ابن الراوندي
من الاعتزال إلى الإلحاد
قال الدكتور إبراهيم مدكور:
اتّصل ابن الراوندي بالمعتزلة ، و كان من حذّاقهم ، ثمّ خرج عليهم ، و وقف ضدّهم، و حمل عليهم لأسباب نجهلها(في الفلسفة الإسلامية، إبراهيم مدكور)
نعم ، اختلف المؤرخون في أسباب انشقاقه ، و اقترحوا أسبابا يمكن تقسيمها إلى قسمين.
أ ـ ما ذكره المعتزلة:
فأول من أطلعنا عن انشقاقه عنهم هو أبو الحسن الخيّاط في كتابه الانتصار.دافع فيه عن المعتزلة و فنّد ما جاء به ابن الراوندي في كتابه <فضيحة المعتزلة>. حيث حاول الخياط أن يدلي بأسباب عدّة من خلال ردوده على ابن الراوندي و من هذه الأسباب المختلفة:
1ـ أنّ نبذ المعتزلة له، عندما تكلّم بالسّوء عن عبد الله بن جعفر و عن الحسن بن علي (ض) .فقالوا له قصدت إلى من خبّر رسول الله (ص) أنه أحد سيدي شباب الجنّة بمثل هذا القول (الانتصار،أبو الحسن الخياط ، ص80)
2ـ و عندما رمى ثمامةَ بن أشرس بالمجون (حبه للغلمان) و هو الماجن، وقد عوتب على ذلك مرارا من قبل المعتزلة، فلم يتركه حتى أهلكه الله(نفس المصدر، ص66).و لكنّ ابن حزم ذكر أن ثمامة ين أشرس قد أحبّ غلاما من النصارى و كتب له كتابا يفضل فيه التثليث على التوحيد(طوق الحمامة ،ابن حزم الأندلسي ص338)
3ـ و عندما حاول نُصرة الإلحاد و الطعن في التوحيد ، و وضع كتاب التّاج و فيه احتجّ بقِدم الأجسام (قدم المادّة) و كتاب الزمردة حيث طعن فيه على الرّسل و وضع بابا فيه ترجمة على المحمّدية خاصة.من أحل هذا نفته المعتزلة و طردته من مجالسها.(الانتصار، 116)
4 ـ و يضيف أبو الحسن الخياط أنه في آخر صحبته للمعتزلة ، صحِبه أحداثٌ ، فكلّهم ظهر إلحاده و انكشف كفره ، فكانت المعتزلة أشدّ الناس عليه حتى هجره أكثرها ، فبقي طريدا وحيدا ، فحمله الغيظ إلى أن مال إلى الرافضة فوضع لهم كتاب الإمامة و تقرّب إليهم بالكذب على المعتزلة بوضعه كتاب فضيحة المعتزلة.
فتبعه أبو حيّان ، فقال:
و ابن الراوندي من طاح في أودية الضلالة و استجرّ إلى جهله أصحاب الخلاعة و المجانة (الإمتاع و المؤانسة ، أبو حيان التوحيدي ج2 ص19)
و قال ابن المرتضى المعتزلي:
تمنّى رئاسة المعتزلة فما نالها فارتدّ و ألحد ( باب ذكر المعتزلة ،ص92)
ب ـ ما ذكره الآخرون من غير المعتزلة
و هؤلاء رموه باتهامات ، و عللوا من خلالها سبب خروجه عن المعتزلة، ومن هؤلاء:
ـ أبو الفتح عبد الرحيم العباسي ، ذكر أن أبا العبّاس الطبري قال:
إن ابن الراوندي كان لا يستقرّ على مذهب، و لا يثبت على حال و قد صنّف كتاب البصيرة ردّا على الإسلام لأربعمائة درهم أخذها فيما بلغني من يهود سامراء، فلما قيض المال رام نقضها حتى أعطوه مائة درهم أخرى فأمسك عن النقض (معاهد التنصيص ج6 ص155)
وقد اطّلع إمام الحرمين أبو المعالي الجويني على الكتاب فقال: و قد نبغت شرذمة من اليهود تلقّنوا من ابن الراوندي سؤالا، علمهم: إذا سألكم المسلمون عن النسخ ،قولوا:قال موسى لا نبي بعدي. و استذلوا به الطغام و العوام من أتباعهم. و قالوا: النسخ جائز عند المسلمين، و لكنهم قالوا : بتأبيد ( أبدية) شريعتهم التي تصرم عمر الدنيا فإذا سئلوا الدليل على ذلك ، رجعوا إلى أخبار نبيهم ( نبي المسلمين) إيّاه ( بمعنى عن موسى) بتأييد شريعته (أي شريعة موسى)
(الإرشاد على قواطع الأدلة ص343 ، تحقيق محمد يوسف موسى)
و علل أهل السنة أن ابن الراوندي لم يناصر اليهود إلا لأنّ جدّه (إسحق) كان يهوديا من أهل خراسان: و أنّ المسلمين، قد حذّرهم اليهود من إسلام جدّه قائلين لهم:
لا يفسدنّ عليكم هذا كتابكم كما أفسد علينا أبوه التوراة 33
و لكن خصومه المعتزلة كانوا أكثر اتزانا إذ لم يطعنوا في أصله كما يفعل أهل السنة ، بل قال خصمه اللدود أبو الحسن الخياط
كان عمّه و أخوه معتزليان و ليس يعيب عليهما إلحاده لعنه الله (الانتصار 108)
ـ قال ابن الجوزي :
قيل كان يميل من قبل إلى مذهب الشيعة ، و أنه كان يكثر من مجالسة هشام بن الحكم الرافضي ، فلمّا عاتبه المعتزلة على ذلك قال: إنّما أريد أن أعرف مذاهبهم ثمّ كاشف و ناظر(تلبيس إبليس ص 11 ابن الجوزي) و صنّف لهم كتابه في الإمامة و أخذ منهم ثلاثين دينارا ، و لمّا ظهر منه ما ظهر قامت المعتزلة في أمره و استعانوا بالسلطان على قتله (بباب ذكر المعتزلة ص 92)
ـ و لكن الشريف المرتضى له رأي مخالف لما سلف.قال:
فأما الراوندي فقد قبل عمل الكتب التي شنّع بها عليه (كتاب الإمامة و كتاب فضيحة المعتزلة) معارضة للمعتزلة و تحدّيا لهم لأنّ القوم أساؤوا عشرته ، و استنقصوا معرفته فحمله ذلك على إظهار هذه الكتب ليبيّن عجزهم عن عدم استقصاء نقضها، و تحاملهم عليه في رميه بقصور الفهم و الغفلة( الشافي في الإمامة ،ص13 ، الشريف المرتضى)
و بمثل ما اختُلف في أسباب انشقاقه عن المعتزلة ، اختلف المؤرخون في وفاته كذلك،
فمنهم من قال قتل و صلب. قال ابن تغري بردي
لمّا اشتهر أمره في الزندقة، و لما تزايد أمره صلبه بعض السلاطين و هو ابن ست و ثمانين سنة (النجوم الزاهرةج2 ص185)
و هذه الرواية مستبعدة لقول ابن عقيل:
عجبي كيف لم يقتل، و قد صنّف كتاب الدّافع يدفع به القرآن و الزمردة يزدري بها على النبوات( شذرات الذهب ج2 ص236 ، ابن عماد الحنبلي)
قال ابن الجوزي:
لمّا ذمّ ابن الراوندي أهل زمانه لم يقتلوه رغم ازدرائه للنبوات، و كم قتل لصّ في غير نصاب و لا هتك حرز، و إنّما سلم مدة و عاش لأن الإيمان ما صفا في أكثر قلوب الخلق، بل في القلوب شكوك و شبهات، و إلا فلمّا صدق الإيمان حاول بعض الصحابة قتل أبيه.و قد ذكر أن السلطان قد طلبه هو و أبو عيسى الورّاق ، و لكن ابن الراوندي هرب إلى ابن لاوي اليهودي في الأهواز و وضع له كتاب الدافع في الطعن على محمد (ص) و على القرآن ثم لم يلبث إلاّ أياما يسيرة حتى مرض و مات(المنتظم في التاريخ ج6 ص102)
و أضاف ابن كثير على رواية ابن الجوزي
و يقال أنه أخذ و صلب(البداية والنهاية ج11 ص113)
و أما ابن خلكان فإنه قال أنه توفي برحبة مالك بن طوق التغلبي(رحبة الميادين) و قيل في بغداد(وفيات الأعيان ج1 ص79)
و كان ابن الوردي ، يتمنى أن يكون في زمنه ، ليقتص منه ، و ينتقم لنبيه ، فقال في ذلك شعرا
ألا يا ليتني مكّنت منه فكنت فعلت فيه ما أشاء
فإنّ! أبي و عرضي لعرض محمد منه وقاء
مما تقدم نستطيع الجزم بأنه لم يقتل و إنّما مات،أما مكان وفاته فلا يمكن الجزم به
ابن الراوندي و القدماء
قليلون هم الذين أنصفوا ابن الراوندي، و معظمهم ناله بالشتم و السب و اللعنة
قال ابن خلكان العالم المشهور
كان من فضلاء عصره، له مقالات في علم الكلام و له من الكتب المصنّفة نحو 114 كتابا منها فضيحة المعتزلة، و كتاب التاج ، و كتاب الزمرّدة، و كتاب القضيب، و له مناظرات و محاضرات مع جماعة من علماء الكلام، و قد انفرد بمذاهب نقلها أهل الكلام عنه في كتبهم( وفيات الأعيان ج1 ص79)
و لكن ابن كثير قد لام ابن خلكان للثناء عليه، قال:
و قد ذكره ابن خلكان على عادته، في الوفيات و قلس عليه (أثنى عليه)و لم يجرحه بشيء، و لا كأن الكلب أكل عجينا..(البداية والنهاية ج11 ص79)
و لام ابن خلكان على ترجمته الجيدة لابن الراوندي اليافعي الذي قال:
و المشاهير من أهل الحقّ، ينقلون عنه في كتب الأصول أشياء ينسبونه فيها إلى الزندقة و الإلحاد، فلا اعتبار لمن يمدحه بالفضائل كابن خلكان و غبره46 (مرآة الجنان ، اليافعي،ج2 ص238)
و قد أنصفه ابن حجر العسقلاني (المتوفى852ه/1448) قال عنه
أحمد بن يحيى بن إسحق الراوندي الزنديق المشهور ، كان أولا من متكلمي المعتزلة ثمّ تزندق و اشتهر بالإلحاد. و قيل أنه لا يستقرّ على مذهب و لا يثبت على شيء، و يقال: كان في غاية الذّكاء. و حكى جماعة عنه أنه تاب قبل موته مما كان فيه و أظهر الندم ن و اعترف بأنه صار ما صار إليه حمية و أنفة ثم انسلخ من ذلك كله بأسباب عرضت له، و لأن علمه كان أكثر من عقله (لسان الميزان ،ابن حجر ، ج1 ص323)
قال الإمام جلال الدين السيوطي
قال ابن الجوزي: زنادقة الإسلام ثلاثة ابن الراوندي و أبو حيان التوحيدي و أبو العلاء المعري، و شرّهم على الإسلام التوحيدي.لأنهما صرّحا و هو جمجم و لم يصرح (بغية الوعاة ص349 السيوطي)
يتبع
أبــو قثـــم
هناك 13 تعليقًا:
هلا بو قثم
ألف الراوندي كتاب الدامغ حيث دمغ به القرآن وليس الدافع
مقال رائع
وأنت رأيت غباء المؤرخين وتحيز المفسرين ضد كل من يخالفهم
تحية
أهلا أبو قثم
أول مرة تعرفت على الراوندي في كتاب التابث والمتحول لأدونيس وقد أورد بعض كلامه وبعضا من سيرته فهالني ما سمعت من جرأته والأكثر أن تم التعامل معه في بيئة جد منغلقة لكن بالاعراض والتبخيس من قدره تاريخيا لو جاء اليوم لكان زج به في محاكمات هزلية أو اغتيل في عصر أكثر حلكة نعيشه..كثرة فيه الجمجمة وقل فيه التصريح
شخصية تستحق الاحتفاء
مودتي
يا هلا فيك شيخي المحترم
نعم ألف الراوندي كتاب الدامغ يدفع القرآن و ينقضه و قد ألفه كما يقولون لليهودي ابن لاوي
هذا الكتاب نجده عند ابن الجوزيبعنوان الدافع و قد سمعت من يسميه الدّامق .و كم بحثت عمّن يسميه بالدامق فلم أهتد له.
على كل فهو نفس المؤلَّف
هناك الغباء و هناك الاستغباء
كل الذين تحدثوا عن ابن الراوندي يؤمنون بأن الرجل ألحد بعقله و رويته و إدراكه و ذكائه الخلاق.و إنما ذكر يهودية أصله و فاقته و مجونه إلا إدوات يحاولون بها صرف الأنظار و تخدير العقول و تمويهالحقائق
وهذا هو الاستغباء
أبو قثم
يا هلا بالأستاذ الكبير
حمدا على سلامتك
و أتمنى أن تكون قد قضيت عطلة هنية و مريحة
أما الراوندي فهو رمز التحدي الإسلامي
و عصره كان عصر الحرية و التفتح و التحديات
فكم نحن محتاجون لمثل أبام الصفاء هذه
أبو قثم
معلومات قيمة معظمها لأول مرة أقرأها عن ابن الراوندي
هذا وما قبله جهد مرجعي بحثي مشكور يا أبا قثم
ما أعرفه أن كتب الراوندي قد تلاشت ولم يصلنا منها شيء؟
وكل ما قرأناه له إنما وجدناه كاقتباسات في كتب من أرادوا الرد عليه أو النيل منه
إن كان ذلك صحيحاً
ما مدى إمكانية تجميع تلك الاقتباسات في متن واحد؟
مرة اخرى تتحفنا بنفائسك ايها المبش الرائع
تكتب كتاباتك كانك ترسم لوحة فنية معبرةورائعة
سلمت الانامل
دعوة للجميع للانضمام الى عائلتنا الراوندية الرائعة
http://www.rawndy.com/vb/index.php
ابو قثم نفتقدك
قلمك في منتدى الكفر والزندقة
هل نسيتنا ام تناسيتنا ؟
أهلا لاديني
شكرا على كلمتك النحترمة
نعم أيها الصديق لم يبق من كتب ابن الراوندي إلا ما هو مسطور في كتب خصومه و أعدائه الذين ردوا عليه و في بعض كتب المستشرقين الذين اهتموا به باكرا و حاولوا نفض الأغبرة عنه مشكورين
أبو قثم
يا هلا بالبابلي الكبير
لقد زرت المنتدى مرارا و سلمت عليك و على الأخت رانيا و الراوند
لا أخفيك أني لم أفهم كيف يمكن أن أشارك هناك بموضوع
لقد أرسلت إلى الأخ فرويد أستفسره عن كيفية المشاركة بمواضيع كاملة و ليس بتعاليق ، لكنه لم يجبني مع كل الأسف
و من جهة أخرى يا بابلي
مادام ابن سلول لم يحضر فإني أعتبر إنطلاقة المنتدى مؤقتة ريثما يظهر
فهو صاحب الفكرة و هو الذي يعرف كيف سيسير المنتدى
تحياتي و مودتي الفائقة
أبو قثم
الاستاذ ابو قثم العزيز
شيخنا العزيز
المنتدى بسيط جدا وهو في طور التطوير لحد الان مازال الشباب مشكورين يبذلون اقصى جهدهم لتطويره وتحسينه ليلبي المطلوب المنتدى يتألق يوم بعد يوم كل يوم جديد ينتمي الى عائلتنا الفتية اعضاء جدد ويعز علينا عدم وجود عقولكم الغنية والمليئة بالعلم والمعرفة انت وابن سلول اضافة وقوة نتمنى ويجب ان تكون في قيادة منتدانا الرائع
ان صادفتك اي مشكلة ارجو مراسلتي واعلامي يوجد عندك بريدي الالكتروني او راسلني من بريد المنتدى
استعمال المنتدى بسيط جدى اتصور ان العضوية موجودة عندك وماعليك الى الدخول الى المنتدى الذي تريد ان يكون موضوعك فيه ويوجد زر الى اعلى اليمين (موضوع جديد) اضغط عليه وستفتح لك نافذة ككل نوافذ المنتديات تنزل الموضوع وتعمل له اللازم وتكبس زر موافق
وخلاص
تحياتي
اخوك
الراعي البابلي
يا راعي يا بابلي يا كبير
و هل تردّ دعوة أنت صاحبها يا عزيز
لقد دخلت المنتدى
و وضعت فيه موضوعين سمعا و طاعة
فيا مرحبا
و شكرا على مشاعرك المحترمة
أبو قثم
شيخنا العزيز ابوقثم
صدقني لولا محبتنا انا واخي الراوندي لك لماكنت جئت هنا ودعوتك
ولكن معرفتي لك ومدح الراوندي لشخصك وكتاباتك الرائعة هي التي تدفعني للالحاح عليك واجبارك
اجبارك هذه هي بحكم الصداقة
تحياتي يارائع
إرسال تعليق