الثلاثاء، 9 نوفمبر 2010

نقوش فرعونية بأرض تيماء





(الرياض (أ.ش.أ

أعلنت الهيئة العامة للسياحة والآثار بالسعودية اليوم عن اكتشاف أول آثار فرعونية فى الجزيرة العربية تعود للقرن ال12 قبل الميلاد.

وأوضح نائب الرئيس للآثار والمتاحف بالهيئة العامة للسياحة والآثار الدكتور على إبراهيم الغبان - فى مؤتمر صحفى أقيم فى المتحف الوطنى بمركز الملك عبدالعزيز التاريخى بالرياض اليوم - أن الاكتشاف عبارة عن أول نقش هيروغليفى فى الجزيرة العربية على صخرة ثابتة بالقرب من واحة تيماء يحمل توقيعا ملكيا "خرطوش مزدوج" للملك رمسيس الثالث أحد ملوك مصر الفرعونية الذى حكم مصر بين (1192 و1160 قبل الميلاد.

وقال الغبان إن علماء الآثار السعوديين اكتشفوا النقش بالقرب من واحة تيماء التاريخية الشهيرة التى تعد من أكبر المواقع الأثرية فى المملكة العربية السعودية والجزيرة العربية، حيث تبلغ أطوال ما تبقى من الأسوار الأثرية التى تحيط بها فى الوقت الراهن 13 كيلو مترا، لافتا إلى أنه تم العثور على خرطوش الملك رمسيس الثالث قبل أربعة أشهر.

وأشار إلى أن العثور على هذا الكشف بالقرب من تيماء فى منطقة تبوك أثار تساؤلا كبيرا حول أسباب وجوده فى عمق الشمال الغربى للجزيرة العربية، موضحا أن علماء الآثار السعوديين أجروا بحثا ميدانيا ومكتبيا توصلوا من خلاله إلى وجود طريق تجارى مباشر يربط وادى النيل بتيماء وكان يستخدم فى عهد الفرعون رمسيس الثالث فى القرن الثانى عشر قبل الميلاد وتسير عليه القوافل المصرية للتزود من تيماء بالبضائع الثمينة التى اشتهرت بها أرض مدين مثل البخور والنحاس والذهب والفضة.

وأكد الغبان أن الطريق الذى يربط وادى النيل بتيماء محدد بتواقيع ملكية خراطيش - للملك رمسيس الثالث وضعت على مناهل فى شبة جزيرة سيناء والجزيرة العربية، مضيفا أن الطريق يمر بعد وادى النيل بميناء القلزم ثم مدينة السويس حيث يوجد معبد للملك رمسيس الثالث، ثم يسير بحرا إلى سرابيط الخادم بالقرب من ميناء أبو زنيمة على خليج السويس حيث عثر هناك على النقوش للملك رمسيس الثالث أيضا.

وتابع قائلا: ثم يعبر شبه جزيرة سيناء بشكل عرضى ويمر على منهل وادى أبو غضا بالقرب من واحة نخل حيث عثر فيه أيضا على خرطوش مزدوج مماثل لخرطوش تيماء يحمل اسم الملك رمسيس الثالث ويتجه الطريق إلى رأس خليج العقبة ويمر على موقع نهل ثم موقع تنمية.

وقال نائب الرئيس للآثار والمتاحف بالهيئة العامة للسياحة والآثار الدكتور على إبراهيم الغبان إنه عثر فى كل منهما على خرطوش مزدوج للملك رمسيس الثالث يماثل خرطوش تيماء كما توجد إشارة فى بردية للملك رمسيس الثالث تفيد إرساله أناسا لجلب النحاس من بلد مجاور.

وأكد الغبان أن اكتشاف هذا الطريق سيشكل نقطة تحول فى دراسة جذور العلاقات الحضارية بين مصر والجزيرة العربية ، مشيرا إلى أنه لم يستخدم لمناسبة واحدة وأن هناك المزيد من المعلومات سيتم الكشف عنها فى المستقبل .

وأعرب نائب الرئيس للآثار والمتاحف عن توقعه بوجود خراطيش أخرى على مسار الطريق لرمسيس الثالث أو غيره من ملوك مصر فى منطقة حسمى التى تفصل وبطول 400 كيلو متر بين تيماء ورأس خليج العقبة، وتتميز بواجهاتها الصخرية البديعة والصالحة للكتابة والنقش، لافتا إلى أن الهيئة العامة للسياحة والآثار تعمل على تنفيذ مسح أثرى دقيق لهذه المنطقة.

وأضاف أنه تم العثور فى السابق على عدد من اللقى الأثرية الصغيرة المصنوعة بمصر فى عدد من المواقع الأثرية فى المملكة العربية السعودية مثل مدافن جنوب الظهران فى المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية وفى الفاو عاصمة مملكة كندة الواقعة فى الجنوب الغربى لهضبة نجد وفى تيماء نفسها ومعظم هذه القطع عبارة عن (جعلان) من الخزف المغطى بطلاء أزرق تركوازى يعود تاريخها لفترات طويلة مختلفة.

وألمح الدكتور الغبان إلى أن قطاع الآثار والمتاحف بالهيئة العامة للسياحة والآثار يعمل على تنفيذ توجيهات الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار بإبراز البعد الحضارى للمملكة العربية السعودية وصلاتها الحضارية ودورها فى الحوار والانفتاح على حضارات العالم القريبة والبعيدة عن الجزيرة العربية فى مختلف العصور.

وأكد أنه ولتحقيق هذا التوجه نفذت الهيئة الكثير من البرامج البحثية والأعمال الميدانية الأثرية من خلال فرق محلية ودولية متخصصة وباستخدام أساليب علمية وفيزيائية حديثة للتحليل والتاريخ والمسح والاستكشاف وقد أسفرت هذه الأعمال عن نتائج مقترنة بأدلة أثرية مادية ومعلومات تضيف الكثير إلى المعرفة عن هذا الموضوع.

ونوه الغبان إلى أن هذا الكشف الذى يتم الإعلان عنه اليوم هو وأحد من سلسلة اكتشافات جديدة سيعلن عنها فى حينها تباعا بعد استكمال دراستها والتحقق من جميع الجوانب المرتبطة بها.

