطالب بها.

الزبير: أتريد مني أن أتخلى عن جائزة بمثل هذا الحسن لهذا المتوحش؟ ما هذا؟ أبينما ينشر الطاغية الدمار حوله ويهلك البشر يتم التضحية بذات الحسن والجمال لرشوة مجنون هائج؟  عندها سأحسده على هذه الحسناء الحلوة أكثر من حسدي إياه على كل مجده. على أن هذا ليس لأنني أشعر بوخزات الشوق الجامح, أو أنني أنغمس, وأنا في أواخر أيامي وعلى كبر سني, في هواها بلا حياء, ولكن, سواء أكانت مثيلاتها قد وُلدن للإمتاع , أو ليثرن في أنفسنا مشاعر الشفقة الرقيقة, أو ربما  آمال أب لا ذرية له ويأمل في أن يجد فيها ابنة بديلة, لا أعرفها إلا ما أرى منها في هذه الجارية التعيسة , إلا أنني لا أزال قلقا حتى وإن كان ذلك  بدافع من ضعفٍ فيّ أو بسبب نداءٍ العقل المجلجل. أنا لا أستطيع أن أتحمل رؤيتها في يد محمد, أفتراني أستطيع أن أخضعها لرغباتي, وأن أصيغ إرادتها فأجعلها تكره الطاغية كما أكرهه؟ لقد أرسلت إليها لتأتي فتحدثني هنا تحت هذه السقيفة المقدسة- أنظر! ها قد أتت تعلو وجنتاها حمرة التواضع  وبياض محياها يحكي نقاء قلبها. 

الفصل الأول, المشهد الثاني:
الزبير وزينب وفنار

الزبير:تحياتي أيتها العذراء الحلوة! لقد جعلتك صدفة وقوع حربٍ قاسية أسيرة للزبير, إلا أنك لست بين جماعة من الهمج, إن جميع من معي يقدرون سجايا زينب, ويحزنون لمصيرها, كما أن الشباب والبراءة والجمال يشفعون لك, وسوف لن تخيبي في نيل أي شيء تطلبينه ما دام في استطاعة الزبير أن يحقق لك مطلبه. إن حياتي في أواخرها, فأن كان لأواخر ساعاتي حياتي أن تحقق لزينب سعادتها فإني سأقدر هذه الساعات أكبر تقديرٍ, فهي ستكون أسعد ما قد عرفت منها. 

زينب: إنني لم أكد أن أشعر طوال الشهرين الذان قضيتهما ها هنا, يا سيدي, سجينةً,  بأنني تحت نير العبودية. إن يدك الكريمة لا تزال ممدودة لتداوي الجراح, فلقد مسحت دموع الحزن من عينيّ, وهوّنت علي شدة ما لقيت من مصيري. سامحني إن استغليت طيبتك فتجرأت على طلب المزيد, ووضعت كل رجائي في مسقبلٍ زيد فيك وحدك. سامحني إن أرفقت إلى جانب طلبِ محمدٍ طلبي, وتضرعت لك أن تمنحني هذه الحرية التي كان قد طلبها. ألا فاستمع له ودعني أقول أنني بعد السماء وبعدهُ أدين بأكثر الفضل للزبير الكريم. 

الزبير: أللقمعِ, إذا, هذه المحاسن الفاتنة التي تجعلك تتوسلين لكي تكوني أمةً لمحمد, فلا تسمعين إلا ضجيج التحام الجيوش, و تعيشين معه في البوادي والكهوف, وترتحلين في أرجاء دياره دائمة التغيّر؟

زينب: إن بيتنا هو أينما يحل صفاء البال وراحته, وهنالك يكون موطننا. لقد شكّل محمدٌ لي نفسي, فله أدين بالتعاليم التي صاغت أولى سنواتي. ففي سلام وغبطة,  تعلمت من  شريكاته السعيدات في السرير, اللاتي, وهن لازلت محبوبات  ولا يزال يحبهن, يرفعن أيديهن إلى السماء بالدعاء لأجل سلامته الغالية! فلم تلوث التعاسة يوما مقام نعمتي حتى حلت ساعة مصيبتي الحزينة, عندما جائتنا على حين غرة حرب ماحقة جعلت من زينب أسيرة. اشفق يا سيدي على ذات قلبٍ ملئه الحزن, تتنهد حزنا على أشياء بعيدة بعيدة عنها.

الزبير: أفهم من هذا, يا سيدتي, أنك تترقبين وقوعك بين يدي الطاغية وتأملين أن تشاركيه عرشه.

زينب: إنني أوقره يا سيدي. إن نفسي المرتعشة تنظر إلى محمدٍ برهبة مقدسة كالتي تجدر بإله, إلا أن هذا القلب لم يتعلق يوما بأمل كاذب يجعله يصدق بأنه سيجد زينب جديرة بأن تُزف له. كلا, إن مقاما كهذا لن يليق بحالي المتواضع. 

الزبير: إنني أؤمن بأنه لم يولد ليكون زوجك أيا ما كُنتِ, لا بل أنه لا يليق له أن يكون ربّك. وأخطيء إن لم أقل أنك تنبعين من جنسٍ قد صممته السماء لوضح حدٍ لهذا الأعرابي المتباهي, ولكي يبين الحدود لمن يدعي جلالة المُلك.  

زينب: عجبا! لا أعرف بم عساي أن أفاخر, أبمحتدي أم بثروتي؟  فقد عدمت الوالدين والأصحاب والوطن منذ سنواتِ رضاعتي, مقدرةً علي العبودية. وها نحن ذا مستسلمون لمصيرينا التعس, غريبون عن الكل خلا الله الذي نعبده, نعيش قانعين في فقرٍ وتواضع. 

الزبير: أتكونون قنوعين؟ أو أنكم غرباء بلا أب وبلا سكن؟ إنني شيخٌ  أبتر  مسكينٌ وحيد. كان بإمكانك أن تكوني سلوة حياتي. لقد خخفتْ من بؤسي وجعلتْني أعدل عن جميع أخطائي رغبتي في تخطيط مستقبلٍ زيد لأجلك. إلا أنك تبغضين بلدي وشرائعي.

زينب: إنني لا أملك نفسي فكيف أكون مملوكتك؟ إنني أعطف عليك لشدة مصائبك وأباركك على حسن معاملتك لزينب, إلا أن محمدا كان بمثابة أبٍ لي.

الزبير: أبٌ! ياللآلهة العادلة! أهذا المدعي الخسيس!

زينب: أيستحق هذا الاسمَ النبيُ الكريمُ رسولُ السماء الأعظم الذي أُرسل ليبلّغ إرادتها السامية؟

الزبير: أناسٌ فانون مضللون ! ما أعمى بصيرتك حتى تتبعين متكبرا مجنونا, هذا اللص السعيد الذي لعدالتي أعفي عنه وارتقى إلى العرش بعد أن كان على منصة الإعدام!

زينب: مولاي, لقد اهتز بدني لسماع  لعناتك. وبالرغم من أنني مقيدة بحبك لعطاياك بالاحترام وبأواصر الامتنان,  إلا أن هذا التطاول على حاميّ العطوف يقطع الآصرة ويملأ قلبي بالرعب. آه يا خرافة, كيف تسلب قوتك الوحشية حالا أطيب القلوب وأحنها من إنسانيتها!

الزبير: عجبا يا زينب! إنني أعطف على ضعفك رغما عن نفسي وأحزن لمصيرك.

زينب: إذا فأنت لن تمنحني......

الزبير: لا أستطيع أن اُخضعك لمن خدع قلبك الساذج, لطاغية وضيع. كلا, إنك كنزٌ أثمن من أن يتم تقاسمه, فيُصبح هذا المنافق أعلى ذكرا من ذي قبل. 

المشهد الثالث
الزبير, وزينب, وفنار

الزبير: ما خطبك يا فنار؟

فنار: لقد حظر عمر الشجاع للتو إلى حقل معاذ الخصب.

الزبير: فعلا! إنه عمر الباطش الحقود, صاحب الطاغية, المنتسب الجديد إلى ديانته, والذي لطالما عارضه, إلا أنه اشترك في حربه معنا بالرغم من ذلك.

فنار: ربما لايزال في وسعه أن يخدم وطنه, فقد تقدم بالفعل  بشروط الصلح. إن كبار قومنا قد تفاوضوا معه, وهو يطلب رهينة, وقد سمعت بأنهم قد قدموا له زيدا ذي الشرف.

زينب: زيد! رحماك أيتها السماء!

فنار: أنظر يا سيدي! ها قد أتى.

الزبير: ها إنه عمر! لا تراجع الآن فلا بد أن نستمع لما يقوله. بإمكانك أن تغادرينا يا زينب -  يا آلهة آبائي, يا من حميت بني إسماعيل طوال ثلاثة آلاف سنة مضت, وأنت يا شمس, بكل هذه الأنوار المقدسة التي تشع حولنا, اشهدي لصدقي, وساعديني وسانديني في الصراع المجيد مع الظلم والكِبَر!

المشهد الرابع
الزبير وعمر وفنار وجماعة من المرافقين

الزبير: وأخيرا, يعود عمر, على ما يبدو, بعد غياب ثلاث سنوات ليزور هذا البلد الحبيب الذي لطالما دافعت عنه يمينه والذي يخونه قلبه الصادق اليوم. يا نابذا آلهتنا, يا تاركا شرائعنا, كيف تجرؤ  على الاقتراب هكذا من هذه الأسوار المقدسة لكي تؤذي وتضطهد. يا عبدا لنهّاب, ما مهمتك؟ ولم جئت إلى هنا؟ 

عمر: لكي ما يسامحك, يمد نبينا الكريم, بواسطة منّي, يده شفقة بك لكبر سنك ولما عُرف عنك من الشجاعة ولما حل  بك من مصائب. إن عمر قد حضر لينقل لك شروط الصلح هذه.

الزبير: ألمتمردٍ حالمٍ أن يعرض الصلح؟ هذا الذي كان عليه أن يلتمس العفو؟ رحماك أيتها الآلهة! أتأذن له أن يجردك من سلطتك  وتسمح له بأن يحكم الجنس البشري؟ ألا تخجل من خدمة خائن كتابعٍ وضيع؟ ألم تر كيف أنه كان مواطنا وحيدا مسكينا متواضعا, يعد بين أوضع الرعاع؟ فما أقل شأنه إذا في الثراء وفي المجد!

عمر: إن الأنفس الوضيعة كنفسك تدعي القدرة على تقييم الرجال هكذا بقياس قيمتهم بمقياس الثراء. أيها الكائن المملوء كبرا, ألا تعرف أن الدودة المسكينة التي تزحف على سطح الأرض والنسر الملكي الذي يرتقي إلى السماء كلاهما متساويان في عين خالقهما الحي البصير, وأنهما يُستصغران فلا يساويا شيئا؟ إن الرجال سواسية كلهم فبالفضائل وحدها يبين التمايز لا بالمحتد. إن هنالك أرواحا سامية  تكتسب الاحترام والشرف بأنفسها ولا ترثه عن أسلافها., وهذه هذه بالذات, يا سيدي, هي عناية السماء, ومن أطيعه ومن يستحق وحده أن يكون سيدا من بينها. لسوف تركع البشرية بأسرها يوما عند  قدمي الفاتح, ولسوف تتنبع الأجيال اللاحقة مثالي.

الزبير: إني أعرفك جيدا يا عمر فيدك اللعوب عبثا ترسم هذه الصورة الخيالية. إن بإمكانك أن تخدع جمهور الناس, ولكن اعلم أن بإمكان الزبير أن يستصغر ما تجلّه مكة. كن صريحا إذا, وبعين محايدة, انظر بعين العقلٍ إلى محمد, اعتبره إنسانا فانيا وخذ جيدا بنظر الاعتبار الأسس التي على شأن المدّعي الوضيع بالاستناد عليها, راعي الجمال هذا, عبدٌ فقيرٌ حقير, خدع أولا امرأة مؤمنة ساذجة, وهو الآن يجذب الضعفاء والسذج  من العوام يسانده حلمٌ  باطل. لقد عاقبت المتمرد بلينٍ بحكمي بنفيه, وها إن وقاحته تعود مضاعفة لتعاقبني على سهوي. لقد هرب برفقة فاطمة من كهفٍ إلى كهف, وتعرض إلى التقييد بالسلاسل وإلى الاحتقار والطرد, وخلال ذلك  انتشر الهيجان الذي ادعى أن مصدره إلهي كسم زعاف بين جمع الناس. لقد أصيبت المدينة بالعدوى. آنذاك, إصغائا لصوت العقل, كان من الممكن لعمر أن يوقف الموجة العاصفة , فقد كان, إذاك, يمتلك من الشجاعة والفضيلة ما يمكّنه من مهاجمة المتغلّب الفخور, رغم أنه اليوم يركع له كعبد. إن كان سيدك الفخور نبيا حقا, كيف تجرأت على معاقبته؟ ولمَ تجرؤ على خدمته إن كان مدعيا؟

عُمر: عاقبته لأنني لم أعرفه. إلا أن غشاوة الجهل قد أزيحت الآن, إنني أراه كما هو, وأعتبره شخصا قد ولد ليغير العالم المأخوذ على حين غرة وليحكم الجنس البشري. عندما رأيته يعلو مكانة بأبهة رهيبة, صلبا, لبقا, معجبا به ومحبوبا من قبل الجميع, ورأيته يتكلم ويتصرف ويعاقب ويعفو كإله, أعرته يدي المتواضعة والتحقت بالفاتح, وكانت المحاريب والعروش مكافأتنا كما تعرف. كنت ذات يوم أعمى مثلك, إلا أن عيناي, بفضل السماء, مفتوحتان الآن. لعل عيناك يا زبير تنفتحا كذلك! دعني اتضرع لك: تغيَّر كما قد تغيّرتُ, كف عن التباهي بغيرتك وعن الكراهية الدفينة, ولا تتطاول على إلهنا بل خرّ خاضعا عند قدمي البطل الذي قد آذيته, قبّل اليد التي تحمل صاعقة الغضب لئلا تُرسَل عليك. إن عُمَرَ اليومَ الثانيْ بين البشر, إلا أن هنالك مرتبة شرفٍ قد تبقّت لأجلك, إن كنت حصيفا فتخضع وتتخذ لنفسك ربّا. لقد علمت ما كنا عليه الأمس وما نحن عليه اليوم. إن جمهور العوام ضعيف وضال على الدوام, وهو مخلوقٌ لحاجتنا, ولم يولد إلا لخدمة العظماء, ولكي يعظّمنا ويؤمن بنا ويطيعنا. إذا فاحكم إلى جانبنا, واشترك في محفل العظمة, لا تجرؤ بعدُ على مسايرة العوام بل اجعلهم يرتجفون من الآن فصاعدا.

الزبير: بل ارتجف أنت ومحمد بمكيدتك الكريهة. أتظن أن كبير مكة الأمين سيهوي عند قدمي مدعٍ ويتوّج متمردا؟ أنا لست جاهلا بقيمته الزائفة, فشجاعته وسيرته تنال حمدي, ولو كان خلوقا لأحببته كما تحبه أنت, إلا أنني أكره الطاغية وهو على حاله هذه. لذلك لا تكلمني عن رحمته الخادعة وعن عفوه وطيبته, فكل غرضه القسوة والثأر.  لقد قتلتُ ابنه العزيز بيدي هذه, ونفيته, فكراهيتي لا تلين, وكذلك حقد محمد. أن دخل مكة ثانية سيكون عليه أن يشق طريقه عبر دم الزبير, لأنه ملطخ بسمعة الجريمة لدرجة لا يمكن ليد العدالة أن تسامحه بعدها أبدا. 

عمر: لكي أبين لك رحمة محمد, وأن بمقدرته أن يسامح رغم عدم مقدرتك على ذلك. ها أنا ذا أعرض عليك ثلث جميع غنائمنا التي حصلنا عليها من الملوك التابعين, ضع شروطك, وعين أسباب الصلح, ووحدد شروطك الخاصة بزينب الحسناء, وخذ حقوقك من الثروة وكن سعيدا. 

الزبير: أتظن أن الزبير سيبيع شرفه ووطنه لأي غرض, أو أنه سيقرن اسمه بسوء السمعة لأجل الثراء, مكافأةَ الخطيئةِ القذرةِ, أو أن زينب ستتخذ يوما طاغيةً ربّا؟ إنها أكثر خُلقا من أن أن تكون يوما أمةً لمحمد, وسوف لن أجبرها على السقوط ضحية لمدّعين سفلة, يطيحون بالشرائع ويعرضون سلامة الجنس البشري وخُلُقه للخطر.

عمر: إنك تكلم عمر بشدة لا تلين وكأنه مجرم تقاضيه, وأنا أطلب منك من الآن فصاعدا أن تتصرف بشكلٍ أفضل, وأن تعاملني كصديقٍ ورسولٍ لمحمدٍ الفاتحِ الملكِ. 

الزبير: ملكٌ! من ملّكهُ ومن توجه؟ 

عمر: النصر! فاحترم سؤدده وارتجف لهيبة سلطانه. في خضم فتوحاته يعرض البطلُ الصلح, وسيوفنا لا تزال مجردة, فويلٌ لهذه المدينة المتمردة إن لم تخضع. فكر بأي الدماء ستسيل, إنها دماء نصف قومك. اعلم يا زبير أن محمدا ها هنا وهو الى الأن يطلب التحدث إليك.

الزبير:ماذا! محمد!

عمر: نعم, إنه يلتمس رؤيتك.

الزبير: لو كنت الحاكم المتسلط الوحيد ها هنا لأجبته سريعا..... بالعقاب. 

عمر: إنني أشفق عليك يا زبير لخُلُقك المتكلّف, ولكن فلنذهب إلى مجلس الشيوخ ما دام المجلس يدعي بجرأة تقاسم الإمبراطورية معك. سيقابلك عمرُ هناك.

الزبير: سأتبعك وسنرى آنذاك من سيقدر على عرض قضيته بشكل أفضل. سأدافع عن آلهتي ووطني وشرائعي وسيخفت صوتك الفاجر المدافع عن معبودك الحقود, إلهك المضطهد ونبيه الكذاب.(ملتفتا إلى فنار) أسرع يا فنار واردع الخائن معي, فمن يعفو عن وغدٍ يكون وغدا مثله. تعال يا صاحبي ولنتوحد لنسحق كبريائه, ولنطح بأهدافه الخبيثة ,ولنحطمه أو نهلك دون ذلك. إن أصغت مكة لمشورة الزبير سأحرر بلدي من سلطة طاغية متكبّر وأنقذ الجنس البشري. 

نهاية الفصل الأول


الصفحة الرئيسية في النسخة الأصلية من المسرحية

الفصل الثاني, المشهد الأول
زيد وزينب

زينب: مرحبا بزيد, أحقا أراك سليما ها هنا ثانية؟ أي إله صالحٍ قد قادك؟ وأخيرا سيكون لأحزان زينب نهاية وننال الفرصة لأن نكون سعيدين.

زيد: يا أحلى الحلوات, يا بلسما لكل جرح, يا مصدرا عزيزا لآلامي ودموعي,  وا حزني مذ ذلك اليوم الدموي الذي اختطفك الهمجي العنيف المملوء بشهوة الفتوحات من بين يداي, عندما اضطجعتُ منهكا على الأرض وسط كومة من جثث أصحابي القتلى,  واستدعيت الموت عبثا ليضع نهاية لوجودي المقيت. ما أكثر ما عانيت لأجل عزيزتي زينب! وكم لعنت الساعات الثقيلة التي لطالما كبحت رغبتي في الانتقام ونفسي المنهيّة التي تتوق عطشى إلى ساحات الوغى المخضبة بالدماء لكي ما أتمكن بيداي هاتين من أن أدمر محل العبودية هذا  الذي لطالما ناحت فيه زينب في ظل أسرٍ محزن. ولكن حمدا للسماء! فنبينا الكريم, الذي تتسامى أغراضه التي في قلبه عن أن تفطن إليها حكمة البشر,  قد أرسل  خادمه المفضل عمر إلى هنا فخففت لملاقاته, لقد طلبوا رهينة فمنحت كلمتي  فقبلوها, وأنا ثابت على قراري بأن أحيى أو أن أموت لأجلك. 

زينب: إن اللحظة ذاتها التي أتيت فيها لتهديء من روعي وتخلصني من الياس, كنت أتضرع فيها للمغتصب المتكبر. أتعلم؟ لقد صرخت قائلة أن الغرض الوحيد الذي أعطيه قيمة قد خلفته ورائي فأعيدوه إلي. ثم أني تشبثت بركبتي الطاغية وهويت عند قدميه وغسلتهما بدموعي, إلا أن كل هذا كان عبثا. كم هز رفضه الخشن  كياني! لقد غارت عيناي فوقفت بلا حراك كمن سُلبت منه حياته. لم يكن هنالك خلاص في الأفق ولم يتبق شعاع أمل حتى أتى زيد ليروح عن قلبي المتعب وليعزيني. 

زيد: من بإمكانه أن يشهد أحزان زينب من غير أن يهتز؟

زينب: الزبير القاسي الذي لم يبد غير مبالٍ بمصائبي, إلا أنه برغم هذا أخبرني في النهاية أن علي أن لا آمل مطلقا بأن أغادر هذه الأسوار فلا أحد بإمكانه انتزاعي منه. 

زيد: إن هذا كذب, فمحمدٌ, سيدي ومليكي, ومعه المظفر عٌمر, وسامحيني إن أضفت بفخر إلى هذين الصديقين النبيلين اسم زيد, سيعملان على عتقك, فجففي دموعك وافرحي يا زينب, فإله محمد حامينا العظيم, الإله الذي حملت رايته المقدسة والذي دمر أسوار المدينة المزهوة, سيطرح مكة عند أقدامنا. إن عمر ها هنا  والشعب المبتهج ينظر بعين اليه بعين صديق, لقد أتى نيابة عن محمد وهو يحمل نوايا نبيلة.

زينب: ربما بإمكان محمدٍ أن يحررنا حقا, فيوحد بين قلبين لطالما كانا مخلصين لقضيته. إلا أنه , ويا للأسف, بعيد عنا ونحن أسرى منبوذون. 

الفصل الثاني, المشهد الثاني
زينب وزيد وعُمر

عُمر: لا تيأسي فلعل السماء تكافئك, لأن محمدا والحرية سواء.

زيد: هل أتى إذا؟

زينب: وَلِيّنا وأبونا؟

عمر: لقد التقيت بأعضاء المجلس وخاطبتهم, يملأني الإلهام المحمدي, قائلا: " داخل هذه الأسوار, حتى هنا, صدحت مناديا باسم نبينا الكريم, من فضّلته السماء, أول من نُفخت فيه الروح, العظيم, الفاتح الجبار, عون الملوك, وها أنتم لا تسمحون له إلا بمرتبة صديق ومواطن؟ إنه لم يأت ليخرّب أو ليستعبد, بل ليحميكم ويعلمكم ويخلّصكم, ليثبت سلطته ويسود على القلوب الخاشعة." لقد  تكلمت فتبسم الحكماء الشيب استحسانا, ومالوا بأجمعهم إلى التودد لنا, إلا أن الزبير, مقيما على التشبث برأيه وعلى صلابته, أعلن أن من الواجب مناداة الشعب للتجمع والإدلاء برأيهم الجماعي. التقى الشعب وتكلمت ثانية وخاطبت المواطنين, وشددت عليهم وهددتهم ومارست أنواع الفنون  لأكسب مودتهم, فنجحت في آخر الأمر. إن الأبواب مشرعة لمحمد العظيم, الذي يعود بعد خمسة عشر عاما من النفي القاسي ليبارك ثانية أرض أجداده, يرافقه زير النساء عليٌ وعرفجة الشجاع وآمنٌ  الذي لا يقهر, يتبعهم صفٌ طويل من خاصة الأتباع. احتشد الشعب حولنا, وكان بعضهم يحمل نظرة كراهية, وبعضهم ابتسامات مودة. بارك بعضهم البطل, ولعن البعض الطاغية. هدد بعضهم وجدّف, بينما هوى الآخرون تحت قدميه واحتضنوه وصلوا عليه. خلال كل هذا كانت أسماء الله والسلام والحرية تصدح من أفواه الحشد المؤمن, بينما كان حزب الزبير المحتضر يخور مطلقا تهديداته الفارغة بالانتقام المزعوم. وسط صيحاتهم, ثابت الجنان هادئا, مشى محمدٌ شبيه الإله بزهو الانتصار, يحمل غصن زيتون في يده. لقد تم إعلان حالة السلام بالفعل,وانظرا! ها قد أتى الفاتح. 


