مما لا مراء فيه و لا شك أن محمدا كان شغوفا بالشيطان أيما شغف، و مما لا جدال فيه و لا نقاش أن محمدا كانت تستهويه شخصية إبليس المشاكسة على الأخص من دون سائر الشياطين أيما استهواء، إبليس الذي من جرأته استطاع تحدي رب موسى و امتنع بإبائه و أنفته عن السجود لدميته آدم، إبليس الذي استغفل الله و دخل جنته من حيث لا يدري رغم أنه قد وسع كل شيء علما، ثم أغوى آدم و زوجه و أخرجهما مما كانا فيه رغم مشيئة الله الذي من شدة حرصه عليهما علمهما الأسماء كلها. إبليس هذا كان أمنية محمد الكبرى و قرة عينه اليمنى.أما إبليس اللعين فمنذ أن فتن دمية الله آدم و أخرجه من الجنة و هو متربص بنور النبي، يراقبه في كل لحظة و حين و يتبعه من هذه النطفة إلى تلك و من هذه العلقة إلى تلك و من هذه السلالة البشرية إلى تلك السلالة و من هذا الرجل إلى ذاك إلى أن لاحظه الراهب اليمني في خياشيم عبد المطلب و أنبأه به فكان فرح إبليس عظيما لأنه أدرك أن الساعة قد أزفت و أن لحظة نهاية الانتظار قد أدنت.و ما إن سطع نور النبي من فرج آمنة و أضاء إيوان كسرى و العراق حتى انقض إبليس على محمد و مسه المسة الأولى. عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ قَالَ: مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلاَّ وَالشَّيْطَانُ يَمَسُّهُ حِينَ يُولَدُ، فَيَسْتَهِلُّ صَارِخاً مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ إِيَّاهُ، إِلاَّ مَرْيَم وَابْنَهَا.البخاري باب تفسير ال عمران حديث رقم 4548. و ما لبث لعنه الله أن تسرب إلى داخل محمد الصبي حيث عشش و سكن فصار منه بمثابة الجوهر و الأنا الباطني الذي لا يفارقه و لا يسهو عنه، حاضر في ذهنه ماثل في أهوائه ظاهر في فعاله جلي في أقواله.فبدأ يشب معه و يترعرع.رضع معه من ثدي حليمة السعدية و رعى معه الماعز و الجمال و رغم أن جبريل قد شق صدره و أخرج فؤاده ثلاث مرات و غسله في طست إلهي من ذهب إلا أن الشيطان بقي مستبدا بداخل محمد عالقا بأحشائه مستحوذا عليه.و إن دل هذا على شيء فإنما يدل على قصر حيل الله أمام إبليس اللعين و انهزامه المستمر أمامه.و حتى محمد لما بلغ (ص) أشده، فقد مرت عليه نوبات تمنى فيها الخلاص من إبليس و من خبطه و نزغه و همزه له في كل وقت و حين، و ادعائه الوصاية عليه.لذا نجده و قد ربطه مرة إلى سارية المسجد و خنقه مرة أخرى إلى أن بقي برد لسانه على كفه الطاهرة و نجده يحث أصحابه و بلهاءه على لعن إبليس و سبه و التعوذ منه، و إذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم يعني كلما قرأت قول محمد فقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، و مثله إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم يعني كلما أنهيتم الصلاة إلى الشيطان فتوضئوا من نجاسة فِعلكم قبل أن تخالطوا الناس،لأن الناس أطهر من أن تخالطوهم بنجاسة صلاتكم الشيطانية.فمحمد رغم فرحه باقترانه بإبليس إلا أنه قد حاول أن يفرض عليه نفسه و رأيه.فليس محمد بالدمية التي سيستغفلها إبليس و يسيرها حسب هواه. لكنه بالمقابل قد يقبل بأن يكون ذلك الداهية الذي قد يحقق لإبليس و لغيره ما يصبو إليه، و لكن شريطة أن تلتقي المصالح.فكلنا يعلم مدى ما أصاب إبليس من المهانة و الغبن إثر أمر الله له بالسجود لآدم و استعباده من دون الله.و كلنا يدرك المرارة التي أحسها إبليس و هو يطرد دليلا حقيرا من الجنة بعدما كان فيها حرا طليقا عزيز النفس موفور الكرامة.فإبليس لم يستسغ لحد الآن الحكمة من أمر الله له بالتخلي عن كرامته و عزته و هو الذي في نفس الوقت يأمر الناس بألا يشركوا به أحدا و ألا يُعبد في السماوات و الأرض غيره و ألا يٌسجد إلا له.