«يمكن أن نلحظ من خلال آيات القرآن التي تنتمي إلى الفترة المكية الأولى تشنجَ النبي المثير، والذي غالباً ما كان يعبر عن نفسه باتقاد شديد. كان يُؤخذ بانفعالاته لدرجة تمنعه من اصطفاء كلماته؛ أو بالأحرى كانت تلك الكلمات تنفجر منه. إن العديد من هذه الآيات يذكرنا بوحي الكهّان الوثنيين القدماء...»
ثيودور نولدكه(1)
تمهيد:
تقول زبراء: «واللّيل الغاسق/ واللّوح الخافق/ والصباح الشارق/ والنجم الطارق/ والمزن الوادق/...(2)»، ويقول محمّد في القرآن: «والسماء والطارق/ وما أدراك ما الطارق/ النجم الثاقب/...فلينظر الإنسان مما خلق/ خلق من ماء دافق...» [الطارق: 1-3]. بينما نجد أنّ النص الأول ينطلق من موقع "الكهانة" الأنثوي، نجد أنّ النص الثاني ينطلق من موقع "النبوة" الذكري(3). وبغض النظر الآن عن التقاطع في اشتراك النصين في استعمال مفردات محددة ونفسها عند محمّد والكاهنة زبراء، فإنّنا هنا مع هذين النصين أمام مستويين:
الأول: مستوى الشكل الذي صيغت به مفردات النصين، أي الشكل السجعي.
أما المستوى الثاني: التداخل بين النصين على مستوى المضمون، أي تداخل النص المحمدي مع النص الكهاني من الناحية الليتوروجية (الشعائرية) والعقائدية: الكاهنة زبراء تبدأ خطابها بالقَسَم باللوح، الليل، النجم الطارق، وكذلك محمد يبدأ خطابه بالقسم بالسماء، النجم الطارق، والذي يوضحه بأنه النجم الثاقب. هذان المستويان، هما ما ستحاول هذه العجالة درسهما: النصّ الكهاني وتقاطعه مع النصّ المحمدي، وخاصة في بواكيره المكّية.
إذا كان الجزء الأول من هذا المقال سيكون انشغاله منصباً على تحديد مفهوم السجع وضرورته، بوصفه العصب الرئيسي لكينونة أسلوب القرآن، ومدى تقاطع هذا مع أساليب الكهان، فإنّ الجزء الثاني سيناقش بعضاً من هذه الأساليب الكهانية السجعية، وتحديداً الأقسام الوثنية (الأيمان الكهانية الوثنية
التي سيطرت على خطاب محمد الباكر في قرآنه
المكي، كما هو الحال في خطابات الكهان.
أما الجزء الثالث، فإنه سيُعنى بمناقشة نتائج ما سيُدرس تالياً (السجع والوحي الكهانيّان على وجه الخصوص)، لذا سيبدأ مناقشته بطرح تساؤل: محمد: نبي أم كاهن؟ تأسيساً على ما سندرسه لاحقاً.
ليس من حاجة إلى تأكيد أنّ القرآن قد تشكل ضمن سياق الثقافة التي كانت سائدة مع مستهل القرن السابع الميلادي. وهكذا، لا بد أن يتسم القرآن بخصوصيات اللغة التي حضنته سواء من حيث الشكل اللغوي أو الوظائف الاجتماعية للغة، زائداً عليها الاستحقاقات التاريخية والاقتصادية والسياسية...الخ.
فلا يمكننا أن نفهم الخطاب المحمدي في بواكيره إلا من خلال "الشيفرة"، أي المستوى اللغوي، الذي تشكل من خلالها الخطاب، وبالتالي النص، والذي سيقوم بدوره بنقل المحددات الليتوروجية والعقائدية للثقافة (الحاضن الرئيسي) التي أولدته للوجود، ككائن يعبر عن نسيج علاقاتي منظم للبراكسيس الاجتماعيّ (ماركس)، وذلك بواسطة الناقل لها، أي محمّد. وإذا كان هذا الكلام يبدو أنه مشروع ضخم في الكشف عن استحقاقاته –وهو كذلك- فإننا سنكتفي تالياً وبنحو سريع بعض الشيء، بالمستوى اللغوي السجعي الكهاني ودرس التقاطعات المفصلية بينه وبين بعض الخطاب المحمديّ.
لم يقف مكر التأسيس للخطاب الإسلامي بإقامة التفاضل بين الموقعين لصالح النص الذكري المحمدي الثاني، بل النص الكهاني الأول ينتمي إلى "الهامش" الجاهلي (الذي توحي به الشياطين)، في حين أن النص الثاني ينتمي إلى "المتن" المحمّدي (والذي توحي به الآلهة)!. إن درس العلاقة بين النصين، أو التشابك الدلالي وقوة التناص يينهما هو ما سيحدد لنا –على الأقل، على مستوى شكل الخطاب- مدى التداخل بين الموقعين، أي تداخل الكهانة مع النبوة، ولكن دائماً في السياق العربي، وهو السياق الذي ألزمت فيه هذه المقالة نفسها الخوض فيه. ولكي أكون أكثر وضوحاً، ستحاول هذه العجالة قدر الإمكان إعادة الاعتبار من الناحية النقدية إلى النص الهامشي، أو بالأحرى النص السجعي، والمخصيّ بفعل سلطة النص الإسلامي ومن ثم درس قوته التي كانت أحد المناهل المحمدية في مكة. وحينما نستخدم كلمة تداخل، نعني بوجه آخر زحزحة أو خلخلة المفهوم الذي استقر في الثيولوجيا الإسلامية بما يخص القطع الإيديولوجي الماكر بين مرحلتين:
المرحلة المحمدية و المرحلة الما قبل محمّديّة (الجاهلية وفق المفهوم القرآني).
أما الجزء الثالث، فإنه سيُعنى بمناقشة نتائج ما سيُدرس تالياً (السجع والوحي الكهانيّان على وجه الخصوص)، لذا سيبدأ مناقشته بطرح تساؤل: محمد: نبي أم كاهن؟ تأسيساً على ما سندرسه لاحقاً.
ليس من حاجة إلى تأكيد أنّ القرآن قد تشكل ضمن سياق الثقافة التي كانت سائدة مع مستهل القرن السابع الميلادي. وهكذا، لا بد أن يتسم القرآن بخصوصيات اللغة التي حضنته سواء من حيث الشكل اللغوي أو الوظائف الاجتماعية للغة، زائداً عليها الاستحقاقات التاريخية والاقتصادية والسياسية...الخ.
فلا يمكننا أن نفهم الخطاب المحمدي في بواكيره إلا من خلال "الشيفرة"، أي المستوى اللغوي، الذي تشكل من خلالها الخطاب، وبالتالي النص، والذي سيقوم بدوره بنقل المحددات الليتوروجية والعقائدية للثقافة (الحاضن الرئيسي) التي أولدته للوجود، ككائن يعبر عن نسيج علاقاتي منظم للبراكسيس الاجتماعيّ (ماركس)، وذلك بواسطة الناقل لها، أي محمّد. وإذا كان هذا الكلام يبدو أنه مشروع ضخم في الكشف عن استحقاقاته –وهو كذلك- فإننا سنكتفي تالياً وبنحو سريع بعض الشيء، بالمستوى اللغوي السجعي الكهاني ودرس التقاطعات المفصلية بينه وبين بعض الخطاب المحمديّ.
لم يقف مكر التأسيس للخطاب الإسلامي بإقامة التفاضل بين الموقعين لصالح النص الذكري المحمدي الثاني، بل النص الكهاني الأول ينتمي إلى "الهامش" الجاهلي (الذي توحي به الشياطين)، في حين أن النص الثاني ينتمي إلى "المتن" المحمّدي (والذي توحي به الآلهة)!. إن درس العلاقة بين النصين، أو التشابك الدلالي وقوة التناص يينهما هو ما سيحدد لنا –على الأقل، على مستوى شكل الخطاب- مدى التداخل بين الموقعين، أي تداخل الكهانة مع النبوة، ولكن دائماً في السياق العربي، وهو السياق الذي ألزمت فيه هذه المقالة نفسها الخوض فيه. ولكي أكون أكثر وضوحاً، ستحاول هذه العجالة قدر الإمكان إعادة الاعتبار من الناحية النقدية إلى النص الهامشي، أو بالأحرى النص السجعي، والمخصيّ بفعل سلطة النص الإسلامي ومن ثم درس قوته التي كانت أحد المناهل المحمدية في مكة. وحينما نستخدم كلمة تداخل، نعني بوجه آخر زحزحة أو خلخلة المفهوم الذي استقر في الثيولوجيا الإسلامية بما يخص القطع الإيديولوجي الماكر بين مرحلتين:
المرحلة المحمدية و المرحلة الما قبل محمّديّة (الجاهلية وفق المفهوم القرآني).
إلا أنّ المكر الإسلامي ومعه بعض الخطابات الحديثة لم يقف الأمر
عندهم عند هذا الحد في عملية إقصاء النص الماقبل محمدي، فالآن تستخدم بعض الدراسات
الحديثة مصطلح "النص التأسيسي" للإشارة إلى القرآن، وذلك في مقابل
استخدام مصطلح "النصوص الثانوية" الأخرى التي نمت عبر التاريخ الإسلامي
مثل نصوص الفقه والتفسير والحديث...الخ، بينما نجد أن النصوص الأدبية الأخرى وحتى
النصوص الليتورجية، وخاصة الكهانية ما زالت عندهم في حكم الغائب والمهمش لصالح
النص القرآني، الذي دائماً ما يكون التركيز عليه فقط؛ وهذا يعتبر بحد ذاته إقصاء
للاستحقاق التاريخي للنص. لا وبل الأنكى من ذلك، أن يُحاكم النص الكهاني بمعيار
الصحة والخطأ، حدوثه أو عدم حدوثه...الخ، الأمر الذي أدى بالنص الكهاني أن يغدو
بمثابة النص الممزق، النص الهامشي، النص المخصي، النص الذي أوحت به شياطين العرب!
وهذا مع تجاهل شبه تام أنّ كلا النصين يعبر عن وضع مخيالي لثقافة العربي حينها،
سواء نطق به النص المحمدي أو غير المحمدي.
سيجيب محمد شعبَ قريش حينما يتهمونه بالكهانة، بأن خطابه القرآني ليس: «بقول كاهن» [الحاقة69: 42]. حسناً، هل انتهت المشكلة بهذا النفي؟ ما هي القيمة المعرفية والتاريخية لهذا الإنكار؟ بمعنى آخر كيف نتعامل نقدياً مع مثل هكذا نص جدالي (مماحكة بين طرفين)؟ وهل يشكل النص القرآني هنا "وثيقة تاريخية" يمكن الركون إليها والاطمئنان إلى نتائجها بأن محمداً ليس كاهناً؟ هل لمجرد أن ينفي الإنسان عنه تهمة ما، أن يصبح معفياً من استحقاق الاتهام(4)؟ نعم، يعتبر هذا النص وثيقة تاريخية مهمة (ولكن ليس بالمعنى الكامل) في قراءة نفي محمد عنه تهمة الكهانة، ولكن إلى أي مدى يمكن الاطمئنان إلى حجية هذا النفي، وخاصة حينما يتموضع خطابه القرآني بنحو تاريخي؟ هنا تكمن مهمة النقد التاريخي والفيلولوجي في مقاربة وتحليل النصوص.
لا بد أن نعلم أنّ الخطاب يحمل دائماً وجهاً مزيفاً، والنقد التاريخي لا يكتفي بالأوصاف أو النتائج التي يحاول الخطاب أو صاحب الخطاب أن يفرضها على المتلقي. إنَّ من مهمته أن يحفر في هذا الخطاب، ويستجلي أبعاده التاريخية القارة في بنيته من الداخل على ضوء النافذة السوسيولوجية والتاريخية التي مارسها الخطاب داخلها.