الفصل الثاني, المشهد الثالث
محمد, عمر, عرفجة, زيد, زينب, وجماعة من المرافقين

محمد: يا أصدقائي ورفاقي في التحرير, يا علي الشجاع ويا مُراد ويا آمن ويا عرفجة, اشرعوا بعملكم العظيم, وعلموا الناس باسمي, قودوهم إلى سبل الحق, عدوهم وأوعدوهم, لا تدعوا إلها يُعبد غير إلهي, واجعلوا من لا يُحبه يخشاه.- يا زيد أأنت هنا؟ 

زيد: يا أبي الذي أجله دائما, ويا مليكي. تقودني القدرة الإلهية التي قادتك إلى أسوار مكة. لقد جئت قبل أن تأمرني مستعدا لان أحيى أو أن أموت لأجلك. 

محمد: كان عليك انتظار أوامري, فمن يتجاوز خطوط واجبه لا يعرف واجبه. إنني خليفة السماء وأنت مُلكي فتعلم مني أن تخدم وتطيع. 

زينب: أعذر, يا مولاي, شابا على تهوره, فمصائرنا وأفكارنا هي نفسها لأننا تربينا سوية منذ الصغر. عجبا! لقد كانت حياتي مليئة بالأحزان ولطالما كابدت مشقة الأسر بعيدةً عن أصحابي وعن زيد وعنك, وها أن قسوتك تطيح بآمالي الجميلة وتُظلم الدنيا بأسرها في عيني بعد أن بدأت أرى شعاع عزاءٍ يسطع علي.

محمد: مه يا زينب. أنا أعرف فضائلك فلا يقلقنّك شيء, فبرغم جميع همومي ومجدي وإمبراطوريتي وثقل الحرب, .......ك ولا تزال زينب تعيش في قلبي وتشارك البشرية فيه. سوف يلتحق زيد بفيالقنا, أما أنت يا جاريتنا الرقيقة, فبإمكانك أن تعبدي ربك بسلام, فلا تخشي من أحد إلا الزبير. 

الفصل الثاني, المشهد الرابع
محمد وعمر

محمد: تريث يا عمر الشجاع, ففي قلبك المؤمن سأستودع أسرار نفسي. إن التقدم المتعثر نحو نجاح حصارٍ مشكوكٍ في فعاليته بإمكانه أن يوقف زحفنا السريع.  علينا ألا نسمح لهؤلاء الفانين الضعفاء المظللين  باستغلال فسحة كبيرة من الوقت تكفيهم لتصيّد إنجازاتنا. فالكبرياء تتحكم بالعاميّ تحكّم طاغية. إنك تعلم بأن هنالك حكايةً نشرتها فصدقوها, حكايةً تقول بأن هنالك إمبراطورية كونية تنتظر النبي الذي سييقود عصائب جيشه الفاتح إلى أسوار مكة ويجلب لها السلام, فقدري إذا أن أحدد مواطن عيوب الجنس البشري فأستغلها, ولكن, وبينما أحاول قدر استطاعتي أن أطمئن هذا الشعب المتذبذب, ما رأيك بزيد وزينب؟ 

عمر: أرى فيهما الخير كله, فمن بين القلة المخلصة من الأتباع الذين ليس لهم إله غير إلهك ولا عقيدة غير عقيدتك, والذين يحبونك كأبٍ لهم وصديقٍ ومُحسن, لا أحد يطيعك أو يخدمك بروحٍ أكثر تواضعا من روحيهما أو خاطر أطيب. إنهما الأكثر إخلاصا.

محمد: إنك مخدوع ياعمر. إنهما أسوأ خصومي, فهما يحبان بعضهما. 

عمر: أو تلومهما على رقتهما؟

محمد: سأخبرك يا صاحبي بجميع ما فيّ من نقاط الضعف.

عمر: وكيف يكون ذلك يا سيدي!

محمد: إنك تعرف الشغف الذي يتحكّم بنفسي, فبينما ينوء محمدٌ بثقل الطموح لنيل المفاخر وبهموم الإمبراطورية, غدت حياته المجهدة صراعا مع طبيعة مضادة قهرتها بالزهد وإنكار الذات. لقد صرفت عن نفسي هذا السم الزعاف الذي يسلب البشرية شجاعتها, والذي..... على إيصالهم إلى حالة الجنون,....على الرمال الساخنة... أواجه الأنواء القاسية, وأتحمل المواسم المتقلبة. الحب سلوتي الوحيدة وغرضي الوحيد من كل عنائي. إنه الوثن الذي أعبده, إله محمد وخصم طموحي اللدود. إعلم أنه من بين جميع الملِكات من نسائي تجلس زينب متوجة سيدة قلبي الوحيدة. تصور إذا أي نوبات غيرة مؤلمة يشعر بها صاحبك عندما تعبّر عن غرامها القاتل بزيد.  

عمر: ولكنك قد أخذت بثأرك

محمد: أحكم بنفسك إن لم آخذ بثأري منهما قريبا. وحتى تكره خصومتي بشكل أكبر, سأخبرك عن حقيقة زيد وزينب- إنهما ولدا أكثر من اُبغض وغريمي اللدود.

عمر: ماذا؟ أتعني الزبير؟

محمد: إنه والدهما, لقد مضت خمسة عشر عاما منذ أن ولاني عرفجة الشجاع مسؤلية سنوات رضاعتهما. إنهما لا يعرفان بعد ما هما أو من هما, فلقد ربيتهما سوية وأوقدت فيهما هذا العشق الفاجر, وصببت الزيت على نار الخطيئة. يخال لي كما لو أن يد السماء  قد قصدت وضعهما في بؤرة كل جريمة. إلا أن عَلَيَّ....- ها! إن أباهما أتٍ نحونا وعيونه تقطر مرارة وسخطا علي - عليك الآن أن تكون يقضا يا عمر, على عرفجة أن يحرص على السيطرة على هذا الممر المهم ثم يعود ليخبرني آلمُجدي إعلان الحرب عليه أم الانسحاب بعيدا. 

الفصل الثاني, المشهد الخامس
الزبير ومحمد

الزبير: يا له من مصير مشؤوم! يا زبيرا التعس, أهكذا تضطرني لمقابلة أسوأ خصومي, خصم البشرية بأسرها!

محمد: بما أن مشيئة السماء كانت أن يتوحد محمد والزبير بعد فرقة, اقترب من غير أن تشوبك حمرة الغضب وأخبرني بقصتك بلا وجل. 

الزبير: إن الحمرة تشوبني غضبا منك أنت وحدك, يا من جرت ألاعيبك المدمرة بلدك إلى حافة الوبار, يا من تشن  في حضن سلام عادل حربا  أهلية, وتقطع عرى الصداقة الوثقى فتقضي على سعادتنا. إنك لا تنوي من خلف ستارٍ من البنود التي عرضتها إلا أن تخون بينما تتقدمك الخصومة بخلسة. يا تركيبة خسيسة من النفاق والكبر  يا طاغية بغيضا! أهكذا يمنح خلفاء السماء بركاتها المقدسة ويدعون إلى إلههم؟

محمد: لو لم تكن الزبير لجاوبتك كما تستحق بصاعقة هي صوت الكائن الذي أهين باستصغارك شأنه. مسلحا بالقرآن الكريم كنت سأعلمك كيف ترتجف وتطيع بصمتٍ وضعة وأن تركع أمامي كبقية العالم الخاضع. إلا أنني ساكلمك من غير  مواراة كما يكلم الرجل الرجل, والصديق الصديق. إن لدي طموحا يا زبير, وأي امرء ليس لديه ما لدي؟ إلا أنه لم يحدث أن وضع مواطن أو زعيم أو كاهن أو ملك خطة نبيلة كالتي وضعها محمد, لقد أظهرت كل أمة بدورها تفوقها في الفعال وفي عدة الجيوش. إن جزيرة العرب اليوم تخطو خطوتها إلى الإمام, فهذا الشعب الكريم, الذي لطالما كان مغمورا ومستصغرا, قد رآى أمجادها تخفو  شرفها يضيع. ولكن ها أن الساعة التي سيكون لها فيها أن تنهض متوجهة تحو النصر والشهرة قد حانت. إن الأرض خاوية على عروشها من الطرف إلى الطرف, ها إن الهند مستعبدة وفارس الجريحة تنوح على أبنائها القتلى بينما تعلق مصر الرأس المقطوع. فرّت الأبهة من أسوار القسطنطينية و الإمبراطورية الرومانية التي مزقتها الخلافات تنظر إلى مواطنيها وهم ينبثون في كل صوبٍ بذلة. دعنا ننهض بجزيرة العرب على أنقاض البشرية. إن الكون الأعمى المضطرب يطلب عبادة جديدة وإلها جديدا, فلكريت إلهها مينوس ولمصر أوزوريس. لآسيا منح زرادشت شرائعه وكان نوما جليلا في روما. لطالما نشر الحكماء حكمهم التي لا جدوى منها بين أمم متوحشة, حيث لم يحكم يوما ملك, ولا ألانت الأخلاق عريكة ولا عُلمت ديانة. تحت نيرٍ أكثر نبلا أنوي أن أقيد العالَم الراكع, وأغير قوانينه المتساهلة, وألغي عبادته الباطلة, وأهوي بآلهته التي لا حول لها, وأسس بإيماني الأنقى إمبراطورية كونية. لا تقل يا زبير  أن محمدا قد خان وطنه, لا, إنني لا أنوي إلا أن أهدم أسسه الضعيفة وأوحده بإلغاء الوثنية تحت حكم ملكٍ واحد ونبي واحد وإله واحد. إنني سأخضعه, ولكن لا لشيء إلا لأجعله مجيدا. 

الزبير: أيكون هذا غرضك إذا, ثم تجرؤ هكذا على إعلانه ؟ ألا تستطيع أن تغير ألباب الرجال وتجعلها تفكر بطريقة تفكيرك؟ أتكون الحرب وسفك الدماء بشائر الحكمة والسلام؟ ألمخربٍ أن يعلم البشرية؟ أيجب عليك, إن اننا ضللنا طويلا في عتمة الجهل والخطأ, أن تنيرنا بمشعلك المرعب؟ ما حقك في تأسيس إمبراطورية؟

محمد: هو ذلك الحق الذي تدعي الأنفس الراسخة في الطهر امتلاكه على عقول العوام.

الزبير: بهذا, كما يبدو, يكون لكل مدعي جرئ أن يصوغ قيودا جديدة ليخدع العالم, إن كان له أن يفعل هذا بنفخة خيلاء. 

محمد: أعرف قومك جيدا, وأعلم أنهم يريدون قائدا. إن ديانتي, سواء كانت حقة أو باطلة, ضرورية لهم. ما الذي فعلته جميع آلهتك وجميع أصنامك؟ وأي غارٍ ينمو تحت مذابحها؟  إن مذهبك المنحط المذل يخفظ مكانة الإنسان ويثبط روحه الطلقة ويجعله ثقيلا باردا لئيما. بينما يرتفع مذهبي به ويمنحه قوة وشجاعة. إن شريعتي تصنع أبطالا.

الزبير: أفضل أن أدعوهم لصوصا. إذهب من هنا ولا تأت بمحاضراتك الحقودة إلى هذا الموضع. إذهب إلى مدرسة الطغاة, فاخر بحيلك التي انطلت على "المدينة" الضالة التي تنفرد فيها بالحكم, حيث ينحني المتعصبون العميان لسلطانك, فتنظر إلى نظرائك يخرون سجدا عند قدميك. 

محمد: نظرائي! ليس لمحمد نظير, فلقد سبقتهم منذ زمان بعيد. إن المدينة لي وحدي ومكة ترتجف أمامي فإن كنت تريد سلامتك يا عزيزي فاقبل بشروط السلام التي أمنحها.

الزبير: إنك تتكلم عن السلام إلا أنه ليس ما تضمره في قلبك. ليس أنا من يمكن خداعُه.

محمد: سوف لن أتمكن من كسبك بخدعة مكشوفة أو بأمر صارم.  سأجبرك على الخضوع  غدا, أما اليوم فقد كان بالإمكان أن أكون صديقك. 

الزبير: أيكون لنا أن نصبح أصدقاء؟ أيمكن لمحمد والزبير أن يتوحدا يوما؟ قل لي, أي إله سيدبر معجزة كهذه؟

محمد: سأخبرك بواحد. إنه إله قدير, إله يُصغى إليه دائما. إنه يتحدث إليك من خلالي.

الزبير: من هو؟ قل لي ما اسمه؟

محمد: المصلحة, مصلحتك العزيزة.

الزبير: سرعان ما تنطبق السماء على الأرض إذا! ربما كانت المصلحة إله محمد إلا إن إلهتي هي العدالة, فأي شي له أن يجمعهما ببعض؟ أين هو الرباط الذي بإمكانه أن يلحم صداقتنا؟ أهو ابنك الذي قتلتُه أم دم آل الزبير الحي الذي سفكتَه؟ 

محمد: إنه دمك وهو ابنك.- إن علي اليوم أن أكشف لك سرا لا يعلمه أحد غيري. إنك تندب ولداك الموتى وهما بعد حيان.

الزبير: ما الذي تقوله؟ حيان؟ يا للنعمة التي لم اتوقعها؟ ولداي حيين؟

محمد: نعم, وكلاهما أسيرٌ عندي.

الزبير: ولداي عبدان عندك؟ مستحيل!

محمد: إن غنيمتي  تغذيهما

الزبير: أوتصفح عن ولدٍ للزبير؟

محمد: إنني لن أعاقبهما على أخطاء أبيهما.

الزبير: إذا فاخبرني وقل لي, لم هما محتجزان؟

محمد: إن حياتهما وموتهما يعتمدان على قرار مني, تكلم كلمة تجد نفسك مالكا لمصيرهما.

الزبير: حدد الثمن وستناله. أعَلَيَّ أن أبذل دمي, أَم عَليَّ أن أحمل أغلالهما عنهما, فأكون عبدا لمحمد؟

محمد: إنني لأ أطلب منك أيا من هذا, لا أريد منك إلا أن تساعدني في إخضاع العالم. سلم لي مكة وتخل عن معبدك, أطلب من الشعب المذهول أن يقرأ قرآني الكريم, كن ملكا تابعا لي, وخر ساجدا أمامي, عندها سأعيد لك ابنك, وربما أكافئك بعد ذلك بأسباب الشرف وأعقد مع الزبير صلات أوثق.

الزبير: يا محمد, إنك ترى فيّ أبا رقيقا. أن أرى أولادي وأن أموت في أحضانهم, بعد خمس عشرة سنة من الغيبة القاسية,أفضل وأحسن نعمة يمكن أن تتمناها نفسي, ولكن إن كان علي أن أخون وطني أو أن أضحي بأولادي فاعلم أيها الطاغية الفخور أن القرار قد اتُخذ فعلا –أراك بخير.

محمد: يا لك من خرف عنيد! ولكنني من الآن فصاعدا سأكون أكثر صلابة وقسوة  حتى منك.

الفصل الثاني, المشهد السادس
محمد وعمر

عمر: عليك بالحزم وإلا ضاع كل شئ. لقد جئتك توا بمشاوراتهم التي يسرونها. الصلح سينقضي غدا يا محمد, وسيستأنف الزبير ممارسة سلطته. حياتك في خطر فنصف مجلس الشيوخ قد تعاضدوا ضدك, ومن كان لا يجرؤ على القتال قد يستأجر مغتالا سريا ليقضي عليك. وربما غطى على جريمته بستار تحقيق العدالة, فيدعو جريمة القتل عقابا شرعيا.

محمد: سيجربوا نقمتي أولا, فلطالما كان القمع عونا لي كما تعلم. على الزبير أن يموت

عمر: نِعمَ القرار, فمصيره سيعلم الآخرين الانصياع. عجّل بذلك.

محمد: إلا أن علي, بالرغم من حنقي, أن أتستر على اليد القاتلة التي ستسدد الضربة, وأن أتجنب عين الشك الحذرة, وألا أثير الغوغاء.

عمر: إنهم لا يساوون اهتمامك.

محمد: إلا أن من الواجب إرضائهم بالرغم من ذلك. إنني أريد يدا تسدد الضربة بشجاعة.

عمر: زيد هو الرجل الملائم. سأستدعيه.

محمد: زيد؟

عمر: نعم, فهو خير الوسائل واكثرها ملائمة لتحقيق غرضنا. فلكونه رهينة عند الزبير, ربما يكون بإمكانه أن يجد فرصة ليتحدث معه, ثم أنه سرعان ما ينتقم لسيده. إن الآخرين ممن تفضلهم أكثر حكمة مما ينبغي, وهم أكثر تعقلا من أن يتم توضيفهم للقيام بهذ المغامرة الخطرة, فكبر السن ينزع عن أعين البشر عصابة السذاجة. إلا أن القلب الغر الساذج, العبد الخانع لآراءه الحمقاء, والخالي من الخداع, سيفعل ما نوجهه إلى فعله. إن فترة الشباب هي الفترة الملائمة لخلق التهيؤات, وزيد كما تعلم مؤمن بالخرافات وشجاع وعنيف, إلا أنه سهل الانقياد. كأسد مروض خاضعٍ لصوت صاحبه.

محمد: ماذا؟ أأخا زينب تعني؟

عمر: نعم, زيد, الابن شديد البأس لخصمك المتكبر. إنه الغريم الذي ينافس, بغَرامِهِ بأخته, محمدا العظيم, خصم مالكه.

محمد: إنني أمقته يا عمر, بل أكره سماع اسمه. إن ابني القتيل يستصرخني لكي أنتقم له منه, إلا أنك تعرف من كرست لها حبي وما من إين قد نبتت. كما أنك تعرف بأن الضغوط تحاصرني من جميع الجهات, فعلي أن أسعى لأمتلاك مذابح القرابين وأن أنال الضحايا وعرشا. وعلي أنا أسفك دم الزبير ودم زيد أيضا. علي أن آخذ بنظر الاعتبار مصلحتي وانتقامي وشرفي وحبي, هذا الحب القاتل الذي, بالرغم من انزعاجي منه, يقيد هذا القلب بأغلال مشينة. وعلي أن آخذ بنظر الاعتبار ديانتي التي هي دافعي الأقوى, والحاجة, التي تغطي بردائها على كل جريمة....-فلنغادر.

نهاية الفصل الثاني


الممثل الفرنسي ليكاين (1728-1778) في دور محمد

الفصل الثالث, المشهد الأول
زيد وزينب

زينب: أي زيد, لا تتركني في ترقب مرير, ما هي هذه التضحية السرية؟ وأي دم طلبته السماء؟

زيد: إن صاحب السلطان الأبدي قد قرر قبول خدمتي فاستدعاني لتنفيذ غرضه الإلهي. إن قلبي مخلص له ولأجله سترتفع هذه اليد انتقاما. إنني  مكرس لخدمة عمر ومحمد, وقد أقسمت على الهلاك في سبيل قضية السماء المجيدة. أما اهتمامي التالي, وهو الأعز عندي, هو اهتمامي بزينب.

زينب: لم لم أكن شاهدة على يمينك؟ لو كنت معك لكنت أقل فجعة. إلا أن الشكوك تخامرني, فعمر يتحدث عن خيانة وعن دم سيسيل قريبا. إن نيران الحرب قد أوقدت ثانية وجرّت السيوف والسماء وحدها تعلم متى تعود إلى أغمادها. كذلك يقول نبينا الذي ليس باستطاعته أن يكذب وليس بإمكانه أن يخدهنا. آه كم أخاف على زيد, وما خوفي إلا من الزبير.

زيد: أيمكن أن يكون له قلبٌ بهذه الخسة الغدر؟ فقد حسبته, بالرغم من ذلك, هذا الصباح عندما مثلت أمامه باعتباري رهينة, نبيلا, كريما, وإنسانيا. لقد عملت قوى خفية سرا فأكسبته إياي, ولا أعلم إن كان ذلك بسبب الاحترام الذي يليق باسمه, أم لهيكله الخارجي الزائف الذي يخفي سواد قلبه, أم لأن وجودك قد ملأ روحي المبتهجة  بالفرحة التي طردت كل شعور مرير فلم تسمح لي بالتفكير في شيء سواك. لقد شعرت, مهما كان السبب, بأنني في منتهى السعادة وأنا بقربه. أن يغوي هكذا قلبي البسيط أمرٌ يجعلني أبغضه أكثر. ولكن, بالرغم من ذلك, ما أصعب النظر إلى من نتمنى أن نحبهم بأعين الكراهية. 

زينب: أقسم بكل رباط وحدتنا به السماء, وواحد هما زيد وزينب, أنني, لو لم أكن مخلصة لك وللإيمان الذي يلهمه محمد, لتشفعت لصالح قضية الزبير, إلا أن الدين والحب والطبيعة يأبون ذلك.

زيد: لا تحاولي بعد هذا الشعور بندم لا طائل منه, بل أصغي إلى صوت السماء, فالله الذي نعمل لأجله ستجدينه صالحا وسيبارك نبينا الكريم الذي يحمي أولاده حبنا المخلص. شخصك العزيز أخاطر بكل شيء. وداعا. 

الفصل الثالث, المشهد الثاني
زينب بمفردها

زينب: إن طالعا أسودا يتنبأ بمستقبل من التعاسة لا يزال يلاحقني. ذلك الحب الذي خلق سعادتي, إن هذا اليوم الذي لطالما تمنيته هو يوم رعبٍ. ما هو هذا القسم المرعب, العهد الموقر الذي يتحدث عنه زيد؟ عندما أفكر بالزبير تعتريني ألف من المخاوف.  كلما أتشفع بمحمد العظيم أشعر برعب خفي وأرتجف كلما أتعبد. ألا فاحميني أيتها السماء! إنني أطيع وأنا خائفة وأتبع كعمياء. ألا فوجهي خطاي في طريق الصواب ودبري لي كفكفة دموعي. 

الفصل الثالث, المشهد الثالث
محمد وزينب

زينب: لقد استجابت السماء الطيبة لدعواتي, ها قد أتى, ها قدى أتى النبي. يا محمدا الكريم, إن زيدا الحبيب قد......

محمد: ما به؟ تبدين مضطربة, ما الذي تخشاه زينب وأنا برفقتها!

زينب: أليس من حقي ذلك عندما يبدو كما لو أن محمدا نفسه قد انتابه الحزن؟

محمد: لعل ذلك كان لأجلك. أتجرؤين, أيتها الجارية الساذجة على إشهار غرام لم أوافق عليه. هل أضحى القلب الذي شكلته أنا متمردا على سيده, وخائنا لشرائعي؟ ياللجحود!

زينب: يا مولاي, أنظر إلي وأنا مرتمية عند قدميك واعطف علي. ألم تتبسم يوما في وجهنا بطيبة ومنحت مباركة رسمية لحبنا المتنامي؟ إنك تعلم أن العشق الطاهر الذي يوحدنا ما هو إلا قيد يربطنا بك بشكلٍ أكبر.

محمد: إن الروابط التي تحيكها الحماقة والسذاجةُ خطرةٌ, فالذنب يتبع عن كثب أحيانا خُطا البراءة. إن قلوبنا تخدعنا, والحب, بكل ما يختزنه من مُتع عزيزة, قد يكلفنا الدموع, و يغرز نصله في الدماء.

زينب: ما كنت لأتمتم متذمرة لو أنها سالت لأجل زيد.  

محمد: أأنت متعلقه به لهذه الدرجة؟

زينب: منذ ذلك اليوم الذي احتجزنا عرفجة الطيب سوية تحت جناح سلطانك الكريم, لا تزال الغريزة الجامحة تنمو معنا سنة بعد سنة, موحدة إيانا بصداقة رقيقة. لقد كان التدبير السماوي خلف كل خطوة نخطوها, وهو الذي يتحكم بمصائر البشر, كذلك تتعلمنا عقائدك. ليس لله أن يتغير ولا للسماء الرحيمة أن تعترض على الحب التي ألهمته هي نفسها, فما كان صوابا يوما سيكون كذلك دوما, أفبعد هذا تلوم زينب؟

محمد: بل أستطيع, وعلي فعل ذلك. بل أنك سترتعدين أكثر من ذلك عندما أكشف لك السر المفزع. انتبهي أيتها العذراء المتسرعة, ودعيني أعلّم نفسك ما عليها أن تتجنبه وما عليها أن تتّبعه. أصغي إلى أنا وحدي.

زينب: إن زينب, أمة محمد المطيعة, ستصغي دوما إليك وحدك. ليس لهذا القلب أن يفقد تكريمه لاسمك الأقدس.

محمد: إن المبالغة في هذا التكريم قد يقود إلى جحودٍ قذر. 

زينب: فليعاقبني زيد إن نسيت طيبتك!

محمد: زيد!

زينب: لم يا سيدي هذه العبسة القاسية وهذا المحيا الصارم؟

محمد: لا تفزعي, فأنا لم اقصد إلا استكشاف أسرار قلبك, وتجريبك لأعرف إن كنت مستحقة لأن تُخَلَّصي, فكوني واثقة واطمأني لحمايتي. إن مصيرك سيعتمد على طاعتي, فإن كنت تتوقعين أن تباركك يداي عليك أن تتأكدي من أن تستحقي ذلك, ومهما قررت إرادة السماء في ما يخص زيدا, عليك أن تكوني مشيرته وأن تقوديه في سبل الواجب والدين. دعيه يحفظ وعده فيكون كفؤا بزينب. 

زينب: إنه سيحفظه يا سيدي فلا تشك فيه, وأنا سأجيب عن قلبه كما أجيب عن قلبي. إن زيدا يهيم في حبك, هو يعبد محمدا أكثر من حبه لزينب. إنك بالنسبة له كل شيء, صاحبه وأبوه ومليكه. سأذهب إليه على جناح السرعة وأحثه على أداء واجبه. 

الفصل الثالث, المشهد الرابع
محمد بمفرده

محمد: حسنٌ. عَلَيّ, بالرغم من نفسي, أن أكون مستودع أسرار. الفتاة الساذجة قد خانت لهيب ولائها المذنب وطعنت ببراءة قلبي بخنجرها. أيها الجنس التعس! يا أبت ويا أولادي ويا جميع خصومي, إن من المقدر لكم كلكم أن تجعلوني محطم المشاعر! إلا  أنكم ستتثبتون عاجلا أن كراهيتي مريعة... وكذلك حبي. 

الفصل الثالث, المشهد الخامس
محمد وعمر

عمر: لقد حانت الساعة, بعد طول انتظار, للاستيلاء على زينب وفتح مكة ومعاقبة الزبير. إن من شأن موته فقط أن سند قضيتنا المتهاوية ويُذل هذا الشعب الفخور. زيد الشجاع خير من يثأر لك, فلديه القدرة على الدخول بحرية إلى الزبير من خلال ممرٍ ضيقٍ على مبعدة يقول إلى مسكنه, حيث الزعماء المتمردون والنذور الباطلة والبخور المحترق تزلفا يُسكبُ أمام معبوداته الوهمية. هناك, سيضحي زيد بالخائن لإله محمد تملؤه روح الشريعة الإلهية التي ألهمتها أنت له.

محمد: سيفعل ذلك, فهذا الشاب قد ولد للقيام بأشد الجرائم السوداء حلكة. سيكون أولا عبدي الخدوم وأداتي, ومن ثم ضحية ثورة غضبي. يجب أن يكون ذلك, فسلامتي والثار وكبريائي وحبي وعقيدتي المقدسة والقرارات القطعية بشأن المصائر, كلها تتطلب مني أن يتم ذلك. ولكن, أتظن يا عمر أن لديه كل الحميّة التي يوقدها التعصب الديني الأعمى؟ 

عمر: أنا أعرف أن لديه ذلك, وأنه يخدم قضيتنا بشكل ملائم, وسوف تحثه زينب بدورها. إن الدين والحب والكبرياء سيعملون على سلب شبابه العنيد بصيرته, ويسرعون به إلى الهبال. 

محمد: هل استوثقت منه بعهد؟

عمر: نعم, في ظل كل ما في الطقوس الليلية والعهود ومذابح القرابين من أبهة كئيبة قمنا بتكريس روحه المؤمنة بالخرافات, ووضعنا في يده السيف المقدس, وأشعلنا فيه هيجان الحماسة المضطرمة... ألا فانظر إليه. 

الفصل الثالث, المشهد السادس
محمد وعمر وزيد

محمد: يا ابن السماء, يا من تقرر أن تنفذ  من قبله أحكام إله تم التطاول عليه. إستمع الآن إلى مشيئته القدسية أنقلها لك بنفسي. عليك أن تثأر له انتصارا لقضيته.

زيد: يا من تنحني له نفسي المخلصة تكريما متواضعا. يا ملكا ونبيا, يا حاكما على الأمم الراكعة اعترف به صوت السماء...أنني ملكٌ لك بكل كياني. هلا أضأت لي عقلي المظلم. ألا قل كيف يُمكن لرجل ضعيف أن يثأر لإلهه. 

محمد: إنه كثيرا ما يستعمل أيادٍ ضعيفة كيداك ليعاقب بها الوقحين من البشر الفانين, فيؤكد سلطته الإلهية.

زيد: أهكذا قرر من تنعكس صورته المُثلى في وجه محمد أن يشرّف زيدا؟

محمد: إفعل ما يامرك به, فتنفيذ قراره العظيم بلا نقاش أكبر شرف يمكن أن يفتخر به إنسان. كن ممتنا للاختيار وسدد اللكمة, فملاك الخراب سيساندك وإله الجنود سيحميك.

زيد: هلا تكلمت؟ أي طاغية عليّ أن أقتله؟ وأي دمٍ علي أن أسفكه؟

محمد: دم القاتل الذي يمقته محمد, الذي يضطهد ملتنا ويرفض إلهنا باحتقار والذي ذبح ابني, إنه الزبير القاسي أشد خصومي.

زيد: ها! أعلى الزبير أن يهوي قتيلا؟

محمد: أينتابك التردد في ذلك؟ يالوقاحة الشباب! ليس من الأدب الالتزام بالجدال. ألا فليكن كل من يحاسب بجرأة بعيدا عن محمد, فألئك الذين يتنمطقون قليلا ما يكونون مستعدين للإيمان. حسبك أن تطيع. ألم أقل لك ما استقرت عليه إرادة السماء؟ إن كان قد تقرر أن تصبح مكة, بالرغم من جرائمها ووثنيتها الوضيعة, المعبد الموعود, ومقر الإمبراطورية المختار, حيث سأنصب ملكا وحاجبا, أتعلم أن إبراهيم الكريم قد ولد هنا, وأن رفاته الكريمة تستقر هنا؟ هذا الذي خنق صيحات الطبيعة, طاعة لأمر الله, فتخلى عن ابنه الحبيب. إن نفس الكائن القدير يرغب منك بتقديم قربان. إنه يطلب دما. أفتتجرأ, بعد ذلك, على التردد بعد أن يأمرك الله؟ إذا, أيها الوثني الدنيء, ايها المسلم الذي لا تستحق لقبك, انصرف واطلب سيدا آخر. إذهب واعشق زينب, بالرغم من أنك تحتقرها وتتحدى نقمة السماء الغاضبة, انصرف وانس مولاك واعمل على خدمة ألد خصومه.

زيد: إن ما يقوله محمد هو صوت الله... مرني وسأطيع

محمد: إذا فاضرب, ونل بدم الزبير جزائك حياة أبدية...-يا عمر, رافقه وراقبه جيدا. 

الفصل الثالث, المشهد السابع
زيد بمفرده

زيد: يا له من شيخ مسكين ضعيف لا يقدر على الدفاع عن نقسه!...-لا يهم ذلك, فكم من ضحايا قد هووا صرعى على المذابح بلا منقذ مثله! إلا أن دمائهم, رغم ذلك, تصعد إلى السماء في جداول ملؤها الامتنان. إن الله قد اجتباني. لقد أقسم زيد وسيبر زيد بقسمه المقدس...-ألا أعينيني الآن أيتها الأرواح اللامعة, يا من دمرت طغاة الأرض. ألا اجمعي ثورتك بثورتي, ألا قودي هذه اليد المرتعشة. وأنت أيها الملاك المُفني, يا من تدافع عن قضية محمد, ألهم هذا القلب كل ما فيك من الشدة! ...-ها! ما الذي أراه؟ 

الفصل الثالث, المشهد الثامن
الزبير وزيد

الزبير: إنك تبدو مضطربا يا زيد. أيها الشاب التعس! لم انضممت إلى صفوف خصومي؟ إن قلبي يشعر بآلامك ويرتجف لهول مخاطرتك. أهوال فوق أهوال تحتشد من كل صوب. إن بإمكان بيتي أن يكون ملجا من العاصفة, فاقبل به, واعلم أنك مرحبٌ بك, فحياتك عزيزة على الزبير. 

زيد: رحماك أيتها السماء! أتحميني هكذا؟ أيحرس الزبير خصمه؟ ما الذي أسمعه! يا للواجب ويا للضمير ويا للخُلُقِ! يا محمدُ, إن هذا الأمر يحز في قلبي. 

الزبير: ربما تفاجات بقدرتي على العطف على عدوٍ, وعلى تمني الخير لزيد. إنني إنسانٌ مثلك, وهذه الرابطة وحدها تتطلب, على الأقل, انحدار دمعة تعاطفٍ مع  برئٍ أصابته نائبة.  رحماك أيتها الآلهة, أزيلي عن هذه الأرض هؤلاء البشر الوضيعين والمتوحشين, الذين يسفكون بفرح دماء أمثالهم من المخلوقات.

زيد: ياللمشاعر السامية! أفيمكن أن يوجد في كافرٍ خلقٌ كهذا؟

الزبير: إنك لا تعرف عن هذا الخُلق إلا القليل, فلا يجدر بك أن تقف في موقفك هذا واعضاً به! أيها الشاب الضال, في أي متاهة من الأخطاء ضعت! إنك تحسب, مقيدا بشرائع وحشية  لطاغية, أن الخٌلٌق لا يكون إلا عند المسلم. إن سيدك يتحكم بك بقبضة من حديد, ويقيد روحك الحرة بقيودٍ مخزية. عجبا! فالزبير الذي تكرهه لا تعرفه. إنني أسامحك لأنك عبد محمد, ولكن كيف تؤمن بإله يعلم الكراهية ويستمتع بالخصومة؟

زيد: لا, أنا لا أستطيع إن أطيعه البتة. إنني أعلم وأشعر بأنني غير قادرٍ على أن أكرهك أيها الزبير.

الزبير: عجبا! كلما تكلمت معه, كلما استحوذ علي, فملامحه النبيهة, وشبابه, ونقاءه, كلها تتآمر لتسحرني. كيف لتابع لهذا المدعي الوضيع أن يكسب هكذا قلبي! من ولدتك؟ ومن أنت؟

زيد: إنني امرء يتيم تعس. كل ما أمتلكه من الدنيا سيدٌ حنون لم اعص له امرا حتى هذا اليوم. إلا أن حبي لك قد يغويني لخيانته.

الزبير: إذا فأنت لا تعرف من هما والداك؟ 

زيد: كانت مضاربه أول شئ رأته عيناي ومعبده موطني. إنني لا أعرف أحدا غيره, ومن بين جموع من يقدمون جزية سنوية لنبينا الكريم, لم يُعامل يوما أحدٌ برقة أكثر مما عومل زيد.

الزبير: إنني أحب امتنانه. إن ردك الطيب للجميل الذي تلقيته يستوجب مدحي...- آه, لم وضفت السماء يد محمد للقيام بهذه المهمة؟ فلقد كان أباك وأبا زينب أيضا.لم تتنهد؟ ولم ترتعش هكذا؟ لم تشيح بوجهك عني؟ لابد أن فكرة رهيبة قد تدور في ذهنك.

زيد: لا بد يكون ذلك صحيحا, فهذه الأوقات حافلة بأسباب الرهبة.

الزبير: إن كنت تشعر بالندم فقلبك برئٌ. إن جريمة القتل تنتظر خارجا, فدعني أحفظ حياتك. 

زيد: رحماك أيتها السماء! أفيمكن أن أفكر بسلبك حياتك؟ يا زينب! يا عهدا قطعته! يا إله الانتقام!

الزبير: أذكرك للمرة الأخيرة بأنني توسلت إليك أن تتبعني, فمصيرك يعتمد على هذه اللحظة. 

الفصل الثالث, المشهد التاسع
الزبير وزيد وعمر

عمر (يدخل مسرعا) : أيها الخائن, إن محمدا ينتظرك.

زيد: أواه, فأنا لا أعرف أين أنا ولا من أنا, الدمار والخراب واليأس محيطون بي ينظرونني, متسائلين عن الجهة التي سينطلق إليها زيد البائس.

عمر: إلى من اختاره الله, مليكك الجريح ومالكك.

زيد: نعم, وهناك سأنكث بالوعد الرهيب الذي أعطيته.

الفصل الثالث, المشهد العاشر
الزبير بمفرده

الزبير: لقد ذهب الشاب اليائس.- لا أعرف لم, ولكن قلبي ينبض تعاطفا مع محنته. إن سيماه وعطفه وندمه وجميع أفعاله تؤثر في بعمقٍ. علي أن أتبعه. 

الفصل الثالث , المشهد الحادي عشر
الزبير وفنار

فنار: لقد  سُلِّمت هذه الرسالة إلى يدي سرا على يد اعرابي يا مولاي. 

الزبير: إنها من عرفجة! ياللآلهة, ما الذي أقرأه؟ هل ستعوضني السماء بحنان ورقة عن حياة من الأحزان بعد طول انتظار؟ عرفجة يتوسل إلي أن أراه – إنه هو الذي اختطف من هذا الحضن المحب ولداي قليلا الحيلة. إنهما لا يزالان على قيد الحياة مستعبدان عند الطاغية, هذا ما تخبرني به هذه الورقة.- زيد وزينب كلاهما يتيمٌ, ولا يعرفان نسبهما, فلعلهما يكونان ولداي- أيها اللأمل المخادع, لم تداهني؟ لا يُمكن أن يكون ذلك, أكون سعيدا بتصديقك أيها المخادع معسول اللسان. سأنطلق على جناح السرعة لألتقي بولديّ وأحتضنهما. نعم, سأقابل عرفجة. عند انتصاف الليل دعوه يدخل علي في هذا المذبح المقدس, حيث كثيرا ما توجهت إلى الآلهة بالصلاة فلربما تقبل نذوري أخيرا. يا أيتها القوى الخالدة, أعيدي لي ولداي, أرجعي إلى سبيل الفضيلة قلبين كريمين أفسدهما متغلّب فاسق خسيس! إن لم يكن زيد وزينب من صلبي وكان هذا مصيري القاسي فسأتبنى الثنائي النبيل وأكون أباهما بالرغم من ذلك. 

نهاية الفصل الثالث


مثل فولتير دور الزبير ولي كاين دور محمد

الفصل الرابع المشهد الأول
محمد وعمر

عمر: مولاي, لقد ذاع سرنا, فقد أفشاه زيد لعرفجة. نحن على حافة الهاوية, إلا أنني أعلم أنه سيطيع.

محمد:أتقول أنه أفشاه؟

عمر: نعم, فعرفجة يحبه حبا جما.

محمد: بالفعل! فما قال له؟

عمر:  لقد وقف مذهولا, وبدا حزينا على الزبير.

محمد: إنه ضعيف القلب, ولذلك لا يمكن الوثوق به, فلطالما كان الحمقة خونة. ولكن لا بأس بذلك, فليصغ, فلربما توجد وسيلة تخلصنا من مثل هذا الشاهد الخطير.  أخبرني يا عمر,  أتمت تلبية أوامري؟

عمر: لقد تم ذلك يا مولاي.

محمد: جيد. تذكر يا عمر أنه خلال ساعة مهمة سيختفي أحد الإثنين محمدٌ أو الزبير. فإن مات الزبير, سيعبد الشعب الساذج الله الذي أوحى لي بذلك, وخلّص نبيه. فلتكن هذه أولى مهامنا العظمى, وما إن تتم حتى نتخلص من زيد. أمتيقن أنت من أن السم سيقوم بغرضه؟

عمر: لا تقلق يا مولاي.

محمد: علينا أن نعمل سرا, وعلى ظلال الموت الداكنة أن تخفي غرضنا.  فبينما نسفك دم الزبير العجوز, عليك أن تتأكد من بقاء زينب على جهلها المطبق, عليها ألا تعرف سر محتدها, فغبطتها وغبطتي يعتمدان على ذلك. أنت تعلم جيدا أن انتصاراتي تخرج بلا انقطاع من نبع الخطأ الدافق, فصلات الدم, وكل ما تتفاخر به من قوة ليست إلا أوهاما. ما هي أواصر الطبيعة؟ ما هي إلا عادة,  وقوة التقليد المحضة. إن زينب لا تعرف لها واجبا غير طاعتها لي, فأنا سيدها ومليكها وأبوها, ولعل بإمكاني إضافة إلى ذلك اسم الزوج. سينبض قلبها الصغير بطموح وفخر ليأسر سيدها. إلا أن الساعة التي فيها أتخلص من غريمي الزبير البغيض قد أزفت. وأنظر, ها قد أتى. فلننسحب.

عمر: أنظر إلى تصرفه الأهوج, لقد استحوذ على روحه الغضب والامتعاض الشديد.

الفصل الرابع: المشهد الثاني
محمد وعمر وقد انسحبا إلى أحد جانبي المنصّة وزيد في الجانب المقابل.

زيد:إذا فمن الواجب القيام بهذه المهمة الفضيعة.

محمد (لعمر): فلنبدأ بالبحث عن وسائل أخرى لتأمين استحواذنا على السلطة. (يخرج هو وعمر)

زيد (وحيدا): لم أقد على الرد, فكلمة توبيخ واحدة تصدر عن محمد تكفي.لقد وقفت مشدوها ولكن غير مقتنع. إن كان هذا ما تريده السماء مني سأطيع, إلا أن هذا سيكلفني غاليا.  

الفصل الرابع: المشهد الثالث
زيد وزينب.

زيد: زينب أأنت هنا؟ أي علة قادتك إلى مشهد الرعب هذا؟

زينب: لقد قادتني الخشية والحب إليك يا زيد, لأسألك عن التضحية الرهيبة التي تنوي تقديمها ها هنا. أتطلب منك السماء ومحمد هذا؟ أيجب أن يتم ذلك؟ تكلم!

زيد: يا زينب, أنت تسيطرين على كل أفكاري وعلى جميع أفعالي, فكلها منوطة بك. تحكمي بها كما تشائين, تملكي نفسي وقودي يدي. كوني إلهي الحارس, فسّري لي إرادة السماء التي لا أعرفها إلى اليوم, لم اصطفيتُ لأكون أداة انتقامها؟ أقطعيةٌ أوامر النبي المريعة؟

زينب:  يا زيد, علينا أن نخضع بصمتٍ وألا نشك بقراراته, فهو يسمع التنهدات التي نطلقها سرا, ولا تخفى معانتنا عن عيني محمد البصيرة. الشك بالرب جهالة, فلا إله إلا إلهه, وإلا لما استطاع أن يكون مضفرا هكذا لا يُهزم.

زيد: إله زينب لا يكون إلا إلهي, إلا أن نفسي المذهولة لا تقدر أن تتصور أن شخصا حنونا رحيما وطيبا يأمر بجريمة قتل. إلا أنني أعود لأفكر في أن الشك ذنب. إن الكاهن الذي لا يشعر بالذنب يدمر الضحية. أخبرني صوت السماء أن الزبير محكومٌ عليه, وأعلم أن  من المقدر لزيد أن ينفذ الحكم الإلهي. قد أمرني بذلك محمد وأنا أطيعه. أنا ذاهب لأقتل عدو الله مدفوعا بحماسة مقدسة, ولكنني بالرغم من ذلك أشعر كما لو أن يد إله آخر تشد ذراعي لأتأخر وتأمرني بأن أصفح عن الضحية. لقد فقد الدين سلطته عندما رأيت الزبير البائس. لقد ألح علي نداء الواجب عبثا لأبت في قضيته القاسية, حاثا إياي على ارتكاب جريمة القتل. لقد أصغيت إلى الصوت المتألم  للإنسانية الرقية. ولكن ما أرهب جانب محمدٍ وما أفخمه! من يستطيع تحمل ثورة غضبه؟ فعبْسته تؤنب ضعفي المخجل. الدين سلطة مروعة. آه يا زينب! إنني ضائع وسط الشكوك والمخاوف, والرغبات المتناقضة تمزق هذا القلب الرهيف. علي إما أن أكون فاجرا وأن أكفر بمعتقدي أو أن أكون قاتلا.  لم يُخلق زيد ليكون مغتالا, إلا أن هذا أمر السماء وقد وعدت بأن أثأر لها. إن دموع الحزن ودموع الغضب تجريان سوية, والمهام المتنافسة تعصف في داخلي. عليك أنت وحدك يا زينب, أن تهدئيها. عالجي قلبي المضطرب, وامنحيه السلام. وا عجباه! بدون هذه التضحية المروعة, ستنفصم إلى الابد العرى التي تربطنا سوية, ولهذا الأمر وحده أن يضمنك لي.

زينب: أنا إذا ثمن الدم, دم الزبير؟

زيد: كذلك حكمت السماء ومحمد.

زينب: لم يكن غرض الحب يوما أن يجعلنا قساة همجا مجردين من الإنسانية.

زيد: لا ينبغي أن توهب زينب إلا بقتل الزبير لا غيره.

زينب: يا للشرط القاسي.

زيد: إلا أنها مشيئة السماء ومشيئة محمد.

زينب: واعجباه!

زيد: إنك تعرفين أمر اللعنة المخيفة التي تنتظر مرتكب العصيان, لعنة الآلام الأبدية.

زينب: إن كان لابد لك من أن تكون أداة انتقامٍ, وإن كان الدم الذي وعدت به سيُطلب على يدك.....

زيد: ما عسا أن يُفعل؟

زينب: إنني أرتعش عند تفكيري بذلك, ولكن بالرغم من ذلك....

زيد: إذا يجب أن يكون ذلك, لقد قررتِ مصيره . ها قد وافقت زينب.

زينب: أوافقتُ؟

زيد: قد فعلتِ.

زينب: يا للخاطرة البغيضة! ما الذي قلتُه؟

زيد: عبرك يُصدر صوت السماء أمره المروع النهائي, وأنا أطيع. ذلك النُصْب المميت, موقع تعبّد الزبير المفضل, هناك يحني ركبتيه لآلهته الزائفة. انسحبي يا زينب الحلوة.

زينب: لا أستطيع أن أتركك.

زيد: لا ينبغي أن تكوني شاهدة على فعلٍ مروع كهذا. إن هذه يا زينب لحظات رهيبة. اهرعي إلى ذلك البستان, هناك ستكونين بقرب النبي, اذهبي.    

زينب: إذا, على الزبير أن يموت؟

زيد: نعم, محتمٌ على هذه اليد أن تجره إلى التراب, أن تقتله هناك وتغسل ذلك النصب الخرب بدمه.

زينب: يهلك على يديك! إنني أرتجف عند تفكيري بذلك. ولكن انظر! ها قد أتى , أيتها السماء العادلة!

(يُفتح الطرف الأبعد من المنصة, ويُكشف عن مذبح) الزبير وزيد وزينب, إلى أحد الجانبين.

الزبير (واقفا قرب المذبح): إنك يا آلهة مكة الحارسة مهددة بمذهبٍ فاجر أصحابه مدّعين أنذال. استغلي قدرتك الآن وأصغي إلى صلوات عبدك الزبير التي لعلها أقل ما بإمكانه القيام به. لقد انفصمت العرى الضعيفة لسلامنا القصير, و نقمة الحرب الطاحنة تثور. هلا ساندت القضية ضد هذا المتغلّب.

زيد (جانبيا متحدثا إلى زينب): أصغ يا زينب إلى تجديفه.

الزبير: فليكن الموت من نصيب الزبير! لا أتمنى شيئا من هذه الدنيا غير أن أرى ولداي في آخر ساعاتي, وأن أحتضنهما, وأن أموت بين يداهما المحبوبتان. لعلما حيّان, لعلهما ها هنا, لأن شيئا ما يهمس لي بأنه لا يزال بإمكاني أن أراهما.

زينب (جانبيا إلى زيد): أيتكلم عن ولديه؟

الزبير: سيسعدني أن أموت إن رأيتهما. ارعيهما واحميهما أيتها الآلهة اللطيفة, دعيهما يتخذان منهجي في التفكير ولكن لا يكونان كمثلي بائسين.

زيد: أرأيت؟ إنه يتوجه بالدعاء إلى آلهته الزائفة. حان وقت لوضع نهاية لحياته. (يجرد سيفه)

زينب: لا تفعل يا زيد.

زيد:إن هذا السيف المكرّس لقضية السماء مجردٌ لأخدم به إلهي ولأنال الرضى فأستحقك, ولسوف أدمر به ألد أعداءه.  إن ذلك الممشى الكئيب يدعوني إلى الفعلة. أخال الدرب داميا, الأطياف المرتحلة تنساب خلال الظلّ وتوميء لي أن أرحل.

زينب: ما الذي تقوله يا زيد؟

زيد: يا ملائكة الموت, قودوني نحو المذبح, وخذوا بيدي المرتعشة.

زينب: لا يجب أن يكون ذلك, إنه أمرٌ مروع.  توقف يا زيد.

زيد: لا, لقد أزفت الساعة, فانظري, ها إن المذبح يرتجف.

زينب: إنها علامة على موافقة السماء, وعلينا ألا نشك بعد هذا.

زيد: أتعني بذلك دفعي أم ردعي؟ إن نبينا سيوبخني على هذا الضعف. زينب!

زينب: حسنٌ!

زيد (يخاطب السماء): إنني منطلق لتنفيذ المهمة. (يذهب إلى ما خلف المذبح حيث ينزوي الزبير)

زينب (وحيدة): ما أرهبها من لحظة! ما أشد شعوري الداخلي! إن الدماء تجري في عروقي باردة. ولكن, إن كانت السماء تطلب هذه التضحية, من أكونُ لأطلق أحكاما أو لأطرح أسئلة أو لأتذمر؟  أين القلب الذي يدرك ذاته, الذي يميز بين برائته وبين ذنبه؟ علينا أن نطيع. ولكن اصغي! أعتقد أنني سمعت صوت الموت المحمّل بالآلام, لقد تمت الفعلة. ها إنه خِلي زيد!

زيد (يعود بادية عليه آثار الهيجان): أي صوت هذا؟ أين أنا؟ أين زينب؟ لا أستطيع أن أرى زينب. أواه, لقد راحت, ضاعت إلى الأبد.

زينب: أعميت عن رؤيتها, هذه التي لا تحيا إلا لأجلك؟

زيد: أين نحن؟

زينب: تكلم يا زيد, هل تم أداء التضحية المروعة, فتحقق  بذلك وعيدك؟

زيد: ما قلتِ؟

زينب: الزبير, أهو ميتٌ؟

زيد: من؟الزبير؟ 

زينب: أيتها السماء الطيبة احفظي عقله! تعال يا زيد, فلنغادر.

زيد: كيف تحملاني هتان الساقان المرتجفتان! إنني أستفيق. أهذا أنت يا زينب؟

زينب: نعم. مافعلت؟

زيد: أطعت صوت السماء, قبضت بهذه اليد اليائسة على خصلات شعره الفضية, وسحبته إلى الثرى. لقد كان ذلك أمرك. يا الله! ما كنتَ لتأمرني بارتكاب جريمة! وقفتُ لوهلة مرتعدا وشاحبا, ثم جردت هذا السيف القدسي, وغرزته في صدره. أي نظرة رقة وحب ألقاها الشيخ المسكين على قاتله! إن قلبي يحتفظ وسيبقى محتفظا بهذه الخاطرة الحزينة. ليتني مت كما مات.

زينب: فلنعد إلى محمد النبي الذي سيحمينا فأنت هنا في خطر. اتبعني.

زيد: لا أستطيع يا زينب. ارحميني.

زينب: أي خاطرة مريرة تصيبك بكآبة كهذه.

زيد: لو أنك رأيت نظرته الرقيقة, عندما سحب السلاح القاتل من جانبه الدامي وصرخ :"زيد يا عزيزُ, يا زيد المسكين التعس!" آه, ذلك الصوت وتلك النظرات والزبير يتضرج بدمائه عند قدميّ  باقية أمام عيناي. ما الذي فعلناه؟

زينب: إنني أرتجف خشية على حياتك. بحق كل أصرة مقدسة تجمعنا سوية, فُرَّ  وخلّص نفسك.

زيد: اذهبي واتركيني, لم أمرني حبك المشؤوم بارتكاب هذه التضحية المروعة يازينب؟ فبدون أمرك القاسي ما كانت السماء نفسها لتُطاع.

زينب: يا للتوبيخ القاسي! لو عرفتَ ما تعاني منه زينب لأشفقتَ عليها!

زيد: أي شيء مخيفٍ هذا الذي أمامنا؟

(ينهض الزبير ببطء من خلف المذبح ويتكيء عليه)

زينب: إنه الزبير القتيل داميا وشاحبا يجر ساقيه المحطمتان متجها نحونا.

زيد:هل ستذهبين إليه؟

زينب: علي أن أفعل ذلك. لأن الشفقة والندم يسلباني روحي, ويسحباني إليه.

الزبير (يتقدم متكئا على زينب): أيتها العذراء اللطيفة, اسنديني! (يجلس) يا زيدا الجَحود, لقد قتلتني, وها أنت الآن تبكي! لقد فات الأوان.

الفصل الرابع, المشهد الخامس
الزبير, زيد, زينب وفنار

فنار: يا له من منظرِ مرعب! ما الذي أجده ها هنا

الزبير: كنت أتمنى لو أنني رأيت صاحبي عرفجة. فنار أأنت  هنا؟ تعال وانظر إلى قاتلي. (يشير إلى زيد).

فنار: يا له من ذنب! يا لها من فعلة شنعاء! يا زيدا التعس انظر إلى.......أبيك.

زيد: من؟

زينب: هو

زيد: أبي؟

الزبير: رحماك أيتها السماء!

فنار: لقد احتضنني عرفجة بذراعيه في آخر لحظاته وصرخ منتحبا: ألا اسرع, إن كان هنالك  فسحة من الوقت, امنع ارتكاب جريمة قتل ولد لوالده, وأوقف يد زيد. لقد كتم الطاغية في صدري السر المخيف, وها أنا ذا أتعذب بسببه وأموت بيد محمد الكريهة. أسرع يا فنار بل انطلق على جناح السرعة وأبلغ الزبير أن زيدا وزينب... هما ولداه.

زيد: زينب!

زينب: أنت أخي؟

الزبير: أيتها الآلهة! أيتها الطبيعة, لم تخدعيني إذا عندما تشفعت لهما! يا زيدا التعس,ما عساه حثك على ارتكاب فعلة دنيئة كهذه؟

زيد (راكعا): امتناني, وواجبي, وديني, وكل ما يقدسه بنو البشر, دفعوني لاتكاب أسوا الأفعال. أعد لي هذه السلاح القاتل.

زينب (ممسكة بذراع زيد): اغرزه في صدري. لقد كنت سببا في مقتل أبي العزيز وكان سفاح القربى ثمنا لجريمة القتل.

زيد: اضربينا كلانا, فالسماء لمّا تعاقب كفاية على جرائم كجرائمنا.

الزبير (محتضنا إياهما): فلأحتضن ولداي. لقد صبت الآلهة في كأس أحزاني جرعة من أحلى فرحة. إنني أموت قنوعا وأسلم نفسي لقدري. إلا أن عليكما أن تعيشا يا ولداي.  بحق اسم الطبيعة المقدس وبحق دم والدكما المحتضر الذي يجري متدفقا من الجرح الذي تسببتما فيه يا ولدي زيد ويا زينب, أتضرع إليكما أن تعيشا , انتقما لنفسيكما, وانتقما للزبير الجريح, ولكن حافظا على حياتكما الغالية. إن الساعة العظيمة المهمة تقترب, فعليكما ان تغيرا المشهد المحزن. سينهض الشعب الجريح بسلاحه, ما إن يتبين الفجر, ويعاقب المتغلب. سيضيف دمي وقودا جديدا تضطرم به غضبتهم. فللننتظر انتهاء المسألة. 

زيد:  ألا أنني منطلقٌ للتضحية بالوحش, فإما أنتقم لحياة أبٍ عزيز أو أخسر حياتي.

الفصل الرابع, المشهد السادس
الزبير, زيد, زينب, عمر, ومرافقون

عمر: اقبضوا على القاتل أيها الحرس, لقد أتى محمد ليعاقب على الجريمة ويطبق القوانين.

الزبير: ماذا أسمع؟

زيد: هل أمرك محمدٌ بمعاقبة زيد؟

زينب: يا للطاغية الكريه, ألم تكن الجريمة قد نفذت بناءا على أمرك؟

عمر: لم يتم إصدار أمرٍ كهذا.

زيد: حسنا كوفئت بهذه الجائزة العادلة على قسوتي.

عمر: أطيعوا أيها الحرس.

زينب: توففوا, سوف لن.....

عمر: يا سيدتي, إن كانت حياة زيد غالية عندك, عليك بأن تسلّمي صابرة, لئلا حل على رأسك غضب النبي كالصاعقة. فإن أطعت, سيكون بإمكان محمد العظيم أن يحميك. أيها الحرس قودوها إلى الملك.

زينب:ألا خذني أيها الموت بعيدا عن هذا المشهد المحزن للفجيعة التي لا أخر لها. (يحمل زيد وزينب بعيدا).

الزبير (لفنار): لقد راحوا, ضاعوا. ياللأب الأشد تعاسة. إن الجرح الذي ألحقه بي زيد ليس بأعمق ولا أشد إيلاما من هذا الفراق.

فنار: انظر يا سيدي, لقد حل الصبح وها هي الجموع المسلحة تتقدم لتدافع عن قضية الزبير.

الزبير: اسندني يا فنار, فلعل صاحبك يحيا ليعاقب هذا المنافق الخسيس, فربما بموتي أقدم خدمة لولديّ العزيزين القاسيين.

نهاية الفصل الرابع.

الفصل الخامس, المشهد الأول
محمد, عمر, حرسٌ على مبعدة.

عمر: إن اقتراب الزبير من حتفه يثير مخاوف العامة, لقد حاولنا التخفيف من روعهم وأنكرنا كل معرفة بأمر الفعلة. لقد أسمينها في خطابنا مع البعض يد السماء المنتقمة التي بهذه الفعلة تبين ميلها لقضية النبي. وفي خطابنا مع الآخرين نعينا سقوطه قتيلا, وتفاخرنا بعدالتك المهابة التي سوف تنتقم له قريبا. لقد أصغى الحشد بانتباه لمديحك فانتهى خطر الثورة. وإن بقي شيء من غضب فرقة متطفلة, فهو لن يكون إلا كتلاطم الموج إثر العاصفة بعد أن تصبح السماء هادئة صافية. 

محمد: فلنحلرص على أن يبقى الأمر كذلك. أين عصائبي  المغوارة؟

عمر: إنها جميعا على أهبه الاستعداد. لقد قادهم عثمان في عتمة الليل إلى مكة عبر ممراتٍ سرية.

محمد: من المستغرب أن يكون من الضروري إما خداع الناس أو إجبارهم ليطيعوا. ألا يعلم زيد بأن الدم الذي سفكه كان دم أبٍ؟

عمر: من عساه يعلمه بذلك؟ عرفجة, وهو الوحيد الذي يعرف السر قد فنى, وسرعان ما يتبعه زيد. أما الآن فهو قد شرب السم بالفعل. لقد عوقب على جريمته ساعة ارتكابها. لقد كان الموت يجري خلسة في عروقه حتى وهو يجر والده إلى المذبح فلا يمكن أن يبقى حيا. زينب حية أيضا وبإمكانها أن تكون مفيدة. لقد منحتها الأمل بالعفو عن زيد حتى أكسبها إلى قضيتنا وهي لا تقدر على التذمر, كما أن قلبها طيّع ورقيق, خُلق ليُطيع وليكرم محمدا ويجعله قريبا أسعد البشر. ها هم يحضرونها إليك مرتجفة وخائفة.

محمد: احشد قواتي  ثم عد إلي يا عُمر.

الفصل السادس, المشهد الثاني
محمد, زينب وحرس

زينب: يا للسماء! أين أنا, رحماك يا الله!

محمد: لا تفزعي, لقد قدرنا مسبقا مصير مكة. اعلمي ان الخطب الجلل الذي يملأ نفسك بالرعب سرٌ بين السماء وبيني لا يجب إفشاءه. إلا أنك حرة وسعيدة فلا تشغلي فكرك بعد بزيد ولا تنحبي عليه. اتركي لي مصائر الرجال, وكوني شاكرة على ما آل إليه مصيرك. إنك تعرفين أن محمدا لطالما أحبك, وأنني لطالما كنت أبا لك, ولربما رفع قدرك بشكل أكبر موئلا أكثر شرفا ولقبا أفضل, غن استحقيتيه, لذلك امحي من ذاكرتك اسم زيد واسمحي لروحك أن تتطلع إلى نعَمٍ أكبر يكون لها أن تأمل بها. فليكن قلبك آخر انتصاراتي وأكثرها تشريفا, وانضمي إلى العالم المقهور فتتخذين مني سيدا لك كما فعل.

زينب: أي مُتع وأي نِعمٍ وأي سعادةٍ لي أن أتوقعها منك أيها المدعي النذل؟ أيها المتوحش الدامي! هذا وحده ما ينقص, هذه الإهانة القاسية  تنقصني لأكمل بها أحزاني. أيها الأب الخالد انظر إلى هذا الملك, هذا النبي الكريم, هذا الإله القدير الذي عبدته. يا وحشا خدع قلبين نقيين فأقنعتهما بارتكاب جريمة قتل أبيهما المروعة, يا مغويا سيء الصيت لشبابي البريء. كيف تجرؤ على الاعتقداد بأن بإمكانك كسب قلب زينب وأنت ملطخ بدم أبي العزيز؟ ولكن اعلم أيها الطاغية المتكبر أنت لست بعد لاتُقهر. إن القناع الذي يُخفيك قد سقط, ويد الانتقام مرفوعة لتجلدك عقابا لك على ذنبك. ألا تسمع صوت الحشد الهائج المجهز بسلاحه ليدافع عن البراءة الجريحة. إن والدي القتيل سيأتي ليقودهم من بين ضلال الموت المعتمة.ألا ليت لهتين اليدين الضعيفتين أن تمزقاك إربا, أنت وكل أتباعك! ليت لي أن أراهم يضرجون في دماءهم. أنظر إلى مكة والمدينة وآسيا, لقد اجتمعت كلها ضدك! حتى ينفض العالم الساذج عن جسده قيودك القذرة فتكون ديانتك مصدر تفكه واحتقار البشرية بأسرها إلى أجيال فأجيال! ليت هذه الجحيم التي  كثيرا ما حذرت منها كل من تجرأ على الشك في لاهوتك الزائف تفتح الآن بواباتها النارية وتكون جزاءك العادل! هذا هو الشكر الذي أدين به لك لأجل مكارمك وهذه هي الصلوات التي أؤديها لأجلك.

محمد: أرى أنني قد غُدرتُ.ولكن فليكن.  مهما كنت, تعلمي  أن تطيعي من الآن فصاعدا, أما هذه المرة فتعلمي أن تطيعين قلبي.

الفصل السادس, المشهد الثالث.
محمد, زينب, عمر, علي ومرافقون

عمر: لقد كُشف السر, فقد أفشاه عرفجة ساعة موته. لقد اقتحم الشعب الثائر السجن, وقاموا مسلحين, حاملين على أكتافهم الجثة الدامية لزعيمهم التعس, نادبين نهايته, ومنادين عاليا بالثأر له. إن الفوضى تعم في كل مكان. وزيد على رأسهم يحثهم على التمرد ويصرخ: "أنا قاتل أبيه" بغضب وبحزن. إنه يبدو كمن به جُنة. الشعب يهتف بصوت واحد لاعنا النبي وإلهه. حتى من وعد بالسماح لقواتنا بالدخول داخل أسوار مكة قد تآمروا معهم ليشهروا سلاحهم اليائس ضدك, فلا يُسمع غير صرخات الموت والانتقام.

زينب: فلتآزره السماء العادلة ولتنتصر لقضية البراءة.

محمد (لعمر): حسنٌ, وما الذي علينا أن نخافه؟

عمر: إن عمر, يا مولاي, ومعه أصحابك المخلصون القلائل, مجهزون لمجابهة العاصفة الثائرة ولأن يهلكوا عند قدميك, مستصغرين الخطر.

محمد: بمفردي سأدافع عنكم جميعا. اقترب وانظر وقل أنني اتصرف كمحمد.

الفصل السادس, المشهد الرابع
محمد, عمر وحزبه في جانب, وزيد والشعب في الجانب الآخر. زينب في الوسط.

زيد: انتقموا لأبي, اقبضوا على الخائن.

محمد: أيها الشعب الذي ولد ليطيعني, استمعوا لسيدكم.

زيد: لا تصغوا للوحش, اتبعوني. (يتقدم قليلا ثم يترنح) ياللسماء! أي ضلمة مفاجئة غطت عيناي المضطربتان؟ اقتحموا الآن يا رفاق.... آه, إنني أموت.

محمد: ها! إذا فكل شيء على ما يُرام.

زينب: يا أخي, ألا تستطيع أن تسفك دما غير دم الزبير؟

زيد: بلى. تعالي... لا أستطيع, إلهٌ ما يسلبني قواي (يُغمى عليه)

محمد: منذ الآن فصاعدا, فليعلم كل خصمٍ لمحمد أن يخاف ويرتعد. اعلموا أيها الكفار المتكبرون, أن هذه اليد وحدها لها القدرة على أن تسحقكم جميعا, فقد أناط بي إله الطبيعة سلطانه. اعترفوا إذا بنبيّه, وبشرائعه, وليحكّم ذلك الإله في الخصومة التي بين محمد وزيد, وأيا منا كان مذنباٌ أيا كان ذلك الذنب, فليهلك في التو واللحظة.!

زينب: أخي زيد, ألهذا الوحش المفاخرة بسلطة كهذه؟ إن الشعب واقف مشدوها به مرتعدا لسماع صوته, أفتخضع لمحمد؟ 

زيد (يسنده مرافقوه): وا عجباه! إن يد السماء مسلطة علي, إن الجريمة غير المقصودة يقتص منها بشدة. عبثا يا زينب كان زيد خلوقا. لو أن السماء هكذا تعاقب على على أخطائنا, فأي شيء يتوقع من جرائم كجرائمك يا محمدا البغيض؟ مالذي يجعلك ترتعد!... إنني أموت. استقبليني أيتها السماء الرحيمة واعفي عن زينب. (يموت)

زينب: ليست السماء الغاضبة من تلاحق زيدا, ليست السماء الغاضبة, لا, بل قد دُس له السُم.

محمد (مقاطعا إياها ومخاطبا الشعب): أيها الكافرون, تعلموا من مصير زيد أن توقروا محمدا الذي تدافع عنه السماء. إنكم ترون كيف أن الطبيعة والموت قد أصغيا لصوتي, وأن هذه الجثة الشاحبة كانت شاهدة على طاعتما. إن سيف القدر معلقٌ فوق رؤوسكم, احذروا من أن يهوي عليكم. هكذا سأجازي كل المتمردين الفسقة, وجميع الكفار الانجاس, وأعاقب على كل كلمة وفكرة موجهة ضدي. فإن كظمت غيظي وأستحييتكم تذكروا أيها الخونة أنكم تدينون بوجودكم لتسامحي. أسرعوا إلى المعبد واسجدوا لعرش الرحمة, وصلوا اتقاءا لنقمة محمد. (ينسحب الشعب)

زينب: امكثوا واستمعوا لي أيها الناس. إن الهمجي قد دس لأخي السم....إيها الوحش الذي رفعته الجريمة هكذا ليستلم إمبراطورية, ويُأله بالذنب. يا قاتل جنس زينب الشقي, أكل عملك واسلب حياتي البائسة. يا أخي العزيز دعني أتبعك! (تقبض على سيف أخيها وتطعن نفسها).

محمد: أقبضوا عليها وامنعوها.

زينب: لقد فان الأوان فأنا أموت. إنني آمل, وأنا أسلم روحي, وجود إله أكثر عدلا من إلهك يكون محتفضا بسعادة تجازي على البراءة الجريحة. فليحكم محمد هنا بسلام فهذا العالم قد خُلق للطغاة. (تموت)

محمد: لقد راحت, ضاعت. الجائزة الغالية الوحيدة التي رغبت بالاحتفاظ بها من بين جميع جرائمي.عبثا قاتلت وفتحت فمحمد بلا زينب تعيسٌ. أيها الضمير, الآن أشعر بك, وأشعر أن ليس بإمكانك أن تمزق القلب المذنب. أيها الإله السرمدي, الذي جعلتُه أداة سوء, والذي أسأت له, وتحديته, وجدفت بحقه, يا من لا زلت أخافه, إنظر إليّ وكيف أني معترفٌ بجرمي وكيف أني يائسٌ مع أن العالم يصلي علي. عبثا كان كل سلطاني الذي أفاخر به. لقد خدعت البشرية, ولكن كيف لي أن أفرض على قلبي شيئا؟ يجب أن يُنتقم لأبٌ قتيل, ولولدين بريئين. تعالوا أيها الضحايا البائسون وضعوا لي نهاية على عجل!..يا عمر, علينا أن نجهد لإخفاء هذا الضعف المخزي, وإنقاذ مجدي, فلأحكم على عالم موهوم. لأن محمدا يعتمد على الخديعة وحدها, ولكي يكرُم, لا يجب أن يُعرف ذلك أبدا.

انتهى ..

تأليف : الأديب الفرنسي فولتير
ترجمة: ابن المقفّع... 
« آخر تحرير: 25/09/2012, 05:59:24 بواسطة أبن المقفّع »

الأربعاء، 3 أبريل 2013

الحكم بما يرضي الله




من بين ما يلبّد سماء الأمة العربية الكئيبة، في هذه الأيام العصيبة، و يلوث صفاء فضائها المتهالك، مصطلح ( ما يرضي الله) الذي يعمل مرضى الله و صعاليك رسوله على بعثه من قبره.
و مما يستفاد من هذا المصطلح هو أنه يعني فيما يعنيه، كل شيء أمر الله بفعله و حث عليه و رغّب فيه..فالركوع و السجود و التذلل و الامتهان و التمسح بالأحجار هو مما يرضي الله.كذلك القتل و النكح و البضع و الجهل و الفقر، كل ذلك مما يرضي الله. و بما أن أفعال المرء تكون على درجات فإن ما يرضي الله يتفاوت هو الآخر قيمة و أهمية و قبولا عند الله..فالصدقة، ورغم أنه لا يناله منها شيء، فإنها قد ترضي الله و قد لا تفعل ، و لكن الأكيد و المؤكد هو أن صداق النكاح و أجور المنكوحات يرضيه أكثر..كما أن الأضحية و التقرب بغشاء الحشفة هو مما يرضي الله، إلا أن الجهاد في سبيل الله و لو بالذكر هو مما يرضيه أكثر فأكثر..كذلك الزواج،فهو مما يرضي الله بحق، إلا أن الزواج بأربع قواصر لهو الأكبر درجة عند الله و الأعظم إرضاء له.
هكذا نرى بأن هذا المصطلح الكريه ينتشر شيئا فشيئا ليشمل جميع أنشطة المسلم و معاملاته.فمنذ أن يفتح عينيه على شمس الصباح، و إلى أن يضمه دفء فراش الليل، يعيش المسلم الحنيف على ما يرضي الله. يبيع و يشتري بما يرضي الله.يستفتح الأعمال بالبسملة و الحوقلة، و يختتمها بالحمدلة و الاستغفار، و بين الاثنتين..غش كثير بما يرضي الله، و حلف على الكذب و هو يعلم، بما يرضي الله، و نصب و كيد و احتيال و احتكار و زبونية و فساد عظيم ..بما يرضي الله.
و إذ يزني المسلم فإنه لا يزني إلا بما يرضي الله. ينكح الميتة و القاصر دون الحلم و البهيمة، و يزني بالمثنى و الثلاث و الرباع..كل ذلك بما لا يحالف ضره الله و سنة رسوله و لا يخرج عن مذهب أبي حنيفة النعمان و الأئمة الأربعة. حتى إذا ما قضى من عواهر الشرع أوطاره، رمى بهن إلى سراديب الدعارة بحجة أن الزواج حلال و أن الطلاق أبغض الحلال إلى الله. و تعتبر مؤسسة الزواج الإسلامية أكبر ماكينة لتفريخ المومسات و أبناء الشوارع و المتخلى عنهم بما يرضي الله.
أما عن الإجرام فحدث و لا حرج.. إذ الكافر و المرتد و الملحد و الخارج عن الملة و الدين تجوز سرقتهم في شرع الله ، و يجوز ابتزازهم و نهبهم و سلبهم و سبيهم بما يرضي الله.و لا يلوم المسلمَ لائم ، و لا يخزه ضمير أو يثنيه خلق عن قتل المخالف و المعارض له، لأن قتله و سحله و الفتك و التمثيل به، فرض عين في شرع الله و جهاد في سبيله.. و أن عصب الإسلام و رأس الإيمان لهو الجهاد..و أن منه جاهد في سبيل الله بماله و ذكره و نفسه فقد فاز فوزا عظيما. و لئن سألت المسلم عن القتل بما يرضي الله قال هو القتل بالمعروف و الرأفة بالمقتول، و يتم ذلك بالتكبير و الذبح من الوريد إلى الوريد و سبي الأهل و نهب المال و قطع النسل و محو الاسم و طمس الأثر... فلنعم القتل قتل المسلم و لنعم المرضاة  مرضاة رب المسلم.
و إن من بركات ما يسمى بالربيع العربي أن اتسع نطاق استعمال هذا المصطلح الخبيث ليغزو أدبيات الحكم و قوانينه في الدول و الأقطار التي مسها مدّ الخراب الإسلامي، و التي تمثل مصرُ أكبر و أجود شاهد عليه..فبعد سطوهم على دواليب الحكم و سيطرتهم على خزائن الدولة و تمكّنهم من أعناق العباد، هاهم الخرفان المجرمون يخربون مؤسسات الدولة و يدمرون اقتصادها بما يرضي الله، و هاهم ينتهكون الحرمات و يضيقون على الخريات و يسعبدون المواطن و يهينون الكرامات، و يصادرون الحقوق و يغتصبون المكتسبات..و كل ذلك يتم بما يرضي الله
فماذا بقي بعد مما لا يرضي الله، إذا؟؟؟
إن كل ما من شأنه انتزاع القيمة من الإنسان و امتهانه و احتقاره و اغتصاب إنسانيته و انتهاك أعراضه لهو مما يرضي الله . و إن كل ما يعظم الإنسان و يكرمه و يرفع من قيمته لهو مما يغضب الله
فليغضب الإله ما شاء له أن يغضب
و لينفجر الرب ما شاء حزنا و كمدا
فإنا قد ولدنا هاهنا أحرارا سعداء
وإنا  سنبقى هاهنا شدادا كراما أبدا
و بئسا لقوم يعيثون في الأرض فسادا يبتغون مرضات رب مريض متخلف جاهل حقود

أبو نبي العرب

السبت، 30 مارس 2013

سورة السكس


سورة السكس
بسم الله الحمن الرحيم .السكس و ما أدراك ما السكس يهدي الله لسكسه من يشاء ،إن الله كان بالسكس عليما خبيرا.يأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين إذا قيل لهم انكحوا لا ينكحون.انكحوا هو أقرب إلى التقوى و الله بما تنكحون واسع عليم.انكحوا ذات اليمين و ذات الشمال مثنى و ثلاث و رباع و لا تهنوا و لا تستحوا و لا تحرموا ما أحل الله إنه لا يفلح القوم الظالمون.انكحوا الصغير و الكبير و جاهوا في الكفار و لو بالذكر. و انكحوا ايديكم و ما بين الفخدين و الدواب و الحمير و البغال.و لا تعتلو البعير إنه كان حراما مبينا. يأيها الذين آمنوا عليكم بالميتة و القتيلة و المشنوقة لتشفوا ما في صدوركم من غل و لتكبروا ما علوتهن تكبيرا..يأيها الذين آمنوا إذا ركعتم فاستووا و إذا سجدتم فاستقيموا لله و ارفعوا الأطياز رفعا شديدا و اذكروا الله كثيرا على ما هداكم .إن ربكم كان بالأطياز رؤوفا رحيما
صدق الله العظيم

الخميس، 28 فبراير 2013

رؤيا النبي نبيل الطاهر


ماذا لو استنسخنا صلعم او صلعمين؟





رأيت في منامي قبل أيام أن فرقة كوماندوز قامت بتدمير الكعبة وقبر صلعم وقبة الصخرة ومحتهم جميعاً من وجه الأرض. وقد كان ذلك الحلم كابوساً رهيبا, ً مع أني حقيقةً اتمني ان اغمض عيني يوماً ما وأفيق وهذه الثلاثة (العقارات) قد مُحيت فعلاً من هذه الارض ومن حياتنا. أعتقد ان هذا راجع الى طبيعتي الإلحادية فأنا لا ارضى الأذى لإحد, حتى المؤمنين الذين لن يتترددوا بقطع اطرافي ولساني إن قدروا على ذلك.

وبما أني اتوقع أن أول سؤال سيتبادر إلى ذهنك عزيزي القارئ هو عن هوية المهاجمين, احب ان ابادر بالإعتذار لإنه لم يتسنى لي التحقق من بطائقهم. وبصراحة لم يكن إهتمامي اثناء الحلم ما إذا كان المهاجمون كوماندوز إسراييليين, ام كانوا مجموعة من الظباط الأمريكيين المتطرفين الذين ارادوا الإنتقام لمركز التجارة العالمي بتدمير ايقونات أسلامية مقدسة. ام كانو شباب سعوديين ضاق ذرعهم ببني وهاب وبهيئة الفضيلة وبحالة الكبت وبالمجاعة الجنسية المفروضة عليهم. لم اتسآل إذا كانت الهجمة سيناريو مدبر من بني سعود ليشغلوا العالم الإسلامي بالصراع مع الغرب بدلاً من الإلتفات لفسادهم ولم يذهب عقلي الى فرضية الشيعة وإيران الذين سيستفيدون من تأجيج الصراع الإسلامي الغربي ويتحينون الفرصة ليصنعوا قنبلتهم النووية. كل نظريات المؤامرة هذه لم تشغل بالي اثناء الحلم. كنت اركز وارتجف خوفاً وتأملاَ ان تتم العملية دون وقوع أي ضحايا من المصلين الابرياء. وعلى كلٍ, اعدكم إذا عاد الحلم مرة ثانية ( second run) فسأطل من نافذة كابوسي واتحقق من اشكال المنفذين وأسلحتهم واعود إليكم بتقرير مفصل حتى نستطيع التحري والوصول إلى هويتهم.

وقد اثار هذا الحلم مسألة التخلص من هذة الأماكن حتى نساعد المؤمنين على التخلص من قيودهم. ماذا لو افاق المؤمنون يوماً والكعبة وقبر صلعم والصخرة وحائط المبكى ليس لها وجود؟ ( أعتذر إن كنت قد نسيت صخرة اخرى). ماذا لو اثبتنا لهم أنه بالإمكان التخلص من اصنام الله وحجارته وجدرانه ودهاليزه المظلمة دون ان يستطيع ان يحرك ساكناً؟ ماذا لو أثبتنا للمؤمنين ان الله يحتمي بالأنسان وخصوصاً الإنسان المتعلم الذي يصنع له وسائل الدفاع العسكريه وغير العسكرية؟ حتى الكلمة الحرة في منتديات الإنترنت الذي صنعه الكفار تسبب القلق لمعالي السيد ارحم الراحمين فيحتمي ببرامج الكفار انفسهم ليحجبها عن مواطنين بلاد صلعمستان. طبعاً, ربما يكون هناك رد فعل عنيف من شعوب الإيمان في حال دُمّرت هذه الأصنام, وسيخرجون للمظاهرات نصرة لربهم العاجز, لكنهم في النهاية سيزهقون من الدفاع عنه. ولربما طلبوا منه ان يتوقف عن التمترس خلف السراويل والحجابات الواسعة للمسلمات وخلف اللحي الطويلة للمسملين, او حتى خلف العلوم المتقدمة للكفار . لقد سئمتُ انا من هذا الأله الجبار"الفتوة" الكسّار ابو شوارب يقف عليها الفأر الذي يقبل الذل على نفسه وعلى اتباعه, فكيف بالمسلمين وهم يدعونه ويتضرعون إليه أن يقوم ولو ب"خبطة" صغيرة تساعدهم على إخراج رؤوسهم المدفونة في الرمال.

وقبل ان تحمكوا بأنني شخص غير واقعي احب ان أبلغكم أنني قد صحوت من حلمي في اليقظه وحلمي في المنام أيضاً. وتنبهت إلى أن حدثاً جلل كتدمير اصنام الله والإعتداء على قبر الرسول محمد صلعم سيأتي بالعواقب الوخيمة. تذكرت ماذا حدث عندما رسم بنو الأصفر في الدنمارك صورة كبير الأصنام. تذكرت الدماء التي سالت والأعلام التي اُحرقت وقمصان المؤمنين التي قُطعت وقررت التخلي عن كابوسي وعن حُلمي معاً.

ولكني في الأيام الأخيرة قرأت تعليقاً في مدونتي الجديدة – مدونة ابن سلول -- لواحدا من إخوتي في الإلحاد اسمه راوندي. اخونا راوندي من المملكة الهمجية السعودية وهو يعاني الأمرّين من حجب مدونات الفكر الحر. فاستقر الحال بالصديق راوندي في مدونتي التي لم تحجب بعد! وللعلم لايسعني الإ ان اشكرهم لإنني لولاهم لما تشرفت بالتعرف على العزيز راوندي. كان التعليق يتحدث عن إعتقاد المؤمنين بأن اجسام الأنبياء لاتتحلل. قلتُ في نفسي عندما قرأت التعليق: معنى هذا ان بقايا صلعم لازال فيها انسجة وخلايا فلماذا لانأخذ عينة من الخلايا ونستخلص مادة الحمض النووي ونستنسخ صلعم آخر ولماذا لانستنسخ صلعمين؟!! صلعم رقم واحد أو صلعم الرمال وصلعم رقم اثين أو صلعم المدنية.

خليكم معي: انا لا اقترح ان تكون العملية عشوائية بل منظّمة. اقترح ان تتم تحت إشراف هيئة مكونة من علماء في البيولوجي ومن أخصائيين في القانون ومن فقهاء في الدين ومن شخصيات إجتماعية وسياسية وآخرون ممن يتم الإتفاق حولهم.

بالنسبة لصلعم رقم واحد أقترح ان نخلق بيئة مشابهة تماماً للبيئة التي نشأ فيها صلعم النسخة الأصلية وأن يتم إنشاء قرية في الأردن أو أي مكان آخر. ثم نبني الكعبة و بئر زمزم والأصنام والحجر الأسود وغيرها. ثم يقوم ممثلون قديرون بلعب دور الأشخاص الذين لعبوا دوراً في حياة صلعم مثل امه بنت وهب وراضعته حليمة السعدية وعبد المطلب وابو طالب وابى الحكم واليهود وورقة ابن نوفل – اهم المؤثرين في حياة صلعم— والأوس والخزرج وغيرهم. وأنا شخصياً على إستعداد لدراسة فنون التمثيل والقيام بدور ابن سلول. ومن المهم جداً ان تكون حياة صلعم مغطاة تغطية كاملة بالكاميرات الخفية حتى نتابع كل تحركاته على غرار فيلم (The Truman Show) للمثل جيم كيري.
طبعاً, ستكون امامنا إشكاليات كبيرة. فمثلأ, من أين سنأتي بطفلة عمرها ست سنوات لتتزوج من رجل في الخمسينات و"يبني بها" وهي في التاسعة؟ لكن انا متأكد ان العلم الحديث سيساعدنا على تخطي جميع الأشكاليات. على سبيل المثال ربما يستطيع الماكياج ان يحل مشكلة الممثلة التي ستقوم بدور عائشة!

بالنسبة لصلعم رقم إثنين, أقترح ان ندعه يتربى في بيئة ليبرالية حديثة ومحايدة, في سويسرا مثلاً. ونراقب انماط سلوكه الاخلاقية وميوله الروحانية وهل تختلف عن سلوكيات صلعم الأصلي أو عن صلعم رقم واحد. وما هي مواقفة من مشاكل الأمم الحالية؟ هل هو مع الإرهاب أم ضده؟ هل هو مع تحرير المرأه ام ان له ميول ذكورية؟ هل يكره الأقليات؟ هل هو من المعاديين للسامية؟ ماذا عن حقوق المثليين؟ هل هو نفسه مثلي ام لا؟

قد يقول قائل: وما فائدة كل هذا؟
وأنا أقول ان هناك ثلاثة سيناريوهات وكلها تصب في صالح المسلمين : 

أولاً : في حالة غضب الله بسبب الإعتداء على بقايا صلعم ( التي برأيي تحللت تماماً خصوصاً تحت حرارة السعودية) فإنه قد يُستنفر ويغضب ويخسف بالمشرفين على هذه العملية. الن يكون هذا سبباً لدحر كل المشككين والجاحدين ومنهم اخوكم المتواضع ابن سلول هذا العصر؟ الن يكون عملاً كهذا موضع إعتزاز وافتخار للمسلمين الذين يدعون ربهم ويسألونه العزة ليلاً ونهاراً ولا وجود لمن تنادي؟ في هذه الحالة سيخلص المؤمنون من جميع الملحدين والعلمانيين ووجع الرأس الذي يتسببون به. وبالتأكيد سيكون الحدث معجزة كبيرة تُلهم الناس الى الإسلام فيدخلون في دين الله أفواجا.

السيناريو الثاني أن يتم إستنساخ صلعم بنجاح وإله جهنم ساكت كعادته لم "يتحرك دمه" ولم يخسف بنا الأرض ومع هذا يصرالمؤمنون على الإستمرار في خنوعهم وغبائهم .صلعم الرمال في هذه الحالة سيمثل مادة دسمة جداً لشيوخ الإسلام والمهتمين ب"علم" الفقه. تصوروا معي: سيستطيع "علماء" الدين ان يحسموا كل خلافاتهم. فمثلاً سيكون بأمكاننا مشاهدة الكاميرات عندما يستنجي صلعم وبالتالي سنتيقن من الأصبع التي يستخدمها وفي أي إتجاه يحركها وكم سانطي يولجها. سيكون بأمكاننا أيضاً معرفة ماذا كان يفعل بالظبط عندما يدخل على نسائه, وسيستفيد المسلمون من هذا عظيم الفائدة.
فهناك مسائل لابد للمسلم معرفتها ليقتدي برسوله فتقبل اعماله عند الله. مثلاً, هل كان الرسول صلعم يطأ زوجته الشيب (الكبيرة في العمر) بنفس الطريقة التي يطأ بها الشابة أو بنفس الطريقة التي يطأ بها الطفلة من أزواجه؟ أم أن هناك "حركات" معينة يفضلها مع نسائه بحسب اعمارهن؟ هل كان يطلب من الجواري ان يقمن بأشياء إضافية؟ هذه امور تهم الفرد المسلم تماماً كما تهمه حركة سبابة الرسول أثناء الصلاة أو كما تهمه مسألة أن الرسول كان يأكل لحمة الكتف أو أنه كان يبدأ باليمنى عندما يلبس الحذاء ويبدأ باليسرى عندما يخلعه. إن هذا السيناريو سيفتح امام المسلمين آفاق رحبة في الفقه والسُنة وسيجعلهم يتبعون نبيهم عن تيقن دون الحاجة إلى الرجوع إلى الأحاديث المختلف عليها والتي ربما حرفها اليهود....ويا دار ما دخلك شر!

السيناريو الثالث: نستنسخ صلعم ويهتز إيمان المسلمين بهذا النبي وربه المزعوم. ويبدأ المسلمون التساؤل حول دعوته وأخلاقه وسيرته. صدقوني صدقوني صدقوني ( التكرار للتأكيد وقد اقتبست هذا الأسلوب البلاغي من صلعم)..اقول صدقوني عندما يبدأ المسلون, خصوصاً المتعلمون, بالتساؤل سيعني هذا انهم في طريقهم إلى النجاة. سيتسآلون وسيُشككون أولاً في رسالة صلعم وبعدها في شيوخ الدين وبعدها سيأتي دور شيوخ البترول وبعدها معاملة المرأة. باختصار سيفتحون ابواب الحضار الإنسانية التي أغلقوها على مجتمعاتهم لإنهم أسرفوا في ممارسة الإيمان وفشلوا في ممارسة فن التساؤل.

سلامي ومحبتي
نبيل طاهر

الأحد، 10 فبراير 2013

حقيقة الحضارة الاسلامية



  بسم الله الرحمن الرحيم

تنبيه

هذه المذكرة جواب عمَّن جعل حضارة الإسلام هي النبوغ في علوم الفلاسفة والملاحدة وجعلها هي تشييد المباني وزخرفة المساجد ، وجعل علماء الإسلام هم الملاحدة كابن سينا والفارابي ونحوهم ، أسأل الله تعالى أن ينفعهم بها وصلى الله على محمد .



بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
فإن الفتن في هذه الأزمان قد تتابعت كقطع الليل ، وأحييت معالم الدَّهْمَاء ، وأثير نقع الفتن واستوري زناد الهَزَاهِز :

إذا لهب من جانب باخ شره       ذكا لهب من جانب فتضرما


ولكن مستثار الفتنة وعرصة غيِّها هو فيما حازه الكفار من زخارف الدنيا التي فَتَحها الله عليهم ، فإنها قد بلبلت كثيراً من المسلمين ، فمنهم من انسلخ عن دينه والعياذ بالله ؟ ومنهم من بقي حائراً ، ومنهم من ثبت على دينه على دَخَنٍ ، ومنهم من لم يرفع بهذه الفتنة رأساً ولم يلق لها بالاً وثبت على دينه ثبات الجبال الرواسي .
والمقصود هنا فريق من المسلمين ثبتوا على دينهم ، ولكنَّ نقعاً من هذه الفتنة أصابهم ، وذلك أنهم حاولوا إبراز محاسن الإسلام للكافرين ، وأن المسلمين كانوا في حضارة وعلم من جنس حضارتهم وعلومهم ، فهؤلاء صحت ألفاظهم وأخطأت معانيهم ، فالإسلام هو دين الحق والعلم والحضارة ، ولكنها حضارة غيرُ الحضارة وعلمٌ غير العلم :

سارت مشرقة وسرت مغرباً      شتان بين مشرقٍ ومغرب


فحضارتهم دنيوية زائلة ، وحضارة المسلمين دينية نبوية باقية ، وعلومهم دنيوية دنيه ، وعلوم المسلمين شرعية ربانية :

سلفيةٌ سنيةٌ نبويةٌ      ليسوا أولي شطحٍ ولا هذيانِ


وقد كتبت هذا البحث ونقلت فيه كلام الأئمة الأعلام حول هذا الموضوع ، وقسَّمته إلى أربع فصول :
فالفصل الأول : عن الحضارة الإسلامية وعلاقتها بالعلم الشرعي .
والفصل الثاني : عن العلوم الدنيوية التي قيل إن المسلمين برعوا فيها وحكمها شرعاً .
والفصل الثالث : عن العلماء المسلمين الذين قيل إنهم برعوا في هذه العلوم وحكمهم شرعاً .

والفصل الرابع : عن الشبهات التي قد ترد حول هذا الموضوع وردها .
هذا وما كان في هذا البحث من صواب فمن الله والحمد لله على ذلك ، وما كان فيه من خطأ فمني ومن الشيطان وأستغفر الله .
وأخيراً ، أسأل الله تعالى أن يجعل هذا البحث خالصاً لوجهه الكريم ، وأن ينفع به من قرأه . وصلى الله على محمد .



الفصل الأول : الحضارة الإسلامية والعلم الشرعي

إن الحضارة الإٍسلامية الصحيحة هي التي وجدت في القرون المفضلة ، في وقت الصحابة والتابعين ، وأئمة الدين ، فريق الهدى ، وأشياع الحق ، وكتائب الله في أرضه ، الذين بلغوا من الدين والعلم والقوة غاية ليس وراءها مطلع لناظر ، ولا زيادة لمستزيد ، ففتحوا البلدان ، وشيدوا الأركان ، ودانت لهم الأمم ، وتداعت لهم الشعوب :


ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا     وإن نحن أومأنا إلى الناس وقّفوا


هم الذين قال فيهم الرسول r : ( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )[1] ، أولئك هم ( أبر الأمة قلوباً ، وأعمقها علوماً ، وأقلها تكلفاً ، وأقومها هدياً ، وأحسنها حالاً )[2]


وهم النجوم لكل عبدٍ سائرٍ     يبغي الإله وجنة الحيوانِ

وسواهم والله قطّاع الطـ     ـريق أئمةٌ تدعو إلى النيرانِ


فَمن كان مفاخراً فليفاخِرْ بهم ، ومن كان مكاثراً فليكاثرْ بهم ، فدينهم هو الدين ، وعلمهم هو العلم . مكّن الله لهم في الأرض ففتحوا الدنيا وحكموا العالم في مدةٍ لا يبلغ فيها الرضيع أن يفطم .

قال الذهبي رحمه الله تعالى : ( واستولى المسلمون في ثلاثة أعوام على كرسي مملكة كسرى وعلى كرسي مملكة قيصر ، وعلى أمَّي بلادهما ، وغنم المسلمون غنائم لم يسمع بمثلها قط من الذهب والحرير والرقيق فسبحان الله العظيم الفتاح )[3] اهـ .