فكيف به يرضى لإبليس بهذا الموقف المهين لهذه الدرجة؟؟فأسرّها إبليس في نفسه و لم يقسم على إغواء الناس أجمعين و القعود لهم بكل صراط مستقيم فحسب، بل لقد أقسم بأغلظ أيمانه على تحطيم الله و القضاء عليه.و تلك كانت هي مصلحته العليا التي بات يسعى في تحقيقها منذ أن حادّ الله و خرج عن طاعته. و لم يكن ليقف أبدا مكتوف الأيدي بل كان دائم التربص بالله و الكيد له و استفزاز رسله و أنبيائه وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم. الحج 52. أما محمد فمن خلال سعة دراسته و قوة ملاحظته فقد تبين له مدى تفاهة الله.هذا الإله المتزلف للعباد الذي رضي لنفسه الاقتران بفرعون لمّا كان يقول للناس أنا ربكم الأعلى حتى جاءهم موسى فنصح الله بالرحيل عن الأرض و وضّح له أنه لا يليق بالإله مثله أن يعيش في الحضيض بين الناس و أن الأجدر به أن يكون له عرش يستوي عليه في السماء بعيدا عن أهواء بني البشر و إغواءاتهم، لكن الله ما لبث أن عاد و تقمص جسم المسيح بن مريم و ركب معه الحمار و سار حافي الرجل مكشوف الأست في الأسواق حتى انقض عليه الأعداء فقتلوه و صلبوه.هذا الإله تبين لمحمد أنه يستحق الحِجر عليه و تجريده من كل صلاحياته الإلهية و السطو على وظائفه و سلطاته. فالتقت المصالح بين إبليس و محمد و قامت الهدنة و حل بينهما التفاهم. و بدآ في حياكة خطتهما الجهنمية التي بمقتضاها خرج محمد في بادئ الأمر في قريته بثياب الزاهد الورع الذي يعظ الناس و ينصحهم و يبشرهم و ينذرهم، ثم، في غفلة عنهم، بدأ ينفث سموم العداء و الكراهية و التفريق بين الأهل و الخلان. فتبين لهم أن الذي بمنازل بني عبد مناف شيطان مريد فدحروه و أخرجوه و من تبعه من الأرذلين: قالوا أنومن لك و من اتبعك الأرذلون قال و ما علمي بما كانوا يعملون، 111/112 الشعراء. فخرج يتربص بالقبائل يغريهم بأموال الناس و أعراضهم و يفتنهم بنسائهم وأملاكهم فيتولون عنه إلا رهط الأوس و الخزرج الذين وافق أمره هواهم فآجروه عندهم و آووه و حموه مما يحمون منه نساءهم و دراريهم ثم صيروه عليهم مليكا يأمرهم بالمنكرات و ينهاهم عن المعروف.فاغتنمها فرصة محمدً، فنصّب نفسه رئيس حكومة الله و وزيره الأول و الناطق الرسمي باسمه.فغدا يأمر بأولوية طاعته و الإذعان لأوامره مساويا في ذلك بين الله ونفسه :ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم النساء : 59 .و من يطع الله و رسوله يدخله جنات من تحتها الأنهار، و من يعص الله و رسوله و يتعدّ حدوده يدخله نارا خالدا فيها و له عذاب مهين النساء 13/14. وفي الصحيح عن النبي ، أنه قال : من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ، ومن يعص الأمير فقد عصاني.ثم ما لبث أن اشترط ذكر اسمه كلما ذكر اسم الله ،فنجد في تفسير الآية الرابعة من سورة الشرح، و رفعنا لك ذكرك، أن المفسرين قد أجمعوا على أن رفع الذكر هنا هو أنه إذا ذكر الله ذكر معه محمد. فصار اسم محمد موازيا لاسم الله في كل شيء .و كلما استثب له الأمر أكثر زاد في تجرُّئه على اختصاصات الله التي أناطته بها الأديان الأخرى. فأصبح يأمر و ينهى ويحلل و يحرم: و ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا و اتقوا الله الحشر 7. قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله و لا باليوم الآخر و لا يحرّمون ما حرّم الله و رسوله و لا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون التوبة 29. و لم يكتف بذلك بل تعداه إلى السطو على مكانة الله فأصبح كل ما يهمّ محمدا يهمّ الله فطاعة محمد هي طاعة الله و عصيانه هو عصيان الله، كذلك أصبحت الهجرة إلى محمد هي الهجرة إلى الله وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً النساء100، و إرضاء محمد و القنوت له هو إرضاء لله و قنوت له، وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ التوبة62 ، وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً الأحزاب31 .