الاثنين، 31 يناير 2011

النبي المخلوع


ولد مسيلمة بمنطقة الهدّار(1) باليمامة، وتشير الأخبار إلى أنّ مولده كان قبل ولادة عبد الله والد النبيّ أو قبل ولادة النبيّ(2) وأنّه كان من المعمّرين وتوفّي عن سنّ تناهز 150 عاما(3) ولا أظنّه عاش كلّ هذا الزمن، وإنّما المعنى أنّه عاش كثيرا وربّما توفّي، أو بالأحرى قتل، عن ثمانين أو تسعين أو حتّى مائة سنة، واسمه الصحيح هو "مسيلمة" وقد ذهب بعض  المستشرقين إلى أنّ اسمه "مسلمة" وذكرته كتب التراث "مسيلمة" تصغيرا له وتحقيرا من شأنه، وهذا القول مردود من وجهين، الأوّل أنّ اسم مسيلمة ليس حكرا على نبيّ اليمامة وجاء في كتاب الردّة اسم "مسيلمة بن يزيد القشيري" كان مع الأشعث بن قيس حين ارتدّ في كندة(4) وذكر ابن الأثير في اللباب: (ناشر بن الأبيض بن كنانة بن مسيلمة بن عامر بن عمرو…بطن من همدان)(5) وجاء في معجم قبائل العرب: (عامر بن مسيلمة: بطن)(6) فالاسم بالتصغير لا يعني دائما التقليل والتحقير إذ قد يعني التعظيم والإكبار كقولنا "دويهية" لداهية، و"بطيل" لبطل، وربّما تستعمله العرب في أسماء الأعلام من باب التلطيف والإعزاز للمولود، فنجد من الأسماء "عمير" كعمير بن سعد، وكليب، وشريح بن الحارث، وطليحة، وسهيل، وعبيد، وعبيدة، وغيرهم كثير، ومثل ذلك مسلم ومسلمة ومسيلمة. والوجه الثاني هو العملة التي نشرها
Philippe De Saxe-Cobourg
 في المجلّة البلجيكيّة للعملة التابعة للجمعيّة الملكيّة، وترجمة نصّ العملة إلى العربيّة:
 (بأمر أبو ثمامة مسيلمه رسول الله أمير المؤمنين)(7)
وهي مكتوبة بالأحرف اليونانيّة واللاتينيّة، وهي ذهبيّة وعليها صورة هرقل وابنه، ولا نتعجّب من أن يضرب مسيلمة العملة باسمه، إن صحّت هذه القراءة، فما سنراه في ثنايا هذا البحث يدعّم فرضيّة أنّه كانت له مكانة كبيرة.

ونسبه الكامل على قول ابن حزم في جمهرة أنساب العرب:
(مسيلمة الكذّاب بن ثمامة بن كثير بن حبيب بن الحارث بن عبد الحارث بن عديّ بن حنيفة، يكنّى أبا ثمامة)(8)
 وفي الاشتقاق لابن دريد: (مسيلمة بن حبيب، يكنّى أبا ثمامة الكذّاب)(9)،
 طبعا لفظة "الكذّاب" هي من إضافتهما، وبنو حنيفة يعودون إلى بكر بن وائل وهي من القبائل العربيّة المشهورة في الجاهليّة إن لم تكن أشهرها، ويقول ابن خلدون:
 (وأمّا بكر بن وائل ففيهم الشهرة والعدد […] ففي بني حنيفة بطون متعدّدة أكثرهم بنو الدول بن حنيفة، فيهم البيت والعدد، ومواطنهم باليمامة)(10)
 وهم قوم أهل زراعة وتحضّر، يصدّرون المنتوجات الفلاحيّة إلى بلدان عديدة ومنها مكّة حتّى سمّيت "ريف مكّة"(11)
 وفي اليمامة "سوق حجر" وهو من الأسواق الموسميّة ويأتيه التجّار والشعراء وتجري فيه منافرات ومفاخرات مثلما هو الشأن في عكاظ(12)
 ومن مشاهيرهم الأعشى ميمون الشاعر وهو من الفحول وشعره من الطبقة الأولى، وهوذة بن عليّ الحنفي ويكنّى بذي التاج وكان ممّن يزور كسرى في المهمّات(13)
 وقال المبرّد في الكامل: (كان هوذة ذا قدر عال وكانت له خرزات فتجعل على رأسه تشبّها بالملوك […] وكتب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى هوذة، كما كتب إلى الملوك)(14) ومنهم يقظان بن زيد الحنفي ويقال له "مباري الريح" لجوده، وقد شاركت بنو حنيفة مع إخوانها من أبناء بكر بن وائل في معركة ذي قار وانتصروا فيها على الفرس، ويقول ابن حبيب في المحبّر:
 (وكانت وقعة ذي قار التي انتصفتْ فيها العرب من العجم […] ورسول الله بمكّة قبل أن يهاجر)(15) ورجّح أبو الفداء في المختصر تاريخ ذي قار بعد هجرة النبيّ عام وقعة بدر الأوّل(16) وصنّفها أبو عبيدة في "كتاب الديباج" ضمن أيّام العرب العظام(17) وقال النبيّ حين سمع بالانتصار في ذي قار: (بي نصروا)(18)
 وقد تعمّدتُ ذكر نبذة مقتضبة عن أبناء بكر بن وائل، حتّى نفهم فيما بعد حرب الردّة بين قريش وبني حنيفة وأسباب رفضهم لحكم قريش واعتزازهم بمآثرهم وماضيهم.

وكان اسم اليمامة "جو" وقد سُمّيت "اليمامة" نسبة إلى زرقاء اليمامة وقصّتها مشهورة، وكان قبل ذلك يسكن "جو" قبائل "طسم وجديس" فهاجمهم جيش "حمير" وهزمهم(19) وهذه الأخبار تتّفق مع نقش أركيولوجيّ في اليمن يعود إلى سنة 360 ميلادي وفيه أنّ الملك الحميري أرسل جيشا إلى "جو" وانتصر عليها(20) وفيها يقول الأعشى، إن صحّ الشعر إليه: ( فاستنزلوا أهل جوّ من مساكنهم**وهدّموا شاخص البنيان فاتّضعا) ثمّ سكن بنو حنيفة بعدهم، وفي ذلك قصّة كعادة الرواة.
وكان مسيلمة قد تنبّأ قبل مبعث النبيّ، داعيا إلى عبادة الرحمن حتّى سُمّي برحمان اليمامة، وحينما سمعت قريش "بسم الله الرحمن الرحيم" قال قائلهم للنبيّ محمّد: (دقّ فوك، إنّما تذكر مسيلمة رحمان اليمامة)(21) وذهب أهل التفسير إلى أنّ الآية 60 من سورة الفرقان (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن، قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا) كانت نقاشا حول مسيلمة، إذ يروي مقاتل في تفسيره: (قال أبو جهل: يا ابن أبي كبشة، تدعو إلى عبادة الرحمن الذي باليمامة)(22) وفي تفسير الطبري: (وذكر بعضهم أنّ مسيلمة كان يدعى الرحمن، فلمّا قال لهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم اسجدوا للرحمن، قالوا: أنسجد لما يأمرنا رحمان اليمامة؟)(23) وفي معالم التنزيل للبغوي: (ما نعرف الرحمن إلاّ رحمان اليمامة، يعنون مسيلمة الكذّاب، كانوا يسمّونه رحمان اليمامة)(24) وفي تفسير القرطبي: (ما نعرف الرحمن إلاّ رحمن اليمامة، يعنون مسيلمة الكذّاب)(25) وفي الجواهر للثعالبي: (يعني أنّ كفّار قريش قالوا: ما نعرف الرحمن إلاّ رحمان اليمامة)(26) وفي تفسير الرازي ويتميّز بأنّه مسند للصحابة والتابعين: (قد بلغنا أنّه إنّما يعلّمك هذا الذي تأتي به رجل من أهل اليمامة يقال له الرحمن وإنّا والله لن نؤمن به أبدا)(27) إلخ… لكنّ مسيلمة لم يدّع الألوهيّة ولا أظنّ قريشا تعنيه بالسجود في قولها (أنسجد لما تأمرنا) وإنّما رفضت هذه التسمية لأنّها لإله مسيلمة وهي تعرفه بالاسم (الرحمن) ولذلك قالوا: (أنسجد لما تأمرنا) على سبيل المناكرة وليس (أنسجد لمن تأمرنا) وإذ أنّ مسيلمة كان يدعو إلى عبادة الرحمن فقد غلب عليه هذا اللقب، فسمّي برحمان اليمامة، ولا أظنّ قريشا تجهل أنّ الرحمن هو الله، وهي لفظة مشهورة وقتئذ، ويستعملها اليهود والمسيحيون، وإنّما اعتراضهم، حسب رأيي، كان على التسمية بوصفها تحيل على مسيلمة وما يتبع ذلك من انقياد دينيّ من قريش لبني حنيفة، ولهذا قالوا إنّ مسيلمة يعلّم محمّدا القرآن حيث جاء في تفسير القرطبي: (قالوا: إنّما يعلّمه بشر وهو رحمان اليمامة يعنون مسيلمة الكذّاب، فأنزل الله تعالى: الرحمن علّم القرآن [إلى آخر السورة] )(28) وفي الكشّاف للزمخشري أنّ الوليد بن المغيرة قال: (وما الذي يقوله إلاّ سحر يؤثر عن مسيلمة وعن أهل بابل)(29) وفي معالم التنزيل في تفسير سورة المدّثّر: (إن هذا إلاّ قول البشر يعني يسارا وجبرا فهو يأثره عنهما، وقيل يرويه عن مسيلمة صاحب اليمامة)(30) وفي معاني القرآن للفرّاء: ( وما قوله إلاّ السحر تعلّمه من مسيلمة الكذّاب)(31)
 