وقبل انتهاء جيل الصحابة رضوان الله عليهم كانوا قد فتحوا من الأندلس غرباً إلى الصين شرقاً ، وذلك قضل الله يؤتيه من يشاء .

ثم إن المسلمين لم يزلْ أمرهم في إدبار بعد القرون المفضلة وقوتهم في ضعف ، حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه اليوم من البعد عن الدين والتعلق بأذيال الكافرين .

لذلك فاعلم أن الدين ما انتهجه السلف ، والعلم ما طلبوه ، وما سوى ذلك فلا خير فيه .
---------------------------------------

1. رواه الشيخان عن عران بن حصين y .

2. رواه سعيد بن منصور عن ابن مسعود t .

3. تاريخ الإسلام صـ 159 .


وفي هذه الأزمنة التي أتت بكل عجيب ظهر قوم بهرتهم زخارف بني الأصفر وبلبلت أفكارهم وفهومهم ، فشعروا لبعدهم عن الحق بنقص إزاء ما يرونه ، فهبوا إلى التاريخ يقلبون أوراقه لعلهم يجدون فيه ملجأً أو مغاراتٍ أو مدَّخلاً يسترون فيه هذا النقص ، فطووا ذكر القرون المفضلة لأنهم يعلمون أنه ليس فيها لشفرتهم محزّا ، ولا لبغيتهم طائلاً ، وأمعنوا النظر في دويلات البدع والضلالة فأخرجوا منها زبالات التاريخ وحثالات المسلمين ممن تفلسف وتزندق وألحد في دين الله ، فلمَّعوا وجوههم الكاحلة ، ونفضوا عنها الدَرَن والنتن ، وهيهات هيهات ( هل يصلح العطّار ما أصلح الدهرُ ؟ ) ، فبارزوا بهم الكفار ، فكانوا بحقٍ كعبدٍ صرغه أَمَةٌ ، وكالمستجير من الرمضاء بالنار :

طلبت بك التكثيرَ فازددتُ تلةً     وقد يخسر الإنسانُ في طلبِ الربحِ

فهرفوا بما لم يعرفوا ، فما كلامهم إلا خطل ، وما حديثهم إلا هَذَر ، وقديماً قيل : ( مَنْ أكثرَ أهجَرَ ) .

فالإسلام لم ينضب معينه من أفذاذ الرجال ، ولا من الأئمة الأعلام حتى يكون بحاجةٍ إلى كلّ موقوذة ومترديةٍ ونطيحةٍ ينازل بهم المسلمون والكافرين ، ولكن النكتة في ذلك أن هؤلاء القوم إنما أرادوا مبارزة بني الأصفر بعلومٍ من جنس علومهم ، وهذه العلوم لم يبرع فيها من المسلمين إلا الملاحدة ، وغفلوا أو تغافلوا عن قوله تعالى : {كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا} (20) سورة الإسراء ، وهذا من عطائه سبحانه ، والدنيا يعطيها الله لمن يحب ويكره ، ولكن الدين لا يعطيه الله إلا لمن يحب ، وإلا فهذه العلوم لا تدل على حق ولا تمنع من باطل بدليل أنك لو جمعت ما عند ملاحدة اليونان والمسلمين من هذه العلوم ثم قارنتها بما عند الكافرين اليوم لما بلغت عشر معشارها .

والنقص إنما يشعر به من ابتعد عن جادة الدين ، وإلا فمن سلكَ الجَدَد أَمِنَ العثار .

قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى ( المجموع 11 / 4 ) :

وإذا كان خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد ، فكل من كان إلى ذلك أقرب وهو به أشبه ، كان إلى الكمال أقرب ، وهو به أحق ، ومن كان عن ذلك أبعد وشبهه أضعف ، كان عن الكمال أبعد وبالباطل أحق ، والكامل هو من كان لله أطوع وعلى ما يصيبه أصبر فكلما كان اتْبع لما يأمر الله ورسوله وأعظم موافقة لله فيما يحبه ويرضاه وصبر على ما قدره وقضاه كان أكمل وأفضل ، وكل من نقص عن هذين كان فيه من النقص بحسب ذلك . اهـ .

ولو أمعنوا في دراسة التاريخ لاتضح لهم جلياً إن المسلمين لم يضعفوا ويتسلط عليهم الكفار والتتار والباطنية وغيرهم إلا بعد انتشار مثل هذه العلوم والعلماء بين المسلمين .

قال ابن القيم رحمه الله تعالى ( 2 / 602 ) :
( كما هي عادته سبحانه وسنته في عباده إذا أعرضوا عن الوحي ، وتعوضوا عنه بكلام البشر ، فالمغرب لما ظهرت فيهم الفلسفة والمنطق واشتغلوا بها استولت النصارى على أكثر بلادهم وأصاروهم رعية لهم ، وكذلك لما ظهر ذلك ببلاد المشرق ، سلط الله عليهم التتار فأبادوا أكثر البلاد الشرقية واستولوا عليها ، وكذلك في أواخر المائة الثالثة وأول الرابعة لما اشتغل أهل العراق بالفلسفة وعلوم أهل الإلحاد سلط الله عليهم القرامطة الباطنية ، فكسروا عسكر الخليفة عدة مرات واستولوا على الحاج واستعرضوهم قتلاً وأسراً )


فصل
فالعلم هو العلم الشرعي وهو الذي دل عليه القرآن والسنة وكلام السلف لا علوم الفلاسفة والملاحدة ، وفي الحديث العلم ثلاثة وما سوى ذلك فضل : آية محكمة ، وسنة متبعة ، وفريضة عادلة ) وقال الأوزاعي رحمه الله تعالى : ( العلم ما جاء به أصحاب النبي r فما كان غير ذلك فليس بعلم ) وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى ( 10 / 664 ) : ( لكن جماع الخير أن يستعين بالله سبحانه في تلقي العلم الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه هو الذي يستحق أن يسمى علماً ، وما سواه إما أن يكون علما فلا يكون نافعاً ، وإما أن لا يكون علماً وإن سمي به ، ولئن كان علماً نافعاً فلا بد أن يكون في ميراث محمد r ما يغني عنه مما هو مثله وخير منه ) اهـ وقال ابن رجب رحمه الله تعالى : ( فالعلم النافع من هذه العلوم كلها ضبط نصوص الكتاب والسنة وفهم معانيها ، والتقيد بالمأثور عن الصحابة والتابعين وتابعيهم في معاني القرآن والحديث .. في ذلك غاية لمن عقل ، وشغل لمن بالعلم النافع اشتغل ) اهـ .
وقال الشافعي رحمه الله تعالى :
كل العلوم سوى القرآن مشغلة     إلا الحديث وإلا الفقه في الدين
العلم ما كان فيه قال : حدثنا     وما سوى ذاك وسواس الشياطين
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى :
العلم قال الله قال رسوله     قال الصحابة هم أولو العرفان

وكلام أهل العلم في هذا كثير جداً ، وفيما نقلت كفاية إن شاء الله تعالى .
فالحاصل :
إن الحضارة الإسلامية لا تقاس بعمران الدنيا ولا بعلومها ، فإن المسلمين لما اشتغلوا ببناء القصور الفارهات ، وبتعلّم الفلسفة والمنطق والطبيعيات ، وركنوا إلى الدنيا واستهانوا بالعلوم الشرعيات ، رماهم الله بالدواهي والمصيبات ، فالفهمَ الفهمَ ، فإن الإسلام لم يأتِ لعمارة الدنيا إلا بالطاعات . والله أعلم وهو الموفق للصالحات .
----------------------

1. انظر ذلك بالتفصيل في ( جامع بيان العلم وفضله ) لابن عبد البر 2 / 29 -50 .
2. ( فضل علم السلف على علم الخلف ) صـ 59 .
3. السابق صـ 63
---------------



الفصل الثاني : العلوم الدنيوية التي قيل : إن المسلمين برعوا فيها
تمهيد :
لم تنتشرْ هذه العلوم والتي تسمى بـ ( علوم الأوائل ) عند المسلمين وتظهر بصورة كبيرة إلا في وقت المأمون الذي أمر بترجمة كتب اليونان في الفلسفة والحكمة وغيرها ، فأدخل بفعله هذا على المسلمين شراً لا يزال أثره إلى اليوم ، لذلك قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : ( إن الله لن يغفل عن المأمون ما أدخله على المسلمين بترجمة تلك الكتب ) وقال ( 2 / 84 ) : ثم طلبت كتبهم ( أي الفلاسفة ) في دولة المأمون من بلاد الروم ، فعُرِّبت ودرَّسها الناس ، وظهر سبب ذلك من البدع ما ظهر . اهـ ونصوص العلماء في ذم فعل المأمون هذا كثيرة ، ولكن الذي يزيد الأمر ضغثٌ على إبّارة أن أولئك القوم يجعلون عصر المأمون هذا من أعظم العصور الإسلامية علماً وفتحاً على المسلمين (إن لم يكن أعظمها على الإطلاق) بسبب هذه الترجمة .
ولك أن تقارن إن أردت الحق في ذلك بما فعله الخليفة الراشد عمر بن الخطاب t ، فإنه لما فتحت فارس وجد المسلمون فيها كتباً كثيرة فاستشاروا عمر فيها ، فأمرهم بإحراقها وقال قولته العظيمة : ( إن يكن ما فيها هدى فقد هدانا الله بأهدى منه ، وإن يكن ضلالاً فقد كفاناه الله ) فأحرقت كلها أو طرحت في الماء .
فريقان منهم سالكٌ بطنَ نحلةٍ     وآخر منهم سالكٌ نجدَ كبكبِ
وكأني بأولئك القوم يحاولون أن يكّذبوا أو على الأقل : يخفوا هذه الرواية وهذا الخبر حتى لا يسمع به الغرب والكفار خير مؤيد للإسلام بأنه دين الجهل ، وأنه غدو للعلم والعلماء ، ولكن :
ما ضرَّ تغلب وائل أهجوتها     أم بلت حيث تناطح البحرانِ

فالإسلام هو الإسلام لا يغيره تأويل جاهل ، ولا تكلّف أحمق ، وحكم الإسلام في هذه العلوم واضح جلي ذكره العلماء ، وسوف أنقل فيما يأتي بعض هذه العلوم وبعض ما قيل فيها ، والله المستعان .


علم الفلسفة :
وهو منبع الضلالة ، ومنجم الباطل ، قد عشّش به الشيطان وضرب فيه قباب ، حرّمه جميع المحققين من العلماء ، ومَنْ تعلمه وأدمن النظر فيه لم يسلم من الإلحاد ، ودين أهل هذا العلم هو الكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، أبطلوا النقول ، وخالفوا المعقول ، وأضلوا الأمم .
قال ابن الصلاح رحمه الله تعالى ( الفتاوى صـ70 ) : ( الفلسفة رأس السفه والانحلال ، ومادة الحيرة والضلال ، ومثار الزيغ والزندقة ، ومن تفلسف عميت بصيرته عن محاسن الشريعة المؤيدة بالحجج الظاهرة ، والبراهين الباهرة ، ومن تلبّس به علماً وتعليماً قارنه الخذلان والحرقان ، واستحوذ عليه الشيطان ، وأي فنٍ أخزى منْ فنٍ يعمي صاحبه -أظلم قلبه –عن نبوة نبينا r .. وليس الاشتغال بتعليمه وتعلمه مما أباحه الشارع ، ولا استباحه أحد من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين ، والسلف الصالحين ، وسائر من يقتدى به من أعلام الأئمة وسادتها ، وأركان الأمة وقادتها ، قد برّأ الله الجميع من معرّة ذلك وأوناسه ، وطهرهم من أوضاره ) اهـ
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى ( إغاثة اللهفان 2 / 595 ) : ( فالزندقة والإلحاد عند هؤلاء جزء من مسمى الفلسفة أو شرط .. فلا مبدأ عندهم ولا معاد ولا صانع ولا نبوة ولا كتب نزلت من السماء تكلم الله بها ، ولا ملائكة تنزلت بالوحي من الله سبحانه ، فدين اليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل خير وأهون من دين هؤلاء ) اهـ .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى ( 5 / 140 ) : ( والفلاسفة هم الذين أفسدوا أهل الملل قبلنا مللهم وتواريخهم ) وقال ( 9 / 176 ) : ( كان هؤلاء المتفلسفة إنما راجوا على أبعد الناس عن العقل والدين كالقرامطة والباطنية الذين ركّبوا مذهبهم من فلسفة اليونان ودين المجوس وأظهروا الرفض ) وإنما ينفقون في دولة جاهلية بعيدة عن الإيمان إما كفاراً أو منافقين ، كما نفق مَنْ نفق منهم على المنافقين الملاحدة ) اهـ .
وقال ابن القيم رحمه الله في نونيته :
والفيلسوف وذا الرسول لديهم     متفاوتان وما هما عدلان(يعني:متساويتان)
أما الرسول ففيلسوف عوامهم     والفيلسوف نبي ذي البرهان
والحق عندهم ففيما قاله     اتباع صاحب منطق اليونان
ومضى على هذي المقالة أمة     خلف ابن سينا فاغتروا بلبان
منهم نصير الكفر في أصحابه     الناصرين لملة الشيطان
إخوان إبليس اللعين وجنده     لا مرحباً لعساكر الشيطان
----------------------------
1 الفلسفة القديمة تحتوي على سبعة علوم هي على ترتيبهم : المنطق ثم الارتماطيقي ( علم العدد ) ثم الهندسة ثم الهيئة ( علم الفلك والنجوم ) ثم الموسيقى ثم الطبيعيات ثم الإلهيات ، ولكل واحدٍ فروع ، وانظر لتفصيل وشرح هذه العلوم ( مقدمة ابن خلدون ) صـ 478 وما بعدها .


علم الكيمياء :
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى ( 29 / 398 وما بعدها ) :
( وحقيقة الكيمياء إنما هي تشبيه المخلوق ، وهو باطل في العقل ، والله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، فهو سبحانه لم يخلق شيئاً يقدر العباد أن يصنعوا مثل ما خلق .. وأهل الكيمياء من أعظم الناس غشاً ولهذا لا يظهرون للناس إذا عاملوهم إن هذا من الكيمياء ... فجماهير من يطلب الكيمياء لا يصل إلى المصنوع الذي هو مغشوش باطل طبعاً ، محرم شرعاً بل هم يطلبون الباطل الحرام ... ولم يكن في أهل الكيمياء أحد من الأنبياء ولا من علماء الدين ولا من مشايخ المسلمين ، ولا من الصحابة ولا من التابعيين لهم بإحسان وأقدم من يحكى عنه شيء في الكيمياء ( خالد بن يزيد بن معاوية ) وليس هو ممن يقتدي به المسلمون في دينهم ولا يرجعون إلى رأيه .. وأما ( جابر ابن حيان ) صاحب المصنفات المشهورة عن الكيماوية فمجهول لا يعرف ، وليس له ذكر بين أهل العلم ولا بين أهل الدين ) اهـ ثم قال ( 29 / 378 ) : والكيمياء أشد تحريماً من الربا . وقال : إن الكيمياء لم يعملها رجل له في الأمة لسان صدقٍ ، ولا عالم متبع ، ولا شيخ يقتدى به ولا ملك عادل ، ولا وزير ناصح ، وإنما يفعلها شيخ ضال مضل ) ثم قال : ( وأيضاً فإن فضلاء أهل الكيمياء يضمون إليها الذي يسمى (السيمياء) وهو السحر ... فإنك تجد ( السيمياء ) التي هي من السحر كثيراً ما تقترن بالكيمياء ، ومعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن السحر أعظم المحرمات ، فإذا كانت تقترن به كثيراً ، ولا تقترن بأهل العلم والإيمان بل هي من أعمال أهل الكفر والفسوق والعصيان ) اهـ
وقد قال الذهبي رحمه الله تعالى في ( مسائل طلب العلم وأقسامه صـ 214 ) : فصل : ومن العلوم المحرمة : علم السحر والكيمياء والسيمياء والشعبذة والتنجيم ، والرمل وبعضها كفر صراح ) اهـ
وقد نعت ابن خلدون في ( مقدمته صـ 496 وما بعدها ) الكيميائيين بأنهم يشتغلون بالسحر والطلسمات ، وأنكر هذا العلم وأبطله .
وفيما نقلت كفاية إن شاء الله تعالى في بيان حقيقة هذا العلم وحكمه .

علم الفلك :
علم الفلك قسمان :
الأول : هو معرفة منازل القمر والنجوم والمطالع وغيرها مما يعين في معرفة القبلة والاهتداء في البر والبحر ونحوها ، وهو ما يسمى بـ ( علم التسيير ) .
الثاني : هو الاستدلال بالحوادث الفلكية على الحوادث الأرضية وادعاء معرفة الغيب ، وهو ما يعرف بـ ( التنجيم ) ويسمى ( علم التأثير ) .
--------------------------------------------

1 الكيمياء في السابق يختلف عن كيمياء اليوم – بعض الشيء – لأنها في السابق كانت تُعنى بتحويل النحاس ونحوه إلى الذهب والفضة ، وكانت قرينة للسحر والسيمياء ، أما اليوم فلا يزال تحويل المواد من مادة إلى أخرى باقية فيه ، ولكنها اتسعت لتشمل الصيدلة وعلومها الدوائية والتركيبات والمحاليل وغيرها .
2 نسب البعض إلى ( خالد بن يزيد ) صناعة الكيمياء وعلمها وهو باطل رواية ودراية : فأما الرواية :
فإن الذهبي رحمه الله تعالى ذكر أن هذا الخبر لا يصح (سير أعلام النبلاء 4/383) وكذلك ذكر ذلك ابن الأثير (الأعلام 2 / 300) وكذلك نسبها شيخ الإسلام إليه بصيغة التضعيف (يحكى) وكذلك نسبها ابن كثير كذلك فقال ( وينسب إليه شيء من علم الكيمياء) (البداية والنهاية 9 /80)
فأما الدراية :
فأولاً : تقدم عصره في وقت الصحابة والتابعين ، وقبل الترجمة .
وثانياً : أن أبا زرعة وابن حبان والذهبي وابن كثير أثنوا على صلاحه ودينه ووثقوه ( السير 4/382 – البداية 9/80 – التهذيب 3/111 ) ولو كان كيميائياً ما استحق هذا الثناء .
وثالثاً : تفنيد ابن خلدون لهذا الكلام عقلاً في مقدمته صـ 505 والله أعلم .
--------------------------------------------


فالقسم الأول تنازع العلماء في جوازه ، فمنهم من حرمه سداً للذريعة ومنهم من كره تعلمه ، ومنهم من أجازه – وهم الجمهور – فإذا كان هذا الأمر في ( علم التسيير ) فما بالك بالتنجيم ، فإن العلماء جميعاً على حرمته وإبطاله شرعاً وعقلاً ، وفي الحديث ( من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد ) .
قال ابن رجب رحمه الله تعالى ( فضل علم السلف صـ 35 ) :
( فعلم تأثير النجوم محرم ، والعمل بمقتضاه كالتقرب إلى النجوم وتقريب القرابين لها كفر ، وأما علم التسيير فإذا تعلم منه ما يحتاج إليه للاهتداء ومعرفته القبلة والطريق كان جائزاً عند الجمهور ، وما زاد عليه فلا حاجة إليه وهو يشغل عما هو أهم منه وربما أدى التدقيق فيه إلى إساءة الظن بمحاريب المسلمين ، في أمصارهم كما وقع ذلك كثيراً من أهل هذا العلم قديماً وحديثاً وذلك يفضي إلى اعتقاد خطأ الصحابة والتابعين في صلاتهم في كثير من الأمصار ، وهو باطل ، وقد أنكر الإمام أحمد الاستدلال بالجدي وقال : إنما ورد ( ما بين المشرق والمغرب قبلة ) اهـ .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى ( 35 / 181 ) : ( إن النجوم نوعان ، حساب وأحكام ، فأما الحساب فهو معرفة أقدار الأفلاك والكواكب ، وصفاته ومقادير حركاتها وما يتبع ذلك ، فهذا في الأصل علم صحيح لا ريب فيه كمعرفة الأرض وصنعتها ونحو ذلك ، لكن جمهور التدقيق فيه ، كثير التعب قليل الفائدة ، كالعالم مثلاً بمقادير الدقائق والثواني والثوالث في حركات السبعة المتحيرة ... أما الأحكام فهي من جنس السحر ... ) اهـ
فإذا وعيت ما مضى ، فاعلم أن جميع علماء الفَلَكِ المسلمين الذين يفاخر بهم المُحَدثون –فيما أعلم – إنما هم منجمون كهان كالخوارزمي وابن البناء والطوسي وآل شاكر والمجريطي وغيرهم – عافانا الله وإياكم مما ابتلاهم به – .


فن العمارة :
أما العمارة فليست من الإسلام في شيء ، فقد روى البخاري وغيره عن خباب t مرفوعاً : ( إن المسلم ليؤجر في كل شيء ينفعه إلا في شيء يجعله في هذا التراب )
قال ابن حجر رحمه الله تعالى ( فتح الباري 11/95 ) :
( وقد ورد في ذم البناء صريحاً ما أخرج ابن أبي الدنيا من رواية عمارة بن عامر " إذا رفع الرجل بناءً فوق سبعة أذرع نودي : يا فاسق إلى أين ؟ " وفي سنده ضعف مع كونه موقوفاً ، وفي ذم البناء مطلقاً حديث خباب يرفعه قال : ( يؤجر الرجل في نفقته كلها إلا التراب ) أو قال (البناء) أخرجه الترمذي وصححه وأخرج له شاهداً عن أنس بلفظ ( إلا البناء فلا خير فيه ) وللطبراني من حديث جابر يرفعه قال : ( إذا أراد الله بعبدٍ شراً
-----------------------------

1 انظر ( فتح المجيد ) 316 وما بعدها – الزواجر 2/109 .


الفصل الثالث : العلماء المسلمين الذين قيل : إنهم برعوا في تلك العلوم

تمهيد :
سوف أذكر في هذا الفصل قائمة بأشهر العلماء الذين يهيج المعاصرون بمدحهم ، والثناء على خلائقهم ، وذكر فضائلهم ، وأذكر ما قاله أئمة الإسلام فيهم وفي عقائدهم ، وقد تركت منهم أكثر مما ذكرت لأن القصد التنبيه لا الحصر ، وقد رتبتهم على حسب الوفاة . والله المستعان .


· ابن المقفع : عبد الله بن المقفع ت : 145 هـ :
كان مجوسياً فأسلم ، وعرّب كثيراً من كتب الفلاسفة وكان يتهم بالزندقة لذلك قال المهدي رحمه الله تعالى : ( ما وجدت كتاب زندقة إلا وأصله ابن المقفع )

· جابر ابن حيان : ت : 200 هـ :
أولاً : إن وجود جابر هذا مشكوك فيه ، لذلك ذكر (الزركلي) في ( الأعلام ) في الحاشية على ترجمته : ( إن حياته كانت غامضة ، وأنكر بعض الكتاب وجوده ) وذكر أن ابن النديم أثبت وجوده ورد على منكريه ، وابن النديم هذا ليس بثقة كما سيأتي إن شاء الله ، ومما يؤيد عدم وجوده ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله : ( وأما جابر بن حيان صاحب المصنفات المشهورة عند الكيماوية فمجهول لا يعرف وليس له ذكر بين أهل العلم والدين ) اهـ .
ثانياً : ولو أثبتنا وجوده ، فإنما نثبت ساحراً من كبار السحرة في هذه الملة ، اشتغل بالكيمياء والسيمياء والسحر والطلسمات ، وهو أول من نقل كتب السحر والطلسمات كما ذكره ابن خلدون
----------------------------------
1 انظر ( سير أعلام النبلاء ) 6 / 208 – ( البداية والنهاية ) 10 /96 - ( لسان الميزان ) 3 / 449 .
-------------------------

· الخوارزمي : محمد بن موسى الخوارزمي ت : 232 هـ :
وهو المشهور باختراع ( الجبر والمقابلة ) وكان سبب ذلك كما قاله هو المساعدة في حل مسائل الإرث ، وقد ردّ عليه شيخ الإسلام ذلك العلم بأنه وإن كان صحيحاً إلا أن العلوم الشرعية مستغنية عنه وعن غيره .
والمقصود هنا : إن الخوارزمي هذا كان من كبار المنجّمين في عصر المأمون والمعتصم الواثق ، وكان بالإضافة إلى ذلك من كبار مَنْ ترجم كتب اليونان وغيرهم إلى العربية .

· الجاحظ : عمرو بن بحر : ت : 255 هـ :
من أئمة المعتزلة ، تنسب إليه فرقة الجاحظية ، كان شنيع المنظر ، سيء المخبر ، رديء الاعتقاد ، تنسب إليه البدع والضلالات ، وربما جاز به بعضهم إلى الانحلال ، حتى قيل : ( يا ويح من كفّره الجاحط ) ، حكى الخطيب بسنده أنه كان لا يصلي ، ورمي بالزندقة ، وقال بعض المعلماء عنه : كان كذاباً على اله وعلى رسوله وعلى الناس.

· ابن شاكر : محمد بن موسى بن شاكر : ت : 259 هـ :
فيلسوف ، موسيقى ، منجّم ، من الذين ترحموا كتب اليونان ، وأبوه موسى بن شاكر ، وأخواه أحمد والحسن منجمون فلاسفة أيضاً .

· الكندي : يعقوب بن اسحاق : ت : 260 هـ :
فيلسوف ، من أوائل الفلاسفة الإسلاميين ، منجّم ضال ، متهم في دينه كإخوانه الفلاسفة ، بلغ من ضلاله أنه حاول معارضة القرآن بكلامه .

· عباس بن فرناس : ت : 274 هـ :
فيلسوف ، موسيقي ، مغنٍ ، منجّم ، نسب إليه السحر والكيمياء ، وكثر عليه الطعن في دينه ، واتهم في عقيدته ، وكان بالإضافة إلى ذلك شاعراً بذيئاً في شعره مولعاً بالغناء والموسيقى .
---------------------------
2 الأعلام 2 / 103 .
3 مجموع الفتاوى 29 / 374 .
4 المصدر السابق ، وانظر ( مقدمة ابن خلدون ) صـ 496 – 497 .
5 انظر ( مجموع الفتاوى ) 9 / 214 – 215 .
1 انظر ( تاريخ ابن جرير ) 11 / 24 – ( البداية والنهاية ) 10 / 308 – ( عيون الإنباء في طبقات الأطباء ) صـ 483 حاشية 1 .
2 انظر ( البداية والنهاية ) 11 / 19 ، ( لسان الميزان ) 4 / 409 .
3 انظر ( الأعلام ) 7 / 117 ، ( عيون الإنباء ) 283 .
4 انظر ( لسان الميزان ) 6 / 373 ، ( مقدمة ابن خلدون ) 331 ، ( مجموع الفتاوى ) 9 / 186 . --------------------------

· ثابت بن قرة : ت : 288 هـ :
صابئ ، كافر ، فيلسوف ، ملحد ، منجّم ، وهو وابنه إبراهيم بن ثابت وحفيده ثابت بن سنان ماتوا على ضلالهم ، قال الذهبي رحمه الله تعالى : ( ولهم عقب صابئة ، فابن قرة هو أصل الصابئة المتجددة بالعراق فتنبه الأمر ) .


· اليعقوبي : أحمد بن اسحاق 292 هـ :
رافضي ، معتزلي ، تفوح رائحة الرفض والاعتزال من تاريخه المشهور ، ولذلك طبعته الرافضة بـ ( النجف ) .

· الرازي : محمد بن زكريا الطبيب : ت : 313 هـ :
من كبار الزنادقة الملاحدة ، يقول بالقدماء الخمسة الموافق لمذهب الحرانيين الصابئة وهي ( الرب والنفس والمادة والدهر والفضاء ) وهو يفوق كفر الفلاسفة القائلين بقدم الأفلاك ، وصنّف في مذهبه هذا ونصره ، وزندقته مشهورة نعوذ بالله من ذلك .
· البثّاني : محمد بن جابر الحراني الصابئ : ت : 317 هـ :
كان صابئاً ، قال الذهبي : ( فكأنه أسلم ) ، فيلسوفاً ، منجّماً .

· الفارابي : محمد بن محمد بن طرخان : 339 هـ :
من أكبر الفلاسفة ، وأشدهم إلحاداً وإعراضاً ، كان يفضّل الفيلسوف على النبي ، ويقول بقدم العالم ، ويكذّب الأنبياء ، وله في ذلك مقالات في انكار البعث والسمعيات ، وكان ابن سينا على إلحاده خير منه ، نسأل الله السلامة والعافية .

· المسعودي : علي بن الحسين : ت : 346 هـ :
كان معتزلياً ، شيعياً ، قال شيخ الإسلام عن كتابه ( مروج الذهب ) وفي تاريخ المسعودي من الأكاذيب ما لا يحصيه إلا الله تعالى ، فكيف يوثق في كتاب قد عرف بكثرة الكذب ؟ اهـ .
-------------------
5 انظر ( المغرب في حلي المغرب ) 1 / 333 – ( المقتبس من أنباء أهل الأندلس ) 279 وما بعدها – ( نفح الطيب ) 4 / 348 – (الأعلام ) 3 / 264 ، ومما يدل على رداءة عقله أيضاً محاولته تقليد الطيور في طيرانها ؟!!
6 انظر : ( المنتظم ) 6 / 29 ، ( سير أعلام النبلاء ) 13 / 485 ، ( البداية والنهاية ) 11 / 85 .
1 من دراسة قمت بها لتاريخه المشهور ( تاريخ اليعقوبي ) .
2 انظر في بيان مذهبه ونقضه : ( مجموع الفتاوى ) 6 / 304 – 309 مع ( منهاج السنة ) 1 / 209 وما بعدها . وانظر أيضاً : ( المجموع ) 4 / 114 ، و ( المنهاج ) 1 / 353 ، 2 / 279 ، و ( درء التعارض ) 9 / 346 .
3 انظر ( سير أعلام النبلاء ) 14 / 518 .
4 انظر على سبيل المثال ( الفتاوى ) 2 / 86 ، 4 / 99 ، 11 / 57 ، 572 ، وغيرها ، وانظر ( درء التعارض ) في كثير من المواضع ، وانظر أيضاً (إغاثة اللهفان ) 2 / 601 وما بعدها ، و ( البداية والنهاية ) 11 / 224 – و ( المنقذ من الضلال ) صـ 98 ، وكثير من المواضع في نونية ابن القيم ، وغيرها من كتب أهل العلم .

· المجريطي : مسلمة بن أحمد : ت : 398 هـ :
فيلسوف ، كبير السحرة في الأندلس ، بارع في السيمياء والكيمياء ، وسائر علوم الفلاسفة ، نقل كتب السحر والطلاسم إلى العربية ، وألف فيها ( رتبة الحكيم ) و ( غاية الحكيم ) وهي في تعليم السحر والعياذ بالله {وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ } (102) سورة البقرة نسأل الله السلامة .

· مسكويه : محمد بن أحمد : ت : 421 هـ :
كان مجوسياً ، فأسلم ، وتفلسف ، وصحب ابن العميد الضال ، وخدم بني بويه الرافضة، واشتغل بالكيمياء فافتتن بها .

· ابن سينا : الحسين بن عبد الله : ت : 428 هـ :
إمام الملاحدة ، فلسفي النحلة ، ضال مضل ، من القرامطة الباطنية ، كان هو وأبوه من دعاة الإسماعيلية ، كافر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم بالآخر .
مساوئ لو قسمن على الفواني    لما أمهرن إلا بالطلاق
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
أو ذلك المخدوع حامل راية الـ     إلحاد ذاك خليفة الشيطان
أعني ( ابن سينا ) ذلك المحلول من    أديان أهل الأرض ذا الكفرانِ

· ابن الهيثم : محمد بن الحسن بن الهيثم : ت : 430 هـ :
من الملاحدة الخارجين عن دين الإسلام ، من أقران ابن سينا علماً وسفاً وإلحاداً وضلالاً ، كان في دولة العبيديين الزنادقة ، كان كأمثاله من الفلاسفة يقول بقدم العالم وغيره من الكفريات .

· ابن النديم : محمد بن اسحاق 438 هـ :
رافضي ، معتزلي ، غير موثوق به ، قال ابن حجر : ومصنفه ( فهرست العلماء ) ينادي على مَنْ صنفه بالاعتزال والزيع نسأل الله السلامة . اهـ
-------------------------

5 انظر : ( منهاج السنة ) 4 / 84 ، ( سير أعلام النبلاء ) 15 / 569 – ( لسان الميزان ) 4 / 258 .
6 انظر ( مقدمة ابن خلدون ) 496 ، 504 ، 513 .
1 انظر ( تاريخ الفلاسفة المسلمين ) 304 وما بعدها .
2 انظر ( سير أعلام النبلاء ) 1 / 531 – 539 ، ( إغاثة اللهفان ) 2 / 595 وما بعدها – ( البداية والنهاية ) 12 / 42 -43 ، (فتاوى ابن الصلاح) 69 ، نونية ابن القيم 14 ، 30 ، 43 ، 49 ، 160 ، 186 وغيرها ، و( مجموع الفتاوى ) 2 / 85 ، 9 / 133 ، 228 ، 17 / 571 ، 32 / 223 ، 35 / 133 ، وأكثر ( درء التعارض ) رد عليه وعلى الفلاسفة وكذلك ( المنهاج ) وانظر ( المنقذ من الضلال ) صـ 98 ، وغيرها من الكتب .
3 انظر ( فتاوى شيخ الإسلام ) 35 / 135 ، وانظر ( درء التعارض ) 2 / 281 ، وانظر ما كتبه من الحاديات في مذكراته وهو في آخر عمره نسأل الله الثبات في ( تاريخ الفلاسفة ) صـ 270 .
4 انظر ( لسان الميزان ) 5 / 83 .



· المعرّي : أبو العلاء أحمد بن عبد الله : ت : 449 هـ :
المشهور بالزندقة على طريقة البراهمة الفلاسفة ، وفي أشعاره ما يدل على زندقته وانحلاله من الدين ، ذكر ابن الجوزي أنه رأى له كتاباً سماه ( الفصول والغايات في معارضة الصور والآيات ) على حروف المعجم ، وقبائحه كثيرة .
قال القحطاني رحمه الله تعالى :
تعسَ العميُّ أبو العلاء فإنه    قد كان مجموعاً له العَمَيانِ

· ابن باجه : أبو بكر بن الصائغ ( محمد بن يحيى ): ت : 533 هـ :
فيلسوف كأقرانه ، له إلحاديات ، يعتبر من أقران الفارابي وابن سينا في الأندلس من تلاميذه ابن رشد وبسبب عقيدته حاربه المسلمون هو وتلميذه ابن رشد .

· الأدريسي : محمد بن محمد : ت : 560 هـ
كان خادماً لملك النصارى في ( صقليه ) بعد أن أخرجوا المسلمين منها ، وكفى لؤماً وضلالاً ، وفي الحديث ( أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ) .

· ابن طفيل : محمد بن عبد الملك : 581 هـ
من ملاحدة الفلاسفة والصوفية ، له الرسالة المشهورة ( حي ابن يقظان ) ، يقول بقدم العالم وغير ذلك من أقوال الملاحدة .

· ابن رشد الحفيد : محمد بن أحمد بن محمد : ت : 595 هـ :
فيلسوف ، ضال ، ملحد ، يقول بأن الأنبياء يخيلون للناس خلاف الواقع ، ويقول بقدم العالم وينكر البعث ، وحاول التوفيق بين الشريعة وفلسفة أرسطو في كتابيه ( فصل المقال ) و ( مناهج الملة ) ، وهو في موافقته لأرسطو وتعظيمه له ولشيعته أعظم من موافقة ابن سينا وتعظيمه له ، وقد انتصر للفلاسفة الملاحدة في ( تهافت التهافت ) ، ويعتبر من باطنية الفلاسفة ، والحادياته مشهورة ، نسأل الله السلامة .

· ابن جبير : محمد بن أحمد : ت : 614 هـ :
صاحب الرحلة المعروفة بـ ( رحلة ابن جبير ) ، ويظر من رحلته تلك تقديسه للقبور والمشاهد الشركية ، وتعظيمه للصخور والأحجار ، واعتقاده بالبدع والخرافات وغيرها كثير .
------------------------------------
1 انظر : ( المنتظم ) 8 / 148 ، ( البداية والنهاية ) 12 / 72 – 76 وقد نقل كثيراً من أشعاره الإلحادية ، ( لسان الميزان ) 1/218 – نونية القحطاني 49 .
1 انظر : ( عيون الأنباء ) 515 وما بعدها – تاريخ الفلاسفة 79 وما بعدها .
2 انظر : ( درء التعارض ) 1 / 11 ، 6 / 56 .
3 تبيه : ابن رشد الحفيد غير الجد ، فالجد : محمد بن أحمد بن رشد ت : 520 هـ ، قاضي الجماعة بقرطبة من أعيان المالكية ، له ( المقدمات ) و ( البيان والتحصيل ) ، أثنى عليه الذهبي وغيره ( السير ) 19 / 501 .
4 انظر ( درء التعارض ) 1 / 11 – 127 – 152 ، 6/210 ، 237 ، 242 ، 8 / 181 ، 234 وغيرها ، و ( منهاج السنة ) 1 / 356 وغيرها ، وفي عدة مواضع من الفتاوى ، و ( سير أعلام النبلاء ) 21 / 307 ، و ( تاريخ الفلاسفة ) 120 وما بعدها .
5 تلخيص لدراسة أعددتها عن رحلته المشهورة بـ ( اعتبار الناسك في ذكر الآثار الكريمة والمناسك ) وهو على علاته أفضل من (ابن بطوطة) في كثير من الأمور ، منها أن تعظيم المشاهد والقبور لم يستغرق رحلته كان بطوطة ، ومها عفته عن سماع الأغاني والملاهي وحضور مجالسها ورؤية النساء والأكل بأواني الذهب وعدم استجدائه للسلاطين بخلاف ( ابن بطوطة ) في ذلك كله .



 الطوسي : نصير الدين محمد بن محمد بن الحسن : ت : 672 هـ :
نصير الكفر والشرك والإلحاد ، فيلسوف ، ملحد ، ضال مضل ، كان وزيراً لهولاكو وهو الذي أشار عليه بقتل الخليفة والمسلمين واستبقاء الفلاسفة والملحدين ، حاول أن يجعل كتاب ( الإشارات ) لابن سينا بدلاً من القرآن ، وفتح مدارس للتنجيم والفلسفة ، وإلحاده عظيم نسأل الله العافية .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
وكذا أتى الطوسي بالحرب الصر     يح بصارم منه وسل لسانِ
عَمَرَ المدارس للفلاسفة الألى     كفروا بدين الله والقرآنِ
وأتى إلى أوقات أهل الدين     ينقلها إليهم فعل ذي أضغانِ
وأراد تحويل ( الإشارات ) التي     هي لابن سينا موضع الفرقانِ
وأراد تمويل الشريعة بالنواميس     التي كانت لدى اليونان
لكنه علم – اللعين – بأن هذا     ليس في المقدور والإمكانِ
إلا إذا قتل الخليفة والقضاة     وسائر الفقهاء في البلدانِ

 ابن البناء : أحمد بن محمد : ت : 721 هـ :
شيخ المغرب في الفلسفة ، والتنجيم ، والسحر ، والسيمياء .

· ابن بطوطة : محمد بن عبد الله : ت : 779 هـ :
الصوفي ، القبوري ، الخرافي ، الكذّاب ، كان جل اهتماماته في رحلته المشهورة زيارة القبور والمبيت في الأضرحة ، وذكر الخرافات التي يسمونها ( كرامات ) وزيارة مشاهد الشرك والوثنية ، ودعائه أصحاب القبور وحضور السماعات ومجالس اللهو ، وذكر الأحاديث الموضوعة في فضائل بعض البقاع ، وتقديسه للأشخاص ، والافتراء على العلماء الأعلام ، وغير ذلك .
----------------------------------------
1 انظر : ( إغاثة اللهفان ) 2/ 601 وما بعدها – ( درء التعارض ) 5 / 67 – 6 / 78 – 10 / 44 وما بعدها 590 ، ( الفتاوى ) 2 / 92 ،93 وما بعدها ، ( البداية والنهاية ) 13 / 267 وغيرها .
2 انظر : ( مقدمة ابن خلدون ) صـ 115 وما بعدها .
3 تلخيص لدراسة أعددتها عن رحلته ، وسبب نعتي له بأنه ( كذّاب ) لأنه كذب كذباً فاضحاً على شيخ الإسلام رحمه الله تعالى وهو أنه رآه ينزل من المنبر ويقول إن نزول الله إلى السماء الدنيا كنزولي هذا ، وهو يذكر أنه قد دخل دمشق في رمضان من سنة 726 هـ وشيخ الإسلام في ذلك الوقت مسجون في القلعة منذ شعبان ، وهذا دليل على افترائه عليه .


الفصل الرابع : الشبهات التي قد ترد حول هذا الموضوع وردها
قد ترد بعض الشبهات حول هذا الموضوع ، وربما يكون من أهم هذه الشبهات ما يأتي :
الشبهة الأولى : أن هؤلاء العلماء وإن كانوا ملاحدة إنا برعوا في علومهم لأن بيئتهم بيئة إسلامية علمية صحيحة هيّأت لهم المناخ المناسب للتفوق العلمي ، فلنا علومهم وعليهم إلحادهم .
الشبهة الثانية : إننا إذا ذكرنا براعة هؤلاء العلماء إنما نؤكد للعالم اليوم إن الإسلام هو دين العلم والحضارة وإذا تركنا ذكرهم من أجل عقائدهم نقص جانب كبير ومهم من الحضارة الإٍسلامية .
الشبهة الثالثة : إن الكفار اليوم على حق لوجود هذه اليوم بأيديهم ولتفوقهم فيها .
الشبهة الرابعة : إن الكفار إنما انتصروا على الإسلام لوجود هذا التفوق العلمي لديهم .
الشبهة الخامسة : إن المسلمين انهزموا وذلوا لجهلهم بهذه العلوم و ( تخلفهم ) عن ركب الحضارة العلمية .

فصل
جواب الشبهة الأولى :
فأما الشبهة الأولى فجوابها من وجوه :
فالوجه الأول :
إن هذه العلوم أصلاً – بصرف النظر عن علمائها – لا تمت إلى الإسلام بصلة – كما سبق بيانه – فتسقط هذه الشبهة جملة وتفصيلاً .
والوجه الثاني :
إننا لو سلمنا بـ ( إسلامية ) هذه العلوم ، فإننا لا نسلم وجود البيئة الإسلامية الصحيحية التي هيّأت ( المناخ المناسب ) بل إن الواقع يشهد بخلاف ما ذكر ، فإنه كما أن الحشرات لا تكثر إلا في مواضع الرمل والقمامات ، فإن هؤلاء العلماء لا يكثرون إلا في دويلات البدع والضلالات ، وإليك بعض الأمثلة التي تؤيد ما ذكرت :
فالخوارزمي وآل شاكر ظهروا في دولة المأمون المعتزلي ، وابن سينا وابن الهيثم ظهرا في دولة العبيديين الزنادقة ، والفارابي ظهر في دولة الحمدانيين الرافضية ، ومسكويه في دولة البوبهيين الرافضية ، وابن رشد في أول دولة الموحدين الأشعرية المهديّة ، وهكذا .
والوجه الثالث :
لو سلمنا بأن البيئة إسلامية صحيحة ، وعلمية سليمة ، فكيف يبرع العالم في أتفه الأمور وأخسها ، وينحرف في أعظم الأمور وأهمها على الإطلاق وهو أمر دينه ؟!
والوجه الرابع :
إن كون البيئة إسلامية علمية صحيحة لا يسوّغ المفاخرة بهؤلاء الملاحدة ، وإن ساغ ذلك عند أحد فليسع عنده أيضاً المفاخرة بيهود ذلك اوقت ونصاراه ومجوسه الذين في الدولة الإسلامية والذين برعوا في نفس العلوم وهم كثير لأنهم في نفس البيئة الإسلامية العلمية الصحيحة !! وعندها يختلط الخاثر بالزُّباد ، والرغوة بالصريح ، ولا يكون للدين معنى ، ولا للإسلام قيمة .

فصل
جواب الشبهة الثانية :
وأما الشبهة الثانية فجوابها من وجوه أيضاً :
فالوجه الأول :
إن دعوة الكفار إلى الإسلام لا تكون بتكلّف المحالات ، وتزييف الحقائق ، فننسب إلى الإسلام ما هو منه براء لنرغب الكفار فيه ، وإلا فلا فرق بين من يفعل ذلك وبين من يضع الأحاديث في الزهد والرقائق ليرغب الناس في الصالحات ، ويقول : أنا أكذب للرسول ولا أكذب عليه .
وإنما تكون دعوتهم كما كانت دعوة الرسول r لكفار زمانه ببيان التوحيد وذم الشرك ونحوه مما ورد عنه وثبت ، فإن دخل الكفار بهذه الدعوة إلى الإسلام فلله الحمد ، وإ لم يدخلوا فيه وأصروا على باطلهم ورموا الإسلام وشتموه ، فلا ضرر عليه من كلامهم بل هم :
كناطح صخرة يوماً ليوهنها ----------------------- فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
وعلى المسلم أن يتمثل في ذلك بقول الشاعر :
وما كل كلب نابحٍ يستفزني ------------------------ ولا كلما طنّ الذباب أراعُ
والوجه الثاني :
أن يعلم – أصحاب هذه الشبهة – أن المسلمين إنما فتحوا الدنيا وملكوها بعدل عمر وفقه معاذ وحديث أبي هريرة وزهد أبي ذر وشجاعة خالد ، ولم يفتحوها بإشارات ابن سينا ولا بحادي الرازي ولا ببصريات ابن الهيثم ولا بموسيقى الفارابي :
هيهات بين اللؤم بون والكرمْ --------------- أبعد مما بين بصري والحرمْ
بل ما بدأت عزة المسلمين تذهب إلا بعد انتشار هؤلاء وأمثالهم كما سبق بيانه .
والوجه الثالث :
أن هذه الشبهة منقوضة طرداً وعكساً :
أما طرداً : فإن أصحاب هذه العلوم من ملاحدة المسلمين إنما استفادوها من اليونانيين ، فإن كان في ملاحدة المسلمين ( المعلم الثاني ) الفارابي ، ففيهم ( المعلم الأول ) أرسطو ، وإن كان في ملاحدة المسلمين ( الأب الثاني ) للطب ، ابن سينا ، ففيهم ( الأب الأول ) أبقراط ، وإن كان في ملاحدة المسلمين ( بطليموس الثاني ) ابن الهيثم ، ففيهم ( بطليموس الأول ) ، وهكذا ، وكان الفضل للمتقدم . ثم إن قلتم : إن المسلمين طوروا هذه العلوم ، فإن ما طوره الكفار اليوم ووصلوا إليه من الصناعات المذهلة التي طيّروا بها الحديد ، وكلموا الجماد ، وبنو الشاهقات ، وأخرجوا عجائب المخترعات ، ليفوق أضعاف أضعاف أضعاف ما طوره أولئك ، فإن قلتم : بأن هذه العلوم إنما تدور مع الحق حيثما دار ، فقد صحّحتم عقائد الكافرين أولاً وأخيراً ، وإن قلتم : إنها لا تدل على حقٍّ فهي هنا وهنا ، قلنا : وهذا ما نبغي فلم الفخار بعلمٍ لا يدل على حقٍ ، وبعلماء ابتعدوا عن الحق ؟!
وأما عكساً : فإننا لا نجد في وقت قوة المسلمين وعزتهم في القرون المفضلة لهؤلاء الملاحدة ذكر ، ولا لعلومهم مجال ، وإنما انتشرت حين بدأت تزول الحضارة الإسلامية ، أو قل : إنها عندما انتشرت بدأت تزول الحضارة الإسلامية ، فإن انتشار هذه العلوم وزوال النعمة متلازمان . والله أعلم .