بل و أكثر من هذا و ذاك، فقد أصبح العداء لمحمد هو العداء لله و محبة محمد هي محبة الله: إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ التوبة24 ، و في صحيح البخاري والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده . هكذا تفتحت شهية محمد على الألوهية و اطمأن إبليس على مصيره و سارا في خطتهما الجهنمية إلى أن حلت موقعة الحديبية التي سيستغلها محمد أيما استغلال ليعزل الله عن مهامه و يقيله من منصبه ثم يعتلي عرشه بكل هدوء و طمأنينة ، فتنتقل إليه السلطة الإلهية بكل سلاسة و يسر، و يصبح من ثمة هو الله المطلق الذي لا شريك له.فأنزل في هذا الأمر آية العزل التي يقول فيها : إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم. هكذا عُزل الله عن مهامه و حل محله الإله الجديد. فالذين بايعوا محمدا تحت الشجرة و رضي الله عنهم لم يبايعوا في الحقيقية محمدا إنما هم بايعوا الله ،فمحمد إذا هو الله هو الأكبر الذي لا إله إلا هو. ثم أنزل بعد ذلك الآية 70 من سورة الإسراء: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا.أخرج القرطبي في الجامع لأحكام القرآن مَا حَكَاهُ الطَّبَرِيّ عَنْ فِرْقَة , مِنْهَا مُجَاهِد , أَنَّهَا قَالَتْ : الْمَقَام الْمَحْمُود هُوَ أَنْ يُجْلِس اللَّه تَعَالَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ عَلَى كُرْسِيّه .و يضيف القرطبي عن أبي وائل عن عبدالله عن النبي أنه قال: إن الله عزّ وجلّ اتخذ إبراهيم خليلاً، وإن صاحبكم حبيب الله وأكرم الخلق على الله ، ثم قرأ: عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا قال: يقعد على العرش.هكذا تولى محمد عرش الله و كتب عليه اسمه و استولى على حكمه: وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ النور48، وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً الأحزاب36. فما كان من إبليس إلا أن كان أول المبايعين و الساجدين لمحمد و لسان حاله يقول أنت يا محمد أحق من آدم و من ربه بالسجود. و لم يكتف محمد بالسطو على الله و على ملكوته و حكمه، فقد تبين له أن ذلك وحده غير كاف ليروي غليله و يشفي صدره و يضمن له طاعة إبليس إلى يوم الدين،لدا بادر إلى إهانة الله بأن جعله خادما يهرول بينه و بين الناس و يسهر على خدمته و تلبية رغباته، مما اضطر أم المؤمنين عائشة إلى النطق بشهادتها المشهورة المذكورة في صحيح مسلم و غيره : عن عائشة أنها قالت، ما أرى ربك إلا يسارع لك في هواك،صحيح مسلم كتاب الرضاع باب الزواج هبة نوبتها لضرتها. فأصبح الله يوصل الصلوات من المسلمين إلى محمد و يزوجه و يطلقه من فوق أرقعه و يبدل له القبلة و يفرض له الحج و يحرم الخمر و يفرض الحجاب و ينسخ الآيات و ينصره و يجاهد في سبيله: إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار التوبة 40
هكذا يسطو محمد على الله في لعبة مكشوفة تحت إشراف إبليس ،فيصبح محمد قرين الشيطان هو اللهَ العظيم.و تصبح الثلاثية المقدسة الله إبليس محمد هي أقانيم الإسلام الثلاثة التي تجتمع لتكون شخص رسول الإسلام.
شيخ النار أبو قثم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق