أ لم يجدك يتيما فآوى و وجدك ضالا فهدى و وجدك عائلا فأغنى
القاعدة القثومية في التفسير تقتضي قلب الآية رأسا على عقب ، و تناولها من الخلف بعد التذكير بأن سورة الضحى نزلت بعد فتور الوحي ، و كلام الناس و من ضمنهم أم جميل امرأة أبي لهب و خديجة زوج النبي التي قالت للنبي: ما أظن ربك إلا قلاك . فنزلت و الضحى و الليل إذا سجى ، ما ودّعك ربك و ما قلى ..إلى آخر السورة.
و الملفت للانتباه أن فتور الوحي هذا لم يحصل لمحمد مرة واحدة. بل، حصل له أكثر من ذلك ، بدليل تواتر الروايات في هذا الباب.إلا أن ما يجب الإشارة إليه هو أنه في هذه المرة فتر الوحي لاثني عشر أو خمسة عشر يوما
فتدخل رب محمد يقسم لنبيه بضحاه و ظلامه أنه ما ترك محمدا و لا بغضه ، بدليل أنه هو الذي وجده يتيما فآواه و ضالا فهداه و عائلا فأغناه
أول ما يثير الانتباه في هذه الآية هو فعل( وجد)
إذ ما معنى أن الله العلي القدير قد وجد نبيه يتيما؟؟
هل معناه أن الله كان غائبا أو غافلا ، و لمّا حضر من غيبته أو انتبه من سهوته؛ سبحانه و تعالى عمّا يصفون؛ فوجد نبيه يتيما؟؟؟
أ ليس هو الذي يعلم ما في الأرحام و يكتب أقدار الناس و يقدّر لهم أالأرزاق و الأعمار و إليه يرجعون؟؟
أ لم يكن حريا به سبحانه و تعالى أن يقول
أ لم يقدّر لك أن تكون يتيما فآواك؟؟
أو
أ لم يكتب عليك ربّك اليتم و بعده آواك؟
إنّ فعل( وجد) في هذه الآية ينفي الحكمة الربانية المزعومة من وراء ظاهرة يتم نبيه. بل و يضع الكثير من علامات الاستفهام حول قائل هذا الكلام
فلنقلب الآية إذا ، حسب النظرية القثومية
و لنسأل عمن أغنى محمدا بعد أن كان معدما يعيش عالة على عمه الفقير أبي طالب.
هنا ينبع لنا اسم شاحب المعالم ، غائر القسمات، طواه التاريخ الإسلامي طيا و كوّمه في مزبلته المقدسة و جعله نسيّا منسيا
ذلكم ورقة بن نوفل صهر محمد و عم خديجة التي تساءلت بكل .وقاحة مثل امرأة أبي لهب :أرى أن ربك فد قلاك!!
تلك علامة استفهام أوجهها للحريري صاحب قس و نبي لن أغوص فيها أكثر حتى لا يضيع المعنى في فضول الكلام
على كل فالفضل في زواج محمد من خديجة يعود كله إلى حب ورقة لمحمد و إيثاره له و تعلقه به لمدة تنيف عن الأربعين سنة ، تطويها كتب التاريخ و السير و المغازي طيا و ترمي بها في سلة المهملات. فورقة هو من سبّب في قبول خديجة بفكرة اشتغال تلميذه محمد في تجارتها و هو من أقنعها في الأخير بقبول الزواج منه ، و ذلك لِما توسم فيه من طموح و حيوية و جدّ و مثابرة . و من جهة أخرى ردّا لجميل عبد المطلب الذي اختار ورقة من دون القسيسين و الرهبان الذين تعج بهم مكة لمشروع تعريب الإنجيل، المهمة التي كان يسهر على تنفيذها ورقة في غار حراء مدة أربعين سنة.
فكان ورقة بذلك هو السبب المباشر المادي و المحسوس في غنى محمد بمال خديجة بعد أن كان عالة على عمه و مجتمعه
ثم لنسأل عمن هداه بعد أن كان ضالا
فالروايات في شأن ضلال نبي المسلمين تتراوح ما بين الضلال المادي الفيزيقي و الضلال المعنوي الروحي
و نحن سنتناول الضلالين
فلو كان الضلال معناه التيهان و فقدان السبيل فالروايات تحكي أنه (ص) تاه مرارا و تكرارا ، و لا داعي لسرد كل ما حكي عن تيهه (ص) عند الكعبة أو في باب مكة أو أثناء رعيه الغنم ، فالمهم أن السير و الصحاح و التفاسير كلها تحكي عن أنه تاه. و مما تحكيه إحدى هذه الروايات أنه تاه في واد تهامة و أن جده عبد المطلب و ورقة بن نوفل هما من ذهبا للبحث عنه فوجداه و أعاداه إلى أمه التي كانت ترضعه
و كانوا قد سمعوا ـ كما تزعم السير و الأخبار ـ مناديا ينادي من السماء: معاشر الناس لا تضجوا، فإن لمحمد ربا لا يخذله ولا يضيعه، وإن محمدا بوادي تهامة، عند شجرة السمر. فسار عبدالمطلب هو وورقة بن نوفل، فإذا النبي صلى اللّه عليه وسلم قائم تحت شجرة، يلعب بالأغصان وبالورق.
تفسير الضحى : القرطبي و ابن كثير
و إذا كان الضلال يعني الجهل بالله و الدين كما يذهب بعض المفسرين فإننا كذلك سنجد أن ورقة هو من علّم محمدا الذّكر،قبل أن يأتيه الوحي المزعوم ، و عرّفه على شخص الله تبارك و تعالى و أطلعه على تعاليمه التي ترجمها في قرآن مكة.ففي كلا الحالتين و كلا الضلالين نجد أن ورقة هو الهادي المادي الحاضر لمحمد لا غيره.
هكذا نلاحظ أن ورقة الذي أغنى محمدا في ذله،قد كان هونفسه من هداه في ضلاله
فيبقى السؤال الطويل العريض من ذا الذي آواه (ص) لمّا كان يتيما؟؟؟؟؟
ورقة أغناه و ورقة هداه الهدايتين .
ورقة علّمه و فضّله على جميع أقرانه و منحه القسوسية و الخلافة من بعده و ارتضاه لأغنى فتيات قريش ، ابنة عمه ، مستأثرا إياه عن نفسه ....
فهل كل ما فعله ورقة مع محمد لم يكن إلا لمجرد حبّه له و توسّمه فيه النبوغ و الذكاء و ردّا لجميل عبد المطلب؟؟؟
أم أن هناك أسبابا أكثر واقعية و أكثر جدّة من هذه؟؟
لنتتبع إذا
ـ عبد المطلب يختار ورقة لمشروع هامّ و حيويّ،يجعل ورقة يلازم عبد المطلب ولا يفارقه و يصحبه كظله، إنْ في الغارأو الدار ، دار عبد المطلب طبعا.
ـ ورقة بن نوفل قريب عبد المطلب ، فكلاهما من وُلد قصي بن كلاب أول ملك لمكة بعد حرب خزاعة
ـ ورقة بن نوفل قس في مقتبل العمر لم يسبق له زواج و لم يُذكر له عقب.فهو لما مات لم يترك زوجة و لا صاحبة و لا ولدا
ـ في الدار ، دار عبد المطلب طبعا، التي يختلف إليها ورقة في كل وقت و حين، توجد امرأة شابة جميلة توفي عنها زوجها و تركها حاملا( من أربع سنين؟؟؟؟؟)ثم ولدت الشابة ، فبهت الجميع. ما هذا يا ابنة وهب إئنك قد جئت شيئا نكرا.
هنا
تدخل الذي هدى محمدا و أغناه
هنا تدخل الذي لا يجادله أحد في مكة و لا يردّ له كلِمًا ،و حكم بالحمل أربع سنين ليروح مالك و غيره ينسجون على منواله المخاريق تأكيدا لنظرية القس بالحمل أربع سنين
لماذا يا قس؟؟
لماذا يكذب القس على الله ربه؟ هل لمجرد أن ينقذ ماء وجه آمنة بنت وهب؟؟أم لغاية في نفس يعقوب قضاها؟؟
ـ الملاحظة الأخيرة هي وجود جنين بدون نسب في الدار ،دار عبد المطلب طبعا ، و لا أحد يرغب فيه.
ورقة القس الأعزب ـ آمنة بنت وهب الحامل (من أربع سنين) ـ محمد المطعون في نسبه
المعادلة إذا جمعت أطرافها تعني
أن ورقة هو الذي آوى محمدا عند عبد المطلب لما تدخل إلى جانب آمنة و نصح عبد المطلب بلمّ المشكل و القبول بتبني محمد درءا للقيل و القال.
و بالتالي فسورة الضحى هذه من تأليف بشري و ليست من وحي إلهي
إذ هي في الحقيقة تتحدث عن مشكل مسكوت عنه حدث بين الأستاذ المترجم ورقة و تلميذه المتنبي محمد أدى إلى القطيعة بينهما . و لما عادت المياه إلى مجاريها بعد استعطاف محمد و ندمه ، أسعفه ورقة بهذه المقطوعة التي يبين فيها فضله عليه. إذ لولاه لما كان محمد شيئا مذكورا، فهو من آواه إلى عبد المطلب و نسبه إليه لمّا كان يتيما، و هداه الهدايتين لمّا كان ضالّا أو تائها، وهو من أغناه لمّا كان عائلا ذليلا حقيرا. لدى بجب عليه أن يذكر نعمه و فضله عليه ( و أما بنعمة ربك فحدث)
و الظاهر أن الأمور ستسوء بعد هذه السورة بين ورقة و محمد أكثر فأكثر . لأن محمدا لن يبقى جاهلا بنسبه طول العمر. و الأرجح أن هذه القطعة قد نبّهت محمدا إلى العلاقة المبهمة التي تجمع بينه و بين القس. و فسرت له كثيرا من اهتمام القس و تعلقه به.فكانت العداوة الطبيعية التي انتهت بنبذ القس و إخراجه من التاريخ.و هذا ما يعززه لدينا الحديث الشارد الذي يحلق في سماء كل السير والمغازي و المرفوع إلى الرسول بدون سند لا تسبوا ورقة فإني قد رأيت له جنتين، حديث إن عبر عن شيء فإنما يعبر عن أسف قائله اتجاه المعني بالسب
و يبقى السؤال عالقا لماذا تدخل سيدنا القس؟
و لماذا كل ذاك الحب و الحذب على محمد من طرف سيدنا القس؟؟
أ لا يمكن أن يكون سيدنا القس هو الأب البيولوجي الحقيقي لسيدنا محمد بن آمنة رضي الله عنه و أرضاه؟؟
أبو نبي الصعاليك