الثلاثاء، 26 أكتوبر 2010

أصل العربية


  
صديقي علي سوري متعود على اللهجات الشامية المتقاربة أو على مصرية المسلسلات والأفلام. لم يقابل مغاربياً قبل أن يعمل في ليبيا مع شركة برازيلية. وكما حال كل الشاميين فإن المغرب يزعزع أفكارهم التي تربط القومية العربية ببلاد الشام فيتأرجحون بين الدهشة وبين تعليل "إختلاف اللهجات المغاربية" بتأثير "اللغة البربرية"، لغة البلاد قبل الفتوحات، وكأن سوريا كانت "تتفصح" بلغة الضاد قبل الفتوحات التي "أنعم الله علينا بها." لكن علياً، كما كان دائماً حاد الذكاء والملاحظة وبعيداً عن التعصب، آثر الشك بالأصول العربية المزعومة لكل "العاميات" المحكية الآن في البلاد العربية، خاصة وأنه يكتب الشعر بلهجته الغربية الجبلية الجميلة. ثم سألني عن لغز اللغة العربية ولهجاتها "المشؤومة" التي صورتها القومية العربية كمسوخ لغوية سببها الجهل والإبتعاد عن "الروح العربية الأصيلة" التي تسكن في مكان ما من جبال الأولمب. والغفوة الدينية الحالية في "فلسفتها" اللغوية تمسكت بآراء القومية العربية وإن اعتقدت أن هذه الأخيرة من بدع الغرب التي سرقت منها عن دون حق خشبة المسرح لعدة عقود قبل أن "يستفيق" الناس إلى "القومية الحقيقية" والتي هي الإسلام.
ولأني أحب علي فقد حاولت جهدي أن أعطيه جواباً لمسألة عجزَ الباحثون عن الإجابة عليها فكان الله في عوني. في الحقيقة كل ما فعلته هو أني جمعت النظريات المعروفة عن نشأة العربية ولهجاتها في نظرية توليفية توفيقية كعادة الباحثين الذين لا يعرفون الجواب عن أسئلة "العامة" ولكن تمنعهم أنفتهم وعزة نفسهم وسنوات الدراسة الطويلة التي أفقرتهم وأهدرت بصرهم عن أن يقولوا "والله هذا سؤال جيد لكني لا أعرف الإجابة". وقد آثرت أن "أتفصح" في غير مجال معرفتي على أن أختم جوابي بما كان المؤرخون العرب يختمون به سلسلة من الأخبار المتناقضة، أي بجملة "والله أعلم." فإن نسيتها في النهاية فرجائي إلى القارئ أن يضيفها عند قراءته لهذه المقالة وأن يختم بها كل أحاديثه عن التاريخ وما شابهه من فنون الأدب.
متى نشأت اللغة العربية؟ وأين؟ وكيف أصبحت لغة ملايين من الناس؟ وما هي أصول اللهجات العربية المحكية؟ وهل هي فصحى" مكّسرة" كما يقولون أم لغات قديمة من زمن ما قبل الإسلام؟ يعتقد اللغويون أن اللغات تبدأ في مكان ما وفي زمان ما ثم تنتشر، فيرسمون أشجاراً جذابة لعوائل اللغات المختلفة. فهناك شجرة اللغات الحاموسامية أو الأفروسامية وهناك اللغات الهندوأوروبية وهناك اللغات الألتائية (ومنها التركية). وهذه الأشجار، على عهدنا بالأشجار عامة، لها جذع هو الأصل، وفروع هي الفروع أو الأبناء. تماما كما نجد في كتب الأنساب القديمة كيف انحدر العرب كلهم من إسماعيل ثم من عدنان وقحطان.
أما إبراهيم، أي أبو إسماعيل، فقد تكلم العبرية ولم يعلمها إلا لولده المفضل يعقوب. أما ابن الخادمة هاجر فقد تعلم لغة أخواله البرابرة العرب. وفي الفروع نجد السامية الغربية والسامية الشرقية. ثم تتفرع السامية الغربية إلى الأوغاريتية والكنعانية والفينيقية والعبرية، وتتفرع الشرقية إلى الأكادية والبايلية والآشورية والآرامية والعربية. لعلي أخطأت فاليهود تكلموا بالآرامية فيجب أن تكون العبرية شرقية أيضاً أو أن تكون الآرامية غربية. يا إلهي لقد بلبلتُ الألسن كما بلبل الله لسان مدينة بابل عقاباً لها على معصيته وقد كانوا يتكلمون العبرية ثم تبلبلت ألسنهم فرطنوا باللغات المعروفة اليوم وهاموا على وجوههم في البرية. هل تعتقدون أن نظرية اللغويين أفضل من نظريات أجدادنا في العصر العباسي (أي نظرية البلبلة، وإسماعيل الذي كان أول من تكلم بالعربية)؟ لا أعتقد، كلتاهما لا تشرحان شيئاً.
لقد سألت يوماً أستاذ اللغات السامية بعد أن درست معه شيئاً من العبرية وشيئاً من آرامية العهد القديم (وهو بالطبع يهودي روسي): لم تصر على أن الإختلاف بين الآرامية والعبرية هو اختلاف بين لغتين من أصلين مختلفين بعض الشيء وهذا الإختلاف ليس أكبر من الإختلاف بين لهجة قرية جبلية لبنانية ولهجة أهل "باب الحارة" الشامية "الأصيلة"؟ فغضب وقال أننا بصدد دراسة لغات مقدسة قديمة تناقلها "الناطقون" بها لأجيال. نعم "الناطقون بها" ونحن لا نملك أي نص عبري منقوش على صخرة صغيرة كتبها راع للغنم في جبال الجليل أو الضفة الغربية أو حتى في جزيرة العرب. فما دخل العبرية بالعربية واين أسوق القارئ بتهكماتي؟ أسوقه إلى التواضع. لماذا لا نعترف بجهلنا حين نجهل الجواب. لا نعرف أصل الأوغاريتية ولا نعرف أصل الآرامية ولا نعرف أصل العبرية ولا نعرف أصل العربية أيضاً. وهل من الضروري أن يكون هناك أصل من أصله، كما يقولون. آه هذه النسمة الحارة جاءت من "قبلي" كما يقول البدو المرتحلون حول حمص، أي من الجنوب. فأين أصل هذه النسمة؟ وأين هذا ال"قبلي"؟ أهو "القبلة" أي الكعبة؟ أجاءت النسمة من الكعبة؟ نتعب أنفسنا في السباحة عكس تيار الزمن لنصل إلى "الأصول". لكن عندي حل آخر. أنظر إلى سوريا مثلاً وهي بلدي التي أزعم معرفتها. أو إلى أي بلد يتكلم غالبية سكانه العربية. كم لهجة هناك "غاد" في سورية؟
ما تعريف اللهجة كبداية للبحث وما هو الفرق بين اللغة واللهجة؟ هو تماماً الفرق بين العرق الأسود والعرق الأبيض. ألا نستطيع التمييز بين إفريقي أسود وعربي أبيض ... أو أسمر ... أو أبيض لكن من أصل شركسي كما يزعم البعض. لا يمكن التمييز بين أعراق مختلفة. لا وجود لنقطة بداية للعرق الأبيض وبداية للعرق الأسود. دالّة مستمرة كما يقولون في الرياضيات (أو تابع مستمر إذا كان سنك من سني فقد غيروا المصطلحات). غيروا المصطلحات!! يا إلهي، لغة عربية منزلة ويغيرون المصطلحات، "شو بيت أبوهم!" نعم اللغات تتغير وليس من نقطة بداية ونقطة نهاية.
ولنعد للهجات سورية زاعمين أن لدينا تعريفاً غائماً للهجة وآخر للغة. وهنا أنبهكم أن اللبنانيين (أو بعضهم) يتكلمون "لبناني" وليس "عربي" لأنهم فينيقيون، وهي "لغة" مختلفة عن لهجة الساحل السوري!!! (أليس مفهوما اللهجة واللغة أيديولوجيين بامتياز؟) هناك اللهجة الشامية واللهجة الحورانية واللهجة الجبلية واللهجة الساحلية واللهجة الحلبية واللهجة الجزرية (أي لهجة أهل جزيرة الفرات ودجلة، وقد يقولون الجزراوية على وزن فعلاوية كما نقول فشلاوي أي يكتب بيده اليسرى). وهناك اللهجة البدوية (تلفظ القاف كالجيم المصرية) واللهجة الريفية (تلفظ القاف قافاً كما خلقها الله) واللهجة المدنية (أي أهل المدينة، وتلفظ القاف آفاً كما أراد الله أن يخلق القاف). لكن أية مدينة؟ وهناك لهجة "باب الحارة" ولهجة المزة وأبو رمانة، ولهجة القصاع وباب توما فهؤلاء مسيحيون ولا بد أن يكونوا مختلفين عن المسلمين!!! عفواً، هناك لهجة باب الدريب ولهجة المحطة في حمص، أي لهجة المعتّرين الفقراء الذين يعيشون في المدينة القديمة ولهجة المترفين الذين يعيشون في المدينة الجديدة العصرية التي بنيت قرب محطة القطار الذي جاء به الفرنسيون. عفواً، وهناك لهجة "عرب شرقي" و"عرب قبلي" و"عرب مغرّب." والعفو أيضاً فهناك لهجة أهل صافيتا (اللهجة الصفتلية العتيدة) ولهجة يازدية حمدان (او عين مريزة)، التي تبعد عن صافيتا مسافة عشرة كيلومترات. ثم نذهب إلى لبنان ونضيع بين الطرابلسية والزحلاوية والصيداوية وبيروتية الشرقية وبيروتية الغربية مع فروق واضحة عند معبر المتحف (أم هذا من مخلفات الحرب الأهلية؟).
مرة ادعيت أني أتكلم اللهجة الفلسطينية (طبعاً لهجتهم واحدة فهم بعيدون جداً عنا) أمام صديق فلسطيني قابلته في أمريكا والحقيقة أني كنت أقلد لهجة صديق آخر من "المخيم" (ولا داعي للتحديد فهو دائماً المخيم أينما كنت في الوطن العربي)، أي من مخيم اليرموك جنوب دمشق. فضحك عليّ وقال أنه من القدس وأنا أقلد لهجة طبرية في الشمال أو أهل الجليل إذا نزلنا عدة كيلومترات إلى الجنوب. والحقيقة كان محقاً فصديق "المخيم" تعود أصول عائلته إلى شمال فلسطين وبالتحديد طبرية. هذا الوضع يتكرر في كل بلد عربي. ونسيت هنا آرامية معلولا وجبعدين وصيدنايا المختلفة عن آرامية العهد القديم وآرامية الكنيسة السريانية وآرامية الإمبراطورية الفارسية القديمة (نعم لقد كتبوا مراسلاتهم باللغة الدولية آنذاك وهي الآرامية، ولكن أية آرامية). والهدف من هذا كله: هذه السلطة (مثل سلطة خضار) اللغوية كانت دائماً موجودة، فأين الشجرة الجميلة؟ وأيهما "الأصلي" (وهو الأجنبي أي عكس المصنوع محلياً) لهجة البدو أم لهجة الحضر؟ وأي بدو وأي حضر؟ قلت مرة لصديقي الكويتي المنحدر من عائلة من الحضريين المعروفين قديماً بتجارة اللؤلؤ: "لهجتك بدوية"، فانزعج لأنه يعرف الفرق بين البدوية الكويتية وبين الحضرية. لكن بالنسبة لي لهجته تشبه لهجة البدو الذين يبيعون اللبن والسمن في موسم الربيع في أسواق حمص (هذا في السبعينيات)؟ ومن يومين كتبت الدكتورة رجاء بن سلامة مقالة شيقة عن تأنيث الكلمات وتذكيرها وكيف تتظاهر السلطة الأبوية الذكرية لغوياً ونفسياً. فسألت، لكي أظهر بمظهر العارف، عن التأثير النفسي لغياب صيغة المؤنث في ضمائر الخطاب في اللهجة التونسية، إن وجد؟ فقد قابلت كثيراً من التونسيين في فرنسا، وأعرف اللهجة التونسية بالزاف ... عفواً (تشويشات مغربية) أريد أن أقول برشة (أي كثيراً). فعلق أحد الإخوة التوانسة (أو التونسيين) غاضباً أن لهجة الجنوب تفرّق بين المذكر والمؤنث وما ذكرته ليس إلا من بدع العاصمة.
فإلى الجحيم يا أستاذ الساميات اليهودي النيويوركي الذي يسكن كاليفورنيا وجاء أجداده من روسيا، مع شديد احترامي لأنه كان عميق المعرفة بالعبرية التوراتية والأرامية التوراتية والسريانية الإنجيلية (أي سريانية الرها). لكن قد يكون التظلل بشجرة اللغات أهون من هاجرة التعقيدات الواقعية التي توجد في كل اللغات وإن كانت المدرسة والكتاب والجريدة والتليفزيون والفضائيات يقضون على هذه الفروق "شوية شوية."
صبراً فنحن نقترب من لب الموضوع: أي لا توجد أصول وإنما سيرورة دائمة ذات أبعاد زمانية ومكانية وطبقية واجتماعية وما إلى ذلك من الإيّات. ولنلق نظرة على نص يعتبر من أقدم النصوص "العربية"، وهو نقش النمارة الذي كتبه امرؤ القيس (واحد منهم، الملك، ابن عمرو، الشاعر ذو المعلقة، على الأرجح) عام 328 م أو بالأحرى كتبه الذي قبَرَه لأن النص كانت على شاهدة القبر (في حوران، سوريا، رغم أن الأستاذ الشاعر من العراق). والله أعلم مَن قبره ومن خرج في جنازته ومن اقترح نص الشاهدة ومن نحت النص؟ ومن سيقرأ النص بعد ألفي سنة؟ امرؤ القيس هذا كان ملكاً للحيرة وحليفاً للفرس، لكنه هرب إلى الشام وغير ولاءه إلى الرومان كما اعتاد الزعماء العرب اللعب على التوازنات الدولية، ومات أخيراً مقتولاً في حوران. وطبعاً هزم كل القبائل ووصل إلى اليمن على طريقة انتصارات القادة العرب.

يقول النص المكتوب بخط نبطي جميل
1. تي نفس مر القيس بر عمرو ملك العرب كله ذوأسر التج
2. وملك الأسدين ونزرو وملوكهم وهرب مذحجو عكدي وجا
3. يزجي في حبج نجرن مدينت شمر وملك معدو ونزل بنيه 
4. الشعوب ووكلهم فرس ولروم فلم يبلغ ملك مبلغه
5. عكدي هلك سنت 223 يوم 7 بكسلول بلسعد ذو ولده.

وهذه ترجمة لجواد علي (نعم أقدم نص "عربي" يحتاج إلى ترجمة)
1- هذا قبر امرئ القيس بن عمرو ملك العرب كلهم الذي تقلد التاج. 
2- واخضع قبيلتي أسد ونزار وملوكهم وهزم مذحج وقاد.
3- الظفر إلى أسوار نجران مدينة شمر واخضع معدا واستعمل بنيه. 
4- على القبائل ووكلهم فرساناً للروم فلم يبلغ ملك مبلغه. 
- 5إلى اليوم. توفى سنة 223 م في 7 من أيلول وفق بنوه للسعادة"، 
عام 223 بتقويم بصرى يوافق 328 ميلادي، المصدر جواد علي ج3, ص101

وإليكم هذه القراءة ومن ثم الترجمة التي وجدتها في منتدى الجمعية الدولية لمترجمي العربية (بقلم أحمد الأقطش)
(1) تي نفسُ امْرئ القَيس بن عَمرو ملك العرب كُلّها الذي أسرَ التاجَ
(2) ومَلَكَ الأَسْدِيِّين ونزارَ وملوكَـَهم، وهرَّبَ مذحجَ عكداً. وجاء
(3) يزجي في حَبَجِ نجران مدينةِ شمر. ومَلَك مَعَدَّ ونزَّلَ بنِيهِ
(4) الشعوبَ، ووكَّلهم فارس والروم. فلم يبلُغ ملِكٌ مبلغَه
(5) عكداً. هلكَ سنة 223 يوم 7 بكسلول. فليسعد الذي ولدَه.
تي: "هذه" اسم إشارة للمفرد المؤنث، وهي عربية صحيحة، ففي حرف الذال باللسان (هذي مُنْطَلِقة وتي منطلقة وتا مُنْطَلِقة(
نفس: "وهي بمعنى ضريح وقبر، وهي بهذا المعنى في عدد من النقوش الشمالية والجنوبية.
مر القيس: هو امرؤ القيس اللخمي أحد ملوك الحيرة.
بـر: "ابن"، وهي لغة عربية شمالية، وتوجد أيضاً في بعض لهجات اليمن.
كله: "كلها" وكانت حروف العلة لا تُكتب.
ذو: "الذي" وهي لغة طيئ.
أسَرَ: "أخذ" و "عصب" و "عقد"، والدلالة واضحة.
التج: "التاج".
الأسديين: نو أسد.
هَرَّبَ: جعلهم يهربون ويفرّون. وقد فسّرها جواد علي بـ "هزم".
عكدي: "عكداً" أي "قوةً"، والعُكدة أصل القوّة.
يزجي: "يدفع" و "يسوق".
حبج: "ضرب"، حبجَه بالعصا يحبجُه حَبْجاً: ضربَه.
شمر: هو الملك الحميري "شمر يرعش" في كتب التراث العربي.
سنة 223 تقويم بصرى عاصمة حوران، وهو يبدأ بدخولها في حوزة الرومان سنة 105م. فسنة كتابة النقش تقابل سنة 328م.
كسلول: هو شهر كسلو، ويقابله كانون الأول "ديسمبر".

وتعجبني هنا الروح القومية العربية التي ترى حركات الإعراب في كل مكان (فتتحول عكدي إلى عكداً بقدرة قادر) وتحتكم إلى لسان العرب الذي يجمع "لسان العرب" ولنقل "ألسنة العرب وغيرهم" وتهمل فروقات المعنى بين لسان العرب والإستخدام النصي وتحل أية تناقضات بأن تنسبها للهجات قبائل متناثرة جغرافياً. وإليكم تلعليقاتي على هذه القراءة والشروحات التي انتقيتها لأنها تمثل تماماً العقلية الراهنة التي من خلالها نحاول فهم تاريخ العربية
تي: طبعاً معروفة، أي هي في السان أيضاً ولكن يندر وجودها في الكتابات الإسلامية القديمة ولا أحد يستعملها الآن. لكنها تبقى عربية. والدليل أنها توحي بالفصاحة من باب الإغراب في الألفاظ جرياً وراء الجزالة.
نفس: (والتي قد تقرأ نفش) هي النفس التي نعرفها ولكن هنا جاءت "بمعنى" قبر أو ضريح (لا فرق أيضاً بين القبر والضريح) من باب المجاز أو الإستخدام الموثق لعرب الشمال وعرب الجنوب. وإذا كان المعنى سائداً في الشمال والجنوب فلماذا لم يسجله اللسان.
مر: هو إمرؤ (طبعاً مع إضافة طبيعية لهمزة وصل في المقدمة وهمزة قطع في المؤخرة). وطبعاً إذا كان القرآن يفعل ذات الشيء في إضافة الهمزات هنا وهناك كالبهارات على الطعام دون شرح (إلا التواتر على زعمهم) فلم لا نفعل هنا ذات الشيء. على كل حال رسم الهمزة اختراع متأخر وكانت النصوص تكتبها ألفاً فأين الألف في نصنا؟ ولماذا استمرت الكلمة في المحكيات العربية دون همزة حتى عصرنا هذا (مار إلياس أي القديس، مرتا مريم أي القديسة، مرتي أي زوجتي، مرة أي إمرأة). لأن المحكيات لغة العوام الجهال الذين كان أصلهم نبط وزط وموالي من الراطنين بالعربية الفصيحة.
بر: أيضاً معروفة (أين؟) وهي عربية شمالية (يقصد آرامية) والناس يستعملونها كثيراً مثل محمد بر عبد الله وعلي بر أبي طالب وعمر بر الخطاب. ولن ندع راءاً تقف بيننا.
كله: طبعاً قال الناقش في نفسه وهو ينقش (كلها) حفاظاً على تأنيث (العرب) التي تدل في الحقيقة على جماعة من الذكور لكن "درجت العرب على تأنيثها" وهذا "سماعي وليس قياسي." ثم كتبها (كله) لاحترامها قاعدة إملائية قديمة مفادها أن العرب كانت تحجم عن كتابت أحرف العلة. ولماذا تكون ألف ضمير التأنيث المتصل حرف علة وهي ملحقة لا دور صرفي لها (أي أنها لا تعلّ الكلمة التي تلحق بها). لكن الناقش الأهبل نسي هذه القاعدة وكتب ألف (جا) وهي فعلاً هنا حرف علة، وكتب ياء (يزجي) وهي فعلاً هنا حرف علة، وكتب واو (ذو) وهذه حسب تعربف المترجم يجب أن تكون حرف علة. ثم عاد فأهل الألف في (التج) لأن العرب كانت تهمل كتابة الألف في الكلمات الفارسية الأصل مثل (التاج)!!!
ذو: معروفة أيضاً وهي لغة طيء (القبيلة الفصيحة المعروفة التي ذكر لها النحويون استثناءات لا تحصى) وهنا نستعمل (لغة) بمعناها القديم (أي لهجة) لأن المعلوة جاءت من لسان العرب. وطيء هذه قبيلة يمنية قحطانية هاجرت بعد السيل العرم ودمار سد مأرب وسكنت جبل طيء (أي جبل شمر الآن) ومناطق أخرى عديدة حيث نحتاجها أن تكون لتشرح قاعدة لغوية. وقد وتكلمت الفصحى لكن مع استثناءات قريبة جداً من الآرامية أو اليمنية السبئية (التي تستخدم ذو بكثرة إلى الآن). بدأ رأسي يدور.
أسر: "أخذ" أو "عصب" أو عقد" (والمعنيان قريبان جداً من بعضهما) والدلالة واضحة لذوي الألباب ولا حاجة لشرحها. طبعاً أن يستخدم شاعر المعلقة كلمة بغير معناها المعجمي يفسر من قبيل "يجوز للشاعر ما لا يجوز لغيره" (وما لغة معاجمنا أصلاً إلا قائمة بتجاوزات الشعراء الميامين، العرب الأقحاح الذي كانوا يعرفون العربية بالسليقة التي لا تخطئ، وهل يخطئ البدوي). طبعاً القرآن ليس لهجة البداوة لكنه عربي أصيل.
هرّب: فسرها جواد علي (الأسطورة في التاريخ العربي الجاهلي) ب"هزم" رغم أن العربيات المحكية تستخدم (هرّب)، لكن متى كانت المحكيات العامية (أي لغة العوام الهوام) مرجعاً لدراسة لغة القرآن.
عكدي: بمعنى (والآن نحن متمرسون بهذه الكلمة وتجاوزاتها اللغوية) عكداً لأن الياء كانت علامة نصب الحال في عربية كاتب المعلقات. ثم هناك عكدي أخرى في نهاية النص منصوبة أيضاً بالياء لكن على الظرفية (بمعنى يوماً). رأسي فعلاً يدور.
يزجي: "يدفع" ويسوق" وتستخدم دائماً مع حرف الجر (في) بمعنى (دخل في الحائط) أو (يزجي في حبج نجرن) أي (ينطح سور نجران) . و(حبج) معروفة أيضاً (حبجه بالعصا أي ضربه) لك هنا استخدامها مجازي بمعنى (سور) والدلالة واضحة!!!
جا يزجي في حبج نجرن: تعني (قاد الظفر إلى أسوار نجران) وليس كما نقول بالعامية (وجا ينطح راسه بالحيط) فحاشا لشاعر المعلقة إمرئ (وليس مر) أن ينطق بهكذا عربية (مكسرة مطحبشة متل أسوار نجران). هذا إن كان ذهب إلى نجران فعلاً ولم يكن يكذب كما كذب رمسيس على مسلته حين ادعى هزيمة الحثين في قادش وكما ذهب تبع اليمن إلى الهند وهزمها.
ولن ندخل في خصام حول كسلول، أو أيلول، أو ديسمبر فلا نريد أن نخصر بعضنا ونفرط العقد ونحل رابطة العروة الوثقى من أجل كلمة.
والناقش أرّخ بالتأريخ النبطي لأن العرب درجت على ذلك حباً بالأنباط العرب أصلاً والذين كتبوا دائماً بالآرامية (يا أخي حتى الفرس كتبوا بالآرامية). وسعرهم بسعر التدمريين العرب أيضاً لكن الذين كتبوا بآرامية تسمى التدمرية وكذلك بالإغريقية، وذلك إخفاءً لأصلهم العربي.
طبعاً النتيجة هي أن الخط عربي والنص عربي والكلدانيون كانوا يتكلمون العربية الأولى والبابليون والآشوريون كذلك ولا فرق بينهم فكلهم عرب. وبعدين (ولا قبلين) انتصرت لهجة قريش وأصبحت لغة 300 مليون إنسان يتعلمونها في المدارس ويصبح الواحد مسخرة أهل الحارة إن تكلم بها. والتشكيل سقط سهواً وكذلك النقاط. و (تي) عربية معروفة فهي في القاموس وتكلم بها أهل الشمال، وذو لغة طيء بمعنى الذي. ومر هي إمرؤ أو إمرئ أو إمرأ وهي عربية، شوف من اسمو امرؤ القيس. وهي نفس كلمة مار (مؤنثها مرتا) وتعني السيد والقديس والملك والزوج وفي العربية تعني واحد بعمري ما شفتو. وكل الهمزات سقطت سهواً. أو هي لغة شرقية من نوع مأمأة عبد القيس في عمان وكسكسة أسد وكشكشة ذبيان وتلتلة عبس وثأثأة ربيعة وكتكتة كلب. أما إياد فلا يؤخذ بلغتها لأنها اختلطت بالفرس وتنصرت كذلك، الوقحة (وهنا لا أنسب اللهجة إلى القبيلة الصحيحة). وطبعاً كل هذه القبائل تكلمت العربية الفصحى بفصاحة شديدة مع الإستثناءات السابقة الذكر. ولسان العرب (المكتوب في القرن السادس عشر الميلادي) يذكر أن (ذو القصة، موقع في الحجاز) هي في الأصل (ذو الجصة) لكن أهل الحجاز يلفظون الجيم على طريقة أهل اليمن (والمصريين أيضاً). ولما لم يكن هناك في العربية (التي أتت أصلاً من قريش الحجازية) حرف مشابه كتبوها قافاً لقرب اللفظ. هذه المعلومة بالنسبة لي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير. فقد كنت بصراحة بعيراً لمحاولتي التوفيق (كما فعل أجدادنا العباسيون) بين كل هذه التناقضات.
وهذه المعلومات تبدو متناقضة إذا آمنا بنظرية العربية الفصيحة، لغة قريش، الني نطق بها إسماعيل، ونزل بها القرآن، وصدح بها امرؤ القيس في سوق عكاظ حيث ربحت معلقته الجائزة الأولى فكتبوها بماء الذهب على ورقة (او جلد غزال، والقرآن ياعيني كان مكتوب على عظام أكتاف البعير) وعلّقوها على الكعبة (وابن سعد لا يترك فرصة ليؤكد أن الكتابة بالعربية كانت قليل، هكذا دون تأنيث). وقبل أن أبدأ بالتنظير أؤكد للقارئ أني جاهل تماماً بحقيقة "أصل" العربية ومن تكلم بها ومن كتبها ومن جمع معجمها الأول (أي كتاب العين الذي جاء إلى البصرة على ظهر حمار من خراسان حسب إحدى الروايات وزعموا أن الخليل كتبه) ومن وضع قواعدها.
يقول بعض الباحثين أن العربية لغة مركبة (وهذا واضح من لسان العرب) غرضها الشعر وكتابة النصوص الرسمية. وهذه نظرية متأثرة بنظريات مشابهة عن أصل الإغريقية في كتابات هوميروس والتي تحتوي على لهجات متعددة من مناطق مختلفة. ويزعم آخرون أن نقش النمارة ما هو إلا عربية في طور النضوج (بدلالة ال التعريف) فيقولون بحداثة نشأة العربية. وما نعرفه في الحقيقة هي عربية التدوين. وبرديات مصر التي تعود إلى العصر الأموي تجمع صيغاً بين الفصحى المتعارف عليها الآن وبين العامية، لكنها أقرب إلى الفصحى. وهذه البرديات ما هي إلا مراسلات بين عامل الأمويين على مصر وعماله على النواحي المصرية (وأغلبهم رجال دين مسيحيون) الموكلين بجمع الجزية (وطبعاً الأموي يهددهم على الطالعة النازلة ويذكرهم في كل رسالة بأنهم ليسوا "من اتبع الهدى"). والفروقات والتشابه بين عربية القرآن وعربية الأشعار المسماة بالجاهلية ومعروفة. ومعاجم العربية والأخبار القديمة تذكر وجود لهجات كثيرة بعضها يشبه لهجات حالية من الجزيرة العربية (لكن الأمثلة قليلة). وكثيراً ما تذكر المعاجم لفظين أو ثلاثة لكلمة واحدة وتزعم أنها (لغات) وهذا يعني إما أخطاءً في اللفظ أو لهجات محلية. ونحن نعرف أن الأخطاء مفهوم وضعي اصطلاحي مرتبط بوجود قواعد مدونة للغة المحكية يتعلمها الأولاد في المدرسة ليميزوا بين "ما هو صحيح" وما هو "خطأ".
لكن العربية التي نعرفها تحتوي على ظاهرة لم يرها الآثاريون منذ زوال الحضارة الأكادية، ألا وهي ظاهرة إعراب الأسماء والصفات (أي انتهاؤها بحركة تدل على وظيفتها القواعدية في الجملة) كالرفع والنصب والجر. فأين كانت هذه الزوائد طول ثلاثة آلاف عام. أمن الممكن أن تختبئ في الصحراء طوال هذه المدة لتظهر فجأة ولتختفي بعد قرن على ظهورها المفاجئ. أما الفروق والتشابه بين المحكيات الحالية والعربية المسماة بالفصحى فأتركها إلى مقالة أخرى لطول الحديث عنها. لكن هذه الفروق والتشابهات تدل على اختلاط بين حاكم ومحكوم ومن ثم على تعليم منظم للغة الحاكم. وأقدم ترجمة للعربية معرفة لأجزاء من كتاب العهد الجديد (وجدت في كنيسة القديسة كاترينا في سيناء) تعود إلى القرن الثامن على ما أذكر وتدل على تحول سريع لسكان الشام المسيحيين إلى العربية. ولكن أية عربية؟
وفي طبقات ابن سعد الذي يعود إلى القرن التاسع الميلادي ذكر لكلمات مثل (إيش) مما قد يدل على وجود ما يشبه العامية الحالية. وأنا أرجح وجود عربيات مختلفة (ولغة تدوين مختلفة وجامدة) تطورت مع الزمن إلى العربيات الحالية. ويعتقد الباحثون مثلاً أن الفرنسية والإسبانية ماهي إلا حفيدات لاتينية الجنود البعيدة عن لاتينية النصوص الأدبية القديمة، أي أن اللهجات هي حفيدة لهجات أيضاً كانت عامية ذلك الزمان. وإن نظرية سعد الصويان بأن الشعر النبطي حفيد الشعر الجاهلي تماثل هذا الشرح لتاريخ أحفاد اللاتينية. 
ما لغة التدوين والأدب إلا صورة جامدة للغة المحكية في لحظة من لحظات وجودها الدائم الحركة والتغير، بل بالتحديد صورة للهجة (أو تركيبة من لهجات) منتقاة من تنوع هائل يشبه تنوع المحكيات العربية الحالية. فلا يمكن إذا معرفة أصل أية لغة وإنما نستطيع أن نتتبع تاريخ تدوينها (أحياناً) وتجميدها في قواعد للغة تدوين وأدب رسمية تشرف عليها مؤسسة نخبوية ودينية في الأغلب تنقلها عبر الأجيال عن طريق التعليم والتلقين والإعادة و"التقويم" بالعنف النفسي والجسدي.
والله أعلم

الخميس، 14 أكتوبر 2010

كورش و ذو القرنين


هل كورش هو ذو القرنين؟ 

image


لقد عُرف كورش بمسايرته لجميع الأديان في زمانه واحترامه لكل الأديان الوثنية . حيث أنه مباشرة بعد ان احتل بابل وفي يوم تتويجه على بابل ذهب إلى هيكل الإله مردوخ إله البابليين الرئيسي ، وأعلن ما يُعرف اليوم بأقدم حقوق دينية في التاريخ . كان ذلك في أول يوم من أيام الربيع . ودخوله إلى هيكل ماردوخ كان من أجل تكريم إله البابليين .
وهناك تسجيل للاحتفال بتتويج كورش على بابل ، وذلك من قبل المؤرخ اليوناني Gezenfone. والحقيقة أن نص إعلان كورش عن حقوق الحريات الدينية للدول كل بحسب ديانته قد كشفه علم الاثار بعد التنقيب الذي جرى في مدينة Oor. وهذه المنقوشات الآن موجودة في المكتبة الوطنية البريطانية British National Library. وهذا ترجمة لبعض ماجاء في نص هذه المنقوشة الهامة :
الآن ، وبنعمة مازدا ( وهو أهورامازدا إله الزردشتيين الرئيسي ) انا متوّج على مملكة إيران وبابل والأربعة بلدان الرئيسية ، أعلن الآتي:
أنني ما دمت حيا ، ومقبول من مازدا كملك على إيران وبابل والأربعة بلدان الأساسية ، فإنني أتعهد بتكريم ديانات وعادات كل الأمم تحت مملكتي . وبالتالي لا يُسمح لأي حاكم أو مسؤول تحت مملكتي أن يحتقر أو  يهين أية ديانة أو عادات للامم التي تحت مملكتي أو للأمم الاخرى .
ومن الآن حيث أنا متوّج ، وطالما أنا على قيد الحياة ومُبارك من مازدا من أجل مملكته، فإني لن أفرض مملكتي على أي أمة ، حيث أن الشعب حر في أن يقبل وأن يكون بدون معاناة من أي حروب ضده .
 ... اليوم أعلن بأن لكل فرد الحق في أن يختار أي ديانة يؤمن بها ، ويعيش في أي مكان يريد ، على شرط أن لا يلغي حقوق الآخرين .
طالما أنا على قيد الحياة، من خلال نعمة مازدا ، سوف أحكم كملك ، سوف لن أسمح أن يباع أي رجل او امرأة كعبيد . ..
وأنا أتضرع إلى مازدا أن يمنحني النجاح فيما قد اخذته على عاتقي تجاه أمم إيران وبابل والبلدان الرئيسية الأربعة .
الكتابة المنقوشة لكورش التي يعلن بها الحرية الدينية لكل فرد ويظهر منها أنه زردشتي
ولا شك بأن الله بحسب الكتاب المقدس يعيِّن الملوك حتى ولو كانوا غير مؤمنين وينتمون لديانات وثنية . أما لماذا مدحت بعض أسفار العهد القديم كورش، هو بسبب نزعته إلى احترام كل دين ، وبذلك سماحه لليهود أن يقيموا شعائرهم الدينية وأن يعودوا إلى أوروشليم ويبنوا الهيكل .
والآن نأتي للسؤال : هل كورش هو ذو القرنين ؟
نقول بأن مواصفات كورش كرجل زردشتي يحترم ويكرم كل ديانة لشعب كان قد أخضعه، لا تنطبق مع الصورة التي رسمها القرآن لذي القرنين كقائد مسلم يعمل الجهاد لكي يفرض الإسلام على أمم العالم ويقاصص كل شعب يرفض الإسلام ويضع عليه جزية . كذلك لم يُدعى قط كورش بلقب ذي القرنين . ان الصورة التي نجدها لذي القرنين في سورة الكهف تنطبق تماما مع ما نجد في كتاب المنتحل لكلسثنيس التي يتحدث فيها عن الاسكندر المقدوني ذو القرنين . بل إن كل تفاصيل رحلات ذي القرنين في سورة الكهف هي مطابقة تماما لرحلات ذي القرنين في كتاب المنتحل لكلسثنيس .
كذلك فان محمد لم يذكر قط اسم كورش في الأحاديث، بل ذكر اسم الاسكندر كذي القرنين . وما ظهور فكرة كورش كذي القرنين إلا في هذه الايام حيث ظهر للمسلمين بأن الاسكندر هو شخص وثني ، وظهرت خرافاته في كتاب المنتحل لكلسثنيس ، كما ظهر أن التاريخ الرسمي لليونان يعاكس خرافات المنتحل لكلسثنيس . فأرادوا أن يتهربوا من كون القرآن اقتبس من خرافات المنتحل لكلسثنيس .

للدكتور رأفت عماري

السبت، 11 سبتمبر 2010

الإرهابي ابن تومرت



قال الذهبي رحمه الله تعالى في (( سير أعلام النبلاء )) (ج19/ص539-552):

الشيخُ الإمامُ ، الفقيةُ الأصوليُّ الزاهدُ، أبو عبد الله محمدُ بنُ عبد الله بن تُومَرت البَربري المَصْمودي الهرْغي، الخارجُ بالمغرب، المدَّعِي أنه علوي حَسَني ، وأنَّه الإمامُ المعصومُ المهدي، وأنه محمدُ بنُ عبد الله بن عبد الرحمن ابن هود بن خالد بن تمام بن عدنان بن صفوان بن جابر بن يحيى بن رباح بن يسار ابن العباس بن محمد بن الحسن بن الإمام علي بن أبي طالب.

رَحَلَ من السُّوسِ الأقصى شاباً إلى المشرق، فحج وتفقه، وحصّل أطرافاً من العلم ، وكان أمَّاراً بالمعروف، نهاءً عن المنكر، قوي النفس، زَعِراً شجاعاً، مهيباً قوَّالاً بالحق، عمّالاً على الملك ، غاوياً في الرِّياسة والظهور، ذا هيبةٍ ووقار ، وجلالةٍ ومعاملة وتألُّه، انتفع به خلق، واهتدوا في الجملة وملكوا المدائن، وقهروا الملوك.

أخذ عن إلكيا الهرًّاسي، وأبي حامد الغزالي، وأبي بكر الطَّرطوشي، وجاوره سنة. وكان لهِجاً بعلم الكلام ، خائضاً في مزالِّ الأقدام، ألَّف عقيدة لقبها بالمُرشِدة، فيها توحيد وخير بانحراف، فحمَل عليها أتباعه، وسمَّاهم الموحدين، ونبز من خالفَ المُرشِدة بالتجسيم، وأباح دمه، نعوذ بالله من الغي والهوى.

وكان خشن العيش، فقيراً قانعاً باليسير، مقتصراً على زيِّ الفقر، لا لذة له في مأكل ولا منكح ، ولا مال، ولا في شيء غير رياسة الأمر، حتى لقي الله تعالى. لكنه دخل –والله- في الدماء لنيل الرياسة المُردية. وكان ذا عصا وركوة ودفَّاس، غرامُهُ في إزالة المنكر، والصدع بالحق، وكان يتبسم إلى من لقيه. وله فصاحةٌ في العربية والبربرية، وكان يؤذى ويضربُ ويصبرُ أُوذي بمكة، فراح إلى مصر، وبالغ في الإنكار، فطردوه، وآذوه، وكان إذا خاف من البطش به خلَّط وتباله.

ثم سكن الثغر مدةً، ثم ركب البحر إلى المغرب، وقد رأى أنه شرب ماء البحر مرتين، واخذ ينكر في المركب على الناس وألزمهم بالصلاة، فآذوْه، فقدم المهْديَّة وعليها ابن باديس، فنزل بمسجد معلق، فمتى رأى منكراً أو خمراً، كسر وبدد، فالتفَّ عليه جماعة واشتغلوا عليه، فطلبه ابن باديس، فلما رأى حاله، وسمع كلامه، سأله الدعاء، فقال: أصلحك الله لرعيتك.

وسار إلى بَجاية، فبقي ينكرُ كعادته، فنُفي، فذهب إلى قرية ملاَّلة، فوقع بها بعبد المؤمن الذي تسلطن، وكان أمْردَ عاقلاً، فقال: يا شاب، ما اسمك؟ قال: عبد المؤمن، قال: الله أكبر، أنت طلبتي، فأين مقصدك، قال: طلبُ العمل، قال: قد وجدتَ العلم والشرف، اصحبني، ونظر في حليته، فوافقت ما عنده مما قيل: إنه اطلع على كتاب الجَفْرِ،.

فقال: ممن أنت؟ قال من كُومية، فربط الشاب، وشوّقه إلى أمور عشقها، وأفضى إليه بسرّه، وكان في صحبته الفقيه عبد الله الونشريسي، وكان جميلاً نحوياً، فاتفقا على أن يخفي علمه وفصاحته، ويتظاهر بالجهل واللَّكنِ مدةً، ثم يجعل إظهار نفسه معجزةً، ففعل ذلك، ثم عمد إلى ستة من أجلاد أتباعه، وسار بهم إلى مراكش، وهي لابن تاشفين، فأخذوا في الإنكار، فخوفوا الملك منهم، وكانوا بمسجد خراب، فأحضرهم الملك، فكلموه فيما وقع فيه من سب الملك، فقال: ما نُقِل من الوقيعة فيه، فقد قلتُه، هل من ورائه أقوال، وأنتم تطرونه وهو مغرور بكم، فيا قاضي! هل بلغك أن الخمر تباع جهاراً، وتمشي الخنازير في الأسواق، وتؤخذ من أموال اليتامى؟ فذرفت عينا الملك وأطرق، وفهم الدهاةُ طمع ابن تومرت في الملك، فنصح مالك بن وهيب الفيلسوفُ سلطانَه، وقال: إني خائف عليك من هذا، فاسجنه وأصحابه، وأنفق عليهم مؤنتهم، وإلا أنفقتَ عليهم خزائنك، فوافقه، فقال الوزير: يقبحُ بالملِك أن يبكي من وعظه، ثم يسيء إليه في مجلس، وأن يظهر خوفك – وأنت سلطان – من رجل فقير، فأخذته نخوةٌ، وصرفه، وسأله الدعاء.

وسار ابن تومرت إلى أغمات، فنزلوا على الفقيه عبد الحق المصمودي، فأكرمهم، فاستشاروه، فقال: هنا لا يحميكم هذا الموضع، فعليكم بِتِينَمَلَّ فهي يومٌ عنا، وهو أحصنُ الأماكن، فأقيموا به برهة كي يُنسى ذكركم. فتجدد لابن تومرت بهذا الاسم ذكرٌ لما عنده، فلما رآهم أهل الجبل على تلك الصورة، علموا أنهم طلبة علم، فأنزلوهم، وأقبلوا عليهم، ثم تسامع به أهل الجبل، فتسارعوا إليهم، فكان ابن تومرت من رأى فيه جلادة، عرض عليه ما في نفسه، فإن أسرع إليه، أضافه إلى خواصه، وإن سكت، أعرض عنه، وكان كهولهم ينهون شبانهم ويحذرونهم وطالت المدة، ثم كثر أتباعه من جبال درن، وهو جبل الثلج، وطريقه وعرٌ ضيق. قال اليسع في ((تاريخه)): لا أعلم مكاناً أحصن من تِينَملل، لأنها بين جبلين، ولا يصل إليها إلا الفارس، وربما نزل عن فرسه في أماكن صعبة، وفي مواضع يعبر على خشبة، فإذا أزيلت الخشبة انقطع الدرب، وهي مسافة يوم، فشرع أتباعه يغيرون ويقتلون، وكثروا وقووا، ثم غدر بأهل تِيْنملل الذين آووه، وأمر خواصه، فوضعوا فيهم السيف، فقال له الفقيه الإفريقي أحد العشرة من خواصه: ما هذا؟ قومٌ أكرمونا وأنزلونا نقتلهم!! فقال لأصحابه: هذا شك في عصمتي، فاقتلوه، فقُتِلَ.

قال اليسع: وكل ما أذكره من حال المصامدة، فقد شاهدته، أو أخذته متواتراً، وكان في وصيته إلى قومه إذا ظفروا بمرابط أو تِلِمْساني أن يحرقوه. فلما كان عام تسعة عشر وخمسمائة، خرج يوماً، فقال: تعلمون أن البشير – يريد الوَنْشَرِيسي – رجل أمي، ولا يثبت على دابة، فقد جعله الله مبشراً لكم، مطلعاً على أسراركم، وهو آية لكم، فقد حفظ القرآن، وتعلم الركوب، وقال: اقرأ، فقرأ الختمة في أربعة أيام، وركب حصاناً وساقه، فبُهِتُوا، وعدُّوها أية لغباوتهم، فقام خطيباً، وتلا: } لِيَميزَ اللهُ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ{ ]الأنفال:37[،وتلا: } مِنهُمُ المُؤمِنُونَ وَأكثَرُهُمُ الفاسقون{ ]آل عمران:110[، فهذا البشير مطلع على الأنفس، ملهمٌ، ونبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ في هذه الأمة محدَّثين، وإنَّ عمر منهم)) وقد صحبنا أقوامٌ أطلعه الله على سرهم، ولا بد من النظر في أمرهم، وتيمُّم العدل فيهم، ثم نودي في جبال المصامدة: من كان مطيعاً للإمام، فليأتِ، فأقبلوا يهرعونَ، فكانوا يعرضون على البشير، فيخرجُ قوماً على يمينه، ويعدهم من أهل الجنة، وقوماً على يساره، فيقول: هؤلاء شاكون في الأمر، وكان يؤتي بالرجل منهم، فيقول: هذا تائب ردوه على اليمين تاب البارحة، فيعترف بما قال: واتفقت له فيهم عجائب، حتى كان يطلق أهل اليسار، وهم يعلمون أن مآلهم إلى القتل، فلا يفر منهم أحد، وإذا تجمع منهم عدة، قتلهم قرابتهم حتى يقتل الأخ أخاه.

قال: فالذي صح عندي أنهم قتل منهم سبعون ألفاً على هذه الصفة، ويسمونه التمييز، فلما كمل التمييز، وجه جموعه مع البشير نحو أغمات، فالتقاهم المرابطون، فهزمهم المرابطون ، وثبت خلق من المصامدة، فقتلوا، وجرح عمر الهِنْتاتي عدة جراحات، فحمل على أعناقهم مثخناً، فقال لهم البشير: إنه لا يموت حتى تفتح البلاد، ثم بعد مدة فتح عينيه، وسلم، فلما أتوْا، عزاهم ابن تومرت، وقال: يومٌ بيوم، وكذلك حرب الرسل.

وقال عبد الواحد المراكشي: سمع ابن تومرت ببغداد من المبارك بن الطيوري، واخذ الأصول عن الشاشي، ونفاه من الإسكندرية أميرها، فبلغني انه استمر ينكر في المركب، فألقوه، فأقام نصف يوم يعوم، فأنزلوا من أطلعه، واحترموه، فنزل ببَجاية، فدرَّس ووعظ، وأقبلوا عليه، فخاف صاحبها، وأخرجه، وكان بارعاً في خطِّ الرمل.

وقيل: وقع بالجفر، وصادف عبد المؤمن، ثم لقيهما عبدُ الواحد الشرقي، فساروا إلى أقصى المغرب. وقيل: لقي عبد المؤمن يؤدب بأرض متيّجة، ورأى عبد المؤمن أنه يأكلُ مع الملك علي بن تاشفين، وأنه زاد على أكله، ثم اختطف منه الصحفة، فقال له العابر: لا ينبغي أن تكون هذه الرؤيا لك، بل لمن يثور على أمير المسلمين إلى أن يغلب على بلاده.

وكان ابن تومرت طويل الصمت، دائم الانقباض، له هيبة في النفوس، قيل له مرة: فلان مسجون، فأتى الحبسَ، فابتدر السجانون يتمسحون به، فنادى: فلان، فأجابه، فقال: اخرج، فخرج والسجانون باهتون، فذهب به، وكان لا يتعذر عليه أمرٌ، وانفصل عن تلمسان، وقد استحوذ على قلوب كبرائها، فأتى فاس، وأخذ في الأمر بالمعروف.

قال: وكان جلُّ ما يدعو إليه الاعتقاد على رأي الأشعري، وكان أهل الغرب ينافرون هذه العلوم، فجمع متولي فاس الفقهاء، وناظروه، فظهر، ووجد جواً خالياً، وقوماً لا يدرون الكلام فأشاروا على الأمير بإخراجه، فسار إلى مراكش.

فبعثوا بخبره إلى ابن تاشفين، فجمع له الفقهاء، فناظره ابن وهيب الفيلسوف، فاستشعر ذكاءه وقوة نفسه، فأشار على ابن تاشفين بقتله، وقال: إن وقع إلى المصامدة، قوي شرُّه، فخاف الله فيه، قال: فاحبسه، قال: كيف أحبسُ مسلماً لم يتعين لنا عليه حق؟ بل يسافر، فذهب ونزل بِتِينَمَلل ، ومنه ظهر، وبه دفن، فبثَّ في المصامدة العلم، ودعاهم إلى الأمر بالمعروف، واستمالهم، واخذ يشوق إلى المهدي، ويروي أحاديث فيه، فلما توثَّق منهم قال: أنا هو، أنا محمد بن عبد الله، وساق نسباً له إلى علي، فبايعوه، وألف لهم كتاب ((أعز ما يطلب))، ووافق المعتزلة في شيء، والأشعرية في شيء، وكان فيه تشيُّع، ورتب أصحابه، فمنهم العشرة، فهم أول من لبَّاه، ثم الخمسين، وكان يسميهم المؤمنين، ويقول: ما في الأرض من يؤمن إيمانكم، وأنتم العصابة الذين عنى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:

((لا يزالُ أهلُ الغربِ ظاهرينَ)) وأنتم تفتحون الروم، وتقتلون الدجال، ومنكم الذي يؤمُّ بعيسى، وحدثهم بجزئيات اتفق وقوع أكثرها، فعظمت فتنة القوم به حتى قتلوا أبناءهم وإخوتهم لقسوتهم وغلَظ طباعهم، وإقدامهم على الدماء، فبعث جيشاً، وقال: اقصدوا هؤلاء المارقين المبدلين الدين، فادعوهم إلى إماتة المنكر وإزالة البدع، والإقرار بالمهدي المعصوم، فإن أجابوا، فهم إخوانكم، وإلا فالسنة قد أباحت لكن قتالهم، فسار بهم عبد المؤمن يقصد مراكش، فالتقاه الزبير ابن أمير المسلمين، فكلموهم بالدعوة، فردُّوا أقبح ردٍّ، ثم انهزمت المصامدة، وقتل منهم ملحمة، فلما بلغ الخبر ابن تومرت، قال: أنجى عبد المؤمن؟ قيل: نعم، قال: لم يفقد أحد، وهون عليهم، وقال قتلاكم شهداء.

قال الأمير عزيز في ((أخبار القيروان)): سمّى ابن تومرت أصحابه بالموحدين، ومن خالفه بالمجسّمين، واشتهر سنة خمس عشرة، وبايعته هرغة على أنه المهدي، فقصده الملثمون، فكسروا الملثمين، وحازوا الغنائم، ووثقت نفوسهم، وأتتهم أمداد القبائل، ووحّدت هنتاتة، وهي من أقوى القبائل.


ثم قال عزيز: لهم تودُّد وأدبٌ وبشاشة، ويلبسون الثياب القصيرة الرخيصة، ولا يخلون يوماً من طراد ومثاقفة ونضال، وكان في القبائل مفسدون، فطلب ابن تومرت مشايخ القبائل ووعظهم، وقال: لا يصلح دينكم إلا بالنهي عن المنكر، فابحثوا عن كل مفسد، فانهوه، فان لم ينته، فاكتبوا إلي أسماءهم، ففعلوا، ثم هدد ثانياً، فأخذ ما تكرر من الأسماء، فأفردها، ثم جمع القبائل، وحضهم على أن لا يغيب منهم أحد، ودفع تلك الأسماء إلى البشير، فتأملها، ثم عرضهم رجلاً رجلاً، فمن وجد اسمه، رده إلى الشمال، ومن لم يجده بعثه على اليمين، ثم أمر بتكتيف أهل الشمال، وقال لقراباتهم: هؤلاء أشقياء من أهل النار، فلتقتل كل قبيلة أشقياءها، فقتلوهم، فكانت واقعة عجيبة، وقال: بهذا الفعل صح دينكم، وقوي أمركم.

وأهل العشرة هم: عبد المؤمن، والهزرجي، وعمر بن يحيى الهنتاتي، وعبد الله البشير، وعبد الواحد الزواوي طير الجنة، وعبد الله بن أبي بكر، وعمر بن أرناق، وواسنار أبو محمد، وإبراهيم بن جامع، وآخر. وفي أول سنة أربع وعشرين، جهز عشرين ألف مقاتل عليهم البشير، وعبد المؤمن بعد أمورٍ يطول شرحها، فالتقى الجمعان، واستحر القتل بالموحدين، وقتل البشير، ودام الحرب إلى الليل، فصلى بهم عبد المؤمن صلاة الخوف، ثم تحيز بمن بقي إلى بستان يعرف بالبحيرة، فراح منهم تحت السيف ثلاثة عشر ألفاً، وكان ابن تومرت مريضاً، فأوصى باتباع عبد المؤمن، وعقد له، ولقبة أمير المؤمنين، وقال: هو الذي يفتح البلاد، فاعضدوه بأنفسكم وأموالكم، ثمن مات في آخر سنة أربع وعشرين وخمسمائة.

قال اليسع بن حزم: سمى ابن تومرت المرابطين بالمجسمين، وما كان أهل المغرب يدينون إلا بتنزيه الله تعالى عما لا يجب وصفة بما يجب له، مع ترك خوضهم عما تقتصر العقول عن فهمة. إلى أن قال: فكفرهم ابن تومرت لجهلهم العرض والجوهر، وأن من لم يعرف ذلك، لم يعرف المخلوق من الخالق، وبأن من لم يهاجر إليه، ويقاتل معه، فإنه حلال الدم والحريم، وذكر أن غضبه لله وقيامه حسبةٌ.

قال ابن خلكان: قبره بالجبل معظم، مات كهلاً، وكان أسمر ربعة، عظيم الهامة، حديد النظر مهيباً، وآثاره تغني عن أخباره، قَدَمٌ في الثرى، وهامةٌ في الثريا، ونفسٌ ترى إراقة ماء الحياة دون إراقة المُحَيَّا، أغفل المرابطون ربطه وحله، حتى دب دبيب الفلق في الغسق، وكان قوته من غزل أخته رغيفاً بزيت، أو قليل سمن، لم ينتقل عن ذلك حين كثرت عليه الدنيا، رأى أصحابَه يوماً، وقد مالت نفوسهم إلى كثرة ما غنموه، فأمر بإحراق جميعه، وقال: من أراد الدنيا، فهذا له عندي، ومن كان يبغي الآخرة، فجزاءه عند الله، وكان يتمثل كثيراً: تَجَرَّدْ من الدنيا فإنَّك إنَّما خَرَجْتَ إلى الدُّنْيا وَأنْتَ مُجَردُ

ولم يفتتح شيئاً من المدائن، وإنما قرر القواعد، ومهد، وبغته الموت، وافتتح بعده البلاد عبد المؤمن. وقد بلغني – فيما يقال- : أن ابن تومرت أخفى رجالاً في قبور دَوَارِسَ، وجاء في جماعة ليُريهم آية، يعني فصاحَ: أيها الموتى أجيبوا، فأجابوه: أنت المهدي المعصوم، وأنت وأنت، ثم إنه خاف من انتشار الحيلة، فخسف فوقهم القبور فماتوا.

.

ولابن تومرت:

دَعْنِي فَفِي النّفْسِ أشْيَاءٌ مُخَبَّـأةٌ لألبســــن بها دِرْعاً وَجِلبَابَــا والله لَوْ ظَفِرتْ نَفْسي بِبُغْيَتِهــا ما كُنْتُ عَنْ ضَرْبِ أعْنَاقِ الوَرَى آبَى حتى أطَهِّرَ ثَوْبَ الدينِ عن دنس وَأُوِجِبَ الحـــقَّ لِلسَّادَاتِ إيجَابَـا


-------
المصادر
1- سير أعلام النبلاء (ج19/ص539-552)
2- المعجب ص 245-264
3- وفيات الأعيان 55,45-5
4- عيون التواريخ 13/ 372,384
5- البداية والنهاية 12/ 186,187
6- مرآة الزمان 8/ 91,82
7- طبقات السبكي 6/ 109,117

الاثنين، 30 أغسطس 2010

الإله القمر


هل كان الله هو الإله القمر

مشاركةبواسطة حنان في 05 مارس 2010 03:10
هل كان الله هو الإله القمر؟ 

صورة

يتميز الدين الإسلامي في عبادة إله يسمى " الله" حصريا، على الرغم من أن القرآن استخدم أسماء إلهية أخرى.. اللاهوت الإسلامي يدعي أن الله ما قبل الإسلام كان هو نفسه الإله التوراتي الذي دعت إليه رسل أهل الكتاب . هل كان " الله" هو إله توراتي أم أنه إله وثني متحدر من معبودات الوثنيين في الصحراء العربية ما قبل الإسلام؟ 

إن إصرار الإسلام على القول إن الله الإسلامي هو امتداد واستمرار لله التوراتي يملك أهمية عظمى في محاولة جعل الإسلام امتداد لما سبقه واستدراج أتباع الديانات السابقة ليصبحوا " مسلمين" على اعتبار أن " الله" هو استمرارية لإله المسيحيين واليهود ويقدم لهم اعترافا مجانيا بسماوية كتبهم، ليصبح رشوة منطقية لقبول الإسلام والاعتراف به كخطوة تالية في الديانة المسيحية واليهودية. ولكن، إذا كان الله هو إله وثني، موروث عن ما يعبده الوثنيين فليس من الممكن الادعاء أنه ذات إله اليهود والمسيحيين، ويصبح الانتماء إلى الإسلام (على خلفية استمرار الإلوهية) أو التعاطي مع الإسلام باعتباره حجة لهم (لكونه يعترف بهم) لا قيمة له من هذه الزاوية، بل وخاطئ ولربما ينطبق عليه التحذير اليسوعي الذي يقول: احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة (متى7 :15 ). 

عمليا من الممكن الاستمرار في الادعاء إلى الـ ما لا نهاية، في حين أن الأدلة الصلبة لا يمكن الحصول عليها من مجرد الادعاءات وإنما تتطلب الحفر وقراءة الآثار. هذه هي الطريقة الوحيدة لمعرفة أصل مضمون عبادة الله وهو ما يعالجه الموضوع، في حين يمكن مراجعة كتاب " تاريخ الله" للكاتب جورجي كنعان، لإلقاء نظرة على موضوع أصل كلمة الله . المثير أن الأدلة التاريخية التي سيجري عرضها تعطي ما يكفي من الأدلة التي لا يوجد ما يعارضها عن تاريخ جذور وتطور عبادة الله كإله وثني، إله الوثنيين القدماء في مختلف أنحاء الجزيرة العربية وحوض النهرين ، الله هو القمر المتزوج من الشمس والنجوم بناتهم. 

صورة

الأركولوجيين عثروا على معابد لعبادة القمر في جميع أنحاء الشرق الأوسط من جبال تركيا إلى شواطئ النيل. لقد ظهر أن أكثر العبادات انتشارا في حضارة هذه المنطقة هي عبادة إله القمر. في كتابات الحضارة السومرية الأولى وصلتنا آلاف الألواح الطينية التي يصفون فيها عقيدتهم. من هذه الألواح نعلم أنهم كانوا يعبدون إله القمر والذي كان يملك العديد من الأسماء (في ذلك الوقت كانت تعني صفات). أكثر الأسماء شيوعا كان نانا، سون، عظيم بابا (!) Nanna, Suen, Asimbabbar. هذا الإله كان يرمز له بالهلال. اعتمادا على الكم الكبير من الوثائق عن عبادة إله القمر لا بد لنا من الاعتقاد أن هذه الديانة كانت هي الأوسع في سومر. الأشوريين والبابليين والأكاديين اقتبسوا هذه الديانة وحرفوا اسم اله القمر سون إلى سين, Sin, ليكون الإله المحبوب والرئيسي. (من المثير أن القرآن يقسم بتعبير " ياسين" وكتب التفاسير تشير إلى أن المقصود هو اسم إله (راجع الحاشية الرابعة) 

في سوريا وكنعان القديمة كان يرمز للإله سين بهلال. مع الوقت أصبح يضاف القمر الكامل إلى الهلال ليبقى الهلال ظاهران وليصبح إشارة إلى جميع فترات ظهور القمر. الربة الشمس كانت زوجة الرب سين في حين كانت النجوم بناتهم. مثلا كانت عشتار واحدة من بناتهم والأضاحي إليهم جرى تعدادها في الوثائق التي جرى العثور عليها في رأس شمرا. في وثائق أوغاريت نجد أن اله القمر كان يطلق عليه أحيانا اسم كوسوه، Kusuh. في فارس ومصر نجد أن إله القمر كان يظهر بوضوح في المنحوتات الجدارية وعلى رأس الأصنام، حيث كان قاضي على الرجال وعلى الآلهة. 

صورة

العهد القديم كان على الدوام يؤكد على تحريم عبادة القمر. حذر الرب شعب إسرائيل فقال: " لا ترفع عينك إلى السماء وتنظر الشمس و القمر والنجوم وكل جند السماء .. فتغتر وتسجد لها وتعبدها " 
( تثنية 4: 19) وفى 2( ملوك 21: 3-5) وفى (ارميا 8: 2) وأيضا في ( أرميا 19: 13 ) وفى ( صفنيا 1: 5) (see: Deut. 4:19;17:3; II Kings. 21:3,5; 23:5; Jer. 8:2; 19:13; Zeph. 1:5, etc.).
بمعنى أنه عندما سقطت إسرائيل في عبادة آلهة الوثنيين كانت عبادة القمر هي المعنية، إذ أنها هي العبادة الوثنية الشائعة. في القرآن نجد التحذير ذاته " راجع الحاشية رقم سبعة".
هذا الأمر يؤكده كون الإله القمر شكلا شائعا في جميع اللقى التعبدية والطقسية القادمة من الحضارات القديمة، حيث نرى الشعوب القديمة ترسم صورة إلههم على الحلي والفخار ورسومات الحائط والتماثيل والاسطوانات واللوحات. في تل العبيد جرى العثور على رأس عجل من النحاس وعلى جبينه صورة هلال. من مدينة أور نجد لوحة Stela Ur-Nammu حيث تحتوي على قائمة بأسماء الآلهة ويعلوها القمر على اعتبار أن إله القمر هو رئيس الآلهة، بل ونجد خبز جرى تحضيره على شكل هلال تقديسا لإله القمر، في تل العبيد عثر على رأس ثور من النحاس على جبهته يظهر رسم الهلال. حضارة أور كانت مرتبطة بالقمر إلى درجة أننا نجد بعض الاسطوانات الطينية التي تطلق اسم نانا على إله القمر من تلك البدايات المبكرة. 

الباحث المشهور Sir Leonard Woolley عثر على معبد عبادة القمر في أور، كما عثر على العديد من الدلائل التي تدل على عبادة القمر في أور ومعروضة في المتحف البريطاني. في الخمسينات جرى التنقيب عن معبد كبير لعبادة القمر في مدينة هازير Hazer الفلسطينية. إضافة إلى ذلك جرى العثور على منحوتين إحداها لرجل وعلى صدره صورة هلال. الكتابة المرفقة بها توضح أنهم كانوا يعبدون القمر. العديد من المنحوتات الصغيرة جرى العثور عليها وكان يشار إليهم على أنهم بنات القمر. 

ولكن ماذا عن الجزيرة العربية؟ 
يشير البروفيسور Carleton Stevens Coon إلى أن المسلمين لم يكن لديهم الرغبة في إبقاء أي اثر للديانات الوثنية القديمة، وسعوا بقوة لمحي كل اثر لها، ولم يبق منها إلا ما لم يكن في متناول أيديهم. هذا الأمر نجد له صدى في كتب التراث الإسلامي حيث يقول أحد الأحاديث معترفا بشدة انتشار الأصنام حتى في منزل الرسول: 
حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏أبي إسحاق ‏ ‏عن ‏ ‏مجاهد ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ 
‏أن ‏ ‏جبريل ‏ ‏عليه السلام ‏ ‏جاء فسلم على النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فعرف صوته فقال ‏ ‏ادخل فقال إن في البيت سترا في الحائط فيه تماثيل فاقطعوا رءوسها فاجعلوها بساطا أو وسائد فأوطئوه فإنا لا ندخل بيتا فيه تماثيل (مسند احمد 7733) 

لسنوات عديدة كانت المملكة العربية السعودية ترفض البحث عن الآثار أو التعاون في مجال الآثار وعلى الرغم ذلك نجد أنه حتى آيات القرآن نفسها قدمت معاني تتطابق تماما مع المعطيات التاريخية التي بين أيدينا.. 

صورة

في القرن الثامن عشر وصل J. T. Arnaud, J. Halevy and E. Glaser وعثروا في حفرياتهم في جنوب الجزيرة العربية على آلاف القطع تعود لحضارات قديمة. في معبد القمر في مأرب، في مملكة السبأيين جرى العثور على Sabean Moon ولدى المعنيين والقطبانيين Minaean and Qatabanian وصل عنهم العديد من الكتابات عن عبادة القمر. في الأربعينات من القرن الماضي قام الأركيولوجيين G. Caton Thompson and Carleton S. Coon باكتشافات مذهلة في الجزيرة. في الخمسينات قام Wendell Phillips, W.F. Albright, Richard Bower بالعثور على مواقع أثرية في مناطق Qataban, Timna, and Marib, والأخيرة كانت عاصمة سبأ. بنتيجة هذه الاكتشافات جرى تجميع آلاف اللوحات والتماثيل الحجرية. منحوتات ومزهريات استخدمت من اجل طقوس تعظيم " بنات الله" تم العثور عليهم. تشير اللوحات إلى صور " اللات والعزة ومناة" إلى جانب أبوهم الله، الذي هو نفسه القمر متمثلا بصورة القمر فوقهم. كافة البراهين تشير إلى أن عبادة القمر كانت شائعة للغاية وعميقة الجذور في حضارات المنطقة بما فيه الجزيرة العربية. 

صورة

العهد القديم , Nabonidus (555-539 BC), يسرد لنا أن الملك الأخير لبابل قام ببناء تاياما في الجزيرة العربية لتصبح كعبة لعبادة القمر. ذكر سيغال: " في جنوب الجزيرة العربية كانت الديانة الرئيسية على الدوام عبادة القمر، الإله القمر، بمختلف أشكاله". الاسم القديم للإله القمر كان سين (نلاحظ أن عند المصريين أيضا كان اسمه سين)، ونرى أنه بقي جزء من تسمية الصحراء " سيناء". عندما تخلت الشعوب المجاورة عن عبادة القمر بقى العرب في صحراءهم مخلصين لربهم على أنه الإله الأكبر، أكبر الآلهة وأعظمها. وعلى الرغم من امتلاكهم 360 إلها آخر، جميعهم لهم موقعهم في الكعبة نجد أن الله (القمر) بقي سيد الآلهة وأكبرها. الكعبة كانت بيت الآلهة، جميع الآلهة، الأمر الذي جعلها تجذب احترام جميع العرب على اعتبار أن كل منهم، مهما كان الرب الذي يعبده، سيجد ربه له موضعا في كعبة قريش، وهو أمر كانت تفتقده بقية كعبات العرب وعدد ما وصل منها لعلمنا حوالي 22 كعبة. عام 1944 أشارت الباحثة G. Caton Thompson في كتابها إلى العثور على معبدا لعبادة الإله القمر The Tombs and Moon Temple of Hureidha, ويقع في جنوب الجزيرة. في هذا المعبد كانت تنتشر صور القمر (الهلال) وليس اقل من 21 كتابة تذكر اسم سين، إضافة إلى منحوتة أخرى يعتقد أنها لله القمر نفسه . هذه الأمر جرى تأكيده لاحقا من المزيد من الأركيولوجيين لاحقا. 

صورة

الأدلة تؤكد أن عبادة القمر كانت في كامل نشاطها في العصر المسيحي . والأدلة المجموعة من شمال وجنوب الجزيرة العربية تدل على أن عبادة القمر كانت أيضا وبكل وضوح في قمة نشاطها حتى في فترة محمد، حيث كانت لا تزال هي الديانة الأوسع انتشارا. حسب العديد من الكتابات القديمة فإنه وعلى الرغم من أن " سين" كان اسم إله القمر، إلا أن اسمه كان يسبقه تعبير " الإله" الأمر الذي كان يعبر عن رفعة منزلته بين الآلهة، وكانوا يرفعونه إلى رتبة رب الأرباب، وهو الأمر الذي لازال موجودا انعكاسه حتى اليوم في تعبير " الله اكبر". وتعبير " اقرأ وربك الأكرم"، وتعبير "أحسن الخالقين" وهي تعابير تفاضل بين الله وبقية الآلهة التي لا ترقى إلى مستوى الإله الأب. وكما أشار الباحث Coon فإن "إيله أو إله" كانت إحدى المراحل في الطريق إلى اسم الله الإسلامي الحالي. " الإله القمر كان يطلق عليه " ال إله" ليجري دمجه واختصاره لاحقا إلى تعبير واحد " الله" وهو أمر جرى قبل قدوم الإسلام". والوثنيين العرب أطلقوا اسم الله على أبناءهم، تماما كما كان الأمر مع اسم والد محمد " عبد الله"، على الرغم من أن الله ليس اسما من أسماء أهل الكتاب وبالتالي ليس منحدرا عن مصدر سماوي، ومع ذلك كان متداولا بين وثنيي الجزيرة مما يدل على أنه اسم من أسماء آلهة الوثنيين وحدهم. هذه الأمر يرجح انه كان الاسم الذي يطلق على القمر في عهد محمد، على اعتباره رب الأرباب أو المشار إليه بأنه "الأكبر". يؤكد Coon على أنه في عهد محمد وتحت رعايته أصبح الله شخصية منفصلة عن القمر وأصبح التعريف ال جزء لا يتجزأ من كامل اسمه ليصبح لا ينفصل عن اسمه السابق إله والذي كان مخصصا للقمر سين، هنا أصبح اسما لخالق أعظم منتزعاً عنه صفاته الأسبق. . 

هذه الوقائع تجيب على سؤال: لماذا لم يحتاج القرآن إلى تقديم تعريف لله أبدا؟ 

لماذا انطلق محمد من بديهية أن العرب الوثنيين يعرفون من هو الله الذي يعنيه؟ 

ولماذا كان العرب الوثنيين هم الذين يعرفون الله في حين أن أبناء الرسالات السماوية لا يعرفونه في كتبهم؟ 

محمد رفع من شأن الإله القمر الوثني تماما كما العرب الوثنيين، ولكنه تجاوز الوثنيين بخطوة. في الوقت الذي كان العرب يقدسون الله على أنه الأكبر بين الأرباب، أشار محمد إلى أنه ليس فقط الإله الأكبر والأكرم والأحسن ولكنه أيضا الأوحد. بمعنى آخر كان يقول لهم:" لازال الله الذي تعبدون هو إلهنا الأكبر، ولكني استبعد فقط زوجته وبناته وبقية الآلهة من العبادة، وهو أمر يدل على أنه أبقى لهم احد آلهتهم التي يعرفونها ، إلههم الأكبر بين بقية الآلهة المعلومة لهم، الإله القمر الذي يعرفوه جيدا، معترفا بأن " الله اكبر" من البقية، ولكن هذا الإله ليس إله أهل الكتاب". منه نتفهم كيف أن الله يوصف في الإسلام ليس بالله الكبير وإنما الأكبر ( الله اكبر)، والأحسن "فتبارك الله أحسن الخالقين" والأكرم " اقرآ وربك الأكرم". مثل هذا التفاضل لا يمكن إلا أن يكون بين آلهة، وبالتالي على خلفية تعدد الآلهة السابقة، ليصبح الله أفضلهم، في مسار محاولة إقناع الناس المتعددي الآلهة. البعض اليوم يحاول تفسير الأمر على أنها مقارنة بين الله والإنسان، في حين أن ذلك غير ممكن، بل ويموج بالإهانة لله، من حيث أن العظيم لا يمكن مقارنته بالمهين، الأعلى لا يمكن مقارنته بالأدنى إلا في معرض الاستهزاء. مثلا عندما نقول أن الأستاذ أحسن من تلاميذه فهذا يكون في معرض الإهانة للأستاذ، في حين أن نقول إنه أفضل وأحسن وأكرم من بقية الأساتذة فهذا يكون في المديح، والمقارنة الوحيدة الممكنة، فالمقارنة تكون من جنس المُقارن. من هنا لا يمكن أن تكون مقارنة لله مع البشر إلا في معرض الذم وهو أمر لا يجوز حكما. ومن المعلوم أن الوثنيين العرب لم يتهموا محمد بأنه يطالبهم بعبادة اله من خارج منظومة الآلهة التي يعبدونها، في حين أنهم لم يعبدوا إله أهل الكتاب. على هذه الخلفية يكون محمد قد حاول كسب الطرفين. من جهة قال للوثنيين أنه لا زال يؤمن بربهم إله القمر، في حين أنه يقول لليهود والنصارى أن الله هو ربهم أيضا. غير أن النصارى واليهود لم يقنعهم هذا المنطق ورفضوا مثل هذه الالتفافات واعتبروا الله إلها مزورا. 

صورة

الكندي، وهو أحد المسيحيين في العهد الإسلامي، انتبه إلى هذه المسألة حيث أشار إلى أن الله الإسلامي ليس مصدره الكتب السماوية لأهل الكتاب وإنما جاء عن طريق الوثنيين السبأيين القادمين من اليمن. بناء على ذلك تكون طقوس المسلمين موجهة ليس إلى اله أهل الكتاب وإنما إلى إله القمر، أبو اللات والعزة ومناة. يكتب الدكتور نيومان في كتابه:" لقد ظهر أن الإسلام دين منفصل، نمى مباشرة عن عبادة القمر". يقول قيصر فرح:" لهذا السبب لا يوجد أي سبب لقبول فكرة أن الله الإسلامي قد جاء للمسلمين عن طريق النصارى واليهود". العرب عبدوا إله القمر على أنه رب الأرباب، ولكن هذا الرب لم يكن رب اليهود. وفي الوقت الذي كان هذا الإله هو الأعظم كان لا يزال واحد من عشرات في مملكة الآلهة التي جرى تصويرها على شاكلة ممالك الإنسان. ولذلك فعندما يقوم الإنسان بعبادة القمر باعتباره الإله الأكبر والأكرم والأحسن تنعدم الإمكانية للعودة إلى القول أن هذا الإله ليس اله وثني قبل الإسلام لمجرد أنهم كانوا يعتبرونه الأكبر بين آلهتهم المتعددة. على العكس نجد أن الإسلام، وعلى الرغم من اعتباره أن الإله القمر هو الإله الأوحد إلا أنه أبقى على مملكة هذا الإله، تماما على صورتها القديمة التي يسوقها الوثنيين الأوائل، فتظهر لنا وثنية على شاكلة ممالك الإنسان، وليبقى العديل الوحيد هو إلغاء تعدد مراكز السلطة في هذه المملكة حتى لا تختلف الآلهة على العرش،الذي عليه استوى، تماما على ذات نمط ممالك الرومان والفرس المركزية، وبذات العقلية التي كانت لملوك ذلك العصر، حيث الله يستخدم ذات الطرق البيروقراطية وله ذات الأهداف : السعي للسلطة والتسلط والمحافظة على العرش وإبقاء الرعية عبيدا.. 

هل يصبح بعد ذلك من الغريب أن نفهم لماذا يكون شعار الإسلام والمسلمين الذي يرتفع على منارات المساجد هو الهلال تحديدا؟ 

لماذا يكون مقبولا أن الإله الهلال يرفرف على أعلام الدول الإسلامية وأحيانا إلى جانبه إحدى بناته من النجوم؟ 

لماذا يكون التقويم الإسلامي قمري، والطقوس المقدسة اعتمادا على القمر؟ 

الخلاصة 
من هنا نرى أن العرب الوثنيين كانوا يعبدون الإله القمر (الله)، من خلال الدعاء إليه موجهين وجههم إلى الكعبة، وبالحج السنوي والدوران حول الكعبة. وتقبيل الحجر الأسود وتقديسه والتضحية إلى الله وقذف الجمرات والصيام شهر رمضان وتحريم الحرب في الأشهر الحرم وتقديم الصدقات إلى الفقراء. هذه الطقوس أبقاها الإسلام من عبادة الإله القمر، وأبقى اسم الإله الذي تتوجه الطقوس إليه. بهذا يكون الإسلام عبارة عن إعادة بناء الموروث الميثالوجي وتقديمه بصورة جديدة. القول إنه امتداد لدين أهل الكتاب، أمر لا تدعمه الوقائع، على الرغم من أن عملية إعادة البناء استفادت من معتقدات أهل الكتاب (بما فيهم الزرادشتية والصابئة) وورثت عنهم بضعة من أساطيرهم، غير أنه كان عملية إحياء رائعة للتراث التاريخي الوثني للعرب، من اجل صهر مكوناته للاستفادة منه في ولادة الأمة الجديدة، وإبرازه بصورة مقبولة وقادرة على منافسة ديانات القوى العظمى.. 

صورة

حاشية أولى
هناك العديد من الدلائل الأخرى على بقاء آثار التعدد في الديانة الإسلامية، إحدى هذه الدلائل هو تعبير " بسم الله الرحمن الرحيم"، وهو أمر سيثير الاستغراب لدى العديدين. رسائل البطاركة الأنطاكيين السريانيين تبدأ بهذه البسملة قبل الإسلام بستمئة عام. غير أنهم يكتبونها بتغييرات طفيفة حيث تكون بالسريانية بالتعبير التالي: " بشم ألوهة رحمانو رحيمو". 
وترجمتها من السريانية إلى العربية تعطي معاني مختلفة. بشم هي ذاتها بسم، حيث تكون السين شين في السريانية. غير أن ألوهة هي اسم الإله العبري وتقترب من التعبير العربي اللهم. 
رحمانو؟ رحمو تعني بيت الرحم أو رحم المرأة وتشير إلى التجسد كما قال يوحنا في إنجيله " وصارت الكلمة جسدا" في حين أن النون هي حرف التعريف في اليمن. 
رحيمو هو الروح القدس. 
فهل تكون " بسم الله الرحمن الرحيم" هي ذاتها التي تستخدم لتمجيد الثالوث المقدس لدى المسيحيين!!. في ذات الوقت كان الرحمن هو اله اليمن " رحمن اليمامة" وهي كلمة عبرانية كما قال الرازي في حين أن الرحيم عربية. 

حاشية ثانية
العرب لم يكونوا يعرفون البسملة الإسلامية - ولكنهم كانوا يعرفون اللهم وهو أقرب اسم إلى إيلوهيم - وقد وافقهم محمد على عاداتهم إذ جاء في فتح الباري بشرح صحيح البخاري : ذكره أنس عن النبي ص 
وْله : ( فَلَمَّا كُتِبَ الْكِتَاب ) ‏ ‏كَذَا هُوَ بِضَمِّ الْكَاف مِنْ كُتِبَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ , وَلِلْأَكْثَرِ كَتَبُوا بِصِيغَةِ الْجَمْع , وَتَقَدَّمَ فِي الْجِزْيَةِ مِنْ طَرِيق يُوسُف بْن أَبِي إِسْحَاق عَنْ أَبِي إِسْحَاق بِلَفْظِ " فَأَخَذَ يَكْتُب بَيْنَهُمْ الشَّرْطَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب " وَفِي رِوَايَة شُعْبَة " كَتَبَ عَلِيّ بَيْنهمْ كِتَابًا " وَفِي حَدِيث الْمِسْوَر " قَالَ فَدَعَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَاتِب فَقَالَ : اُكْتُبْ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم , فَقَالَ سُهَيْل . أَمَّا الرَّحْمَن فَوَاَللَّهِ مَا أَدْرِي مَا هُوَ , وَلَكِنْ اُكْتُبْ بِاسْمِك اللَّهُمَّ كَمَا كُنْت تَكْتُب , فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ لَا نَكْتُبهَا إِلَّا بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اُكْتُبْ بِاسْمِك اللَّهُمَّ " وَنَحْوه فِي حَدِيث أَنَس بِاخْتِصَارِ وَلَفْظه " أَنَّ قُرَيْشًا صَالَحُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ سُهَيْل بْن عَمْرو , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ : اُكْتُبْ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم , فَقَالَ سُهَيْل : مَا نَدْرِي مَا بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم , وَلَكِنْ اُكْتُبْ مَا نَعْرِف : بِاسْمِك اللَّهُمَّ " وَلِلْحَاكِمِ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن مُغَفَّلٍ " فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اُكْتُبْ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم , فَأَمْسَكَ سُهَيْل بِيَدِهِ فَقَالَ : اُكْتُبْ فِي قَضِيَّتِنَا مَا نَعْرِف , فَقَالَ : اُكْتُبْ بِاسْمِك اللَّهُمَّ , فَكَتَبَ " . 

حاشية ثالثة
في اليهودية اسم من يجب عبادته هو يهوَه (יְהֹוָה لكنها تقرؤ أدوناي، هاشِم بالعبرانية الحديثة؛ أدونوي، هاشِيْم بالأشكنزية وشيما بالسامرية). تقول ترجمة العالم الجديد في إشعياء 8:42:‏ «أنا يهوَه. هذا اسمي». وذكر هذا الاسم أول مرة في الكتاب المقدس في (سفر الخروج-الإصحاح الثالث )<15وَقَالَ \للهُ أَيْضاً لِمُوسَى: «هَكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: يَهْوَهْ إِلَهُ آبَائِكُمْ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلَهُ إِسْحَاقَ وَإِلَهُ يَعْقُوبَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ. هَذَا \سْمِي إِلَى \لأَبَدِ وَهَذَا ذِكْرِي إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ> وترجمة الكلمة تعني( يسبِّب أن يصير). 

حاشية رابعة
وفي هذا الصدد نرى أن القرآن قد ذكر كلمة " يسن" وقد اختلفوا في تفسيرها ولكن أحد تفسيراتها تتكلم عن كونها اسم إله، الأمر الذي يربطها مباشرة بالإله سين (إله القمر) وهو أمر (مهما كانت درجة صحته) تدل على معرفة عرب عصر محمد بهذا الاحتمال، مما يجعل القرآن ممتلئ بالمصادفات التي تتوافق مع الديانات الوثنية القديمة..
في تفسير القرطبي عن آية ياسين يقول:
... قرأ أهل المدينة والكسائي "يس والقرآن الحكيم" بإدغام النون في الواو. وقرأ أبو عمرو والأعمش وحمزة "يس" بإظهار النون. وقرأ عيسى بن عمر "يسن" بنصب النون. وقرأ ابن عباس وابن أبي إسحق ونصر بن عاصم "يسن" بالكسر. وقرأ هارون الأعور ومحمد بن السميقع "يسن" بضم النون; فهذه خمس قراءات. ..
وقال أبو بكر الوراق: معناه يا سيد البشر. وقيل: إنه اسم من أسماء الله; قال مالك. روى عنه أشهب قال: سألته هل ينبغي لأحد أن يتسمى بياسين؟ قال: ما أراه ينبغي لقول الله: "يس والقرآن الحكيم" يقول هذا اسمي يس. قال ابن العربي هذا كلام بديع, وذلك أن العبد يجـوز له أن يتسمى باسم الرب إذا كان فيه معنى منه; كقوله: عالم وقادر ومريد ومتكلم. وإنما منع مالك من التسمية بـ "يسين"; لأنه اسم من أسماء الله لا يدرى معناه; فربما كان معناه ينفرد به الرب فلا يجوز أن يقدم عليه العبد. فإن قيل فقد قال الله تعالى: "سلام على إل ياسين" [الصافات: 130] قلنا: ذلك مكتوب بهجاء فتجوز التسمية به, وهذا الذي ليس بمتهجى هو الذي تكلم مالك عليه; لما فيه من الإشكال; والله أعلم. ... وقال الشعبي: هو بلغة طي. الحسن: بلغة كلب. الكلبي: هو بالسريانية فتكلمت به العرب فصار من لغتهم. وقد مضى هذا المعنى في [طه] وفي مقدمة الكتاب مستوفى....

وفي تفسير ابن كثير نجد إلى جانب اجتهادات أخرى الاجتهاد التالي:
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما وعكرمة والضحاك والحسن وسفيان بن عيينة أن يس بمعنى يا إنسان وقال سعيد بن جبير هو كذلك في لغة الحبشة وقال مالك عن زيد بن أسلم هو اسم من أسماء الله تعالى. 

حاشية سادسة
{‏أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى‏}. النجم. 26 وهي آية تشير إلى احتجاج الله على نسب البنات (وحدهن) إليه، في حين كانت اللات والعزة ومناة تنسب تاريخيا إلى إله القمر وربة الشمس، وهو ينفي عن نفسه اتخاذه زوجة (مؤنثة تحديدا) وأولاد فيقول: (الجن،3) وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولداً وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا. ويؤكد ذلك في مرات فيقول متسائلا ( من جديد على لسان شخص ثالث(!)): :"(الأنعام، 151) ....أنى له ولد ولم تكن له صاحبة... مما يجعله يمثل دور الذكر الذي لعبه إله القمر. 

حاشية سابعة
في القرآن نجد آيات تحريم عبادة الشمس والقمر يقول القرآن: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }فصلت37 وهو أمر يؤكد وجود تأليه القمر والشمس. مما يدل على أن الإسلام اكتفى بفك الارتباط بين القمر واسم الله وأعاد تركيب مفهوم الله. 

حاشية سابعة
وتفسير آية (وأنه هو رب الشعرى) في القرطبي تظهر بوضوح عبادة العرب للنجوم. ويحاول القرآن التنبيه إلى أن الله إلها بذاته لا علاقة له بالنجوم، وان النجوم مجرد عبيد لله ، يسجدون لله مثلهم مثل الإنسان وليست آلهة إلى جانبه أو بناته أو أنه إله ذو طبيعة مثلهم، كما كان يعتقد العرب، إذن القول بسجود النجوم والشمس والقمر هو برهان القرآن على أن الله هو الإله، وأنه إله مستقل عن الأجسام السماوية. وزيادة في التأكيد أضاف القرآن سجود الأشجار إلى سجود النجوم حتى يكون البرهان أكثر إقناعا.. والنجم والشجر يسجدان (الرحمن 6) وفي تفسير رب الشعرى يقول الطبري: " الشعرى الكوكب المضيء الذي يطلع بعد الجوزاء ، وطلوعه في شدة الحر ، وهما الشعريان العبور التي في الج وزاء والشعرى الغميصاء التي في الذراع ; وتزعم العرب أنهما أختا سهيل .وإنما ذكر أنه رب الشعرى وإن كان ربا لغيره ; لأن العرب كانت تعبده ; فأعلمهم الله جل وعز أن الشعرى مربوب ليس برب . واختلف فيمن كان يعبده ; فقال السدي : كانت تعبده حمير وخزاعة . وقال غيره : أول من عبده أبو كبشة أحد أجداد النبي صلى الله عليه وسلم من قبل أمهاته، ولذلك كان المشركون في قريش يسمون النبي صلى الله عليه وسلم ابن أبي كبشة حين دعا إلى الله وخالف أديانهم ; وقالوا : ما لقينا من ابن أبي كبشة ! 
وقال أبو سفيان يوم الفتح وقد وقف في بعض المضايق وعساكر رسول الله صلى الله عليه وسلم تمر عليه : لقد أمر ابن أبي كبشة . وقد كان من لا يعبد الشعرى من العرب يعظمها ويعتقد تأثيرها في العالم ، قال الشاعر : 
مضى أيلول وارتفع الحرور وأخبت نارها الشعرى العبور
وقيل : إن العرب تقول في خرافاتها : إن سهيلا والشعرى كانا زوجين ، فانحدر سهيل فصار يمانيا ، فاتبعته الشعرى العبور فعبرت المجرة فسميت العبور ، وأقامت الغميصاء فبكت لفقد سهيل حتى غمصت عيناها فسميت غميصاء لأنها أخفى من الأخرى" . 

في تفسير ابن كثير يقول: قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد وغيرهم هو هذا النجم الوقاد الذي يقال له " مرزم الجوزاء" كانت طائفة من العرب يعبدونه. 

حاشية ثامنة
على الرغم من سعي الرسول الحثيث لفصل الله عن الأجرام السماوية، إلا أن عبادة القمر والشمس بقيت مؤثرة على الرسول نفسه. جاء في صحيح مسلم، كتاب الكسوف، باب ما عرض على النبي (ص) في صلاة الكسوف: (كسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ففزع فأخطأ بدرع حتى أدرك بردائه بعد ذلك) ويعني ذلك أنه لشدة سرعته أراد أن يأخذ ردائه فأخذ درع بعض أهل البيت سهوا ، حسب النووي في محاولة لتبرير الأمر، في كتاب شرح صحيح مسلم للنووي. واعتمادا على هذه الأحاديث يوصي علماء المسلمين بضرورة " الخوف من الخسوف والكسوف" ليكون المسلم على سنة رسوله. ويستعرض بن عثيمين في أحد إجاباته العديد من الآثار النبوية في شأن خوف النبي من ظاهرة الخسوف والكسوف فيقول: قال حين كسفت الشمس فيما ثبت عنه في الصحيحين وغيرهما: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده، وأنهما لا ينكسفان لموت أحد من الناس، فإذا رأيتم منها شيئاً فصلوا وادعوا الله حتى يكشف ما بكم"، وفي حديث آخر عند البخاري: "هذه الآيات التي يرسلها الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكن يخوف الله بها عباده، فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فافزعوا إلى ذكر الله تعالى ودعائه واستغفاره"، وفي حديث آخر: "فافزعوا إلى الصلاة"، وفي حديث آخر: "فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا"، وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعتاقة في كسوف الشمس، فهذه سبعة أشياء أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها عند الكسوف وكلها ثابتة في صحيح البخاري وهي:
1 - الصلاة.
2 - الدعاء.
3 - الاستغفار.
4 - التكبير.
5 - الذكر.
6 - الصدقة.
7 - العتق.

وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم فزعاً، وعرض عليه في مقامه ما قال عنه: "ما من شيء كنت لم أره إلا قد رأيته في مقامي هذا، حتى الجنة والنار، ولقد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور"، ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر.

ولقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الكسوف على وجه لا نظير له في كيفيته وطوله، وكل هذا يدل على أهمية شأن الكسوف من الناحية الشرعية، وأن هناك سبباً لحدوثه لا تدركه العقول، ولا يحيط به الحساب وهو تخويف الله تعالى عباده، ليحدثوا توبة إليه ورجوعاً إلى طاعته. 

حاشية تاسعة 

جاء في كتاب الشيخ خليل عبد الكريم (الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية، سينا للنشر، ط 2، ص21): "على الرغم من وجود إحدى وعشرين كعبة ـ قبل الإسلام ـ في جزيرة العرب فإن القبائل العربية قاطبة أجمعت على تقديس (كعبة مكة) وحرصت اشد الحرص على الحج إليها، يستوي في ذلك من القبائل من كانت لديه كعبة خاصة مثل غطفان أم لا... بل أن الأخبار وردت أن عدداً من القبائل انتشرت بين أبنائها اليهودية والنصرانية ومع ذلك كانت تشارك في موسم الحج، ومن شدة تقديسهم الكعبة أن الرجل منهم كان يرى قاتل أبيه في البيت الحرام فلا يمسه بسوء..". 

- الله القمر الأكبر
ALLAH -THE MOON GOD:http://users.hubwest.com/prophet/islam/moongod.htm

Arkeologiska fynd bevisar Allahs ursprung:http://www.sanningenomislam.se/artikel.asp?artID=11
Problems of the Biblical Story of the Exodus:http://www.konkyo.org/English/SolvingTheMysteriesOfTheExodus
- خلق جنة عدن http://www.dhushara.com/book/orsin/origsin.htm
- خلق جنة عدن 3 - http://www.dhushara.com/book/orsin/orsin3.htm
- رد إسلامي على الموضوع: http://www.islamic-awareness.org/Quran/Sources/Allah/moongod.html
- إنسكلوبيديا العالمhttp://www.newworldencyclopedia.org/entry/Leonard_Woolley
- أور وآثارهاhttp://www.odysseyadventures.ca/articles/ur%20of%20the%20chaldees/ur_article.htm
- الرابطة البريطانية اليمنية للآثار http://www.al-bab.com/bys/articles/phillips96.htm
- معلومات من المتحف البريطانيhttp://www.britishmuseum.org/explore/highlights/highlight_objects/me/c/calcite_gravestone_with_woman.aspx
- معبد مأرب http://www.afsm.org/review/expeditions/exp_over.asp
- موسوعة تاريخ أقباط مصرhttp://www.coptichistory.org/new_page_199.htm
- الأصنام في القرآن http://www.coptichistory.org/new_page_293.htm
- تفسير "وأنه هو رب الشعرى"http://islamweb.net/newlibrary/display_book.php?flag=1&bk_no=48&surano=53&ayano=49
- ضرورة الخوف من الخسوف والكسوف http://almoslim.net/node/97990
- ابن عثيمين عن الخسوف والكسوف http://www.islamway.com/?iw_s=Fatawa&iw_a=view&fatwa_id=17275
- الموسوعة اليهودية عن اسم الإلهhttp://www.jewishencyclopedia.com/view.jsp?artid=165&letter=T

التاريخ العربي القديم – نيلسون ص 259 وما بعدها ترجمة فؤاد حسنين نشر دار الثقافة القاهرة 1958 
تاريخ العرب قبل الإسلام د/ سعد زغلول عبد الحميد أستاذ التاريخ الإسلامي والحضارة بكلية الآداب جامعة الإسكندرية وجامعة بيروت – دار النهضة العربية للطباعة والنشر بيروت سنة 1976م ص 23 

جاء في (دائرة المعارف البريطانية، ج 1، ص 1058:1057)
"كان العرب في جنوب الجزيرة العربية يعبدون ثالوثا هو: (الإله القمر، والإلهة الشمس، وأشتار الابن) وكان الإله الأكبر في هذا الثالوث هو الإله القمر. وكان الناس في كل الأنحاء يعتبرون أنفسهم ذريته".

أكد د. سيد محمود القمني في كتابه (الأسطورة في القرآن ص 4ـ11) يقول: "كان أيضا من أسماء إله القمر عند العرب السبأيين هو "إل مقة" التي تترجم إلى اللغة العربية "الله رب البيت الحرام الموجود في مكة"
يذكر القمني في كتابه (إله القمر ص 11) "كان (الله) إله القمر مذكر، وكانت زوجته (إللات) وهي الشمس، وكان لهما ابن هو (عشتر، أو الزهرة). 

ترجمة بالتصرف

ترجمة خالق محجوب