كتاب فضيحة المعتزلة
لابن الراوندي
قال عنه الحسين بن عبد الرحمن الأهدل (المتوفى 855ه/1451)
لابن الراوندي مقالات في الكلام على فضيحة المعتزلة ، ردّ فيه عليهم ، و أصحابنا ينسبونه إلى ما هو أصل في مذهبهم ( شذور الذهب ج2 ص236 )
و كان الرأي السائد في القرون التالية للقرن الخامس الهجري أنّ الكِتاب المعتزلي ينبغي ألا يُطالَع و أن يُتجنّب. و لكن كان لكتاب ابن الراوندي ـ فضيحة المعتزلة ـ استثناء لأنه فضحهم و كشف الغطاء عن أسرارهم لدى عوامّ المسلمين
نعرف الكتاب من خلال الردود التي جاء بها أبو الحسن الخياط في كتابه الانتصار الذي ينتصر فيه للمعتزلة: و سنذكر أقوال ابن الراوندي و ردود الخياط عليه
ابتدأ الراوندي كتابه بقوله
ـ أمّا بعد ، فإني وجدت كثيرا من المعتزلة يستطيلون على جملة الشيعة ، و يتسلقون على إبطال حقهم لوصف مقالات لغُلاتهم ليست من التشيع الذي باؤوا به من جميع المبطلين في قبيل و لا دبير.
رد الخياط قائلا:
إنّ المعتزلة لم تعني جملة الرافضة بقول تفرّد به بعضُها ، و إنما عابت كلَّ فريق منها بما تفرّد به دون سواه (الانتصار 12/13)
قال ابن الراوندي:
سأرسم في كتابي هذا جملا من شنيع مذاهبها نجتزئ ببعضها في معارضتهم، و من توحيد الرافضة أنّ الله عزّ و جلّ ذو قدّ و صورة و حدّ ، يحترك و يسكن و يدنو، و يبعد و يخفّ و يثقل ، و إنّ علمه محدث ، و إنّه كان غير عالم فعلم ، و إنّ جميعهم يقول بالبداء و هو أنّ الله يخبر أنه يفعل الأمر ثم يبدو له فلا يفعله، إلا نفرا منهم يسيرا صحبوا المعتزلة، و اعتقدوا التوحيد، فنفتهم الرافضة عنهم و تبرأت منهم. كعلي بن ميتم بن يحيى التمّار ( قال نصير الدين الطوسي أنه كلّم أبا الهذيل و النظام و إنّ عليا الأسواري ناظره)
ردّ الخياط
ـ هذا الكلام لم يخطر على بال الرافضة إلا لإنسان سرق كلاما من كلام المعتزلة فأضافه إلى نفسه. ( الانتصار 14/15)
ابن الراوندي و أبو الهذيل العلاف
حكى السفيه ( يعني ابن الراوندي) عن أبي الهذيل قولا كان يناظره فيه على البحث و النظر ، و هو الكلام فيما كان و يكون و يتناهى و ما لا يتناهى و الكلام في البعض و الكلّ.
زعم الماجن السّفيه : أن أبا الهذيل كان يقول : إنّ لِما يقدر الله عليه و يعلمُه غايةٌ ينتهي إليها ، لا تتجاوزها قدرتُه و لا يتعدّاها علمُه
ردّ الخياط
إن أبا الهذيل كان يقول : إنّ الله عزّ و جلّ يعلم نفسه، و أنّ نفسه ليست بذي غاية و لا نهاية، إن أراد السائل غاية العلم،و ليس يخفى على الله منه شيء و لا يعجزه شيء منه ، و إن أراد السائل أنّ له غايةٌ و نهايةٌ إلى زوال و فناء و نقص ، فلا.
قال ابن الراوندي
نفى أبو الهذيل، التغيير و الزيادة و النقصان و العجز و العوارض و الموانع عن الله جل ذكره، ثم أحال الذي أضافه إليه من أفعاله كي لا يلزمه بزعمه تصحيح مذهب الدهرية، فكأنه قال:اعلموا أنّ ما ذهب إليه الدهريون صحيح.
