من بين ما يلبّد سماء الأمة العربية
الكئيبة، في هذه الأيام العصيبة، و يلوث صفاء فضائها المتهالك، مصطلح ( ما يرضي
الله) الذي يعمل مرضى الله و صعاليك رسوله على بعثه من قبره.
و مما يستفاد من هذا المصطلح هو أنه يعني
فيما يعنيه، كل شيء أمر الله بفعله و حث عليه و رغّب فيه..فالركوع و السجود و
التذلل و الامتهان و التمسح بالأحجار هو مما يرضي الله.كذلك القتل و النكح و البضع
و الجهل و الفقر، كل ذلك مما يرضي الله. و بما أن أفعال المرء تكون على درجات فإن
ما يرضي الله يتفاوت هو الآخر قيمة و أهمية و قبولا عند الله..فالصدقة، ورغم أنه
لا يناله منها شيء، فإنها قد ترضي الله و قد لا تفعل ، و لكن الأكيد و المؤكد هو
أن صداق النكاح و أجور المنكوحات يرضيه أكثر..كما أن الأضحية و التقرب بغشاء
الحشفة هو مما يرضي الله، إلا أن الجهاد في سبيل الله و لو بالذكر هو مما يرضيه
أكثر فأكثر..كذلك الزواج،فهو مما يرضي الله بحق، إلا أن الزواج بأربع قواصر لهو الأكبر
درجة عند الله و الأعظم إرضاء له.
هكذا نرى بأن هذا المصطلح الكريه ينتشر
شيئا فشيئا ليشمل جميع أنشطة المسلم و معاملاته.فمنذ أن يفتح عينيه على شمس الصباح،
و إلى أن يضمه دفء فراش الليل، يعيش المسلم الحنيف على ما يرضي الله. يبيع و يشتري
بما يرضي الله.يستفتح الأعمال بالبسملة و الحوقلة، و يختتمها بالحمدلة و
الاستغفار، و بين الاثنتين..غش كثير بما يرضي الله، و حلف على الكذب و هو يعلم، بما
يرضي الله، و نصب و كيد و احتيال و احتكار و زبونية و فساد عظيم ..بما يرضي الله.
و إذ يزني المسلم فإنه لا يزني إلا بما
يرضي الله. ينكح الميتة و القاصر دون الحلم و البهيمة، و يزني بالمثنى و الثلاث و
الرباع..كل ذلك بما لا يحالف ضره الله و سنة رسوله و لا يخرج عن مذهب أبي حنيفة
النعمان و الأئمة الأربعة. حتى إذا ما قضى من عواهر الشرع أوطاره، رمى بهن إلى
سراديب الدعارة بحجة أن الزواج حلال و أن الطلاق أبغض الحلال إلى الله. و تعتبر
مؤسسة الزواج الإسلامية أكبر ماكينة لتفريخ المومسات و أبناء الشوارع و المتخلى
عنهم بما يرضي الله.
أما عن الإجرام فحدث و لا حرج.. إذ
الكافر و المرتد و الملحد و الخارج عن الملة و الدين تجوز سرقتهم في شرع الله ، و
يجوز ابتزازهم و نهبهم و سلبهم و سبيهم بما يرضي الله.و لا يلوم المسلمَ لائم ، و
لا يخزه ضمير أو يثنيه خلق عن قتل المخالف و المعارض له، لأن قتله و سحله و الفتك
و التمثيل به، فرض عين في شرع الله و جهاد في سبيله.. و أن عصب الإسلام و رأس
الإيمان لهو الجهاد..و أن منه جاهد في سبيل الله بماله و ذكره و نفسه فقد فاز فوزا
عظيما. و لئن سألت المسلم عن القتل بما يرضي الله قال هو القتل بالمعروف و الرأفة
بالمقتول، و يتم ذلك بالتكبير و الذبح من الوريد إلى الوريد و سبي الأهل و نهب
المال و قطع النسل و محو الاسم و طمس الأثر... فلنعم القتل قتل المسلم و لنعم
المرضاة مرضاة رب المسلم.
و إن من بركات ما يسمى بالربيع العربي أن
اتسع نطاق استعمال هذا المصطلح الخبيث ليغزو أدبيات الحكم و قوانينه في الدول و
الأقطار التي مسها مدّ الخراب الإسلامي، و التي تمثل مصرُ أكبر و أجود شاهد
عليه..فبعد سطوهم على دواليب الحكم و سيطرتهم على خزائن الدولة و تمكّنهم من أعناق
العباد، هاهم الخرفان المجرمون يخربون مؤسسات الدولة و يدمرون اقتصادها بما يرضي
الله، و هاهم ينتهكون الحرمات و يضيقون على الخريات و يسعبدون المواطن و يهينون
الكرامات، و يصادرون الحقوق و يغتصبون المكتسبات..و كل ذلك يتم بما يرضي الله
فماذا بقي بعد مما لا يرضي الله، إذا؟؟؟
إن كل ما من شأنه انتزاع القيمة من
الإنسان و امتهانه و احتقاره و اغتصاب إنسانيته و انتهاك أعراضه لهو مما يرضي الله
. و إن كل ما يعظم الإنسان و يكرمه و يرفع من قيمته لهو مما يغضب الله
فليغضب الإله ما شاء له أن يغضب
و لينفجر الرب ما شاء حزنا و كمدا
فإنا قد ولدنا هاهنا أحرارا سعداء
وإنا سنبقى هاهنا شدادا كراما أبدا
و بئسا لقوم يعيثون في الأرض فسادا
يبتغون مرضات رب مريض متخلف جاهل حقود
أبو نبي العرب
هناك 3 تعليقات:
عليك اللعنة ياكبيرنا مااروع مقالاتك انحني اجلال واكراما لفكرك وعقلك
تحية وسلام
رائع هو هذا القلم! سلمت يداك و تبت اياديهم
إرسال تعليق