ملاحظة1: يتّفق تقريبا المفسّرون على أنّ الآيات (إنّه فكّر وقدّر فقتل كيف قدّر ثمّ قتل كيف قدّر ثمّ نظر ثمّ عبس وبسر ثمّ أدبر واستكبر فقال إن هذا إلاّ سحر يؤثر إن هذا إلاّ قول البشر) (المدثّر، 15-28) كانت نزلت في الوليد بن المغيرة ويكنّى "الوحيد" في قومه لمعرفته بالبلاغة وأشعار العرب، وهو يقول: (إنّ هذا إلاّ قول البشر) وبغضّ النظر عن أنّها شهادة من رجل جاهليّ ذي مكانة في اللغة، فقد وُضعت رواية منسوبة للوليد بن المغيرة، نراها تتكرّر كثيرا عند المدافعين عن إعجاز القرآن، تقول: (قال الوليد: إنّ له لحلاوة، وإنّ عليه لطلاوة، وإنّ أعلاه لمثمر، وإنّ أسفله مغدق، وما هو بقول البشر) فالقرآن نفسه يؤكّد أنّ الوليد اعتبره من قول البشر، وذلك بعد أن فكّر وقدّر، فكيف ننسب إليه عكس ما قال القرآن؟ فانظرْ، يا أصلحك الله، كيف توضع الروايات.

ملاحظة2: نلاحظ تكرّر لفظة الرحمن كثيرا في القرآن المكّي بعكس القرآن المدني وقد شككت في كون النبيّ قد تعلّم من مسيلمة، وزوجة مسيلمة كانت من قريش وهي كيسة بن الحارث، من بني عبد شمس جدّ الأمويّين، وهي بنت أخي أروى والدة عثمان بن عفّان، وهي أيضا بنت أخي فاختة التي تزوّجها أبو العاصي بن الربيع بعد وفاة زوجته زينب بنت النبيّ، ولا تذكر الأخبار أنّ كيسة قد ولدت لمسيلمة بل لا تذكر له عقبا أصلا، وجاء ذكر "شرحبيل بن مسيلمة" عند الذهبي في تاريخ الإسلام(32) وكان محاربا مع بني حنيفة في حروب الردّة، وربّما هو ابن مسيلمة فمات مع أبيه وانقطع ذكره. وجدّ كيسة بنت الحارث، كان متزوّجا من البيضاء بنت عبد المطّلب، عمّة النبيّ.(33) وليس من المستبعد أن يكون مسيلمة زار مكّة مرارا، وزوجته قرشيّة، لكنّنا لا نملك دليلا على تعلّم النبيّ من مسيلمة سوى الإشاعات التي أطلقتها قريش ونقلتها لنا الأخبار.
 

أرسل النبيّ سرايا وبعوثا وجيوشا من المدينة إلى عديد الأماكن في الجزيرة العربيّة لكنّه لم يحاول غزو بني حنيفة، بل أنّه أرسل جيشا إلى مؤتة لمحاربة الإمبراطوريّة البيزنطيّة بجيشها النظاميّ الكبير الذي يبلغ مائة ألف وخرج بنفسه إلى تبوك، ورغم ذلك لم يرسل جيشا واحدا إلى اليمامة خاصّة أنّ فيها شخصا يدّعي النبوّة، وهو ما يجعلنا نرجّح بعد تمحيص وغربلة للأخبار والأحاديث أنّ مسيلمة لم يكن معارضا للنبيّ ففي الأخير هما يدعوان إلى إله واحد توحيديّ، ولا إشكال، من حيث المبدأ، في أن يرسل الله أكثر من نبيّ في عصر واحد: (واضربْ لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون، إذ أرسلنا إليهم إثنين فكذّبوهما فعزّزنا بثالث فقالوا إنّا إليكم مرسلون) (يس، 13-14) ففي هذه الآية أرسل الله رسولين ثمّ عزّزهما بثالث، وكذلك لا إشكال في أن يرسل الله مسيلمة ومحمّدا في عصر واحد، ولا يتعارض هذا مع كون النبيّ محمّد خاتم المرسلين. ونحن نعطي هذه الأمثلة لنوضّح أنّه لا مشكلة من الناحية النظريّة الإسلاميّة في أن يكون مسيلمة نبيّا مرسلا مع النبيّ محمّد، وأؤكّد أنّنا نتحدّث من ناحية المبدأ فقط دون أن نتناول صدق أو كذب النبيّ الآخر. كما أنّ مقتل مدّعي النبوّة لا يعني أنّه كان كاذبا، ونجاحه لا يعني أنّه كان صادقا، والقرآن نفسه يشير إلى أنّ بعض الأنبياء قد تعرّضوا إلى القتل: (فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حقّ وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلاّ قليلا) (النساء، 155) فقتل النبيّ وفشل دعوته لا يعني أنّه كان كاذبا، كذلك قتل مسيلمة وفشل دعوته. وإذ أشرنا إلى أنّ فشل الدعوة لا يعني أنّ مؤسّسها كاذب، فكذلك نضرب مثالا على أنّ نجاح الدعوة لا يعني صدق مؤسّسها، وأبلغ مثال عندنا هو الديانة المسيحيّة واعتبار عيسى ابن الله، فمليارات البشر آمنوا ويؤمنون وسيؤمنون بهذه العقيدة، رغم أنّها عقيدة كافرة من وجهة النظر الإسلاميّة، كقول القرآن (لقد كفر الذين قالوا إنّ الله هو المسيح ابن مريم) (المائدة، 17) وتكاد أن تنشقّ الأرض من كفر هذه العقيدة: (تكاد السماوات يتفطّرن منه وتنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدّا) (مريم، 90) فمنذ ألفي سنة والجبال تكاد أن تخرّ ورغم ذلك فقد نجحت العقيدة المسيحيّة وانتشرتْ في أنحاء العالم.

والنبيّ لم يحارب مسيلمة وإنّما حاربته قريش في عهد أبي بكر تحت غطاء الردّة، وذلك بعد أن اقترنتْ النبوّة بالملك، فقريش تستمدّ شرعيّتها من النبيّ محمّد لتبسط سلطانها على جميع العرب، فرفضت بنو حنيفة هذا الحكم القرشيّ، فإن كان هناك تفاضل في المآثر والمجد فبنو حنيفة يرون أنّهم أحقّ بذلك وإن كان هناك تفاضل غيبيّ بالنبوّة فبنو حنيفة يرون أيضا أنّ النبوّة فيهم، ويروي الزمخشري إنّ رهط مسيلمة كانوا يقولون: (نحن أنبياء الله)(34) وتروي الأخبار أنّ مسيلمة قال: (يا بني حنيفة، أريد أن تخبروني بماذا صارت قريش أحقّ بالنبوّة والإمامة منكم؟ والله ما هم بأكثر منكم وأنجد، وإنّ بلادكم لأوسع من بلادهم، وأموالكم أكثر من أموالهم)(35) وقد وُضعت أحاديث كثيرة توطّد حكم قريش وإمامتها على العرب، حتّى وصلت درجة بعضها إلى درجة الحديث المتواتر، وأرجّح أنّ هذه الروايات التي تتحدّث عن فضل قريش وأحقيّتها بالإمارة والحكم إنّما برزتْ بعد وفاة النبيّ بعد حروب الردّة، وقد لاحظ فرج فودة ملاحظة ذكيّة قائلا: (وهي كلّها أحاديث وضعها من لا دين لهم إلاّ هوى الحكّام، ولا ضمير لهم ولا عقيدة، لكنّك في نفس الوقت تخشى من اتّهامك بالعداء للسنّة […] ولا تجد مهرباً إلا بتداعيات اجتماع سقيفة بني ساعدة في المدينة، والذي اجتمع فيه الأنصار لانتخاب سعد بن عبادة، وسارع أبو بكر وعمر وأبو عبيده الجراح إليهم ورشّحوا أبا بكر، ودار حوار طويل بين الطرفين، انتهى بمبايعة أبي بكر، وأنت في استعراضك للحوار، لا تجد ذكراً للحديث النبويّ السابق، وهو إن كان حديثاً صحيحاً لما جرؤ سعد بن عبادة سيّد الخزرج على ترشيح نفسه، ولكفى أبا بكر وعمر والجرّاح مؤونة المناظرة، ولما فاتهم أن يذكروه وهو في يدهم سلاح ماض يحسم النقاش، ويكفي أن تعلم أنّ سعد بن عبادة ظل رافضاً لبيعة أبي بكر إلى أن مات، ولم يجد من يأخذ بيده إلى هذا الحديث فيبايع عن رضى وهو الصحابي الجليل ذو المواقف غير المنكورة في الإسلام)(36)