فصل
جواب الشبهات الثالثة والرابعة والخامسة :
وأما الشبهات الثلاث الأخيرة ، فأذكر فيما يلي أصولاً ثلاثة في الجواب عليها :
أما الأصل الأول فهو : ( إن الدنيا جنة الكافر وسجن المؤمن )
فالكافر غايته الدنيا وهي منتهى أربه فهو يعمل فيها عمل مقيم أبداً ، أما المؤمن فهو كعابر سبيل لا بد من ارتحاله اليوم أو غداً ، كالذي في السجن ينتظر الفرج .
لهذا السبب كان السلف مع إقبال الدنيا عليهم كان أقصى مرادهم من الدنيا هو العمل الصالح والتزود بالعلم النافع ، وأما الدنيا فليست أهلاً لعمرانها فوق الحاجة .
----------------------------
1هذا نص حديث رواه مسلم والترمذي وغيرهما ، وانظر في شرحه " شرح مسلم للنووي 18 / 93 " و " بدائع الفوائد 3 / 177 " ، وله عدة تفاسير منها إن المسلم قيده إيمانه عن المحظورات والكافر مطلق التصرف ، ومنها إن هذا باعتبار العواقب ، فالمسلم ولو كان أنعم الناس في الدنيا فإنه بالإضافة إلى ما له في الجنة كأنه في سجن ، والكافر ولو كان أشد الناس بؤساً في الدنيا فذلك بالنسبة إلى النار جنة .
-----------------


وأما الكفار فإنهم سعوا منذ القدم في تحصيل الدنيا وعمرانها لأنها جنتهم ومقصودهم فبرعوا في ذلك ، وهذه آثارهم شاهدة على ما أقول مع قدم الزمن ، كآثار الفراعنة في مصر ، وآثار البابليين ، وديار حجر وثمود وغيرها ، وكما نرى اليوم من زخارفهم وعلومهم . وقد قال تعالى في محكم كتابه : {وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ}{وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ}{وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} (33-35) سورة الزخرف قال الشنقيطي رحمه الله تعالى ( أضواء البيان 7 / 248 ) : ( أي لولا كراهتنا لكون جميع الناس أمة واحدة ، متفقة على الكفر ، لأعطينا زخارف الدنيا كلها للكفار ولكننا لعلمنا بشدة ميل القلوب إلى زهرة الحياة الدنيا ، وجهاً لها ، لو أعطينا ذلك كله للكفار لحملق الرغبة في الدنيا جميع الناس على أن يكونوا كفاراً ) اهـ فانظر رحمك الله إلى حال الكفار اليوم ، فإنهم مع ما هم فيه من زهرة الحياة الدنيا ما أعطاهم الله زخارف الأرض كلها ، وانظر إلى فتنة كثير من الملمين بهم ، فكيف لو أعطاهم زهرة الدنيا كلها ؟! وقال تعالى أيضاً : {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } (7) سورة الروم فقد روى ابن جرير وغيره عن ابن عباس في تفسيرها قال : ( يعرفون عمران الدنيا وهم في أمر الآخرة جهال ) . وعن الحسن : ( ليبلغ من حذق أحدهم بأمر دنياه أنه يقلب الدرهم على ظفره فيخبرك بوزنه ، وما يحسن يصلي ) فاعلم أن هذه الزخارف لو كانت تزن عند الله جناح بعوضة ما حَرَمَ منها سيد خلقه أجميعن r وأعطاها لأعدائه ، فإنه لما صعد إليه عمر t تلك المشربة فرآه على صعيد قد أثّر في جنبه ابتدرت عيناه بالبكاء ، وقال : ( يا رسول الله ، كسرى وقيصر فيما هما فيه ، وأنت صفوة الله من خلقه ، وكان الرسول r متكئاً فجلس وقال : ( أفي شكٍ أنت يا ابن الخطاب ؟ ثم قال : ( أؤلئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا ) وفي رواية ( أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة ) .
وأما الأصل الثاني فهو : ( إن الكفار كانوا منذ القدم – ولا زالوا – أكثر من المسلمين عدداً وعُدداً وعمراناً ) .
وهذا ظاهر جداً بالتتبع والاستقراء ، حتى بعد نتشار الإسلام ومن شك في ذلك فليقرأ التاريخ ، وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى وغيره إن الكفار كانوا في قتالهم مع المسلمين أكثر عدداً وعدة دائماً ، والذي يقرأ ويدرس أمهات معارك المسلمين يعلم جيداً أن الفرق بين القوتين يكون دائماً كبيراً وفي صالح الكفار ، لذلك كان عمر رضي الله عنه يوصي جيوشه فيقول : ( إنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله ، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة ، لأن عددنا ليس كعددهم ، ولا عدتنا كعدتهم ، فإذا استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة ، وإلا ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا ) .
أنّى ؟ وأعداهم بلا حسبان والله ما فتحوا البلاد بكثرة
فمما يدل على أن قوة الكافرين كانت دائماً أكبر من قوة المسلمين ( مادياً ) أمور كثيرة منها :
-لو درست معركتي ( القادسية ) و ( اليرموك ) والتي بها قضى الصحابة رضوان الله عليهم على قوتي فارس والروم لتبين لك أن أعداد الكفار وعتادهم أضعاف أضعاف أعداد المسلمين وعتادهم ، كذلك الأمر فيما بعدها من المعارك كنهاوند ، وكالفتوح التي أتت بعد الصحابة ، وكالمعارك المتأخرة مثل ( حطين ) و ( الزلاقة ) وغيرها ، هذا فيما يتعلق بالقوة العسكرية .
-------------
1 ذكر الشنقيطي رحمه الله تعالى على آية الروم هذه كلاماً قيماً جداً لولا طوله لنقلته بنصه انظر : أضواء البيان 6 / 477 .
-----------------
- أما الناحية العمرانية فنكتفي بمثالين :
أما الأول : فإن هارون الرشيد حاول هدم ( أيوان كسرى ) فلم يستطع والهدم أيسر – ولا مقارنة – من البناء .
والثاني : أن المأمون بعده أيضاً حاول هدم الأهرامات فلم يستطع كذلك ، وما ذلك إلا لقوة هذين الصرحين وقدرة من بناهما .
- وكذلك فإن الصحابة قد استفادوا من الفرس من الناحية التنظيمية الدواوين وكالكتابة ونحوها ، فإن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا أميين في الجملة ولم يكن ذلك نقصاً في حقهم بل كان إلى الكمال أقرب ، كما أن كمال النبي r في أميته .
فالحاصل :
إن قوة الكافرين اليوم وتمكنهم من هذه العلوم ليست غريبة عنهم ، بل إن تمكنهم فيها منذ القدم وإن حصل تطور عن ذلك ولكن المؤكد أنهم برعوا فيها منذ القدم ، وقد قدمت بعض الشواهد على ذلك ، وقد يرد سؤال عند هذا وهو : إذا كان الكفار أقوى من المسلمين منذ القدم عدداً وعتاداً وعمراناً ، فكيف كانت الدولة بالأمس للمسلمين واليوم للكافرين ؟ فجواب هذا يكون بذكر الأصل الثالث وهو :
( إن قوة المسلمين بإيمانهم لا بدنياهم )
وهذا ظاهر ولو ذهبت أستقصي الآيات والأحاديث والآثار التي تثبت هذا الأصل لطال المقام ، لذلك تجد أن الإيمان إذا ثبت وتأصّل في النفوس فإن الله سبحانه ينصر عباده كما فعل في معارك الرسول r وإمداده لهم بالملائكة في بدرٍ وحنين ، لذلك كان عمر t يقول ( نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله ) ولما كان الصحابة رضوان الله عليهم النموذج الأمثل في تطبيق الإسلام كانوا – كما قال عنهم بعض التابعين – : ( لا يثبت لهم العدو فواق ناقة عند اللقاء ) .
أعمال لا بكتائب الشجعانِ هذا وإن قتال حزب الله بالـ
أنّى ؟ وأعداهم بلا حسبانِ والله ما فتحوا البلاد بكثرة
فعزة المسلمين وقوتهم بإيمانهم ، فإنهم ينصرون به ، وما السلاح إلا وسيلة فقط ، لذلك فإن الله سبحانه وتعالى قال : {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ } (60) سورة الأنفال فإنه سبحانه أمر بإعداد المستطاع فقط ، ولم يأمر المسلمين بأن يعدو من السلاح مثل ما أعده الكافرون أو أكثر من ذلك ، فلو لم يستطع المسلمون إلا على الحجارة فأعدوها مع إيمانهم الصادق لنصرهم الله ، ولعل هذا الأمر يتضح بإمداد الله سبحانه للمسلمين بالملائكة في بدر وحنين ، وكما مشى سعد بن أبي وقاص t وجنده على الماء وكذلك العلاء بن الحضرمي ، ولعل هذا الأمر يتضح بصورة أكثر في مساعدة الحجر والشجر للمسلين في قتالهم مع اليهود قبل قيام الساعة كما ورد في الحديث الصحيح .
----------------------
1 ولذلك عقد ابن خلدون في مقدمته فصلاً ( ص 358 ) بأن المباني والمصانع في الملة الإسلامية قليلة بالنسبة إلأى قدرتها وإلى من كان قبلها من الدول وذكر هذين المثالين في مقدمته .
-----------------

لذلك فاعلم أن ذل المسلمين اليوم ليس لجهلهم بهذه العلوم ، فإنهم كانوا في القرون المفضلة – وقت الحضارة – أجهل بها ، ولكن هذه الزلة ضربها الله عليهم لما أعرضوا عن دينه ، أن تسليط الكافرين اليوم على المسلمين إنما هو فتنة لهم وعقوبة ، والله أعلم .
وبعد :
فإن السبيل للرجوع إلى حضارة الإسلام الأولى إنما تكون بإتباع السلف في العناية بالأعمال الصالحة والعلوم الشرعية والقيام بالجهاد والزهد في الدنيا .
وقد أخطأ كلَّ الخطأ من رأى أن السبيل إنما يكون بأخذ صناعات الكافرين وتعلمها وتعليمها ونشرها بين المسلمين ، لأنه لا بد من معرفة الداء قبل أن يوصف الدواء ، وداء المسلمين اليوم هو البعد عن دين الله وعن منهج السلف ، فلو أنهم التزموا دين الله على منهج السلف لكان هذا الدواء بإذن الله تعالى ، وكما قال الإمام مالك رحمه الله تعالى :
( لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها )

والله أعلم

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجميعن


الفهرس
المقدمة 3
الفصل الأول : الحضارة الإسلامية والعلم الشرعي 4
الفصل الثاني : العلوم الدنيوية التي قيل : إن المسلمين برعوا فيها 7
تمهيد : 7
علم الفلسفة : 8
علم الكيمياء : 9
علم الفلك : 10
فن العمارة : 11
الفصل الثالث : العلماء المسلمين الذين قيل : إنهم برعوا في تلك العلوم 12
تمهيد : 12
· ابن المقفع 12
· جابر ابن حيان 12
· الخوارزمي 12
· الجاحظ 13
· ابن شاكر 13
· الكندي 13
· عباس بن فرناس 13
· ثابت بن قرة 13
· اليعقوبي 14
· الرازي 14
· البثّاني 14
· الفارابي 14
· المسعودي 14
· المجريطي 15
· مسكويه 15
· ابن سينا 15
· ابن الهيثم 15
· ابن النديم 15
· المعرّي 16
· ابن باجه 16
· الأدريسي 16
· ابن طفيل 16
· ابن رشد الحفيد 16
· ابن جبير 16
· الطوسي 17
· ابن البناء 17
· ابن بطوطة 17
الفصل الرابع : الشبهات التي قد ترد حول هذا الموضوع وردها 19
جواب الشبهة الأولى : 19
جواب الشبهة الثانية : 20
جواب الشبهات الثالثة والرابعة والخامسة : 21
الفهرس 25

( وجاء في كتاب الذيل على طبقات الحنابلة، للكاتب ابن رجب، الجزء الاول ص 211 ان الفقهاء والعلماء كانوا يتهمون من يشتغل بالفلسفة بالزندقة. وفي بعض الاحيان كان يضرب ويحبس ( راجع دراسة للإستاذة اسراء مصطفى عبد القادر النجار: احوال بغداد الثقافية خلال القرنين الخامس والسادس، عن جامعة الزهراء للبنات، مسقط)

القاضي اين المرخم المتوفي 555 هجري 1160 ميلادي قبض عليه وجرى تفتيش مكتبته فعُثر فيها على كتاب " الشفاء" لابن سينا و " رسائل اخوان الصفا" وغيرها فأمر الخليفة بإحراقها. (ابن الجوزي، المنتظم، الجزء الاول، ص 194)




فضيلة الشيخ ناصر بن حمد الفهد


الأحد، 6 يناير 2013

"أحكام متطرفة في تكفير علماء العرب"




من منكم لا يعرف الرازي والخوارزمي والكندي والفارابي والبيروني وابن سيناء وابن الهيثم ؟. ومن منكم لم يسمع بالغزالي وابن رشد والعسقلاني والسهروردي وابن حيان والنووي وابن المقفع والطبري ؟؟. ومن منكم لم يقرأ لافتات المدارس والمعاهد والسفن والمراكز العلمية والأدبية التي حملت أسماء الكواكبي والمتنبي وبشار بن برد ولسان الدين الخطيب وابن الفارض ورابعة العدوية والجاحظ والمجريطي والمعري وابن طفيل والطوسي وابن بطوطة وابن ماجد وابن خلدون وثابت بن قرة والتوحيدي ؟؟؟. . لا شك إنكم تعرفون هذه النخبة المتألقة من الكواكب المتلألئة في فضاءات الحضارة العربية التي أشرقت بشموسها المعرفية الساطعة على الحضارة الغربية, ولا ريب إنكم تتفاخرون بهم وبانجازاتهم العلمية الرائعة في الطب والفلسفة والفيزياء والكيمياء والرياضيات وعلم الفلك والهندسة والفقه وعلم الاجتماع والفنون والآداب, وكانوا أساتذة العالم فكرا وفلسفة وحضارة, وتعلمون إن عواصم كوكب الأرض تسابقت فيما بينها لإصدار باقات من الطوابع البريدية الجميلة لإحياء ذكراهم, فحلقوا فوق سحب القارات السبع, ونشروا رسالتهم المعبرة عن مشاعرهم الإنسانية الصادقة بين الشعوب والأمم على اختلاف ألسنتهم ودياناتهم. . لكنكم لا تعلمون حتى الآن إن هؤلاء العلماء الأعلام صدرت ضدهم سلسلة من الأحكام التكفيرية بقرارات ونصوص متطابقة بالشكل والمضمون مع قرارات محاكم التفتيش, التي كفرت غاليلو, وجيوردا, ونويرنو, وكوبرنيكس, ونيوتن, وديكارت, وفولتير, وحرمت قراءة كتبهم, وبالغت في مطاردتهم وتعذيبهم والتنكيل بهم, فلا فرق بين تلك الأحكام التعسفية الجائرة, وبين الأحكام الارتجالية المتطرفة, التي ضللت الناس, وحرضتهم على قتل الطبري, وصلب الحلاج, وحبس المعري, وسفك دم أبن حيان, ونفي ابن المنمر, وحرق كتب الغزالي وابن رشد والأصفهاني, وتكفير الفارابي والرازي وابن سيناء والكندي والغزالي, وربما لا تعلمون ان السهروردي مات مقتولا, وإنهم قطعوا أوصال ابن المقفع, ثم شويت أمامه ليأكل منها قبل أن يلفظ أنفاسه بأبشع أنواع التعذيب, وان الجعد بن درهم مات مذبوحا, وعلقوا رأس (أحمد بن نصر) وداروا به في الأزقة, وخنقوا (لسان الدين بن الخطيب) وحرقوا جثته, وكفروا (ابن الفارض) وطاردوه في كل مكان. . اغلب الظن إن عامة الناس لا يعلمون بما قالوه عن ابن سيناء الطبيب والعالم والفقيه والفيلسوف, ولا يعلمون بما قاله عنه ابن القيم في (إغاثة اللهفان 2/374), حين قال: ((انه إمام الملحدين الكافرين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر)), وقال عنه الكشميري في (فيض الباري 1/166): ((ابن سيناء الملحد الزنديق القرمطي)), وقال عنه الشيخ صالح الفوزان: ((انه باطني من الباطنية, وفيلسوف ملحد)). . . ولا يعلم الناس بما قالوه عن أبي بكر الرازي, الطبيب والعالم والفيلسوف. قال عنه ابن القيم في (إغاثة اللهفان 2/179): ((إن الرازي من المجوس)), و((انه ضال مضلل)). . وقال ابن العماد في (شذرات الذهب 2/353) عن الفارابي: ((اتفق العلماء على كفر الفارابي وزندقته)), وقالوا عن محمد بن موسى الخوارزمي: ((انه وإن كان علمه صحيحا إلا إن العلوم الشرعية مستغنية عنه وعن غيره)), وقالوا عن عمرو بن بحر الجاحظ: ((انه سيء المخبر, رديء الاعتقاد, تنسب إليه البدع والضلالات)), وقال عنه الخطيب بسنده: ((انه كان زنديقا كذابا على الله وعلى رسوله وعلى الناس)), وقالوا عن ابن الهيثم: ((انه كان من الملاحدة الخارجين عن دين الإسلام, وكان سفيها زنديقا كأمثاله من الفلاسفة)), وقالوا عن أبي العلاء أحمد بن عبد الله المعري: ((انه كان من مشاهير الزنادقة, وفي شعره ما يدل على زندقته وانحلاله من الدين)), وقالوا عن نصير الدين الطوسي: ((انه نصير الشرك والكفر والإلحاد)), وقالوا عن محمد بن عبد الله بن بطوطة: ((انه كان مشركا كذابا)), وشتموا يعقوب بن إسحاق الكندي, وقالوا عنه: ((انه كان زنديقا ضالا)), فقال عنهم: ((هؤلاء من أهل الغربة عن الحق, وإن توجوا بتيجان الحق دون استحقاق, فهم يعادون الفلسفة ذبا عن كراسيهم المزورة, التي نصبوها من عير استحقاق, بل للترؤس والتجارة بالدين, وهم عدماء الدين)), وكان يرى: ((إن في علم الأشياء بحقائقها علم الربوبية, وعلم الوحدانية, وعلم الفضيلة, وجملة علم كل نافع, والسبيل إليه)), وكان يعتقد إن السعي لمعرفة الحقيقة هو مقصد جميع الأنبياء والرسل, وليس فقط الفلاسفة, وبالتالي فإن الفلسفة ليست كفراً, على عكس ما يقولوه عدماء الدين. . لسنا هنا بصدد الدفاع عن هؤلاء العلماء الذين غادروا الدنيا منذ أكثر من ألف عام, وسجلوا أسمائهم في سجلات الأمجاد العلمية بحروف من نور, لكننا نخشى أن تفسر نهضتنا العلمية القديمة على إنها عبارة عن امتداد فكري للثقافات الموروثة من العصور البابلية والسومرية والأكدية والأشورية والفرعونية والفينيقية والرومانية والفارسية, أو إنها بذرة منقولة من الحضارات الأخرى غرست في بيئة لا تنتمي إليها, ولا علاقة لها بالثقافة الإسلامية, على الرغم من إن الإسلام أول الأديان التي جعلت العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة, وحثت المسلمين على شد الرحال لطلب العلم ولو كان خلف أسوار الصين, وبناء عليه فان محاولات تكفير هذا الجمع الغفير من العلماء الأعلام, وتشويه صورتهم بهذه الأساليب البدائية الرامية إلى تجريدهم من هويتهم الإسلامية تتقاطع تماما مع الشعار الذي رفعه الإسلام عندما أكد على مواصلة طلب العلم من المهد إلى اللحد, وتمهد الطريق لتراجع مساهمات العرب في إنتاج وتطوير وتحديث منجزات العلوم والفنون والآداب. . والاستنتاج الوحيد الذي يمكن نخرج به, هو إن الدعوات التي استهدفت تكفير العلماء في الماضي والحاضر تهدف في حقيقتها إلى تكريس الجهل والتخلف, ومصادرة محفزات الإبداع من المجتمع العربي, وحرمانه من حقوقه الإنسانية, بحيث يصبح غير قادر على مواجهة التحديات, وربما تدفعه إلى التقهقر والتراجع نحو العصور المتزمتة المتشددة المتصلبة, بالاتجاه الذي يرمي إلى كبح جماح حرية الفكر والعودة بها إلى حظيرة الفترة المظلمة, التي خسرنا فيها كل شيء تقريبا, ولكي تتضح الصورة أكثر, نذكر إن أغلب الفتاوى المعادية للرعيل الأول من العلماء, حصرت صفة أهل العلم على المشتغلين فقط في مجالات الفقه والخطابة, وحفظ وتلقين النصوص الفقهية. . نحن ضد تسطيح عقول الناس, ولا نحمل أي ضغينة لعلمائنا الأفذاذ, وهذه مجرد وجهة نظر شخصية لا تحتمل المناقشة ولا التحاور, لأنها إما أن تكون صائبة فتصب في مصلحة الأمة وتراثها الفكري, وترفع الظلم الذي لحق بعلماء العرب في حياتهم وفي مماتهم, أو تكون خاطئة فيصار إلى استنفار مجالس الوزراء, في عموم الوطن العربي من المضيق إلى المضيق, ودعوتها لاتخاذ إجراءات عاجلة تقضي برفع أسماء هؤلاء العلماء من واجهات مدارسها ومعاهدها وكلياتها وشركاتها وصيدلياتها ومستشفياتها نزولا عند رغبات التكفيريين, ورفعها من الطوابع البريدية والعملات الورقية, وان تبادر إلى تنفيذ حملة شاملة لتغيير أسماء مؤسساتها ومراكزها العلمية والطبية والفكرية والأدبية التي حملت أسماء الكندي والفارابي والرازي وابن سيناء وابن بطوطة والإدريسي وابن خلدون وابن حيان والخوارزمي وابن رشد والجاحظ والسهروردي ورابعة العدوية والغزالي والمعري وابن الفارض وابن الهيثم لأنهم في نظر المتشددين يعدون من الملاحدة والكفار والزنادقة والمارقين على الدين, ويتعين على وزارات الأوقاف إخراج ما تبقى من عظامهم من مقابر المسلمين باعتبارهم ليسوا من الملة. . من المفارقات العجيبة إن احد فقهاء المسلمين من غير الأصول العربية تبرع وحده بتكفير هؤلاء جميعا من دون أن يستثني منهم أحد, لا نريد أن نذكر هذا الفقيه بالاسم (تلافيا للإحراج) لكنه كان القاسم المشترك الأعظم في كل الفتاوى التكفيرية التي أطاحت بعروش عباقرة العرب كلهم, وقام بتنفيذ أغرب مقاولة تكفيرية عرفها التاريخ. . . أخطر الأسلحة كانت تهمة (الزندقة) هي السلاح الوحيد الذي حمله أعداء الحقيقة ضد العلماء والمفكرين في كل زمان ومكان, وهم الذين زرعوا بذور الشك والريبة في المجتمعات الناهضة, فنمت أشجار الجهل والتخلف في وديان الظلام...

كاظم فنجان الحمامي