ما ينبغي التشديد عليه ونحن نقرأ بواكير الخطاب المحمدي في المراحل المكية الأولى، أنه لم يُشر ولا في أي سورة إلى الأصل الإلهي لقرآنه، بخلاف المنطق الاعتيادي الذي يقتضي أولاً الإشارة إلى أصل الخطاب، ومن ثم الشروع به. وهذه الناحية لم ينتبه إليها إلا القليل من المستتشرقين (ويلش مثلاً). يستمر هذا الوضع تقريباً إلى ما بعد حدث الآيات الإبليسية، فهناك تبدأ الإشارة إلى أن محمداً بدأ يمتلك أو يتخيل رؤى من آلهة ما (انظر أوائل سورة النجم) حوالي سنة /614 أو 615م. وهذا عائد إلى غموض تصور الآلهة عند محمد، أو حتى العالم الماورائي بشكل عام. لن تكون الآلهة هي المتكلم، بل محمد نفسه هو المتكلم، وإذا ما أشير إلى الآلهة، فإنه سيشار إليها لا بصيغة «الله»، وإنما بصيغة الرب(5)، ومن جهة أخرى هذا عائد أيضاً إلى التخبط في تصور الآلهة عند عرب محمد، كما سنلاحظ هذه النقطة في موضوعنا الحالي عند الكهنة وهم يبدعون سجعهم.
أحب في البداية أن أشير إلى نقطة هامة، وهي أننا لا نملك تاريخاً دقيقاً لبداية الخطاب المحمدي القرآني في مكة. ما نملكه هو مجرد رقم أسطوري، يتبناه إلى الآن الخطاب الإسلامي الأورثوذوكسي (أي: سنّه "أربعون")، وكان محمد قد اقتبسه من اليهود في يثرب. إلى إي مدى يعتبر كلام محمد دقيقاً من الناحية التاريخية حينما يصرح أنه ابتدأ وحيه عندما كان عمره أربعين؟. أعتقد أنه لا بد من نقد هذا الرقم الأسطوري الذي اقتبسه واعتقد به. لقد اتفق معظم الإسلاميين (ومعهم بعض النقاد المعاصرين) أن "الأنبياء يُبعثون على رأس أربعين"، ومحمد ليس استثناء من ذلك، فقد بعث هو الآخر حينما كان عمره أربعين سنة!. وتبدو هذه الفرضية الإسلامية شبه متفق عليها. لكن التمحيص فيها قليلاً، سيثير شكوكاً صريحة بها، فلا يصح بالتالي أخذها كـ حقيقة مطلقة. طبعاً الرقم أربعون مثله مثل الأرقام الأسطورية والخرافية الأخرى التي اكتسبت عند الساميين مرتبة مقدسة كـ الرقم سبعة، سبعين، تسعة وتسعين...الخ (غالباً ما تكون هذه الأرقام مفردة لا زوجية). إذن، لا يمكن إخراج الرقم أربعين من ضمن لائحة الأرقام هذه، والتي تحمل ظلالاً ساميّة مقدسة. يقول الرب في العهد القديم: «لأني بعد سبعة أيام أُمطر على الأرض أربعين يوماً وأربعين ليلة» [التكوين7: الإصحاح السابع]. وكذا: «وكان إسحق ابن أربعين سنة لما اتخذ لنفسه زوجة» [التكوين25: الإصحاح الخامس والعشرون]. ولا يقف الأمر عند هذا، فكما أوحي لموسى وهو ابن أربعين سنة، كذلك سيستعيد محمد الشبق المقدس لهذه الأسطورة. هكذا يكون الناس في حالة من الجاهلية وهم يحملون ذنوبهم إلى أن يظهر الرب لموسى بكلامه:
«تحملون ذنوبكم أربعين سنة فتعرفون ابتعادي، أنا الرب قد تكلمت»! [العدد14: 34-35]. من هنا ندرك دلالة إشارة محمد، إلى أنه قبل أن تظهر له أرواح الرب على الجبل (حراء)، كان العالم أيضاً في جاهلية وضلالة، إلى أن نطق الرب له على لسان الأرواح: إقرأ. وهكذا موسى: «ففي السنة الأربعين كلم موسى بني إسرائيل ... حسب كل ما أوصاه الرب إليهم» [التثنية1: الإصحاح الأول:4]. وهكذا أيضاً سيخرج محمد من مغارته حراء ليبدأ خطابه الإيسكاتولوجي
سيجيب محمد شعبَ قريش حينما يتهمونه بالكهانة، بأن خطابه القرآني ليس: «بقول كاهن» [الحاقة69: 42]. حسناً، هل انتهت المشكلة بهذا النفي؟ ما هي القيمة المعرفية والتاريخية لهذا الإنكار؟ بمعنى آخر كيف نتعامل نقدياً مع مثل هكذا نص جدالي (مماحكة بين طرفين)؟ وهل يشكل النص القرآني هنا "وثيقة تاريخية" يمكن الركون إليها والاطمئنان إلى نتائجها بأن محمداً ليس كاهناً؟ هل لمجرد أن ينفي الإنسان عنه تهمة ما، أن يصبح معفياً من استحقاق الاتهام(4)؟ نعم، يعتبر هذا النص وثيقة تاريخية مهمة (ولكن ليس بالمعنى الكامل) في قراءة نفي محمد عنه تهمة الكهانة، ولكن إلى أي مدى يمكن الاطمئنان إلى حجية هذا النفي، وخاصة حينما يتموضع خطابه القرآني بنحو تاريخي؟ هنا تكمن مهمة النقد التاريخي والفيلولوجي في مقاربة وتحليل النصوص.
لا بد أن نعلم أنّ الخطاب يحمل دائماً وجهاً مزيفاً، والنقد التاريخي لا يكتفي بالأوصاف أو النتائج التي يحاول الخطاب أو صاحب الخطاب أن يفرضها على المتلقي. إنَّ من مهمته أن يحفر في هذا الخطاب، ويستجلي أبعاده التاريخية القارة في بنيته من الداخل على ضوء النافذة السوسيولوجية والتاريخية التي مارسها الخطاب داخلها.
ما ينبغي التشديد عليه ونحن نقرأ بواكير الخطاب المحمدي في المراحل المكية الأولى، أنه لم يُشر ولا في أي سورة إلى الأصل الإلهي لقرآنه، بخلاف المنطق الاعتيادي الذي يقتضي أولاً الإشارة إلى أصل الخطاب، ومن ثم الشروع به. وهذه الناحية لم ينتبه إليها إلا القليل من المستتشرقين (ويلش مثلاً). يستمر هذا الوضع تقريباً إلى ما بعد حدث الآيات الإبليسية، فهناك تبدأ الإشارة إلى أن محمداً بدأ يمتلك أو يتخيل رؤى من آلهة ما (انظر أوائل سورة النجم) حوالي سنة /614 أو 615م. وهذا عائد إلى غموض تصور الآلهة عند محمد، أو حتى العالم الماورائي بشكل عام. لن تكون الآلهة هي المتكلم، بل محمد نفسه هو المتكلم، وإذا ما أشير إلى الآلهة، فإنه سيشار إليها لا بصيغة «الله»، وإنما بصيغة الرب(5)، ومن جهة أخرى هذا عائد أيضاً إلى التخبط في تصور الآلهة عند عرب محمد، كما سنلاحظ هذه النقطة في موضوعنا الحالي عند الكهنة وهم يبدعون سجعهم.
أحب في البداية أن أشير إلى نقطة هامة، وهي أننا لا نملك تاريخاً دقيقاً لبداية الخطاب المحمدي القرآني في مكة. ما نملكه هو مجرد رقم أسطوري، يتبناه إلى الآن الخطاب الإسلامي الأورثوذوكسي (أي: سنّه "أربعون")، وكان محمد قد اقتبسه من اليهود في يثرب. إلى إي مدى يعتبر كلام محمد دقيقاً من الناحية التاريخية حينما يصرح أنه ابتدأ وحيه عندما كان عمره أربعين؟. أعتقد أنه لا بد من نقد هذا الرقم الأسطوري الذي اقتبسه واعتقد به. لقد اتفق معظم الإسلاميين (ومعهم بعض النقاد المعاصرين) أن "الأنبياء يُبعثون على رأس أربعين"، ومحمد ليس استثناء من ذلك، فقد بعث هو الآخر حينما كان عمره أربعين سنة!. وتبدو هذه الفرضية الإسلامية شبه متفق عليها. لكن التمحيص فيها قليلاً، سيثير شكوكاً صريحة بها، فلا يصح بالتالي أخذها كـ حقيقة مطلقة. طبعاً الرقم أربعون مثله مثل الأرقام الأسطورية والخرافية الأخرى التي اكتسبت عند الساميين مرتبة مقدسة كـ الرقم سبعة، سبعين، تسعة وتسعين...الخ (غالباً ما تكون هذه الأرقام مفردة لا زوجية). إذن، لا يمكن إخراج الرقم أربعين من ضمن لائحة الأرقام هذه، والتي تحمل ظلالاً ساميّة مقدسة. يقول الرب في العهد القديم: «لأني بعد سبعة أيام أُمطر على الأرض أربعين يوماً وأربعين ليلة» [التكوين7: الإصحاح السابع]. وكذا: «وكان إسحق ابن أربعين سنة لما اتخذ لنفسه زوجة» [التكوين25: الإصحاح الخامس والعشرون]. ولا يقف الأمر عند هذا، فكما أوحي لموسى وهو ابن أربعين سنة، كذلك سيستعيد محمد الشبق المقدس لهذه الأسطورة. هكذا يكون الناس في حالة من الجاهلية وهم يحملون ذنوبهم إلى أن يظهر الرب لموسى بكلامه:
«تحملون ذنوبكم أربعين سنة فتعرفون ابتعادي، أنا الرب قد تكلمت»! [العدد14: 34-35]. من هنا ندرك دلالة إشارة محمد، إلى أنه قبل أن تظهر له أرواح الرب على الجبل (حراء)، كان العالم أيضاً في جاهلية وضلالة، إلى أن نطق الرب له على لسان الأرواح: إقرأ. وهكذا موسى: «ففي السنة الأربعين كلم موسى بني إسرائيل ... حسب كل ما أوصاه الرب إليهم» [التثنية1: الإصحاح الأول:4]. وهكذا أيضاً سيخرج محمد من مغارته حراء ليبدأ خطابه الإيسكاتولوجي
وببشارة
الرب وبغضبه على أهل مكة، إذا هم لم ينصاعوا له...الخ.
وإضافة إلى ذلك، يمكن أن نلحظ تخبط الإسلاميين أيضاً بهوية ناقل الوحي إلى محمد، وفي أي سنة؟ الأربعين أم في الثالثة والأربعين؟ ثم ومن هو هذا الوسيط السماوي: إسرافيل أم جبرائيل؟ يقول الإمام الحلبي: "واعترض عليه بعضهم بأن إسرافيل كان سفيراً بين الله وبينه . فعن الشعبي أنه جاءته النبوة وهو ابن أربعين سنة، وقرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين، فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل، وفي لفظ عنه: فلما مضت ثلاث سنين تولى عنه إسرافيل وقرن به جبريل(6)"! هذا الشك والتخبط يمتد إلى الأمام أيضاً: "وقد تقدم أن إسرافيل قرن به قبل النبوة ثلاث سنين يسمع حسه ولا يرى شخصه، يعلمه الشيء بعد الشيء إلى آخره، وحينئذ يلزم أن يكون قرن به بعد النبوة ثلاث سنين أيضاً" (الحلبي: مرجع سابق).