فلم يحدث الصدام بين قريش وبني حنيفة إلاّ بعد وفاة النبيّ، أمّا أثناء حياته فلم تكن العلاقة بين مسيلمة ومحمّد بهذه الحدّة، وقد كان لقرآن مسيلمة تأثير حتّى على الناس في المدينة وتحدّث الناس به حيث يروي الهيثمي في مجمع الزوائد: (أكثر الناس في شأن مسيلمة قبل أن يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيه شيئا فقام رسول الله خطيبا فقال: أمّا بعد، ففي شأن هذا الرجل الذي قد أكثرتم فيه وأنّه كذّاب من ثلاثين كذّابا يخرجون من بين يدي الساعة وإنّه ليس من بلد إلاّ يبلغه رعب المسيح/ رواه أحمد والطبراني وأحد أسانيد أحمد والطبراني رجاله رجال الصحيح)(37) ونستشفّ من هذا الخبر أنّ مسيلمة شغل الناس، ولا يمكن أن يشغلهم بقرآن ركيك، ومن الواضح أنّه أهمّ النبيّ أيضا وشغل باله حيث جاء في الصحيح أنّ النبيّ رأى في المنام وكأنّ في يديه سوارين من ذهب، وهذا المنام يوحي نفسيّا بشعور من التقييد والهمّ، وفسّر النبيّ منامه بمسيلمة والعنسيّ(38) وأخرج الحاكم في المستدرك: (أتى رسول الله مسيلمة، فقال له مسيلمة: تشهد أنّي رسول الله؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: آمنت بالله ورسله، ثمّ قال: إنّ هذا رجل أخّر لهلكة قومه، هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)(39) وكأنّ النبيّ كان يشكّ في حال مسيلمة فلم ينف ولم يؤكّد وإنّما بيّن إيمانه بالله ورسله وجاء في الحديث الصحيح أنّ مسيلمة زار النبيّ في المدينة حيث أخرج البخاري: (قدم مسيلمة الكذّاب على عهد رسول الله فجعل يقول: إن جعل لي محمّد الأمر من بعده تبعته وقدمها في بشر كثير من قومه فأقبل إليه رسول الله ومعه ثابت بن قيس بن شمّاس وفي يد رسول الله قطعة جريد حتّى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال: لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها ولن تعدو أمر الله فيك ولئن أدبرت ليعقرنّك الله وإنّي لأراك الذي أريت فيك ما رأيت)(40) ونحن نستبعد أن يكون مسيلمة قد طلب الإمارة بعد النبيّ، خاصّة أنّه جاء في جيش كبير إلى المدينة، وإنّما الدلائل تشير إلى أنّه جاء يطالب بتقاسم الأرض، فنصف لقريش ونصف لبني حنيفة، وهو نفسه الجواب الذي ردّ به ملك اليمامة هوذة بن عليّ على رسالة النبيّ قائلا: (إن جعل الأمر لي من بعده سرت إليه وأسلمت ونصرته وإلاّ قصدت حربه، فقال النبيّ: لا، ولا كرامة، اللهمّ اكفنيه)(41) ولا أظنّ أنّ هوذة بن عليّ طلب أن يكون الأمر له من بعد محمّد، فهذا غير منطقي وهو أصلا ملك على اليمامة وله من القوّة والعدد ما يستطيع أن يحافظ به على مكانته، وإنّما الراجح عندنا أنّ جواب هوذة الحقيقيّ هو أن يقتسم الأرض مع محمّد، أو أن يحافظ كلّ منهما على ما تحت يديه فلا يعتدي أحدهما على الآخر، ويبدو أنّه كان بينهما اتّفاق "دبلوماسيّ" بتعبير عصرنا وسلام وتبادل للهدايا، حيث يذكر ابن حجر في الإصابة شخصا اسمه "كركرة": ( كركرة، مولى رسول الله كان نوبيّا، أهداه له هوذة بن عليّ الحنفيّ اليماميّ)(42) كما أنّ هوذة حين أتاه رسول النبيّ، وهو سليط بن عمرو، أجازه بجائزة وكسوة، ولذلك نفهم الكلام المنسوب إلى مسيلمة قائلا: (إنّ قريشا قوم يعتدون)(43) ويجعل أهل الأخبار هذا الكلام في مراسلة بين النبيّ ومسيلمة ونحن نرجّح أنّه وقع بين أبي بكر ومسيلمة.

يردّد البعض أنّ بني حنيفة اتّبعتْ مسيلمة بسبب العصبيّة القبليّة، ويستشهدون بما ذكره الطبري في تاريخه قول أحد أتباع مسيلمة: ( كذّاب ربيعة أحبّ إليّ من صادق مضر) فالقائل يعلم أنّ مسيلمة، وهو من ربيعة، كذّاب، وأنّ محمّدا، وهو من مضر، صادق، لكنّه تبع مسيلمة عصبيّةً، لكنّ هؤلاء يغفلون عمّا أورده الطبري، برواية أخرى، في السطر الموالي مباشرة وهو أنّ هذا الرجل قال: (كذّاب ربيعة أحبّ إليّ من كذّاب مضر)(44) فالرجل يعتبر مسيلمة ومحمّدا كذّابين على السواء، والروايتان يرويهما سيف بن عمر. ولو عقدنا مقارنة سريعة بين مسيلمة ومحمّد، للاحظنا أنّ النبيّ حينما كان بمكّة، وطيلة دعوته، لم يتّبعه إلاّ حوالي مائة شخص، ولم يؤثّر قرآنه فيهم، ولم يبدأ الناس في دخول الإسلام إلاّ بعد الهجرة بفضل الغزوات والغارات، بينما لم يذكر التاريخ أنّ مسيلمة أغار على غيره، وقد اتّبعه الآلاف، ممّا يشير إلى تأثير قرآنه عليهم.

وقد وصلنا بيتان من الشعر في مدح مسيلمة، فالأوّل على البحر البسيط من قصيدة لشاعر من بني حنيفة: ( سموت بالمجد يا ابن الأكرمين أبا***وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا)(45) ويعلّق الزمخشري: ( وأمّا قول بني حنيفة في مسيلمة: رحمان اليمامة، وقول شاعرهم فيه: وأَنْتَ غَيْثُ الوَرَى لا زِلْتَ رَحْمَانَا، فباب من تعنّتهم في كفرهم)(46) والبيت الآخر، على الوافر، أورده فخر الدين الرازي في التفسير الكبير: ( وأمّا قول الشاعر: وجوه ناظرات يوم بدر***إلى الرحمن تنتظر الخلاصا، قلنا هذا الشعر موضوع، والرواية الصحيحة: وجوه ناظرات يوم بكر***إلى الرحمن تنتظر الخلاصا، والمراد من هذا الرحمن مسيلمة الكذّاب، لأنّهم كانوا يسمّونه رحمن اليمامة، فأصحابه كانوا ينظرون إليه ويتوقّعون منه التخلّص من الأعداء)(47) ونلاحظ الوفاء الشديد الذي يكنّه أتباع مسيلمة لنبيّهم، واستعدادهم للتضحية بأرواحهم، فقد جاء رسولان من مسيلمة إلى النبيّ وأحدهما يدعى ابن النوّاحة فقال له النبيّ: (أتشهد أنّي رسول الله؟ فقال: أشهد أنّ مسيلمة رسول الله، فقال رسول الله: لو كنت قاتلا رسولا لقتلتك)(48) وهناك من أصحاب مسيلمة من أسلم وقرأ القرآن ثمّ ارتدّ وعاد إلى اليمامة حيث يروي ابن الأثير في الكامل: (وأمّا مجاعة والرجّال فأسلما، وأقام الرجّال عند رسول الله حتّى قرأ سورة البقرة وغيرها وتفقّه وعاد إلى اليمامة فارتدّ، وشهد أنّ رسول الله أشرك مسيلمة معه فكانت فتنته أشدّ من فتنة مسيلمة)(49) ولنا أن نتعجّب من شدّة تعلّق أصحاب مسيلمة به إذ أنّه حينما اتّجه خالد بن الوليد إلى اليمامة لمحاربة مسيلمة في الردّة قبض، في طريقه، على جماعة من بني حنيفة عددهم ثلاثة وعشرون رجلا: ( فقال لهم خالد: يا بني حنيفة، ماذا تقولون في صاحبكم مسيلمة؟ فقالوا: نقول إنّه شريك محمّد بن عبد الله في نبوّته […] فقدّم خالد بقيّة القوم وضرب أعناقهم صبرا)(50) وقد قتلهم خالد صبرا وكان لهم متّسع من الوقت للتراجع أو "التوبة" ورغم ذلك أصرّوا على موقفهم حتّى قطعت أعناقهم.

ويشير ابن كثير في البداية والنهاية إلى عدد الجيش الضخم الذي كان يدافع عن مسيلمة: (وقد ذكر ذلك مستقصى في أيام الصديق حين بعث خالد بن الوليد لقتال مسيلمة وبني حنيفة، وكانوا في قريب من مائة ألف أو يزيدون، وكان المسلمون بضعة عشر ألفا)(51) وهذا رقم مهول مبالغ فيه، وإنّما المعنى الذي نستخلصه هو أنّ عدد بني حنيفة المساندين لمسيلمة كان كثيرا ويفوق عدد المسلمين، وقد استمات الحنفيّون في الدفاع حتّى استحرّ القتل بين الطرفين، ولهذا السبب قام أبو بكر بجمع القرآن في مصحف، قبل جمع عثمان، حيث قُتل الكثير من حملة القرآن في اليمامة، وكانت مذبحة بين قريش وأتباعها وحنيفة، وهذا هو طريق الملك والسلطان، طريق معبّد بالجماجم والدماء، وقد سبى المسلمون نساء بني حنيفة ومنهنّ خولة بنت قيس كانت من نصيب عليّ بن أبي طالب وأنجب منها محمّد بن الحنفيّة وكنيته "أبو القاسم" واسمه وكنيته وسيرته تتشابه كثيرا مع النبيّ محمّد وهو ما دفع سليمان بشير إلى القول بوجود خلط في أحداث السيرة النبويّة وإنّها مستمدّة من سيرة محمّد بن الحنفيّة(52)

وحينما قُتل مسيلمة صرخت جارية من فوق قصره تندب مسيلمة قائلة: (وا أمير المؤمنيناه)(53) وقال أحدهم يرثيه: (لهفي عليك أبا ثمامه***لهفي على ركني شمامه/ كم آية لك فيهمُ***كالشمس تطلع من غمامه)(54) وبعد موت مسيلمة لم تفتر دعوته تماما وإنّما بقي البعض يردّدون آيات من قرآنه ويصلّون بها حتّى زمن خلافة عثمان بن عفّان، وقد روى أحمد والدارمي والبزار والنسائي وغيرهم رواية بألفاظ مختلفة وخلاصتها: كان لبني حنيفة مسجد في الكوفة آذانه: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ مسيلمة رسول الله، وكانوا يقيمون الصلاة بقرآن مسيلمة، ويفشون أحاديثه، فسمعهم رجل فنقل خبرهم إلى عبد الله بن مسعود وكان والي الكوفة في زمن عثمان بن عفّان، فأرسل من قبض عليهم وجاء بهم، فاستتابهم، فتاب بعضهم وأبى بعضهم، فضرب أعناق الذين أبوا(55) ويبدو أن لا فرق بين دين محمّد ومسيلمة من حيث الجوهر وربّما من حيث العبادات أيضا، بل ربّما يكون مسيلمة متشدّدا في الدين أكثر من النبيّ إذ يذكر ابن سعد بإسناد حسن (عن أبي مريم الحنفي أنّ عمر بن الخطاب دخل مربدا له ثمّ خرج فجعل يقرأ القرآن، قال له أبو مريم: يا أمير المؤمنين إنك خرجت من الخلاء، فقال: أمسيلمة أفتاك بهذا؟)(56) وأبو مريم كان من أصحاب مسيلمة وهو قاتل زيد بن عمر بن الخطّاب في معركة اليمامة، وفي هذا الحديث أنّ عمرا خرج إلى الخلاء لقضاء حاجة ثمّ عاد وأخذ يقرأ القرآن فأشار عليه أبو مريم بضرورة الوضوء، فقال له عمر: هل هذا من فتاوى مسيلمة؟

الهوامش:

1- ياقوت الحموي، معجم البلدان، دار صادر، بيروت، 1977 ج5، ص394

2- السهيلي، الروض الأنف، تحقيق مجدي بن منصور بن سيّد الشورى، دار الكتب العلميّة، بيروت، ج2، ص80

3- الذهبي، تاريخ الإسلام…، تحقيق عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، 1989، ج3، ص 73

4- الواقدي، كتاب الردّة، مصدر سابق، ص205

5- ابن الأثير، اللباب في تهذيب الأنساب، مكتبة المثنّى، بغداد،1970، ج3، ص288-289

6- عمر رضا كحّالة، معجم قبائل العرب….، مؤسّسة الرسالة، بيروت، 1997، ج2، ص713
 

(7-) Revue Belge de Numismatique, Philippe De Saxe-Cobourg, Curiosités orientales…, Bruxelles, 1891, 47 éme Année, p311-312
 

ويذكر عملة أخرى من مجموعة Th.Rhode وأظنّه خطأ مطبعيّا في الإسم بل Rohde أي Theodore Rohde وجاء في العملة: (ضرب محمّد رسول الله)، وهي ذهبيّة وعليها صورة هرقل وابنه، ولم تذكر كتب التاريخ أنّ محمّدا ضرب العملة باسمه، (انظرْ مثلا شذور العقود في ذكر النقود للمقريزي) ولكن كلّ شيء جائز، هذا إن صحّت هذه القراءة.
 

8- ابن حزم، جمهرة أنساب العرب، تحقيق عبد السلام محمّد هارون، دار المعارف، ط5، القاهرة، 1982، ص310

9- ابن دريد، الاشتقاق، تحقيق عبد السلام محمّد هارون، دار الجيل، بيروت، 1991، ص347

10- تاريخ ابن خلدون، تحقيق خليل شحادة، مراجعة سهيل زكار، دار الفكر، بيروت، 2000، ج2، ص361

11- الذهبي، تاريخ الإسلام، مصدر سابق، ج1، ص351

12- سعيد الأفغاني، أسواق العرب في الجاهليّة والإسلام، دمشق، 1960، ص 358-359

13- الزركلي، الأعلام، دار العلم للملايين، بيروت، ط15، 2002، ج8، ص 102

14- المبرد، الكامل في اللغة والأدب، تحقيق محمّد أحمد الدالي، مؤسّسة الرسالة، 1992، ص911

15- ابن حبيب، المحبّر، تحقيق إيلزه ليختن شتيتر، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ص360

16- أبو الفداء، المختصر في أخبار البشر، تحقيق نخبة من الأساتذة، سلسلة ذخائر العرب 69، دار المعارف، 1998، ج1، ص105

17- أبو عبيدة، كتاب الديباج، تحقيق العثيمين وجربوع، مكتبة الخانجي للطباعة والنشر، 1991، ص62

18- أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (5:312) وأحمد في فضائل الصحابة (3:493) والهيثمي في مجمع الزوائد (3:76)

19- المقدسي، البدء والتاريخ، البدء والتاريخ، مكتبة الثقافة الدينية، ج3، ص 28-30
 

(20-) Robert G.Hoyland, Arabia and the Arabs…., Routledge, USA, 2001, p49

et aussi : Revue du monde musulman et de la méditerranée, Christian Robin, Quelques épisodes marquants…., V 61, 1991, p64
 

21- السهيلي، الروض الأنف، مصدر سابق، ج4، ص 355

22- تفسير مقاتل بن سليمان، تحقيق أحمد فريد، دار الكتب العلميّة، بيروت، 2003، ج2، ص441

23- تفسير الطبري، تحقيق التركي، هجر للطباعة والنشر، القاهرة، 2001، ج17، ص482

24- تفسير البغوي، تحقيق نخبة من الأساتذة، دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض، 1411 هجري، ج6، ص92

25- تفسير القرطبي، تحقيق التركي بمشاركة عرقسوس وبركات، مؤسّسة الرسالة، بيروت، 2006، ج15، ص 459

26- تفسير الثعالبي، تحقيق نخبة من الشيوخ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1997، ج4، ص 215

27- تفسير ابن أبي حاتم الرازي، تحقيق أسعد محمّد الطيّب، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، 1997، ج8، ص 2715-2716

28- تفسير القرطبي، مصدر سابق، ج20، ص112-113

29- الكشّاف للزمخشري، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمّد معوّض، مكتبة العبيكان، الرياض، 1998، ج6، ص 257

30- تفسير البغوي، مصدر سابق، ج8، ص 269

31- الفراء، معاني القرآن، دار عالم الكتب، 1983، ج3، ص 202

32- الذهبي، تاريخ الإسلام، مصدر سابق، ج3، ص 38

33- السمعاني، الأنساب، تقديم وتعليق: عبد الله عمر البارودي، دار الجنان، بيروت، 1988، ج5، ص 61

34- الكشّاف، مصدر سابق، ج2، ص 219

35- الواقدي، كتاب الردّة، مصدر سابق، ص 108

36- فرج فودة، الحقيقة الغائبة، دار الفكر للدراسات والنشر، القاهرة-باريس، ط3، 1988، ص 18-19

37- رقم الحديث في الشاملة: مجمع الزوائد للهيثمي (3/343) مسند أحمد ( 19565 ) صحيح ابن حبّان(6778) الحاكم في المستدرك ( 8773)

38- مصنّف أبي شيبة (31116) مسند أحمد (8106) صحيح البخاري (3351) صحيح مسلم (4218) سنن ابن ماجة (3912) سنن الترمذي (2216) سنن النسائي (7649) إلخ..

39- مستدرك الحاكم: (4353)

40- صحيح البخاري: 3351، صحيح مسلم: 4218

41- أبو الفداء، المختصر، مصدر سابق، ج1، ص 177

42- ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق التركي، بالتعاون مع مركز هجر للبحوث والدراسات العربيّة والإسلاميّة، القاهرة، ج9، ص 264

43- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، ط2، 1969، القاهرة، ج3، ص 146

44- المصدر السابق، ج3، ص 286

45- الألوسي، روح المعاني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ج1، ص59

46- الزمخشري، الكشّاف، مصدر سابق، ج1، ص 109

47- فخر الدين الرازي، التفسير الكبير ومفاتيح الغيب، دار الفكر، 1981، ج30، ص 229

48- أخرجه البزار في مسنده (1733) وبسند ولفظ مختلف أبو داود في سننه (2380) والحاكم في المستدرك (2583) وأحمد في مسنده (3524)

49- ابن الأثير، الكامل في التاريخ، تحقيق عبد الله القاضي، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1987، ج2، ص 98

50- الواقدي، كتاب الردّة، مصدر سابق، ص 119

51- ابن كثير، البداية والنهاية، تحقيق التركي، هجر للطباعة والنشر…، 1998، ج9، ص 333

52- سليمان بشير، مقدّمة في التاريخ الآخر، نحو قراءة جديدة للرواية الإسلاميّة، القدس، 1984، ص 163 وما بعدها.

53- المصدر السابق، ص 334

54- السهيلي، الروض الأنف، مصدر سابق، ج4، ص 355

55- مسند أحمد (3644) سنن النسائي (8675) مسند البزار (1787) المعجم الأوسط للطبراني (8762) مصنّف ابن أبي شيبة (33411) سنن الدارمي (2558) مصنّف عبد الرزاق (18708)

56- ابن سعد، الطبقات، مصدر سابق، ج9، ص 90

وانظرْ: مصنّف عبد الرازق (1318) وابن أبي شيبة (1110)

أحذروا الجاسوس صاحب وهم

منذ أكثر من أسبوع و الحظر يطال مدونة عين حمئة لدى قررنا تعويضها بعين حمئة أخرى في هذا الرابط
 http://abouaicha.blogspot.com/
و سيبقى التعريض بكليب المنتدى معروضا  ما حييت
و ستبقى مواجهة جاسوس النت فرويد صاحب مدونة وهم إلى الأبد

أبو نبي المنافقين

الأحد، 30 يناير 2011

قراءة في السيرة النبوية


ذهب بعض الباحثين(1) إلى أنّ محمّدا لم يوجد وأنّه صناعة أسطوريّة متأخّرة حتّمتها الظروف العقائديّة والاجتماعيّة للإمبراطوريّة العربيّة الناشئة، فألّف كتبة السيرة قصّة تنهل من موروث الحضارات والبلدان التي فتحوها وأسقطوها كلّها على شخصيّة شخص أو قائد أو نبيّ سمّوه محمّدا، فمثله مثل عيسى أو موسى أو سليمان ليس لهم وجود إلاّ في المجال الدينيّ لا التاريخيّ.

ونحن إذ نتّفق معهم في كثرة الأساطير التي تزخر بها السيرة فإنّنا نختلف معهم بشأن وجود محمّد، حيث أنّنا لا نعتمد السيرة العربيّة وحدها والتي من المؤكّد أنّها تحرّكها أغراض دينيّة أكثر منها تاريخيّة، وإنّما ننظر أيضا إلى المصادر الخارجيّة الأجنبيّة المعاصرة لفترة بدايات الإسلام وهي تؤكّد أحداث السيرة في خطوطها العامة أو تنفيها أو تقدّم وجهة نظر أخرى، ومن هذه المصادر الأجنبيّة تاريخ سبيوس المكتوب باللغة الأرمينيّة سنة 660 ميلادي وهو نصّ معاصر للأحداث تقريبا يذكر محمّدا بالاسم ويشير إلى أنّه تاجر (2) وهذا يتّفق مع السيرة العربيّة في هذه النقطة، وكذلك توما القسّيس سنة 640 ميلادي متحدّثا عن معركة غزّة وذاكرا اسم محمّد(3) ويذكره أيضا تاريخ خوزستان سنة 660 ميلادي(4) ويعقوب الرهوي سنة 708 ميلادي(5) الخ..
فوجود شخص كان اسمه أو كنيته أو صفته "محمّدا" كمشرّع وقائد تؤكّده المصادر الأجنبيّة المعاصرة وتؤكّد أيضا على أنّ هذا النبيّ كان محاربا ويسفك الدماء بلا هوادة، مثلما جاء في دوكترينا جاكوبي سنة 640-660 ميلادي(6) فبدل أن ننفي وجود محمّد كونه تأسطر كثيرا، علينا أن نبحث عن محمّد التاريخيّ خلف هذه الطبقات من التراكمات الدينيّة والزيادات الأسطوريّة، وإن كنّا ندرك حجم الصعوبات الكثيرة التي تحيط بمثل هكذا أبحاث بسبب النقص الشديد في المعلومات الأركيولوجيّة في مكّة والمدينة ووقوعها تحت سلطة الرقابة الدينيّة.
تشير السيرة إلى أنّ النبيّ هو ابن عبد الله الذي توفّي عن عمر 25 أو 28 سنة(7) قبل ولادة النبيّ، فكان دوره في السيرة هو إنجاب النبيّ ثمّ الوفاة ولا توجد معلومات إلاّ نادرة عنه بينما يتوسّع الإخباريّون في الحديث عن عبد المطّلب جدّ النبيّ وعن هاشم جدّ عبد المطّلب وعن النبيّ بطبيعة الحال، لكن عبد اللّه كان دوره مثل أدوار "الكومبارس" فما عليه إلاّ أن ينجب محمّدا ثمّ يخرج من الصورة.