رد الخياط:
هذا الكلام الذي ذكره أن أبا الهذيل رحمه الله قد تاب ، من الكلام في هذا الباب عند من ظن الناس به أنه يعتقده ، و أخبر أنه كان يناظر فيه على الرأي و النظر ( الانتصار 20/21)
قال ابن الراوندي
و كان يزعم أبو الهذيل أن علم الله هو الله، وأنّ قدرته هي هو، فكأن الله على قياس مذهبه علم و قدرة إذ كان هو العلم و القدرة. و ما علمتُ من أهل الأرض من اجترأ على هذا من قبله ( الانتصار 59)
و قال أيضا : لو اقتصرنا على قول أبي الهذيل وحده لأربى على كفره من لم تضبطه العقول، و لو نازعت المعتزلة عابدي الحجر لم تظفر بهم و أبو الهذيل شيخُها ، لأن الحجر لا يقدر أن يفعل بطباعه ، و من قوله أنه محال في قدرة القديم أن يغنيه و يعريه من أفعاله. و قد أجاز أن يجمع بين الحلفاء و النار فلا يحدث الله إحراقها فلا تحترق
ردّ الخياط عليه :
هذا ضرب من التجاهل ، و التجاهل باب من السوفسطائية ( الانتصار 61/62)
ابن الراوندي و معمر بن عباد السلمي (المتوفى225ه/840)
قال الراوندي : إن معمر يقول : إن فناء الشيء يقوم بغيره.
فإذا قيل له : هل يقدر الله أن يفني العالم بأسره؟ قال : نعم. بأن يخلق شيئا غيره و يحل فيه فناؤه.
فإذا قيل له
أفيقدر الله أن يفني خلقه حتى يبقى وحده كما كان ؟ قال : هذا محال
ردّ الخياط:
فقد شاركه في هذا القول كثير من الأمة( الانتصار 23)
قال ابن الراوندي
سمعت بعض أصحاب معمر يقول
إنّ من زعم أن الله يعلم نفسه فقد أخطأ. لأن نفسه ليست غيره، و لا بد أن يكون المعلوم غير العالم. فقلت له : أبهذا كان يقول صاحبكم؟ قال : نعم.
رد الخياط
الإنسان عند معمر يعلم نفسه و هي ليست غيره . فكيف يحيل على الله أن يكون لا يعلم نفسه لأنها ليست غيره؟؟
قال ابن الراوندي
كان معمر يزعم أن هيئات الأجسام، فعل للأجسام طباعا ، على معنى أنّ الله هيّأها هيئة تفعل هيئاتها طباعا.
و كان يزعم: أنّ القرآن ليس من فعل و لا هو صفة له كما تقول العوام.لكنه من أفعال الطبيعة.ألزم معمرا قياسا على قوله في فعل الطبائع.
ردّ الخياط:
إن معمرا كان يقول إن القرآن كلّه كلام الله. و إنّ القرآن محدث، لم يكن ثمّ كان. أي مخلوق . (الانتصار47/48)
ابن الراوندي و علي الأسواري
كان علي الأسواري من أصحاب أبي الهذيل ثم انتقل إلى النظّام
قال ابن الراوندي:
كان علي الأسواري يزعم بأن الله لا يقدر على الظلم و الكذب
ردّ الخياط
أمّا القول بإحالة قدرة الله على الظلم و الكذب فقد شارك إبراهيمَ النظام فيه و أصحابَه ، عالمٌ من الناس من جميع فرق الأمة
ابن الراوندي و الجاحظ( المتوفى 255ه/869)
قال ابن الراوندي:
و أمّا الجاحظ فإنه يقول أنه محال أن يعدم الله الأجسام بعد وجودها و إن كان هو أوجدها بعد عدمها.ثمّ قال : و متى استحال أن بُعْدَمَ الجسمُ بعد وجوده، استحال أيضا وجوده بعد عدمه.
و زعم الجاحظ
إنّ الله لا يخلّد كافرا في النار و لا يدخله فيها ، و أن النار تُدخل الكافر نفسَها و تخلّده فيها .
قال ابن الراوندي
فقلت لأصحابه: و كيف صارت النار هي التي تخلّد الكفّار في عذابها و تصيّرهم إليها؟
فقال:من قِبَلْ،أنهم عملوا أعمالا فصارت أجسادهم لا تمنع النار إذا حاذتها في القيامة من اجتذابها
قال ابن الراوندي
وجدت الجاحظ قد جمع كل حقّ و باطل أضيف إليهم في كتابه الذي يدعى فضيلة المعتزلة و جعله أبوابا منها:
ـ باب ذكر فيه ( الجسم و الماهية و حدوث العالم و القول بالرجعة)
ـ باب ذكر فيه ( جناية المسلمين على ولد رسول الله لمنعهم من التفرقة في الدين، و أن الله يلهمهم العلم إلهاما بغير تعلم و لا طلب)
ـ باب ذكر فيه طعنهم على الصحابة و إكفارهم إياهم في ظنه
ـ باب ذكر فيه أن الله ينتقل في الصورة ، و طبقة تزعم أن عليا هو الله تعالى ثم قال إني سأعرفكم أنه لم يرد بالطعن على الشيعة وحدها و إنما قصد الإسلام
قال ابن الراوندي :
قال الجاحظ و أستاذه النظّام
إنّ الله لا يستطيع أن يزيد في الخلق ذرة و لا ينقص منهم ذرة، لأنه قد علم أن أصلح الأمور كونه على ما هو علبه في العدد
ردّ الخياط:
إنّ هذا القول عند إبراهيم و غيره كفر و شرك (الانتصار 78/95)
ابن الراوندي و ثمامة بن أشرس
قال ابن الراوندي
و قد خيرني بعضهم انه سمع ثمامة يزعم أن الله فعل العالم بطباعه. و هذا كفر ، لأن المطبوع محدث لا ينفك من أفعاله التي طبع عليها
رد الخياط
أوليس كتب ثمامة معروفة و قوله مشهور؟ و هل المطبوع عند ثمامة إلا الأجسام المعتملة المحدثة؟ أما القديم الذي ليس بجسم فسبحانه و تعالى عن ذلك علوا كبيرا. لأن المطبوع على أفعاله لا يكون منه إلا جنس واحد من الأفعال، كالنار لا يكون منها إلا التسخين، و الذي تكون منه الأشياء المختلفة فهو المختار لأفعاله لا المطبوع عليها (الانتصار 25). و اليهود و النصارى و الزنادقة يصيرون يوم القيامة ترابا و لا يدخلون النار.