السجع بوصفه أداة الكاهن في إيصال فكرته:
«قيل لعبد الصمد بن الفضل بن عيسى الرقاشي: لم تؤثر السجع على المنثور، وتلزم نفسك القوافي وإقامة الوزن؟ قال: إن كلامي لو كنت لا آمل فيه إلا سماع الشاهد لقلّ خلافي عليك، ولكني أريد الغائب والحاضر، والراهن والغابر؛ فالحفظ إليه أسرع، والآذان لسماعه أنشط؛ وهو أحق بالتقييد وبقلّة التَّفلُّت، وما تكلمت به العرب مِن جيِّد المنثور، أكثرُ ممّا تكلمت به من جيِّد الموزون، فلم يُحفظْ من المنثور عُشرُه، ولا ضاع من الموزون عُشره(7)». في الواقع ما زال العرب إلى الآن يفضلون الكلام المسجوع على المنثور، ويتنغمون بالمسجع وبسحر الكلمة(8). وإضافة إلى أنّ الموزون من القصائد يُسهّل على الذاكرة تثبيتها (كما أقرت حديثاً نظريات علم النفس)؛ لذلك نرى أنه كان في القديم وحتى إلى أوقاتنا الحالية في الجامعات والمعاهد الدينية، (وخاصة في بلاد المغرب)، يلجؤون من أجل الحفظ في الذاكرة، إلى صياغة المواضيع المبتغاة بشكل مقفى يلتزم نمطاً غنائياً وإنشادياً على قافية واحدة (انظر مثلاً "ألفية السيوطي" في السيرة النبوية و"ألفية ابن مالك" في النحو و"جوهرة التوحيد" في العقيدة....الخ). لكن لا بد أن نعلم إضافة إلى ذلك، أنّ هذا النمط هو بالأساس عنصر من عناصر الثقافة الشفاهية، وهذه الثقافة هي التي تشكل القرآن خلالها. ولا يجب أن يغيب عن ذهننا في ظلّ ثقافة العرب الشفاهيّة عدم اهتمام البدو العرب بالأصل بالكتابة (9)، بل وحتى بعد ظهور الإسلام. فقديماً وبسبب غياب الكتابة كان يُلجأ إلى تقفية النثر وتسجيعه لكي تسهل عملية حفظه، إلا أن هذا أصبح الاتجاه السائد والمسيطر، مما أدى تالياً على ما يبدو إلى احتقار الكتابة، ومن هنا نلمس تسفيه الجاحظ للكتابة: "ولو كانت الكتابة شريفة والخطُّ فضيلة كان أحقّ الخلق بها رسول الله (ص)، وكان أولى الناس ببلوغ الغاية فيها ساداتهم وذووا القدر والشرف فيهم. ولكن الله منع نبيه (ص) ذلك، وجعل الخطَّ فيه دنيَّة (سافلة)، وصدَّ العِلْم به عن النبوة" [كتاب "ذم أخلاق الكتّاب"]، أو ما يروى عن افتخار محمد بنفسه وأمته: "إنا أمة أميّة لا نكتب ولا نحسب.. (10) "!!
سجع الكهان هو واحد من بين أحد المنتوجات الأربعة للثقافة الشفاهية قبيل الإسلام، إلى جانب الشعر والخُطب والقصّ(11). وإذا شئنا تعريفه بدقة كما يقول ابن الأثير في كتابه "المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر" «وحده أن يقال: تواطؤ الفواصل في الكلام المنثور على حرف واحد(12)»، أي على قافية واحدة (أو قرينة السجع).
وكلمة سجع لها أصول سومرية شيغو
وإضافة إلى ذلك، يمكن أن نلحظ تخبط الإسلاميين أيضاً بهوية ناقل الوحي إلى محمد، وفي أي سنة؟ الأربعين أم في الثالثة والأربعين؟ ثم ومن هو هذا الوسيط السماوي: إسرافيل أم جبرائيل؟ يقول الإمام الحلبي: "واعترض عليه بعضهم بأن إسرافيل كان سفيراً بين الله وبينه . فعن الشعبي أنه جاءته النبوة وهو ابن أربعين سنة، وقرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين، فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل، وفي لفظ عنه: فلما مضت ثلاث سنين تولى عنه إسرافيل وقرن به جبريل(6)"! هذا الشك والتخبط يمتد إلى الأمام أيضاً: "وقد تقدم أن إسرافيل قرن به قبل النبوة ثلاث سنين يسمع حسه ولا يرى شخصه، يعلمه الشيء بعد الشيء إلى آخره، وحينئذ يلزم أن يكون قرن به بعد النبوة ثلاث سنين أيضاً" (الحلبي: مرجع سابق).
السجع بوصفه أداة الكاهن في إيصال فكرته:
«قيل لعبد الصمد بن الفضل بن عيسى الرقاشي: لم تؤثر السجع على المنثور، وتلزم نفسك القوافي وإقامة الوزن؟ قال: إن كلامي لو كنت لا آمل فيه إلا سماع الشاهد لقلّ خلافي عليك، ولكني أريد الغائب والحاضر، والراهن والغابر؛ فالحفظ إليه أسرع، والآذان لسماعه أنشط؛ وهو أحق بالتقييد وبقلّة التَّفلُّت، وما تكلمت به العرب مِن جيِّد المنثور، أكثرُ ممّا تكلمت به من جيِّد الموزون، فلم يُحفظْ من المنثور عُشرُه، ولا ضاع من الموزون عُشره(7)». في الواقع ما زال العرب إلى الآن يفضلون الكلام المسجوع على المنثور، ويتنغمون بالمسجع وبسحر الكلمة(8). وإضافة إلى أنّ الموزون من القصائد يُسهّل على الذاكرة تثبيتها (كما أقرت حديثاً نظريات علم النفس)؛ لذلك نرى أنه كان في القديم وحتى إلى أوقاتنا الحالية في الجامعات والمعاهد الدينية، (وخاصة في بلاد المغرب)، يلجؤون من أجل الحفظ في الذاكرة، إلى صياغة المواضيع المبتغاة بشكل مقفى يلتزم نمطاً غنائياً وإنشادياً على قافية واحدة (انظر مثلاً "ألفية السيوطي" في السيرة النبوية و"ألفية ابن مالك" في النحو و"جوهرة التوحيد" في العقيدة....الخ). لكن لا بد أن نعلم إضافة إلى ذلك، أنّ هذا النمط هو بالأساس عنصر من عناصر الثقافة الشفاهية، وهذه الثقافة هي التي تشكل القرآن خلالها. ولا يجب أن يغيب عن ذهننا في ظلّ ثقافة العرب الشفاهيّة عدم اهتمام البدو العرب بالأصل بالكتابة (9)، بل وحتى بعد ظهور الإسلام. فقديماً وبسبب غياب الكتابة كان يُلجأ إلى تقفية النثر وتسجيعه لكي تسهل عملية حفظه، إلا أن هذا أصبح الاتجاه السائد والمسيطر، مما أدى تالياً على ما يبدو إلى احتقار الكتابة، ومن هنا نلمس تسفيه الجاحظ للكتابة: "ولو كانت الكتابة شريفة والخطُّ فضيلة كان أحقّ الخلق بها رسول الله (ص)، وكان أولى الناس ببلوغ الغاية فيها ساداتهم وذووا القدر والشرف فيهم. ولكن الله منع نبيه (ص) ذلك، وجعل الخطَّ فيه دنيَّة (سافلة)، وصدَّ العِلْم به عن النبوة" [كتاب "ذم أخلاق الكتّاب"]، أو ما يروى عن افتخار محمد بنفسه وأمته: "إنا أمة أميّة لا نكتب ولا نحسب.. (10) "!!
سجع الكهان هو واحد من بين أحد المنتوجات الأربعة للثقافة الشفاهية قبيل الإسلام، إلى جانب الشعر والخُطب والقصّ(11). وإذا شئنا تعريفه بدقة كما يقول ابن الأثير في كتابه "المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر" «وحده أن يقال: تواطؤ الفواصل في الكلام المنثور على حرف واحد(12)»، أي على قافية واحدة (أو قرينة السجع).
وكلمة سجع لها أصول سومرية شيغو
(في الأكادية والعبرية
["س ج ع" أو "ش ج ع"](13)).
ويرى المستشرق إيغناس
غولدتسير أن السجع هو الشكل الشعري الأقدم عند العرب(14)، وفي رأي آخر لغولدتسير
أننا: «إذا درسنا أول الشعر العبراني، أو أوليات الشعر عند الشعوب السامية، وعند
الشعوب الآريّة، أنه نمط من أنماط هذا الكلام الذي نسميه "السجع". وهو
لا زال يعد شعراً عند كثير من شعوب هذا اليوم(15)»، وهذا ما يعبر عنه غالباً
بالرجز، والذي من المحتمل كما أكد البعض أنه يعتبر شكل الخطاب الأقدم، ليس عند
العرب فقط، بل في الكتابات الأوغاريتية والعبرية أو السامية بشكل عام. لكن ثمة
أيضاً إشارة مهمة قد أشار إليها أيضاً "توفيق فهد" بارتباط الرجز والسجع
قديماً بالحالة التي كنا قد أتينا عليها سابقاً بدخول محمد بحالات إغماء ورعدة
أثناء الوحي، وكذلك أيضاً: «كان الرجز والسجع بالأصل ينطلقان تقريباً من نفس
الفكرة من حالة الانخطاف أو النشوة... وتدريجياً بدأ الرجز يأخذ مكانة خاصة، كما
هو الكلام الذي ينشد في الحروب. وهكذا بدأ الرجز تدريجياً ينفصل من وظائف الكاهن
ويقترب من الشاعر... وفي هذا المعنى يمكن القول أن الرجز هو الأصل الدنيوي للشعر،
بينما بقي السجع أسلوب تعبير الرائي أو الكاهن(16)».
والجمل تكون في السجع: «مصاغة بنحو قصير، بمصطلحات مسجوعة (مقفاة) وإيقاعات موزونة Rhythmical Cadences
والجمل تكون في السجع: «مصاغة بنحو قصير، بمصطلحات مسجوعة (مقفاة) وإيقاعات موزونة Rhythmical Cadences
مع استخدام
مفردات مبهمة ومهملة ومحيرة وأسطورية(17)». ونحن نعلم ارتباط السجع بالكهان منذ
القدم، والتي توحي به القوى الإلهية. فالسجع إذن هو من إنتاج الآلهة وقواها.
كان العربي، والشرقي بشكل عام وخاصة إذا كان شاعراً أو كاهناً، لا يستطيع الاعتقاد أنّ كلماته التي ينطق بها تأتيه من نفسه. لا بد أنه هناك قوى توحي له بها. وقد أشار مرة بحق المستشرق "ماكدونالد" لهذا، حيث يقول: "إن الشاعر الشرقي لا يستطيع أن يخلص نفسه من اعتقاد أن كلماته تأتيه من لا شيء، فتعبيره هو موحى به، وليس من عمل كتاب(18)". وحتى الشاعر "جرير" لا يستطيع أن يتكلم الشعر بدون الاستعانة بالجنّ، حيث كان مرة -كما يروي الأصفهاني في الأغاني- ملزماً بالإجابة على إحدى القصائد، فمكث ليلته يجتهد لقول الشعر ولكن دون جدوى، وإذ بـ أحد الجن يهتف له من زاوية البيت ويقول له (والكلام على لسان الجني لجرير): "أزعمت أنك تقول الشعر؟ ما هو إلا أن غبت عنك ليلة حتى لم تحسن أن تقول شيئاً". طبعاً هذا الاعتقاد كما ذكرت لا يستطيع الشاعر في شعره أو الكاهن في سجعه أن يتخلص منه (19). وهذا هو في الواقع الاعتقاد نفسه الذي لم يستطع محمد التخلص منه، فليس القرآن فقط من قول الآلهة ووحيها، بل أيضاً كل أحاديثه التي نطق بها هي وحي، كما شدد على ذلك الشافعي في "الرسالة".
ويشترط بالسجع أمور كثيرة حتى يؤدي مقصوده في أذن السامع، منها أن يكون قوياً في سبك جمله، الإيقاع الغنائي متجانس، ومقفى بشكل قوي، وغالباً ما تكون المفردات كما أشرنا غامضة، وهذا له دور كبير في سحر السامع وإيقاعه في إبهام في حلّ غموض الكاهن، (وهذه الحالة ستتكرر كثيراً في القرآن كما سيأتي) أو كما يقول الحوفي: «قد يلجأ السجاعون إلى نوع من الغموض فيحملون الكلمة أو الجملة عدة معان، ليذهب السامعون في فهمها كل مذهب(20)»، أو مثلاً لجوء الكاهن إلى تركيب الجملة بشكل يوقع المستمع في التلعثم بالجملة وصعوبة حلّ لغزها، كما أورد الجاحظ مثلاً نقلاً عن لسان الجن: «قالوا: وقالت الجن:
وقَبْرُ حَرْبٍ بمكانٍ قفر ... وليس قُرْبَ قَبْرِ حَرْبٍ قَبْرُ
قالوا: ومن الدَّليل على ذلك، وعلى أنَّ هذين البيتين(21) من أشعار الجن، أن أحداً لا يستطيع أن ينشدَهما ثلاث مراتٍ متصلة، لا يَتتَعْتع فيها، وهو يستطيع أن يُنشد أثْقل شعر في الأرض وأشقَّه عشْر مرّات ولا يَتَعْتَعُ. (22)».
لا بد من الإشارة قبل أن نكمل، إلى القول أن المجتمع العربي في الأصل مجتمع فوضوي غير منظم (وما زال)، وإن اتخذ أشكال تجمعات اجتماعية (مثل القبيلة والعشيرة)، لكن تبقى هذه التجمعات في إطار مشتت غير موحد، وهذا ما سينعكس على وجود معابد أيضاً مشتتة، وبالتالي تشتت تواجد كهنة لهذه المعابد. أقول هذا الكلام لأنه إذا كان الكاهن في المجتمعات القديمة المنظمة "دولتياً" (كما كان الحال عند مجتمعات الإغريق، فهد) لا يستطيع أن ينطق بوحي السجع خارج البانثيون، فإن الكاهن في البلاد العربية إضافة إلى تشتت المعابد، كان حرّا غير مرتبط بمعبد مخصوص (إلا في حالات نادرة جداً كما يروى عن سكن بعض الكهنة في المعبد المكي- بيت إيل [الذي تحول إلى بيت الله مع محمد اليثربي]). فالكاهن يستطيع أن يستنطق سجع السماء، متى حلت فيه قواها، وفي أي مكان كان.
هذا الوضع امتد مع محمّد في الإسلام، فهو أيضاً يستطيع أن يستنطق السماء في أي مكان أو زمان، وإن اشتهر عليه بأن وحيه كان أكثره في الليل كما أكد على ذلك نولدكه. فلا يشترط استنطاق السماء بمكان مقدس كما كان في السابق وفي مناطق أخرى؛ كيف لا، وقد حول محمد الأرض كلها إلى مسجد وطهور!. ومن جهة أخرى، إننا سنلحظ أن محمداً كان يدرك ارتباط السجع بالكهان وتنكره لهم. فمرة ردد أمامه النابغة الهذلي جملة مسجوعة في حادثة الدية: "كَيْفَ أَغْرَمُ من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا اسْتَهَلَّ فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ" فرد عليه محمد: «"إنما هذا من إخوان الكهان"، من أجل سجعه الذي سجع (23)». أما ماذا عن محمد ذاته؟ ماذا عن خطابه القرآني؟ هذا ما سنأتي عليه الآن.
السجع: هو العمود الفقري لأسلوب القرآن. لماذا يتنكر الإسلاميون له؟
إلى أي مدى يمكن أن نقرّ بنتائج الدراسات الحديثة التي تذهب إلى أن القرآن قد تشكل في معظمه تقريباً على نحو سجعي؟. الدراسات الحديثة ترى أنه تقريباً 86% (24) من آيات القرآن قد أتى مسجوعاً. وفي الواقع لقد غلب على الخطاب القرآني التشكل من ناحية أسلوبية من حيث شكل الجملة وبنائها وسردها بنحو سجعي، وهذا الوضع ليس ملفتاً بحد ذاته لأي قارئ من بعيد لخطاب محمد، لكن تصل الدرجة ببعض الإسلاميين أن يكفّر إذا قال أحدنا أن أسلوبه استعار من أسلوب البشر (وخاصة مع أساليب الكهان) والحجة في هذا التخبط أن أصل الخطاب -وهو الله- لا يمكن أن يشابه بأسلوبه أحد. لكن، إنَّ قراءة مدققة للخطاب القرآني المكي ستكشف أن هذه الإدعاءات إنْ هي إلا تهويمات لاهوتية، هدفها الدفاع عن نبوءة أو نبوة محمد وإن كان ذلك على حساب النقدي العلمي والتاريخي.
يسيطر السجع بنحو شديد على الخطاب القرآني المكي، حتى تكاد لا تخلو سورة منه إلا وقد صيغت بنحو سجعي وخاصة في بداية السور المكية مع استخدام محمد الأقسام الوثنية الكهانية (سيبحث الجزء الثاني موضوع القَسَم القرآني الوثني): «وَالصَّافَّاتِ صَفًّا/ فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ» [الصافات: 1-4]. وأيضاً ما اشتهر على لسان مسيلمة: «والمبذرات زرعاً/ والحاصدات حصداً/ والذاريات قمحاً/..(25)»، وهذا ما سيذكر بسورة النازعات في القرآن على لسان محمد هذه المرة: «والنازعات غرقاً/ والناشطات نشطاً/ والسابحات سبحاً...» [النازعات: 1-3، وانظر السجع القوي في بقية السورة حتى آية 14]. وبنفس هذا السجع نقرأ أيضاً: «وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا/ فالحاملات وِقْرًا/ فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا/ فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا/ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ/ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ [الذاريات: 1-6]. وكذا نقرأ سجعاً قريباً من هذا في سورة المرسلات: « وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا/ فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا/ وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا/ فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا/ فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا/ عُذْرًا أَوْ نُذْرًا» [المرسلات: 1-7] (26).
سندرك لاحقاً أنه ثمة في الواقع اتجاهات نقدية في التراث لم تستطع الهرب من الإقرار بوجود السجع في القرآن كما يقول ابن الأثير: «فإنه قد أتى [أي القرآن] منه بالكثير». لكن قبل أن أستعرض هذه الرؤى النقدية، أود أن أشير سريعاً إلى الرأي الإسلامي السائد، والمتفق عليه بين الكل تقريباً حول هذه المسألة.
نحن نعلم أن الاتجاه الإسلامي المسيطر قد أنكر أن القرآن مصوغ بنحو سجعي. وفي الحقيقة هذا هو الرأي الذي استقر عليه الآن الخطاب الديني، وخاصة منه الخطاب السني؛ وليس هذا فقط، بل إنهم يتشددون بأن القرآن لا يحتوي أبداً أيَّ شكل سجعي. وهذا بخلاف الفرق الأخرى كالمعتزلة الذين أقروا بوجود السجع وخاصة إبراهيم بن سيّار النظّام، لا بل: «إنه ليس في نظم القرآن وتأليفه إعجاز، وأنه يمكن معارضته، وإنما صرفوا عنه [أي العرب في تحدّيه] ضرباً من الصرف(27)». (اشتهر هذا عند المعتزلة بـ "الصرفة"). وأشهر من قال بنفي السجع عن القرآن، الأشعريُّ والباقلاني الذي يقول: «ولو كان القرآن سجعاً لكان غير خارج عن أساليب كلامهم، ولو كان داخلاً فيها لم يقع بذلك إعجاز ولو جاز أن يقولوا: هو سجع معجز، لجاز أن يقولوا: شعر معجز(28)». ولا يخفى علينا مثل هذه الأقوال من بساطة نقدية تعبر عن المستوى المتهافت الذي استقرت عليه كتب التراث. فمثل كتب الإعجاز (سواء للباقلاني أو للجرجاني...) لم تكتب أصلاً من أجل درس القرآن من ناحية نقدية، بقدر ما كان الهدف منها أولاً وأخيراً الدفاع عن إعجاز القرآن المسلّم به سلفاً. إن همّ الباقلاني الرئيسي هو الدفاع عن القرآن، وهنا في سياقنا:
إبعاد القرآن عن تهمة السجع، وبالتالي عن تهمة الكهانة، وبالتالي إبعاد نبوة محمد عن هذه الميادين، ولو كان ذلك بنحو متعسف ومبتذل، كما يقول-أي الباقلاني- مثلاً: «وكيف والسجع مما كان يألفه الكهان من العرب، ونفيه من القرآن أجدر بأن يكون حجة من نفى الشعر؟ لأن الكهانة تنافى النبوات(29)». إذن المسألة هنا هي مسألة كهانة وسجع الكهان، وليس درس الخطاب القرآني نقدياً. وحتى إذا أرادوا معالجة المسألة ولو بنحو بسيط سيصلون إلى هذه النتيجة في نفي السجع عن القرآن: «لأن السجع من الكلام يتبع المعنى فيه اللفظ الذى يؤدّي السجع، وليس كذلك ما اتفق مما هو في تقدير السجع، لأن اللفظ يقع فيه تاليا للمعنى» (مرجع سابق: ص84). وهذا في الواقع –كما عبرنا عن ذلك- هو نفسه التهافت المتهالك الذي ما زال عليه الخطاب الديني المعاصر إلى الآن؛ وليس هذا فقط، بل بشكل رجعي ومتخلف ومجمع عليه من أقصى الخطاب السني الأورثوذوكسي الحالي إلى أقصاه. لماذا أقول هذا الكلام؟ لأننا إذا بحثنا عميقاً هذه المسألة عند التراثيين نجد أنهم في الحقيقة لم يتفقوا فيما بينهم على احتواء القرآن على السجع أم لا(30). وهذا ما يعمي عليه الخطاب الديني. وسأستعرض سريعاً بعضاً من هذه الأمثلة (وهي سنية في الواقع) والتي أقرت بسجع القرآن أو بتواجده فيه.
ثمة مثالان في هذا السياق، هما ضياء الدين بن الأثير (558-637هـ / 1239م) في كتابه "المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر"، ومن ثم أحمد بن علي القلقشندي (756-821 هـ / 1418م) في كتابه المشهور: "صبح الأعشى في صناعة الإنشا". حيث يتهم ابن الأثير بداية، بالعجز لمن يتنكر للسجع أو يذمه، لذلك يذمه لأنه لا يستطيع أن يقوم به، يقول ابن الأثير: «ولا أرى ذلك وجهاً سوى عجزهم أن يأتوا به». لماذا؟ يكمل ابن الأثير: «وإلا فلو كان مذموماً لما ورد في القرآن الكريم، فإنه قد أتى منه بالكثير». وليس هذا فقط، بل ربما من المحتمل أن تأتي سورة القرآن كلها مسجوعة، كما هو الحال مع سورة الرحمن المسجوعة في معظم آياتها (فان.. تكذبان..يبغيان.. ريحان..الخ)، أو في سورة القمر المسجوعة على الراء: (مذّكر.. نذر.. مستمر..منقعر...الخ) وهذا بالضبط ما أكد عليه ابن الأثير بنظرة نقدية تحسب له، خلافاً للاتجاهات التراثية السائدة، حيث يقول هو: «حتى إنه ليؤتى بالسورة جميعها مسجوعة، كسورة الرحمن، وسورة القمر، وغيرهما».
النقطة الأخرى، ربّما، لا تأتي سورة القرآن مسجوعة كلها على حرف واحد، بل من المحتمل أن تختلط فيها أجناس أدبية متعددة. لكن من المهم أن نعلم أنه لم تخلُ سورة من القرآن إلا وفيها أشكال سجعية متعددة. وقد انتبه إلى هذا ابن الأثير: «وبالجملة فلم تخل منه سورة من السور، فمن ذلك قوله تعالى: "إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً خالدين فيها أبداً لا يجدون ولياً ولا نصيراً .... وكذلك قوله تعالى في سورة ق: "بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمرٍ مريج/ أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج/ والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوجٍ بهيج». طبعاً لا نستطيع أن نأتي بالأمثلة كلها التي يوردها ابن الأثير على سجع القرآن. لذلك سيغدو كلام الجاحظ حينما يتنكر للسجع ووروده في القرآن، هو من قبيل الدكتاتورية السلفية، التي لم يكن همها فقط إلا الدفاع عن القرآن والقفز فوق المنطق، وخاصة حينما يقرّ أن القرآن خالف: «جميعَ الكلام الموزونِ والمنثور، وهو منثور غير مقفّى على مخارج الأشعار والأسجاع.. صار نظمُه من أعظم البرهان، وتأليفه من أكبر الحجج(31)».
طبعاً السجع ليس موجوداً في القرآن فقط، بل حتى في أحاديث محمد نفسه: «وقد ورد على هذا الأسلوب من كلام النبي (ص) شيء كثير أيضاً:».
إنّ محمداً على ما يبدو لم يكن يجد حرجاً في تغيير شكل الكلمة وبنيتها الصرفية. لماذا؟ لكي تتناسب مع قرينة السجع، كما يورد ابن الأثير نقلاً عن لسان محمد في سجعه: « قد نطق به [أي محمد] في كثير من كلامه، حتى إنه غيَّر الكلمة عن وجهها إتباعاً لها بأخواتها من أجل السجع، فقال لابن ابنته عليهما السلام أعيذه من الهامة والسامة وكل عينٍ لامة " وإنما أراد ملمة، لأن الأصل فيها من ألم فهو ملم، وكذلك قوله "ارجعن مأزوراتٍ غير مأجورات" وإنما أراد موزورات من الوزر، فقال: " مأزورات " لمكان مأجورات، طلباً للتوازن والسجع، وهذا مما يدلك على فضيلة السجع(32)». وفي الحقيقة روي الكثير عن أسجاع محمد كما هو قوله هذا:«أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام»...الخ.
أما القلقشندي فإنه يقترب من ابن الأثير في إثبات السجع في القرآن، وإن كان ابن الأثير أكثر عمقاً في الحديث عن ذلك. يقول القلقشندي: «ربما وقع السجع في فواصل جميع السورة كما في سورة النجم واقتربت (يقصد سورة اقتربت الساعة وانشق القمر المسجوعة على الراء) والرحمن وغيرها من السور». ومن المحتمل أن يقع السجع أيضاً في أواسط الآيات، وإن كانت السورة غير منتظمة على روي واحد: «ربما وقع في أوساط الآيات كقوله تعالى (الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور) وقوله (لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم)». وقل الأمر نفسه في تغيير محمد للكلمات في حديثه لكي تتناسب مع السجع(33).
للأسف ما زال الإسلاميون يعتقدون بالتهالك الذي قدمه الخطاب التراثي في نفيهم السجع عن القرآن، مستدلين بالحجة التي يعتقدون أنها قوية، وهي أنه في السجع: المعنى يتبع فيه اللفظ، بخلاف القرآن الذي يكون فيه اللفظ تابعاً للمعنى. طبعاً ربما ندرك تماماً قدرة التراثيين في اختراع القواعد لكي تتناسب مع نظريتهم في إعجاز القرآن. لا بد أن نعلم أن المسألة لم تكن تتعلق بالدرس اللغوي النقدي وما شابه، بل تتعلق فقط وفقط بحماية القرآن، فما بالنا أنّ كل هذه العلوم (من بلاغة ونحو وصرف..) قد نمت على تخوم القرآن، وهذا بحد ذاته له استحقاقات خطيرة في استمرار هذه القواعد إلى اليوم. لكن أياً يكن، إنه بالرغم من كون التراثيين اخترعوا تلك القاعدة لكي يدافعوا عن القرآن، إلا أن قراءة دقيقة في القرآن ذاته ستفشل مزاعمهم (قاعدة اللفظ والمعنى)، كما انتبه إليها بعض المتنورين التراثيين كابن الأثير، وخالف التناقضات الإسلامية.
بمعنى آخر، هناك الكثير من القرآن المكي تكون فيها السيطرة للزخرفة اللفظية فقط، أي الزخرفة السجعية، ولو كان ذلك على حساب المعنى القرآني الذي يريد محمد أن يقوله. ولتدليل على غلبة زخرفة الأسلوب وسيطرته السجعية على حساب المعنى في القرآن يمكن أن نأخذ ثلاثة أمثلة:
- يتفق معظم التراثيون والإسلاميون على أفضلية موسى على هارون، لذلك فقد غلب على الأسلوب القرآني تقديمه عليه دائماً، وقد ورد تقريباً سبع مرات، ولنلاحظ أن السور كلها مكية: [الأعراف:122]، [الشعراء:48] وهنا السياق في السورة مسجوع على الياء والنون،[يونس:75]، [الأنعام:84]، [الصافات:114و 120]، السياق مسجوع على النون مع الياء والواو (يـن، ـون)، [الأنبياء:48].
في موضع واحد فقط في القرآن نجد أن محمداً يخالف الأسلوب في تقديم موسى على هارون! ففي سورة طه نجده قد قدم هارون على موسى، وذلك لأن سجع السورة هو على الألف، ولا يناسب هنا السياق تقديم موسى على هارون! نقرأ: «فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى»[طه:70]. وهذه السورة تأخذ الترتيب الكرونولوجي الرقم 42، بحسب رواية ابن عباس.
- وردت لفظة إلياس (هو نبي بحسب القرآن) مرتين في سورتين مكّيتين هي الأنعام [85] والصافات[123]، لكن في الحقيقة ورد اسم هذا النبي ثلاث مرّات، أمّا المرّة الثالثة، فتمَّ تحريف اسمه لكي يناسب سجع سورة الصافات (يـن، ون)؛ هكذا نقرأ أن اسمه تبدل من "إلياس" إلى "إل ياسين": «سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِين»[الصافات:130]، لذلك لن نستغرب أن يخالف البعض هذه القراءة ليقرأوا اللفظ (قراءة مكة والبصرة والكوفة) ليس "إل ياسين" بل "إلياسين" وهو النبي إلياس(34)، لكن أضيفت الياء والنون لضرورة السجع.
- ورد تعبير "طور سيناء" في سورة المؤمنون «وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء» [المؤمنون:20]، وبغض النظر الآن عن اشتقاق لفظ الطور من الأصل العبري أو الأثيوبي كما حكى البعض، وبغض النظر عن معنى وموضع سيناء والذي فسر بأنه جبل بالشام؛ إلا أن اسم "سيناء" قد حُرِّف أيضاً ليناسب سجع السورة إلى "سينين" كما نقرأ: «وطور سينين» [التين: 2] وهذا التحريف أو التبديل لاسم سيناء أتى ليناسب سجع السورة على الياء والنون، وخاصة كما يقر كثير من المفسرين (منهم قتادة كما يرى في الآية الثانية) أن سينين هو نفسه سيناء. والأمثلة على هذه التحريفات في الخطاب المحمدي القرآني كثيرة لأغراض الأسلوب أو الزخرفة السجعية.
لذلك لا معنى أبداً لأقوال علماء القرآن (المسيطرة على الذهنية الإسلاموية إلى الآن) حينما اخترعوا قاعدة أن المعنى في القرآن يتبعه اللّفظ، وذلك لإبعاد القرآن عن ميادين سجع الكهّان، والحطّ من الأخير وحصره في ميادين الشعوذة والسحر لكونه متّصلا بالتقاليد الوثنية(35).
مهما يكن، تبقى هذه الادعاءات تنتمي إلى ميادين ثقافيّة، إلاّ أنّه لا بدّ من إخضاعها للدرس النقديّ والتاريخيّ.
كان العربي، والشرقي بشكل عام وخاصة إذا كان شاعراً أو كاهناً، لا يستطيع الاعتقاد أنّ كلماته التي ينطق بها تأتيه من نفسه. لا بد أنه هناك قوى توحي له بها. وقد أشار مرة بحق المستشرق "ماكدونالد" لهذا، حيث يقول: "إن الشاعر الشرقي لا يستطيع أن يخلص نفسه من اعتقاد أن كلماته تأتيه من لا شيء، فتعبيره هو موحى به، وليس من عمل كتاب(18)". وحتى الشاعر "جرير" لا يستطيع أن يتكلم الشعر بدون الاستعانة بالجنّ، حيث كان مرة -كما يروي الأصفهاني في الأغاني- ملزماً بالإجابة على إحدى القصائد، فمكث ليلته يجتهد لقول الشعر ولكن دون جدوى، وإذ بـ أحد الجن يهتف له من زاوية البيت ويقول له (والكلام على لسان الجني لجرير): "أزعمت أنك تقول الشعر؟ ما هو إلا أن غبت عنك ليلة حتى لم تحسن أن تقول شيئاً". طبعاً هذا الاعتقاد كما ذكرت لا يستطيع الشاعر في شعره أو الكاهن في سجعه أن يتخلص منه (19). وهذا هو في الواقع الاعتقاد نفسه الذي لم يستطع محمد التخلص منه، فليس القرآن فقط من قول الآلهة ووحيها، بل أيضاً كل أحاديثه التي نطق بها هي وحي، كما شدد على ذلك الشافعي في "الرسالة".
ويشترط بالسجع أمور كثيرة حتى يؤدي مقصوده في أذن السامع، منها أن يكون قوياً في سبك جمله، الإيقاع الغنائي متجانس، ومقفى بشكل قوي، وغالباً ما تكون المفردات كما أشرنا غامضة، وهذا له دور كبير في سحر السامع وإيقاعه في إبهام في حلّ غموض الكاهن، (وهذه الحالة ستتكرر كثيراً في القرآن كما سيأتي) أو كما يقول الحوفي: «قد يلجأ السجاعون إلى نوع من الغموض فيحملون الكلمة أو الجملة عدة معان، ليذهب السامعون في فهمها كل مذهب(20)»، أو مثلاً لجوء الكاهن إلى تركيب الجملة بشكل يوقع المستمع في التلعثم بالجملة وصعوبة حلّ لغزها، كما أورد الجاحظ مثلاً نقلاً عن لسان الجن: «قالوا: وقالت الجن:
وقَبْرُ حَرْبٍ بمكانٍ قفر ... وليس قُرْبَ قَبْرِ حَرْبٍ قَبْرُ
قالوا: ومن الدَّليل على ذلك، وعلى أنَّ هذين البيتين(21) من أشعار الجن، أن أحداً لا يستطيع أن ينشدَهما ثلاث مراتٍ متصلة، لا يَتتَعْتع فيها، وهو يستطيع أن يُنشد أثْقل شعر في الأرض وأشقَّه عشْر مرّات ولا يَتَعْتَعُ. (22)».
لا بد من الإشارة قبل أن نكمل، إلى القول أن المجتمع العربي في الأصل مجتمع فوضوي غير منظم (وما زال)، وإن اتخذ أشكال تجمعات اجتماعية (مثل القبيلة والعشيرة)، لكن تبقى هذه التجمعات في إطار مشتت غير موحد، وهذا ما سينعكس على وجود معابد أيضاً مشتتة، وبالتالي تشتت تواجد كهنة لهذه المعابد. أقول هذا الكلام لأنه إذا كان الكاهن في المجتمعات القديمة المنظمة "دولتياً" (كما كان الحال عند مجتمعات الإغريق، فهد) لا يستطيع أن ينطق بوحي السجع خارج البانثيون، فإن الكاهن في البلاد العربية إضافة إلى تشتت المعابد، كان حرّا غير مرتبط بمعبد مخصوص (إلا في حالات نادرة جداً كما يروى عن سكن بعض الكهنة في المعبد المكي- بيت إيل [الذي تحول إلى بيت الله مع محمد اليثربي]). فالكاهن يستطيع أن يستنطق سجع السماء، متى حلت فيه قواها، وفي أي مكان كان.
هذا الوضع امتد مع محمّد في الإسلام، فهو أيضاً يستطيع أن يستنطق السماء في أي مكان أو زمان، وإن اشتهر عليه بأن وحيه كان أكثره في الليل كما أكد على ذلك نولدكه. فلا يشترط استنطاق السماء بمكان مقدس كما كان في السابق وفي مناطق أخرى؛ كيف لا، وقد حول محمد الأرض كلها إلى مسجد وطهور!. ومن جهة أخرى، إننا سنلحظ أن محمداً كان يدرك ارتباط السجع بالكهان وتنكره لهم. فمرة ردد أمامه النابغة الهذلي جملة مسجوعة في حادثة الدية: "كَيْفَ أَغْرَمُ من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا اسْتَهَلَّ فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ" فرد عليه محمد: «"إنما هذا من إخوان الكهان"، من أجل سجعه الذي سجع (23)». أما ماذا عن محمد ذاته؟ ماذا عن خطابه القرآني؟ هذا ما سنأتي عليه الآن.
السجع: هو العمود الفقري لأسلوب القرآن. لماذا يتنكر الإسلاميون له؟
إلى أي مدى يمكن أن نقرّ بنتائج الدراسات الحديثة التي تذهب إلى أن القرآن قد تشكل في معظمه تقريباً على نحو سجعي؟. الدراسات الحديثة ترى أنه تقريباً 86% (24) من آيات القرآن قد أتى مسجوعاً. وفي الواقع لقد غلب على الخطاب القرآني التشكل من ناحية أسلوبية من حيث شكل الجملة وبنائها وسردها بنحو سجعي، وهذا الوضع ليس ملفتاً بحد ذاته لأي قارئ من بعيد لخطاب محمد، لكن تصل الدرجة ببعض الإسلاميين أن يكفّر إذا قال أحدنا أن أسلوبه استعار من أسلوب البشر (وخاصة مع أساليب الكهان) والحجة في هذا التخبط أن أصل الخطاب -وهو الله- لا يمكن أن يشابه بأسلوبه أحد. لكن، إنَّ قراءة مدققة للخطاب القرآني المكي ستكشف أن هذه الإدعاءات إنْ هي إلا تهويمات لاهوتية، هدفها الدفاع عن نبوءة أو نبوة محمد وإن كان ذلك على حساب النقدي العلمي والتاريخي.
يسيطر السجع بنحو شديد على الخطاب القرآني المكي، حتى تكاد لا تخلو سورة منه إلا وقد صيغت بنحو سجعي وخاصة في بداية السور المكية مع استخدام محمد الأقسام الوثنية الكهانية (سيبحث الجزء الثاني موضوع القَسَم القرآني الوثني): «وَالصَّافَّاتِ صَفًّا/ فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ» [الصافات: 1-4]. وأيضاً ما اشتهر على لسان مسيلمة: «والمبذرات زرعاً/ والحاصدات حصداً/ والذاريات قمحاً/..(25)»، وهذا ما سيذكر بسورة النازعات في القرآن على لسان محمد هذه المرة: «والنازعات غرقاً/ والناشطات نشطاً/ والسابحات سبحاً...» [النازعات: 1-3، وانظر السجع القوي في بقية السورة حتى آية 14]. وبنفس هذا السجع نقرأ أيضاً: «وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا/ فالحاملات وِقْرًا/ فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا/ فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا/ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ/ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ [الذاريات: 1-6]. وكذا نقرأ سجعاً قريباً من هذا في سورة المرسلات: « وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا/ فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا/ وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا/ فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا/ فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا/ عُذْرًا أَوْ نُذْرًا» [المرسلات: 1-7] (26).
سندرك لاحقاً أنه ثمة في الواقع اتجاهات نقدية في التراث لم تستطع الهرب من الإقرار بوجود السجع في القرآن كما يقول ابن الأثير: «فإنه قد أتى [أي القرآن] منه بالكثير». لكن قبل أن أستعرض هذه الرؤى النقدية، أود أن أشير سريعاً إلى الرأي الإسلامي السائد، والمتفق عليه بين الكل تقريباً حول هذه المسألة.
نحن نعلم أن الاتجاه الإسلامي المسيطر قد أنكر أن القرآن مصوغ بنحو سجعي. وفي الحقيقة هذا هو الرأي الذي استقر عليه الآن الخطاب الديني، وخاصة منه الخطاب السني؛ وليس هذا فقط، بل إنهم يتشددون بأن القرآن لا يحتوي أبداً أيَّ شكل سجعي. وهذا بخلاف الفرق الأخرى كالمعتزلة الذين أقروا بوجود السجع وخاصة إبراهيم بن سيّار النظّام، لا بل: «إنه ليس في نظم القرآن وتأليفه إعجاز، وأنه يمكن معارضته، وإنما صرفوا عنه [أي العرب في تحدّيه] ضرباً من الصرف(27)». (اشتهر هذا عند المعتزلة بـ "الصرفة"). وأشهر من قال بنفي السجع عن القرآن، الأشعريُّ والباقلاني الذي يقول: «ولو كان القرآن سجعاً لكان غير خارج عن أساليب كلامهم، ولو كان داخلاً فيها لم يقع بذلك إعجاز ولو جاز أن يقولوا: هو سجع معجز، لجاز أن يقولوا: شعر معجز(28)». ولا يخفى علينا مثل هذه الأقوال من بساطة نقدية تعبر عن المستوى المتهافت الذي استقرت عليه كتب التراث. فمثل كتب الإعجاز (سواء للباقلاني أو للجرجاني...) لم تكتب أصلاً من أجل درس القرآن من ناحية نقدية، بقدر ما كان الهدف منها أولاً وأخيراً الدفاع عن إعجاز القرآن المسلّم به سلفاً. إن همّ الباقلاني الرئيسي هو الدفاع عن القرآن، وهنا في سياقنا:
إبعاد القرآن عن تهمة السجع، وبالتالي عن تهمة الكهانة، وبالتالي إبعاد نبوة محمد عن هذه الميادين، ولو كان ذلك بنحو متعسف ومبتذل، كما يقول-أي الباقلاني- مثلاً: «وكيف والسجع مما كان يألفه الكهان من العرب، ونفيه من القرآن أجدر بأن يكون حجة من نفى الشعر؟ لأن الكهانة تنافى النبوات(29)». إذن المسألة هنا هي مسألة كهانة وسجع الكهان، وليس درس الخطاب القرآني نقدياً. وحتى إذا أرادوا معالجة المسألة ولو بنحو بسيط سيصلون إلى هذه النتيجة في نفي السجع عن القرآن: «لأن السجع من الكلام يتبع المعنى فيه اللفظ الذى يؤدّي السجع، وليس كذلك ما اتفق مما هو في تقدير السجع، لأن اللفظ يقع فيه تاليا للمعنى» (مرجع سابق: ص84). وهذا في الواقع –كما عبرنا عن ذلك- هو نفسه التهافت المتهالك الذي ما زال عليه الخطاب الديني المعاصر إلى الآن؛ وليس هذا فقط، بل بشكل رجعي ومتخلف ومجمع عليه من أقصى الخطاب السني الأورثوذوكسي الحالي إلى أقصاه. لماذا أقول هذا الكلام؟ لأننا إذا بحثنا عميقاً هذه المسألة عند التراثيين نجد أنهم في الحقيقة لم يتفقوا فيما بينهم على احتواء القرآن على السجع أم لا(30). وهذا ما يعمي عليه الخطاب الديني. وسأستعرض سريعاً بعضاً من هذه الأمثلة (وهي سنية في الواقع) والتي أقرت بسجع القرآن أو بتواجده فيه.
ثمة مثالان في هذا السياق، هما ضياء الدين بن الأثير (558-637هـ / 1239م) في كتابه "المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر"، ومن ثم أحمد بن علي القلقشندي (756-821 هـ / 1418م) في كتابه المشهور: "صبح الأعشى في صناعة الإنشا". حيث يتهم ابن الأثير بداية، بالعجز لمن يتنكر للسجع أو يذمه، لذلك يذمه لأنه لا يستطيع أن يقوم به، يقول ابن الأثير: «ولا أرى ذلك وجهاً سوى عجزهم أن يأتوا به». لماذا؟ يكمل ابن الأثير: «وإلا فلو كان مذموماً لما ورد في القرآن الكريم، فإنه قد أتى منه بالكثير». وليس هذا فقط، بل ربما من المحتمل أن تأتي سورة القرآن كلها مسجوعة، كما هو الحال مع سورة الرحمن المسجوعة في معظم آياتها (فان.. تكذبان..يبغيان.. ريحان..الخ)، أو في سورة القمر المسجوعة على الراء: (مذّكر.. نذر.. مستمر..منقعر...الخ) وهذا بالضبط ما أكد عليه ابن الأثير بنظرة نقدية تحسب له، خلافاً للاتجاهات التراثية السائدة، حيث يقول هو: «حتى إنه ليؤتى بالسورة جميعها مسجوعة، كسورة الرحمن، وسورة القمر، وغيرهما».
النقطة الأخرى، ربّما، لا تأتي سورة القرآن مسجوعة كلها على حرف واحد، بل من المحتمل أن تختلط فيها أجناس أدبية متعددة. لكن من المهم أن نعلم أنه لم تخلُ سورة من القرآن إلا وفيها أشكال سجعية متعددة. وقد انتبه إلى هذا ابن الأثير: «وبالجملة فلم تخل منه سورة من السور، فمن ذلك قوله تعالى: "إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً خالدين فيها أبداً لا يجدون ولياً ولا نصيراً .... وكذلك قوله تعالى في سورة ق: "بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمرٍ مريج/ أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج/ والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوجٍ بهيج». طبعاً لا نستطيع أن نأتي بالأمثلة كلها التي يوردها ابن الأثير على سجع القرآن. لذلك سيغدو كلام الجاحظ حينما يتنكر للسجع ووروده في القرآن، هو من قبيل الدكتاتورية السلفية، التي لم يكن همها فقط إلا الدفاع عن القرآن والقفز فوق المنطق، وخاصة حينما يقرّ أن القرآن خالف: «جميعَ الكلام الموزونِ والمنثور، وهو منثور غير مقفّى على مخارج الأشعار والأسجاع.. صار نظمُه من أعظم البرهان، وتأليفه من أكبر الحجج(31)».