واسم عبد الله هو كنية وليس اسما حقيقيّا فكلّنا عباد الله ويمكن أن نسمّي أيّ شخص "عبد الله" ونلاحظ في النقوش وفي العملة في القرن الأوّل الهجري أنّ كنية عبد الله تقترن دائما باسم الشخص فنقرأ في نقش في الطائف: عبد الله معاوية أمير المؤمنين، وفي بعض العملات: عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين، وفي نقش على عملة دمشقيّة: عبد الله الوليد أمير المؤمنين، وفي رسالة أمويّة: عبد الله سليمان أمير المؤمنين، وفي نقش في قصر الخير نقرأ: عبد الله هشام أمير المؤمنين(8) الخ… إلاّ عبد الله والد النبيّ فلم تقدّم السيرة لنا اسمه الحقيقيّ وربّما لم يكونوا يعرفونه خاصّة إذا ربطنا هذا الطرح مع ما جاء في الترمذي: عن ‏ ‏العباس بن عبد المطلب ‏ ‏قال ‏قلت يا رسول الله إن ‏ ‏قريشا‏ ‏جلسوا فتذاكروا أحسابهم بينهم فجعلوا مثلك مثل نخلة في ‏ ‏كبوة ‏ ‏من الأرض فقال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏إنّ الله خلق الخلق فجعلني من خيرهم من خير فرقهم وخير الفريقين ثم تخيّر القبائل فجعلني من خير قبيلة ثم تخيّر البيوت فجعلني من خير بيوتهم فأنا خيرهم نفسا وخيرهم بيتا، قال ‏ ‏أبو عيسى ‏هذا ‏حديث حسن(9).
وجاء في تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: مثل نخلة في كبوة من الأرض، أي كصفة نخلة نبتت في كناسة من الأرض، والمعنى أنّهم طعنوا في حسبك(10) فالكبوة هي الشيء الذي يُكنس خارجا ونقرأ في لسان العرب: الكبة الكناسة من الأسماء الناقصة أصلها كبوة بضم الكاف مثل القلة أصلها قلوة والثبة أصلها ثبوة ويقال للربوة كبوة بالضم قال وقال الزمخشري الكبا الكناسة وجمعه أكباء والكبة بوزن قلة وظبة نحوها وأصلها كبوة وعلى الأصل جاء الحديث قال وكأنّ المحدث لم يضبطه فجعلها كبوة بالفتح قال ابن الأثير فإن صحت الرواية بها فوجهه أن تطلق الكبوة وهي المرة الواحدة من الكسح على الكساحة والكناسة وقال أبو بكر الكبا جمع كبة وهي البعر وقال هي المزبلة(11).
ولنا أن نتساءل ما الذي يجعل هؤلاء القوم من قريش يشكّكون في نسب النبيّ إلى بني هاشم إن كان معروفا عندهم؟ ونقرأ حديثا آخر أغرب منه في البخاري، وهو أنّ حمزة بن عبد المطّلب بعد غزوة بدر قتل ناقتين غنمهما عليّ بن أبي طالب، وكان حمزة في بيت أحد الأنصار يشرب الخمر ويستمع لقينة تغنّي فقالت هذه المغنّية: أيا حمز للشرف النواء، فملأ الفخر حمزة فأخذ سيفه وقتل ناقتين لعليّ فاشتكى عليّ للنبيّ: فدعا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بردائه فارتدى ثم انطلق يمشي واتبعته أنا وزيد بن حارثة حتى جاء البيت الذي فيه حمزة فاستأذن فأذن له فإذا هم شربٌ فطفق رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يلوم حمزة فيما فعل فإذا حمزة ثمل محمرّة عيناه فنظر إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فصعّد النظر إلى ركبته ثم صعّد النظر إلى سرّته ثم صعّد النظر إلى وجهه ثم قال حمزة وهل أنتم إلا عبيدٌ لأبي فعرف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنه ثملٌ فنكص رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على عقبيه القهقرى وخرج وخرجنا معه(12) ما الذي يدعو حمزة إلى أن يعتبر النبيّ عبدا لأبيه؟ يفسّرها ابن حجر في شرح البخاري أنّ الجدّ يسمّى سيّدا وحمزة أقرب إلى عبد المطّلب من محمّد فأراد أن يفخر بهذا الكلام، وهذا تبرير ضعيف وخاصّة إذا ربطنا الحادثة مع ما تقوّله بعض قريش مثلما أشرنا في سنن الترمذي، وكذلك اسم "عبد الله" الذي هو للديكور كما يبدو، فهل كان محمّد مولى لعبد المطّلب؟
وأودّ أن ألفت انتباه القارئ -الذي قد يُصطدم- إلى كون محمّد هو ابن عبد الله أو ابن شخص آخر أو مولى لعبد المطّلب فهو أمر لا يطعن في شخصيّته وقيمته فنحن نعرف أنّ لقريشا أسبابها السياسيّة التي تدفعها لجعل النبيّ منها، فكان الحديث الذي يقول: إنّ هذا الأمر [أي الحكم] في قريش لا يعاديهم أحدٌ إلا كبّه الله على وجهه، ما أقاموا الدين(13) أو الحديث القائل: قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم، لا يزال هذا الأمر في قريشٍ ما بقي منهم اثنان(14) وغير ذلك من الأحاديث التي ترفع من شأن قريش وتوطّد حكمها، وكلّها أحاديث صحيحة، أو جعلوها كذلك، فللملك أسباب ومنطق وللسلطان هوى وحيلة، وكان مصير كلّ من عارض حكم قريش القتل والصلب مثلما حدث مع غيلان الدمشقيّ الذي قال عن الإمامة أنّها تصلح في غير قريش(15) فضرب هشام بن عبد الملك عنقه، ولا ننسى أنّ السيرة التي وصلتنا مكتوبة في العهد العبّاسي فلا بدّ أن يكون النبيّ قريبا للعبّاس بقرابة دم وثيقة، فالأمر والحكم فيهم ومنهم، ونتذكّر قول طه حسين: لأمر ما اقتنع الناس بأنّ النبيّ يجب أن يكون صفوة بني هاشم، وأن يكون بنو هاشم صفوة بني عبد مناف، وأن يكون بنو عبد مناف صفوة قريش، وقريش صفوة مضر، ومضر صفوة عدنان، وعدنان صفوة العرب، والعرب صفوة الإنسانيّة كلّها. وأخذ القصّاص يجتهدون في تثبيت هذا النوع من التصفية والتنقية وما يتّصل منه بأسرة النبيّ خاصّة(16).
ويروي ابن سعد في الطبقات: قيل لرسول الله، صلى الله عليه وسلم: إنّ هاهنا ناساً من كندة يزعمون أنك منهم، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إنّما ذلك شيء كان يقوله العبّاس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن حرب ليأمنا باليمن، معاذ الله أن نزني أمنا أو نقفو أبانا، نحن بنو النضر بن كنانة، من قال غير ذلك فقد كذب(17) وفي رواية أخرى: عن الأشعث بن قيس قال: قدمت على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في وفد من كندة لا يروني أفضلهم، قال عفان: فقلت يا رسول الله إنّا نزعم أنّكم منّا، قال فقال: نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفو أمّنا ولا ننتفي من أبينا. قال فقال الأشعث بن قيس: لا أسمع أحداً ينفي قريشاً من النضر بن كنانة إلا جلدته الحد(18) ونحن اليوم نستطيع التأكّد-تقريبا- من عدم صحّة هذا الكلام، فإن كان هؤلاء القوم يقصدون أنّ قريشا يعودون إلى كندة في النسب، فهذا غير صحيح، لأنّ كندة في جنوب الجزيرة قرب حضرموت، وعندنا نصّ لكاتب سريانيّ يعود إلى سنة 485 ميلادي جاء فيه: غزوات أبناء هاجر [أي العرب] هي أشدّ عنفا حتّى من المجاعة (…) ونأسف لما يفعله أبناء هاجر وخاصّة قبيلة قريش الذين هم كالحيوانات(19) والمكان الذي يتحدّث عنه هو "بيت عرامايا" في غرب الشام، فقريش تسكن في تلك المنطقة بوصفها تغير على المناطق المحاذية بينما كندة بعيدة جدّا في الجنوب، ونجد بعض الصدى في السيرة لوجود قريش في الشام إذ أنّ قصيّا -جدّ النبيّ- كان يعيش هناك(20) والنبيّ نفسه كانت له أملاك في حبرى وبيت عينون في الشام(21) وهاشم جدّ النبيّ مات بغزّة في الشام(22) حيث نلاحظ علاقة قريش -أو على الأقلّ نسل قصيّ- بالشام في كلّ مرّة. أمّا إذا كان هؤلاء القوم يقصدون أنّ النبيّ فقط من كندة فهذا أيضا بعيد لأنّ كلّ المصادر غير العربيّة تذكر أنّ النبيّ خرج من يثرب، ولا تتعرّض إلى مكّة إطلاقا ناهيك على جنوبها، وعبد الله –إن وُجد- مات في يثرب وآمنة توفّيتْ أثناء العودة من يثرب وعبد المطّلب ولد في يثرب وهاشم تزوّج في يثرب ومات في الشام والنبيّ كما نعرف هاجر إلى يثرب، فالمنطقة الجغرافيّة لهذه الأحداث تشمل الشام شمالا ويثرب جنوبا، ثمّ مكّة، ونقرأ في شعر حسّان بن ثابت:
نصرنــــا وآوينا النبيّ محمّدا***على أنف راض من معدّ وراغم
بحي حريـــــد أصله، وذماره***بجابية الجولان، وسْط الأعــاجم
نصرناه لمّا حلّ وسْط رحالنا***بأسيافنـــــــــا من كلّ باغ وظالم(23)
فأصل النبيّ عند حسّان من الشام بمنطقة الجولان، بينما كندة ما زالت بعيدة في الجنوب ولا نجد صدى واحدا -ولو كان ضعيفا- لعلاقة النبيّ بها. ويمكننا ربط أبيات حسّان هذه مع كتاب "الهاجريّون" لباتريسيا كرون(24) التي أشارت إلى أنّ الدعوة انطلقتْ من الشام وليس من مكّة الحجاز، أو مع نصّ سبيوس بالأرمينيّة سنة 660 ميلادي، وجاء فيه: في ذلك الوقت اجتمع يهود الاثنتي عشرة قبيلة في مدينة الرها، وأخذوا طريق الصحراء ووصلوا إلى بلاد العرب عند أبناء إسماعيل وطلبوا نجدتهم وأخبروهم أنّهم أقارب حسب التوراة، فآمن [هؤلاء العرب] بهذه القرابة بيد أنّ اليهود لم يستطيعوا إقناع كلّ الشعب [القبائل] لأنّ ديانتهم كانت مختلفة(25)
وبتتبّعنا لشجرة الأنساب التي وضعها كتبة السيرة، رغم أنّها غير حقيقيّة في أغلبها وخاصّة حين يذكرون الجدّ العشرين-وربّما الجدّ رقم خمسين أيضا- لكلّ شخص ولا يتوقّفون عند ذلك بل يذكرون أسماء أمّهاتهم وأجدادهنّ وأمّهات أجدادهنّ وجدّات أمّهات أجدادهنّ وخالات أمّهات أجدادهنّ الخ.. والتي تعود إلى ألف سنة مضتْ وقت تدوينها، وربّما أكثر، وبالتفصيل المملّ وكأنّ كتبة السيرة يقرؤون الأنساب من دفتر للحالة المدنيّة بل ومخزّن في حاسوب أيضا، قلت بتتبّعنا لهذه الشجرة حيث أنّ قصيّا وزهرة أخوان نجد التالي:
قصيّ=عبد مناف=هاشم=عبد المطلب=عبد الله=محمد
زهرة=عبد مناف=وهب=آمنة أمّ النبيّ=محمّد
فآمنة هي من جيل عبد المطلب كما أنّها امرأة والنساء يتزوّجن مبكّرا في ذلك الوقت، وزهرة أكبر من قصيّ بخمس عشرة سنة على الأقلّ وهو ما يزيد هذا الحساب تعقيدا ويُبعد آمنة أكثر عن محمّد، بينما لو حذفنا "عبد الله" من السلسلة لاستقام الحساب، ولم أجد عمر آمنة في كتب التراث -على حدّ علمي- لكن نفهم من السيرة أنّها تزوّجتْ عذراء فكان عبد الله أوّل زوج لها ثمّ توفّيتْ بعده بستّ سنوات، لكنّنا نقرأ في سيرة ابن هشام أنّ آمنة تروي قائلة: ثمّ حملتُ به [أي بمحمّد] فوالله ما رأيت من حمل قطّ كان أخفّ عليّ ولا أيسر منه(26) فهي تذكر أنّ حملها بمحمّد هو أخفّ حمل، فهل لمحمّد إخوة؟ يمكننا تضعيف هذه الرواية أو تأويلها بيد أنّ هناك رواية أخرى واضحة جدّا يذكرها ابن سعد في الطبقات: قالت أم النبي، صلى الله عليه وسلم، قد حملتُ الأولاد فما حملتُ سخلة أثقل منه(27) ففي رواية أنّ حملها خفيف وفي أخرى ثقيل لكن ما يهمّنا هو قولها: قد حملتُ الأولاد، ويمكننا أن نتتبّع رواة هذا الحديث وهو حديث مرفوع يرويه ابن سعد عن عمرو بن عاصم الكلابي الذي أخبره همّام بن يحي عن إسحاق بن عبد الله عن آمنة، ولننظر ماذا يقول رجال الجرح والتعديل في تهذيب الكمال عن هؤلاء الرواة:
الراوي الأوّل إسحاق بن عبد الله: قال عنه يحي بن معين: ثقة، وقال أبو زرعة وأبو حاتم والنسائيّ: ثقة، وقال الواقدي: كان مالك لا يقدّم عليه في الحديث أحدا.
فرتبة الراوي الأوّل، وهو إسحاق بن عبد الله: ثقة حجّة.وهو من رجال البخاري ومسلم.
الراوي الثاني همّام بن يحي: قال عنه يزيد بن هارون: كان همّام قويّا في الحديث، وقال صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه: ثبت في كلّ المشايخ، وقال أحمد بن حنبل: همّام ثقة، وقال يحي بن معين: ثقة صالح، وذكره ابن حبّان في كتاب الثقات الخ
فرتبة الراوي الثاني: ثقة، وهو من رجال البخاري ومسلم.
الراوي الثالث، عمرو بن عاصم، رتبته: صدوق حسن الحديث وهو من رجال البخاري ومسلم.
الراوي الرابع، محمّد بن سعد، رتبته: حسن الحديث.
لقد ذكرت تخريج سند هذا الحديث حتّى لا يطعن طاعن في رواته ويتّهمهم بالتدليس والتزوير، كما أنّ معناه "وهو أنّ آمنة حملت بأولاد آخرين" مذكور بأسانيد أخرى أيضا(28) وهي تقوّي بعضها بعضا، وإذ أنّه يستوي لدينا الحديث الصحيح والضعيف في البحث العلمي حيث نعتمد على تقاطعات النصوص العربيّة وغير العربيّة والأركيولوجيا والعملة فإنّنا اتّبعنا منهج رجال الحديث في الحكم على حديث آمنة أعلاه وهو: إسناده حسن.
أمّا من حيث المتن فهو منكر بطبيعة الحال لأنّ محمّدا يجب أن يكون وحيد أبويه، ويجب أن يتزوّج عبد الله لكي تحمل منه آمنة ثمّ يموت بعد أيّام أو أشهر من زواجه، فدوره محدّد في السيرة، وهو أن يكون أبا محمّد، ويجب أن تنجب آمنة محمّدا ثمّ تموت حين يبلغ ستّ أو سبع سنوات وتختفي من الصورة أيضا ليتمّ التركيز على عبد المطّلب ثمّ على أبي طالب.
لكنّنا نرجّح أنّ الصورة التي يجب تقديمها عن محمّد لم تكن قد اتّضحتْ بعد، فإسحاق بن عبد الله راوي الحديث كان قد توفّي سنة مائة واثنين وثلاثين هجري وهي بدايات مرحلة التدوين وكانت الروايات متعدّدة حدّ التناقض إلى أن وضعوا الصورة النهائيّة عن محمّد فيما بعد. ويبدأ ابن هشام السيرة موضّحا أنّه اختصر وزاد في سيرة ابن إسحاق ويقول: [إنّي] تارك بعض ما ذكره ابن إسحاق في هذا الكتاب (…) وأشعارا ذكرها لم أر أحدا من أهل العلم بالشعر يعرفها، وأشياء بعضها يشنع الحديث فيه، وبعض يسوء بعض الناس ذكره..(29).
فكلّ ما هذّبه ابن هشام واختصره وزاد فيه صار السيرة النبويّة المعتمدة، وهو قد اعتمد رواية البكّائي، بيد أنّنا نملك سيرة ابن إسحاق برواية ابن بكير ونعطي عيّنة عن حجم الاختلاف: عن ابن إسحاق قال: كنت جالسا مع أبي جعفر محمّد بن عليّ، فمرّ بنا عبد الرحمن الأعرج مولى ربيعة بن الحارث بن عبد المطّلب، فدعاه، فجاءه، فقال يا أعرج ما هذا الذي يُحدّث به أنّ عبد المطّلب هو الذي وضع حجر الركن في موضعه؟ فقال: أصلحك الله، حدّثني من سمع عمر بن عبد العزيز، يحدّثه أنّه حدّث عن حسّان بن ثابت يقول: حضرتُ بنيان الكعبة، فكأنّي أنظر إلى عبد المطّلب جالسا على السور شيخ كبير وقد عُصب له حاجباه، ، حتّى رُفع إليه الركن، فكان هو من وضعه بيديه، فقال: انفذ راشدا. ثمّ أقبل على أبي جعفر فقال: إنّ هذا لشيء ما سمعنا به قطّ، وما وضعه إلاّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيده، اختلفتْ فيه قريش فقالوا أوّل من يدخل عليكم من باب المسجد فهو بينكم، فدخل رسول الله فقالوا: هذا الأمين، فحكّموه فأمر بثوب فبسط، ثمّ أخذ الركن بيده فوضعه على الثوب، ثمّ قال: لتأخذ كلّ قبيلة من الثوب بناحية وارفعوا جميعا…(30) فهناك من يحدّث في هذه الرواية أنّ عبد المطّلب هو الذي حمل الحجر الأسود ووضعه مكانه، وهي رواية منطقيّة أكثر إذا استثنينا عبد الله وجعلنا محمّدا مكانه فيكون عبد المطّلب حيّا وقتها، وتذكر بعض كتب السيرة أنّ حمزة كان أكبر من النبيّ بأربع سنوات(31) ولكنّها بالمقابل تذكر قصّة نذر عبد المطّلب ذبح أحد أبنائه إن أنجب عشرة أولاد وتشير في الوقت نفسه إلى أنّه تزوّج في اليوم ذاته مع ابنه عبد الله(32) من هالة بنت وهيب أخت آمنة وأنجب منها حمزة والمقوّم وحجل وصفيّة(33).
 كما أنّ عبد الله توفّي مباشرة بعد الزواج وهنا يوجد تناقض كبير فأبناء عبد المطّلب "الرجال"، حسب هذه الرواية، قبل وفاة عبد الله هم: أبو طالب والزبير والعبّاس وضرار والحارث وأبو لهب، فهؤلاء ستّة أشخاص ويصبحون سبعة إذا أضفنا عبد الله، فكيف حقّق عبد المطّلب نذره وحاول ذبح أحد أبنائه؟ فإمّا أنّ قصّة النذر خياليّة تدخل في باب التشويق الروائي فكما أنّ فرعون أمر بقتل المواليد الجدد ونجا موسى، وهيرودس أمر بقتلهم أيضا ونجا عيسى فها أنّ عبد الله أبا محمّد نجا من الموت أيضا ولكن القصّة على الطريقة العربيّة مع الإسهاب في عرض التفاصيل والشخصيّات حيث لا يعوزهم الخيال مطلقا، وإمّا أنّ عبد المطّلب تزوّج من هالة قبل ابنه عبد الله وأنجب حمزة والمقوّم وحجل ثمّ أنجب عبد الله في الأخير، فيصبح العدد عشرة، ولكن ما السبب الذي دفعهم لذكر زواج عبد المطّلب في اليوم نفسه مع عبد الله؟ وما السبب في ذكر أنّ حمزة أكبر من النبيّ بأربع سنوات فقط؟ يمكننا الإجابة أنّ حمزة أكبر من النبيّ بأربع سنوات وذلك لأنّ عبد الله لم يوجد، وهو شخصيّة وهميّة، وخاصّة إذا أشرنا إلى أنّ غزوة أبرهة كانت سنة 552 ميلادي، مثلما ذكرنا أوّل البحث، وربّما يكون محمّد مولودا فعلا في ذلك التاريخ.

قد يقول قائل: إن سلّمنا بأنّ عبد الله هو شخصيّة وهميّة وبأنّ محمّدا هو ابن عبد المطّلب بل ونسلّم أيضا أنّه ليس ابنه وتبنّاه وكفله، والله أعلم أين يضع رسالته، فما الذي يدعو كتبة السيرة إلى اختلاق شخصيّة عبد الله؟ كان يمكنهم كتابة أنّ محمّدا هو ابن عبد المطّلب مباشرة وهذا أكثر شرفا وأكبر مجدا، فما الداعي إلى أن ينزعوا عن محمّد هذا الشرف وهم في موضع البحث عن كلّ ما يرفع من شأنه؟

إن "حذفوا" عبد الله فسيكون عمر محمّد كبيرا –ثمانين سنة- بينما يجب أن ينزل الوحي في سنّ أربعين سنة فلمْ يختاروا هذه السنّ اعتباطا والتي تشير إلى اكتمال العقل في الموروث الشرق-أوسطي كقول القرآن متحدّثا عن الإنسان: وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشدّه وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن اشكر نعمتك التي أنعمت عليّ..(الأحقاف، 15) وسيكون بين نزول الوحي ووفاته أربعون سنة وهذا كثير فلزم تقليص المدّة بجعل عبد الله بين محمّد وعبد المطّلب وتكون الدعوة عشرين سنة فقط، كما لا يخفى علينا الاختلاف الشديد بين الفترة المكيّة والفترة المدنيّة وكأنّهما شخصان مختلفان تمّ دمجهما في شخص واحد، فمحمّد المكّي يقول: قل لا أسألكم عليه أجرا إلاّ المودّة في القربى (الشورى، 23) بينما المدني يقول: يا أيّها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدّموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإنّ الله غفور رحيم (المجادلة، 12) فالأوّل لا يطلب أجرا بينما الثاني يطلبه مع التسهيل، والمكيّ يقول: خذ العفو وأْمرْ بالعرف وأعرض عن الجاهلين (الأعراف، 199) بينما المدني يقول: إنّما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض (المائدة، 5) والأوّل يقول: ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن (النحل، 16) بينما الثاني يقول: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحقّ من الذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون (التوبة، 29) إلى آخره من الأمثلة دون ذكر تدخّل القرآن المدني في كلّ مرّة لتطليق هذا وتزويج ذاك، والفرق واضح بين الشخصيّتين، في الرؤية وفي الأسلوب أيضا، فالقرآن المكّي يختلف أسلوبا وبناءً عن القرآن المدني وكلّ كاتب له بصمته الأسلوبيّة التي تختلف عن غيره وليس مقام هذا المبحث هنا.

وبمناسبة نزول الوحي تشير كتب السيرة اعتمادا على ابن إسحاق أنّ النبيّ كان في غار حراء حين تلقّى الوحي من جبريل، لكن إذا عدنا إلى تفسير مقاتل بن سليمان لسورة العلق (وهو معاصر لابن إسحاق) نقرأ التالي: سورة العلق مكية ، عددها تسع عشرة آية كوفى، قوله : (اقرأ باسم ربك ( يعني بالواحد ) الذي خلق ) يعني الإنسان ، وكان أوّل شيء نزل من القرآن خمس آيات من أول هذه السورة (…) وذلك أنّ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، دخل المسجد الحرام، فإذا أبو جهل يقلّد إلهه الذي يعبده طوقاً من ذهب ، وقد طيبه بالمسك، وهو يقول : يا هبل لكلّ شيء سكن ، ولك خير جزاء، أما وعزّتك لأسرنك القابل (…) فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ويحك، أعطاك إلهك وشكرت غيره، أما والله لله فيك نقمة، فانظر متى تكون ؟ ويحك، يا عم، أدعوك إلى الله وحده، فإنّه ربّك وربّ آبائك الأوّلين وهو خلقك ورزقك، فإن اتّبعتنى أصبت الدنيا والآخرة، قال له: واللات والعزّى ورب هذه البنية لئن لم تنته عن مقالتك هذه ، فإن وجدتك هاهنا ، وأنت تعبد غير آلهتنا لأسفعنّك على ناصيتك يقول: لأخرجنّك على وجهك، أليس هؤلاء بناته، قال : وأنّى يكون له ولد ؟ .فأنزل الله عز وجل: (علّم الإنسان ما لم يعلم ) والنبي، صلى الله عليه وسلم، يومئذٍ بالأراك ضحى.(34)
فآيات سورة العلق الأولى نزلت والنبيّ عند الكعبة، حسب مقاتل بن سليمان، بينما نزلتْ والنبيّ في غار حراء عند ابن هشام، وتبعه أهل التفسير، ويذكر مقاتل غار حراء ولكن بطريقة أخرى حيث يقول: (يا أيها المدثر ) يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أنّ كفّار مكّة آذوه، فانطلق إلى جبل حراء ليتوارى عنهم، فبينما هو يمشي، إذ سمع منادياً يقول: يا محمّد، فنظر يميناً وشمالاً وإلى السماء، فلم ير شيئاً، فمضى على وجهه، فنودي الثانية: يا محمد، فنظر يميناً وشمالاً ، ومن خلفه ، فلم ير شيئاً إلا السماء (…) ففزع فزعا شديدا، ثم وقع مغشيا عليه ولبث ساعة. ثمّ أفاق يمشي وبه رعدة شديدة ورجلاه تصطكّان راجعا حتى دخل على خديجة، فدعا بماء فصبّه عليه، فقال: دثّروني، فدثّروه بقطيفة حتى استدفأ…(35)
بينما ابن إسحاق –برواية ابن بكير- يشير إلى أنّ النبيّ كان في غار حراء ومعه أهله، أي خديجة ومواليها، فنام فرأى جبريل في المنام يقول له اقرأ الخ… فخرج يريد أن ينتحر (قصّة محاولة الانتحار موجودة في البخاري أيضا) لكنّه رأى رؤيا أخرى فيها جبريل يثبّته فعاد إلى خديجة في الغار وحدّثها بما رأى فجمعتْ ثيابها وذهبتْ إلى ورقة بن نوفل(36).
 فقصّة نزول الوحي في غار حراء ومخاطبة جبريل النبيّ لم تكن قد توضّحتْ بعد، فدمجوا بعض الروايات ببعضها بعضا وزادوا عليها ووضعوها في صورتها النهائيّة. وقد تطوّرتْ صورة جبريل في المخيال الشعبيّ فصار له ستّمائة جناح وأحيانا يأتي لابسا عمامة من استبرق، راكبا على بغلة، وأحيانا يأتي في صورة شيخ يلبس البياض، وغير ذلك من الأساطير، بيد أنّ الروايات الأولى تشير إلى أنّ النبيّ كان يتلقّى الوحي في المنام وهو ما نراه أيضا في مصدر غير عربيّ عند يوحنّا الدمشقيّ في القرن الأوّل الهجريّ أثناء محاوراته مع المسلمين فيقول: نسألهم [أي المسلمين] كيف تلقّى نبيّكم الوحي؟ فيجيبون أنّه نزل عليه من السماء أثناء نومه.(37)
من الصعب تقديم سيرة علميّة حقيقيّة للنبيّ دون اعتماد الأركيولوجيا، وخارج روايات السيرة الدينيّة الموجّهة مسبّقا، بيد أنّ المعلومات الأركيولوجيّة نادرة في تلك المنطقة من الحجاز وتخضع للغربلة والفرز حيث أنّ هناك مناطق يُمنع البحث فيها فلا يتبقّى لنا إلاّ النصوص العربيّة والأجنبيّة للبحث عن أماكن التقاطع وربطها مع المعلومات الأركيولوجيّة الموجودة في مناطق أخرى لكن نظلّ دائما على مستوى الفرضيّات ما دمنا لا نبحث في منطقة الحدث مباشرة.
كتبها : محمد النجار
الهوامش:

1-René Marchand, Mahomet, contre enquête, Echiquier, Paris, 2006, p114 en citant : Morozov, Klimovitch, Tolstov, Bernard Requin etc..
2-Histoire d'Héraclius, l'Evêque Sebeos, tr: Frédéric Macler, Paris, IN, 1894, ch.30 ; A.L de Premare, Les fondations de l’islam, Seuil, Paris, 2002, p38
3- Seeing Islam as others saw it, Robert Hoyland, The Darwin Press, USA, 1997, p120; A.L de Premare, Les Fondations de L’Islam, op.cit, p147 
4- Robert Hoyland, Seeing, op.cit, p549
5-Ibid., p165
6- Ibid., p57 ; A.L.Premare, Fondations, op.cit, p148
7- البلاذري، أنساب الأشراف، تحقيق سهيل زكار ورياض زركلي، دار الفكر، 1996، ج1، ص67
8- The Hidden origins of Islam, Karl-Heinz Ohling and Gerd-R Puin, Prometheus book, USA, 2010, Volker Popp, p30-31
9-سنن الترمذي، باب المناقب، فضل النبيّ، 3540
10-المباركفوري، تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، تحقيق عبد الوهاب بن عبد اللطيف، المكتبة السلفيّة، 1963، ج10، ص 75
11-ابن منظور، لسان العرب، مادة "كبا"
12-الجمع بين صحيحي بخاري ومسلم، الحميدي، تحقيق د.علي حسن البواب، دار ابن حزم، لبنان، 2002، ج1، ص74 ويبدو أنّ تحريم الخمر متأخّر فيروي البخاري: عن جابر، قال اصطبح الخمر يوم أحد ناس ثم قتلوا شهداء [أي سهروا يشربون الخمر ثمّ في الصباح قاتلوا في معركة أحد وماتوا شهداء]
13-البخاري، الجمع بين الصحيحين، ج3، 311
14- المصدر السابق، ج2، ص198
15- الشهرستاني، الملل والنحل، تحقيق محمّد سيّد كيلاني، دار المعرفة، بيروت، ج1، ص 143
16-طه حسين، في الأدب الجاهلي، مطبعة فاروق، 1933، ص138
17-ابن سعد، الطبقات الكبرى، تحقيق د.علي محمّد عمر، مكتبة الخانجي، مصر، 2001، ج1، ص 23
18-المصدر السابق.
19-Edouard-Marie Gallez, Le Messie et son prophète, t2, éditions de Paris, 2005, p272 réf. : Mingana Alphonse, Leave from three Ancient Kur’ans possibly pré-othmanic, Cambridge University Press, 1914, p 13
20-ابن سعد، الطبقات الكبرى، مصدر سابق، ج1، ص 48-49
21-ابن دريد، الاشتقاق، تحقيق عبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت، 1991، ج1، ص 377
22- ابن هشام، السيرة النبوية، تحقيق:مصطفى السقّا-الأبياري-شلبي، دار الكتب العلميّة، لبنان، 2004، ص115
23- ديوان حسّان بن ثابت، تحقيق: د.وليد عرفات، دار صادر، 2006، ج2، ص109
24- الكتاب موجود بالعربيّة بترجمة نبيل فيّاض.
25-Histoire d'Héraclius, l'Evêque Sebeos, op.cit
26- المصدر السابق، ص133
27-ابن سعد، الطبقات الكبرى، مصدر سابق، ج1، ص 98
28-ورد مع اختلاف في اللفظ في الروض الأنف والسيرة الحلبيّة وتاريخ الطبري الخ
29-سيرة ابن هشام، مصدر سابق، ص 23
30-سيرة ابن إسحاق، تحقيق حميد الله، معهد الدراسات والأبحاث للتعريب، 1976، ص 88
31-ابن سعد، الطبقات، مصدر سابق، ج3، ص10/ ويذكر البلاذري في أنساب الأشراف، ج1، ص53: ثنا محمد بن عمر، قال: سألت عبد الله بن جعفر: متى كان حفر عبد المطلب زمزم؟ فقال: وهو ابن أربعين سنة. قلت: فمتى كان أراد أن يذبح ولده؟ قال: بعد ذلك بثلاثين سنة. قلت: قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أجل، وقبل مولد حمزة. 
32-ابن عبد البرّ، الاستيعاب، تحقيق علي محمد البجاوي، دار الجبل، بيروت، ج1، ص28
33-حسين مؤنس، أطلس تاريخ الإسلام، الزهراء للإعلام العربي، مصر، 1987، ص 88
34-تفسير مقاتل بن سليمان، سورة العلق، تحقيق أحمد فريد، دار الكتب العلميّة، لبنان، 2003
35-المصدر السابق، سورة المدثر
36-سيرة ابن إسحاق، تحقيق حميد الله، مصدر سابق، ص 101-102
37-St Jean Damascène et son influence en orient sous les premiers Khalifes, par Félix Neve, Revue belge et étrangère, t12, 1861, p 15