قال ابن الراوندي
كان يقول بالماهية، و القول بها كفر عند المعتزلة
رد الخيّاط
كيف يكون الله عنده فعل العالم طباعا و ذو الطباع عند ثمامة هو الجسم و الله ليس بجسم؟ و الكفار عنده في النار خالدون (الانتصار 122)
ابن الراوندي و أبو عفان الرقي (المتوفى 240ه/ 855)
قال ابن الراوندي :
في أصحاب إبراهيم رجل يزعم أن الله علة لكون الخلق و كان مع هذا يلزم المنانية أن يزعموا أم المزاج قديم لقدم علّته و صاحب هذا القول أبو عفان الرقي
ردّ الخياط
هذا كذب على أبي عفان ، قد قرأنا كتبه في التوحيد و الردّ على الملحدين فما رأينا فيها ما حكاه هذا الكذّاب عنه.و أبو عفان رجل من أصحاب الجاحظ من أصحاب إبراهيم الذي كان يحيل قول من وصف الله بالقدرة على الظلم و إدخال أهل الجنة في النار و قد وافقه على هذا القول المجبرة و الرافضة كهشام بن الحكم ، و كان إبراهيم يزعم أن الظلم و الكذب لا يقعان إلا من جسم ذي آفة، فالواصف لله بالقدرة عليهما بأنه جسم ذي آفة. (الانتصار 28)
ابن الراوندي و إبراهيم بن سيّار النظّام
ذكر ابن الراوندي
قول إبراهيم في المجانسة ، كان يزعم أن الكفر مثل الإيمان و أن العلم مثل الجهل و الحبّ مثل البغض و أن الله يعذّب عبدا و يغفر لمثله
رد الخياط
قول إبراهيم : أن المعصية و الكفر كانت معصية و كفرا و إنما كان بالله التقبيح للمعصية و الكفر، و هو الحكم بأنهما قبيحان. و الذي يجوز تغيير حكمه، فالعبد فاعله على ما هو عليه، لا فاعل له غيره و لا محدث له سواه. (الانتصار 30)
قال ابن الراوندي
كان إبراهيم يزعم أن الأرواح جنس واحد، و أن سائر الأجسام من الألوان و الطعوم و الأراييح آفة عليها. و قد نفَّس عنهم برفع بعض الآفات و لم يجز من أهل الجنة أكل و لا شرب و لا نكاح.
رد الخياط
أما قوله أن الأرواح جنس واحد فقد صدق
و قوله أن الأكل و الشرب و النكاح و أنواع النعيم لا تجوز إلا بإدخال هذه الأجسام عليها، لأنّ دار النعيم ليست بدار آفات
و إنّ الله يُدخل على أهل النار من العذاب بقدر ما تحتمله بنيتهم، و لا يزيل عقولهم ، و لا يبطل حسّهم ، و إلّا لم يجدوا ألم العذاب و لا شدّة العقاب. (الانتصار 30)
قال الراوندي
إنّ الأرواح كالنار شأنها الصعود، فإذا أفلتت مما يحبسها في هذا العالم لم تثبت فيه طرفة عين، و لحقت بعالمها إن كانت خفيفة. و إن كانت الأرواح ثقيلة لم تقصر دون النزول إلى عالمها.
رد الخياط
إنّ المنانية تثبت عالماً للنور في العلو، و عالما للظلمة في السفل دون عالمنا هذا. و أنهما غير ممتزجين. و إن عالمنا هذا ممزوج من جزأين من ذينك العالمين. و إنهما قديمان لم يزالا . و أن الحادث هو مزاج هذا العالم فقط . (الانتصار 36)
قال ابن الراوندي
و أصحاب إبراهيم يصولون على الناس بدليل له على حدوث العالم: و هو قوله وجدت الحرّ و البرد مع ما هما عليه من التضاد و التنافر مجتمعين في جسد واحد فعلمت أنهما لم يجتمعا بأنفسهما إذ كان شأنهما التضاد ، و أن الذي جمعهما و قهرهما على خلاف ما في جوهرهما هو مخترعهما و هو رب العالمين. و لو قيل له : أ يقدر الله أن يخترع الحرّ مبردا و البرد مسخنا و أن يقهرهما على ما ليس في جوهرهما لأحال السؤال ، لأنه محال أن يعمل الجوهر ما ليس في طباعه
ابن الراوندي و هشام بن الحكم و أبو الهذيل العلاف
قال ابن الراوندي
أيهما أشبه بغلط العلماء ، غلط ابن هشام في العلم أم غلط أبي الهذيل فيه؟
قال هشام ابن الحكم: ليس يخلو القديم من أن يكون:
ـ لم يزل عالما لنفسه ، كما قالت المعتزلة
ـ أو عالما بعلم قديم، كما قالت الزيدية
ـ ثم قال ، و قد أجمع الموحدون ( أنّ الله كان و لا شيء ) . فإذا كان هكذا و كان العلم لا يقع إلا على شيء فلا معنى لقول القائل : لم يزل الله عالما بالأشياء قبل كونها، إذ الأشياء لا تكون قبل كونها
رد الخياط
و المعتزلة قالوا: إنّ الله لم يزل عالما بالأشياء و لم يزعموا أن الأشياء معه لم تزل، و إنما قالوا: إنه لم يزل عالما بالأشياء تكون و تحدث إذا أوجدها واحد سبحانه و بحمده ( الانتصار 90)
قال ابن الراوندي
أمّا القول بالرجعة ، فإنّ الشيعة تزعم أنها لا تنقض توحيدا و لا عدلا و لا تستحيل في القدرة و لا يفسد فعلها بالحكمة.و ما كان هكذا فليس يدفعه العقل و لن يبطل عندهم إن كان باطلا إلا بالسمع، و طرقه القرآن و الإجماع و الخبر الموجب للعلم ( معاهد التنصيص ج6 ص158)
و إنّ الشيعة تزعم أن الأرض لا تخلو في كل عصر من رجل معصوم لا يخطئ و لا يزلّ . فإن أبا الهذيل و هشاما الفوطي يزعمان أن الأمة لا تخلو في كل عصر من عشرين معصوما( مما لم يعصم منه الرسل) لا يزلّون و لا يخطئون و لا يفارقون صغيرا و لا كبيرا
رد الخياط
جاء في الخبر عن المعتزلة لا يخلي الله الأرض من جماعة مسلمين أتقياء و أبرارا، صالحين يكون نقلهم إلى من يليهم حجة عليهم. و لكن الرافضة غلت في إمامها و أفرطت في وصفه.فبعضهم زعم أنه إله ، و بعضهم زعم أنه الواسطة بين الله و خلقه، و بعضهم زعم أنه رسول و بعضهم زعم أنه نبي و ليس برسول. و المقتصد منهم في وصفه : إنه عالم بجميع ما بالناس إليه حاجة لا يخفى عليه منه شيء ، و إنه نقي السريرة و العلانية لا يجوز عليه التغيير و التبديل ، و إنه أعلم الناس بالتدبير و أزهدهم في الدنيا و أشدهم بأسا، و إن الله هو المتولي لنصبته و إقامته ، و أن الأمة أزالته و دفعته عن موضعه ، و أقامت غيره ، و إن من أنكره و خالفه و جحد إمامته فكافر مشرك ولد لغير رشده ( مقالات الإسلاميين ج1 ص216 لأبي الحسن الأشعري ، تحقيق :محمد محي الدين)
قال الخياط
إن صاحب كتاب فضيحة المعتزلة شديد الغيظ على أنبياء الله و رسله يريد أن يشتمهم و يعيبهم على لسان غيره
و قال ابن الراوندي
إذا رأيت أهل المذاهب يعيّر بعضهم بعضا بشنيع الأقاويل فعليك بالصمت
تلك هي صورة ما يمكن استخلاصه من موجز تحليل كتاب الانتصار، قد تكون باهتة و قد تكون مشوهة إلا أنها تحمل صورة الكتاب الأصلية ، فهي كصورة من ينظر إلى نفسه في ماء البئر فيراها متحركة غير ثابتة ، و لكنها تحمل سمات الناظر إليها
أبو قثم