طبعاً السجع ليس موجوداً في القرآن فقط، بل حتى في أحاديث محمد نفسه: «وقد ورد على هذا الأسلوب من كلام النبي (ص) شيء كثير أيضاً:».
إنّ محمداً على ما يبدو لم يكن يجد حرجاً في تغيير شكل الكلمة وبنيتها الصرفية. لماذا؟ لكي تتناسب مع قرينة السجع، كما يورد ابن الأثير نقلاً عن لسان محمد في سجعه: « قد نطق به [أي محمد] في كثير من كلامه، حتى إنه غيَّر الكلمة عن وجهها إتباعاً لها بأخواتها من أجل السجع، فقال لابن ابنته عليهما السلام أعيذه من الهامة والسامة وكل عينٍ لامة " وإنما أراد ملمة، لأن الأصل فيها من ألم فهو ملم، وكذلك قوله "ارجعن مأزوراتٍ غير مأجورات" وإنما أراد موزورات من الوزر، فقال: " مأزورات " لمكان مأجورات، طلباً للتوازن والسجع، وهذا مما يدلك على فضيلة السجع(32)». وفي الحقيقة روي الكثير عن أسجاع محمد كما هو قوله هذا:«أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام»...الخ.
أما القلقشندي فإنه يقترب من ابن الأثير في إثبات السجع في القرآن، وإن كان ابن الأثير أكثر عمقاً في الحديث عن ذلك. يقول القلقشندي: «ربما وقع السجع في فواصل جميع السورة كما في سورة النجم واقتربت (يقصد سورة اقتربت الساعة وانشق القمر المسجوعة على الراء) والرحمن وغيرها من السور». ومن المحتمل أن يقع السجع أيضاً في أواسط الآيات، وإن كانت السورة غير منتظمة على روي واحد: «ربما وقع في أوساط الآيات كقوله تعالى (الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور) وقوله (لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم)». وقل الأمر نفسه في تغيير محمد للكلمات في حديثه لكي تتناسب مع السجع(33).
للأسف ما زال الإسلاميون يعتقدون بالتهالك الذي قدمه الخطاب التراثي في نفيهم السجع عن القرآن، مستدلين بالحجة التي يعتقدون أنها قوية، وهي أنه في السجع: المعنى يتبع فيه اللفظ، بخلاف القرآن الذي يكون فيه اللفظ تابعاً للمعنى. طبعاً ربما ندرك تماماً قدرة التراثيين في اختراع القواعد لكي تتناسب مع نظريتهم في إعجاز القرآن. لا بد أن نعلم أن المسألة لم تكن تتعلق بالدرس اللغوي النقدي وما شابه، بل تتعلق فقط وفقط بحماية القرآن، فما بالنا أنّ كل هذه العلوم (من بلاغة ونحو وصرف..) قد نمت على تخوم القرآن، وهذا بحد ذاته له استحقاقات خطيرة في استمرار هذه القواعد إلى اليوم. لكن أياً يكن، إنه بالرغم من كون التراثيين اخترعوا تلك القاعدة لكي يدافعوا عن القرآن، إلا أن قراءة دقيقة في القرآن ذاته ستفشل مزاعمهم (قاعدة اللفظ والمعنى)، كما انتبه إليها بعض المتنورين التراثيين كابن الأثير، وخالف التناقضات الإسلامية.
بمعنى آخر، هناك الكثير من القرآن المكي تكون فيها السيطرة للزخرفة اللفظية فقط، أي الزخرفة السجعية، ولو كان ذلك على حساب المعنى القرآني الذي يريد محمد أن يقوله. ولتدليل على غلبة زخرفة الأسلوب وسيطرته السجعية على حساب المعنى في القرآن يمكن أن نأخذ ثلاثة أمثلة:
- يتفق معظم التراثيون والإسلاميون على أفضلية موسى على هارون، لذلك فقد غلب على الأسلوب القرآني تقديمه عليه دائماً، وقد ورد تقريباً سبع مرات، ولنلاحظ أن السور كلها مكية: [الأعراف:122]، [الشعراء:48] وهنا السياق في السورة مسجوع على الياء والنون،[يونس:75]، [الأنعام:84]، [الصافات:114و 120]، السياق مسجوع على النون مع الياء والواو (يـن، ـون)، [الأنبياء:48].
في موضع واحد فقط في القرآن نجد أن محمداً يخالف الأسلوب في تقديم موسى على هارون! ففي سورة طه نجده قد قدم هارون على موسى، وذلك لأن سجع السورة هو على الألف، ولا يناسب هنا السياق تقديم موسى على هارون! نقرأ: «فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى»[طه:70]. وهذه السورة تأخذ الترتيب الكرونولوجي الرقم 42، بحسب رواية ابن عباس.
- وردت لفظة إلياس (هو نبي بحسب القرآن) مرتين في سورتين مكّيتين هي الأنعام [85] والصافات[123]، لكن في الحقيقة ورد اسم هذا النبي ثلاث مرّات، أمّا المرّة الثالثة، فتمَّ تحريف اسمه لكي يناسب سجع سورة الصافات (يـن، ون)؛ هكذا نقرأ أن اسمه تبدل من "إلياس" إلى "إل ياسين": «سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِين»[الصافات:130]، لذلك لن نستغرب أن يخالف البعض هذه القراءة ليقرأوا اللفظ (قراءة مكة والبصرة والكوفة) ليس "إل ياسين" بل "إلياسين" وهو النبي إلياس(34)، لكن أضيفت الياء والنون لضرورة السجع.
- ورد تعبير "طور سيناء" في سورة المؤمنون «وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء» [المؤمنون:20]، وبغض النظر الآن عن اشتقاق لفظ الطور من الأصل العبري أو الأثيوبي كما حكى البعض، وبغض النظر عن معنى وموضع سيناء والذي فسر بأنه جبل بالشام؛ إلا أن اسم "سيناء" قد حُرِّف أيضاً ليناسب سجع السورة إلى "سينين" كما نقرأ: «وطور سينين» [التين: 2] وهذا التحريف أو التبديل لاسم سيناء أتى ليناسب سجع السورة على الياء والنون، وخاصة كما يقر كثير من المفسرين (منهم قتادة كما يرى في الآية الثانية) أن سينين هو نفسه سيناء. والأمثلة على هذه التحريفات في الخطاب المحمدي القرآني كثيرة لأغراض الأسلوب أو الزخرفة السجعية.
لذلك لا معنى أبداً لأقوال علماء القرآن (المسيطرة على الذهنية الإسلاموية إلى الآن) حينما اخترعوا قاعدة أن المعنى في القرآن يتبعه اللّفظ، وذلك لإبعاد القرآن عن ميادين سجع الكهّان، والحطّ من الأخير وحصره في ميادين الشعوذة والسحر لكونه متّصلا بالتقاليد الوثنية(35).
مهما يكن، تبقى هذه الادعاءات تنتمي إلى ميادين ثقافيّة، إلاّ أنّه لا بدّ من إخضاعها للدرس النقديّ والتاريخيّ.
بقلم: حمود حمود
عاش فريدا ومات فريدا.
عاش فريدا ومات فريدا. اختار توقيت موته وطريقة موته. رتّب كلّ شيء مسبقا. ولكنّ صراعه مع المرض تواصل بعد اختياره الانتحار الرّحيم. وقد علمنا الآن أنّه لفظ أنفاسه هذا الصّباح. تزامن موته مع مقتل محمّد البراهمي، ثالث شهيد في تونس يموت برصاص الذين أمضى العفيف الأخضر جزءا كبيرا من حياته وهو يفكّك فكرهم ويقاومه، ويفضح نواة العنف والإرهاب فيه. سنظلّ أوفياء إلى العفيف وفكره. وسنواصل مقاومة قوى تدمير (...)
الأوان من أجل ثقافة علمانية عقلانية
الهوامش:
1- Theodor Noldeke, "Sketches From Eastern History", (article, Quran)Translated By John Sutherland Black, M.A. And Revised By The Author (Noldeke), London And Edinburgh Adam And Charles .Black,1892, P.42.
this article is Originally published in the Encyclopedia Britannica, 9th ed., vol. xvi. p. 597 sqq.
ويشار إلى أن نولدكه قد قسم المرحلة المكية المحمدية إلى ثلاث فترات رئيسية، كان قد رتب القرآن كرونولوجياً أثنائها؛ أما الفترة الأولى التي أشرنا إليها، فإنها تضم نحو أربعين سورة من القرآن، ستكون في جزء كبير منها محط بحثنا من ناحية السجع.
2- الألوسي: "بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب" تحقيق محمد بهجت الأثيري، دار الكتب العلمية، ط1، 2009، ج3 ص 286- 287.
3- الفضاء الكهاني فضاء ثقافي رحب، يستوعب الناطقين باسمه من كلا الجنسين الذكري والأنثوي؛ بينما حوّلت الثيولوجيا الإسلامية عند العرب النبوةَ إلى فضاء ذكري محض، لا يستوعب إلا فحول الذكور! لذا لا نستغرب من تحديد اللاهوتيين لشروط النبوة بأن ذكورة النبي هي إحدى قوام اختيار الرب للأنبياء. طبعاً سندرك لاحقاً أن هذه المعايير هي مجرد تهويمات لاهوتية ذكورية فارغة، وخاصة حينما يوضع كلا الفضاءين –النبوي والكهّاني- أمام النقد التاريخي.
4- إن استخدام كلمة "تهمة" هنا في هذا السياق لتوصيف الكهانة، لا تعني أنها تهمة بما تشير إليها من استحقاق دلالي أو ما هو متعارف عليها إسلامياً؛ ذلك أن الكهانة بحد ذاتها ليست تهمة، وإنما هي ظاهرة دينية، لا تقل أهمية عن النبوة، إلا أن العرب قاموا بتشويهها والحط من شأنها، وذلك بهدف إعلاء المكانة النبوية التي قال محمد أنه ينتسب إليها. وهذا سنفصل فيه لاحقاً.
5- لقد أشرنا سابقاً (بحث وحي محمد ج2) مثلاً، أنه أثناء ثمانية عشر سورة التي يبتدأ فيها محمد القرآن، بحسب التقسيم الكرونولوجي لموير، فقد تحاشى محمد -وبشكل مطلق تقريباً- استخدام كلمة الله والاستعاضة عنها بلفظ غامض هو: الرب- ربك- ربي-ربهم...الخ.
6- السيرة الحلبية: ج1 ص326.
7- الجاحظ (150-255هـ): "كتاب البيان والتبيين"، الناشر مكتبة الخانجي بالقاهرة، ط7، 1998. ج1 ص287.
8- T. Fahd, " Divination", Article In The "Encyclopedia Of The Quran". General Editor: Jane Dammen McAuliffe. Brill, Leiden–Boston–Koln, Vol.1, P. 543.
9- Alan Jones, "Orality and Writing in Arabia ", article in the "Encyclopedia of the Quran". 2003, vol. 3, p.588.
10- صحيح البخاري: رقم: 1913.
11- Alan Jones, "Orality And Writing In Arabia ", Vol. 3, P.587.
12- ضياء الدين بن الأثير: "المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر"، ص114.
13- T. Fahd: "Sadj", As Magical Utterances In Pre-Islamic Arabian Usage, In "Encyclopedia Of Islam", New Ed. Leiden 1954 , Viii, P.733.
14- Devin J. Stewart, " Rhymed Prose", Article In The "Encyclopedia Of The Quran". Vol.4, p. 477.
وانظر كلام أحمد محمد الحوفي حول نشأة القافية الشعرية: «الحياة العربية من الشعر الجاهلي». ط4، مكتبة نهضة مصر. ص 195. وانظر أيضاً: بروكلمان: "تاريخ الأدب العربي"، ج1، ص51.
15- جواد علي: "المفصل في تاريخ العرب" نشر بمساعدة جامعة بغداد. ط2 ، 1993 ج8 ص746.
16- T. Fahd: ibid.
17- T. Fahd: "Sadj", P.732.
18- Macdonald, Duncan Black, "The Religious Attitude And Life In Islam". The University Of Chicago Press, 1909.P.25.
19- انظر أيضاً مقالة نولدكه المهمة:
Theodor Noldeke, "Arabs (Ancient)" In Encyclopedia Of Religion And Ethics, Edited Byjames Hastings, M.A, D.D. Vol. 1, P.661.
20- أحمد محمد الحوفي: «الحياة العربية من الشعر الجاهلي». ط4، مكتبة نهضة مصر، ص182.
21- البيت الثاني الذي يشير إليه الجاحظ (150-255هـ) هو للكاهن شق الذي يقول:
عَبيت لك عَبيتُ لك ... كيما أُتِيحَ مَقْتلك
فاصبر لما قَدْ حُمَّ لَكْ.
22- الجاحظ: "كتاب الحيوان" تحقيق عبد السلام محمد هارون. مطبعة مصطفى الحلبي بمصر، ط2 سنة 1967. ج6 ص207-208.
23- صحيح مسلم: رقم: 4485.
24- Devin J. Stewart, " Rhymed Prose", "Encyclopedia Of The Quran", Vol.4, Pp. 478.
25- ابن الجوزي: "المنتظم في تاريخ الأمم والملوك" دراسة وتحقيق محمد عبد القادر عطا ومصطفى عطا، دار الكتب العلمية بيروت- لبنان ط1 سنة 1992 ج4 ص21.
26- وقد أشار ديفين ستيوارات إلى بعض الأقسام (الأيمان) السجعية الكهانية في بواكير الخطاب المحمدي في السور المكية (وهذه سنأتي عليها في الجزء الثاني):
37:1-3; 51:1-4; 52:1-6; 53:1; 74:32-34; 77:1-6; 79:1-5; 81:15-18; 84:16-18; 85:1-3; 86:1; 89:1-4; 90:1-3; 91:1-7; 92:1-3; 93:1-2; 95:1-3; 100:1-5; 103:1. Devin J. Stewart, " Soothsayer ", Article In The "Encyclopedia Of The Quran". 2006, Vol.5, P. 80
27- الباقلاني: محمد بن الطيب (ت 403هـ)، "إعجاز القرآن" تحقيق عماد الدين حيدر، مؤسسة الكتب الثقافية ط4، 1999، ص91.
28- الباقلاني: مرجع سابق ص84.
29- الباقلاني: مرجع سابق ص84.
30- ينقل ديفين ستيوارت موقفاً ثالثاً لجلال الدين السيوطي، وهو في الواقع يحتاج إلى تدقيق، حيث يقول بأن السيوطي:
«Holds That While To Term The Quran Saj_ Is Unacceptable Or Disrespectful, It Nevertheless Exhibits Many Formal Features Of Saj Style », Devin J. Stewart, "Rhymed Prose", Article In The "Encyclopedia Of The Quran". 2004, Vol.4, P. 477-478..
31-الجاحظ: "البيان والتبيين"، ج1 ص383.
32- ضياء الدين بن الأثير: "المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر"، ص114- 115-116.
33- أحمد بن علي القلقشندي: "صبح الأعشى في صناعة الإنشا"، دار الفكر – دمشق، ط1، 1987، تحقيق : د.يوسف علي طويل، ج2، ص303 وما بعدها.
34- تفسير الطبري: (على هامشه للنيسابوري) المطبعة الأميرية ببولاق ط1 سنة 1329هـ (أعادت طباعته دار المعرفة- بيروت 1992) ج23 ص61.
35- انظر:
Devin J. Stewart, " Soothsayer ", In The "Encyclopedia Of The Quran". 2006, Vol.5, P. 79.
1- Theodor Noldeke, "Sketches From Eastern History", (article, Quran)Translated By John Sutherland Black, M.A. And Revised By The Author (Noldeke), London And Edinburgh Adam And Charles .Black,1892, P.42.
this article is Originally published in the Encyclopedia Britannica, 9th ed., vol. xvi. p. 597 sqq.
ويشار إلى أن نولدكه قد قسم المرحلة المكية المحمدية إلى ثلاث فترات رئيسية، كان قد رتب القرآن كرونولوجياً أثنائها؛ أما الفترة الأولى التي أشرنا إليها، فإنها تضم نحو أربعين سورة من القرآن، ستكون في جزء كبير منها محط بحثنا من ناحية السجع.
2- الألوسي: "بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب" تحقيق محمد بهجت الأثيري، دار الكتب العلمية، ط1، 2009، ج3 ص 286- 287.
3- الفضاء الكهاني فضاء ثقافي رحب، يستوعب الناطقين باسمه من كلا الجنسين الذكري والأنثوي؛ بينما حوّلت الثيولوجيا الإسلامية عند العرب النبوةَ إلى فضاء ذكري محض، لا يستوعب إلا فحول الذكور! لذا لا نستغرب من تحديد اللاهوتيين لشروط النبوة بأن ذكورة النبي هي إحدى قوام اختيار الرب للأنبياء. طبعاً سندرك لاحقاً أن هذه المعايير هي مجرد تهويمات لاهوتية ذكورية فارغة، وخاصة حينما يوضع كلا الفضاءين –النبوي والكهّاني- أمام النقد التاريخي.
4- إن استخدام كلمة "تهمة" هنا في هذا السياق لتوصيف الكهانة، لا تعني أنها تهمة بما تشير إليها من استحقاق دلالي أو ما هو متعارف عليها إسلامياً؛ ذلك أن الكهانة بحد ذاتها ليست تهمة، وإنما هي ظاهرة دينية، لا تقل أهمية عن النبوة، إلا أن العرب قاموا بتشويهها والحط من شأنها، وذلك بهدف إعلاء المكانة النبوية التي قال محمد أنه ينتسب إليها. وهذا سنفصل فيه لاحقاً.
5- لقد أشرنا سابقاً (بحث وحي محمد ج2) مثلاً، أنه أثناء ثمانية عشر سورة التي يبتدأ فيها محمد القرآن، بحسب التقسيم الكرونولوجي لموير، فقد تحاشى محمد -وبشكل مطلق تقريباً- استخدام كلمة الله والاستعاضة عنها بلفظ غامض هو: الرب- ربك- ربي-ربهم...الخ.
6- السيرة الحلبية: ج1 ص326.
7- الجاحظ (150-255هـ): "كتاب البيان والتبيين"، الناشر مكتبة الخانجي بالقاهرة، ط7، 1998. ج1 ص287.
8- T. Fahd, " Divination", Article In The "Encyclopedia Of The Quran". General Editor: Jane Dammen McAuliffe. Brill, Leiden–Boston–Koln, Vol.1, P. 543.
9- Alan Jones, "Orality and Writing in Arabia ", article in the "Encyclopedia of the Quran". 2003, vol. 3, p.588.
10- صحيح البخاري: رقم: 1913.
11- Alan Jones, "Orality And Writing In Arabia ", Vol. 3, P.587.
12- ضياء الدين بن الأثير: "المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر"، ص114.
13- T. Fahd: "Sadj", As Magical Utterances In Pre-Islamic Arabian Usage, In "Encyclopedia Of Islam", New Ed. Leiden 1954 , Viii, P.733.
14- Devin J. Stewart, " Rhymed Prose", Article In The "Encyclopedia Of The Quran". Vol.4, p. 477.
وانظر كلام أحمد محمد الحوفي حول نشأة القافية الشعرية: «الحياة العربية من الشعر الجاهلي». ط4، مكتبة نهضة مصر. ص 195. وانظر أيضاً: بروكلمان: "تاريخ الأدب العربي"، ج1، ص51.
15- جواد علي: "المفصل في تاريخ العرب" نشر بمساعدة جامعة بغداد. ط2 ، 1993 ج8 ص746.
16- T. Fahd: ibid.
17- T. Fahd: "Sadj", P.732.
18- Macdonald, Duncan Black, "The Religious Attitude And Life In Islam". The University Of Chicago Press, 1909.P.25.
19- انظر أيضاً مقالة نولدكه المهمة:
Theodor Noldeke, "Arabs (Ancient)" In Encyclopedia Of Religion And Ethics, Edited Byjames Hastings, M.A, D.D. Vol. 1, P.661.
20- أحمد محمد الحوفي: «الحياة العربية من الشعر الجاهلي». ط4، مكتبة نهضة مصر، ص182.
21- البيت الثاني الذي يشير إليه الجاحظ (150-255هـ) هو للكاهن شق الذي يقول:
عَبيت لك عَبيتُ لك ... كيما أُتِيحَ مَقْتلك
فاصبر لما قَدْ حُمَّ لَكْ.
22- الجاحظ: "كتاب الحيوان" تحقيق عبد السلام محمد هارون. مطبعة مصطفى الحلبي بمصر، ط2 سنة 1967. ج6 ص207-208.
23- صحيح مسلم: رقم: 4485.
24- Devin J. Stewart, " Rhymed Prose", "Encyclopedia Of The Quran", Vol.4, Pp. 478.
25- ابن الجوزي: "المنتظم في تاريخ الأمم والملوك" دراسة وتحقيق محمد عبد القادر عطا ومصطفى عطا، دار الكتب العلمية بيروت- لبنان ط1 سنة 1992 ج4 ص21.
26- وقد أشار ديفين ستيوارات إلى بعض الأقسام (الأيمان) السجعية الكهانية في بواكير الخطاب المحمدي في السور المكية (وهذه سنأتي عليها في الجزء الثاني):
37:1-3; 51:1-4; 52:1-6; 53:1; 74:32-34; 77:1-6; 79:1-5; 81:15-18; 84:16-18; 85:1-3; 86:1; 89:1-4; 90:1-3; 91:1-7; 92:1-3; 93:1-2; 95:1-3; 100:1-5; 103:1. Devin J. Stewart, " Soothsayer ", Article In The "Encyclopedia Of The Quran". 2006, Vol.5, P. 80
27- الباقلاني: محمد بن الطيب (ت 403هـ)، "إعجاز القرآن" تحقيق عماد الدين حيدر، مؤسسة الكتب الثقافية ط4، 1999، ص91.
28- الباقلاني: مرجع سابق ص84.
29- الباقلاني: مرجع سابق ص84.
30- ينقل ديفين ستيوارت موقفاً ثالثاً لجلال الدين السيوطي، وهو في الواقع يحتاج إلى تدقيق، حيث يقول بأن السيوطي:
«Holds That While To Term The Quran Saj_ Is Unacceptable Or Disrespectful, It Nevertheless Exhibits Many Formal Features Of Saj Style », Devin J. Stewart, "Rhymed Prose", Article In The "Encyclopedia Of The Quran". 2004, Vol.4, P. 477-478..
31-الجاحظ: "البيان والتبيين"، ج1 ص383.
32- ضياء الدين بن الأثير: "المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر"، ص114- 115-116.
33- أحمد بن علي القلقشندي: "صبح الأعشى في صناعة الإنشا"، دار الفكر – دمشق، ط1، 1987، تحقيق : د.يوسف علي طويل، ج2، ص303 وما بعدها.
34- تفسير الطبري: (على هامشه للنيسابوري) المطبعة الأميرية ببولاق ط1 سنة 1329هـ (أعادت طباعته دار المعرفة- بيروت 1992) ج23 ص61.
35- انظر:
Devin J. Stewart, " Soothsayer ", In The "Encyclopedia Of The Quran". 2006, Vol.5, P. 79.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق