إلى نادية ياسين
لقد تطرقت المقابلة الصحافية هذه لعدة نقاط مهمة نكتفي منها بالتعليق على نقطتين نراهما حساستين للغاية. أولا هما ما يتعلق بالنظام الجمهوري و مدى ملاءمته لروح الإسلام. فأول ما ينبني عليه النظام الجمهوري هو مبدأ الحرية...و هذا المبدأ يتعارض مع قوله سبحانه : و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة إذا قضى الله و رسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم، و من يعص الله و رسوله فقد ضل ضلالا مبينا. سورة الأحزاب الآية 36 . و ثاني أسس النظام الجمهوري هو التداول على السلطة و محاسبة الحكام...و هذا يتعارض مع جوهر النظام الراشدي الذي تدعي السيدة مشابهته للنظام الجمهوري. ففي رسالته الأخيرة كما انتسخها ابن سهل يرد عثمان الخليفة على معارضيه راسما حدود معالم وشكل الخلافة الراشدية قائلا : و هم يخيرونني إحدى ثلاث إما يقيدونني بكل رجل أصبته خطأ صوابا غير متروك منه شيء ، و إما أعتزل الأمر فيؤمّرون غيري ، و إما يرسلون إليّ من أطاعهم من الأجناد و أهل المدينة فيتبرؤون من الذي جعل الله سبحانه و تعالى لي عليهم من السمع و الطاعة. فقلت لهم أما إقادتي من نفسي فقد كان من قبلي خلفاء تخطئ وتصيب فلم يستقدمن أحد منهم؛ وقد علمت إنما يريدون نفسي، و أما أن أتبرأ من الإمارة فإن يكبلوني أحب إلي من أن أتبرأ من عمل الله عز و جل و خلافته ، و أما قولكم يرسلون إلى الأجناد و أهل المدينة فيتبرؤون من طاعتي، فلست عليكم بوكيل و لم أكن استكرهتكم من قبل على السمع والطاعة؛ و لكن أتوها طائعين..)... فالخلافة إذا مؤبدة؛ و ليس فيها مراجعة و لا محاسبة و لا عقاب الحاكم إن أخطأ؛ كما لا يجوز للرعية أن تنزع البيعة منه أو تعزله؛ و مجرد مبايعتها له تعتبر مبايعة أبدية لا يجوز سحبها و لا الرجوع عنها . فهل هذا هو النظام الجمهوري ؛ الذي ينبني على أساس ثالث، هو مبدئ تكافئ الفرص .؟ هذا المبدأ لا يستقيم و منطق الاصطفاء و التفضيل كقوله سبحانه : للرجال على النساء درجات..إن الله فضل بعضكم على بعض في الرزق.. قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون...كما أن النظام الجمهوري يعتمد الوضوح و الشفافية و الانتخاب بالاقتراع أما نظام الخلافة الراشدية فلا يعتمد خطة واحدة واضحة في تولية الخليفة بل نلاحظ أن الخلفاء الراشدين فد تولوا الحكم بسبل و أساليب مختلفة.فبعد أن رشح الأنصار و انتخبوا سعد بن عبادة في اجتماع السقيفة يتدخل عمر و أبو عبيدة الجراح و أبو بكر فيناظرون القوم مدعين الخلافة لقريش رغم عدم وجود نص مؤيد. فيرشحون بل يبايعون أبا بكر رغما عن أنوف الجميع.هذا الأخير سيوصي لعمر في كتاب يبايع عليه المسلمون دون أن يقرؤوا مضمونه. ثم يجعل عمر اختيار الخلافة في ست أشخاص و هم علي و عثمان و طلحة و الزبير وابن عوف و سعد. و هو ما اختلف عن أسلوب اختيار علي ببيعة بعض الأمصار و بيعة معاوية بحد السيف و يزيد بن معاوية بالوراثة. فنحن هنا أمام ستة أساليب مختلفة لاختيار الحاكم؛ و هذا ما لا يتطابق بتاتا مع نظام الحكم الجمهوري الأمريكي الذي تتشدق به السيدة المحترمة و لا الحكم الجمهوري الفرنسي الذي تعيش في ظله..
فهل بعد هذا كله من تطابق بين النظام الجمهوري العلماني و النظام الراشدي التيوقراطي.؟ تقول السيدة المحترمة أن التيوقراطية مسيحية تؤمن بالمسيح الدجال و ليست مؤمنة مسلمة حنيفة حتى نصف بها نظاما إسلاميا .
أما ثاني ما تطرقت إليه السيدة المحترمة فهو الشريعة التي تعني حسب قولها شرع الترع للماء حتى يسيل فيطيب ويعذب.. عن ألإمام الشافعي أنه قال:
إني رأيت وقوف الماء يفسده إن سال طاب وإن لم يسل لم يطب.
فلنعم الشريعة هذه. شريعة التيسير و التفتح و الاعتراف بالغير حقه و فضله التي قلما يتحدث عنها المدعوذون و المتزمتون و معمموا هذا الزمان. و نحن نعلم أن شريعة التيسير هي شريعة الاجتهاد التي تسمح بتقديم العقل المتحرك على النص الثابت . هذا الاجتهاد من يذكره يتذكر عمر الخليفة الذي اجتهد فألغى سهم المؤلفة قلوبهم مخالفة للنص القرآني و حرم زواج المتعة، و أوقف حدّ السرقة على المحتاج ثم عطله في عام المجاعة و عطل التعزير بالجلد في شرب الخمر في الحروب، و خالف السنة في تقسيم الغنائم فلم يقسم الأرض الخصبة_ ارض الهلال الخصيب الذي يوشك أن يصبح الهلال الشيعي_ ؛ و فتل الجماعة بالواحد مخالفا المساواة في القصاص..هكذا كان عمر يستخدم العقل في التحليل و التعليل و لا يقف عند ظاهر النص مطبقا في نفس الوقت روح الإسلام و جوهره و غايته الذي هو العدل..و لسان حاله يقول بأن مخالفة النص من أجل العدل أصح في ميزان الإسلام الصحيح من مجافاة العدل بالتزام النص... هذا الإسلام السمح المتنور نحبذه ؛ بل نحن المسلمون الجدد ندعو إليه بمطالبة فتح باب الاجتهاد على الذين يحملون في رؤوسهم عقولا و في محاجرهم عيونا و ليس للذين يحملون على رؤوسهم عمائم التخلف و في قلوبهم غل للذين آمنوا.
إذا كان هذا هو حقا ما تتحدث عنه سيدتنا المحترمة فإن قولها هذا ليشكل قفزة نوعية في فكر الجماعة و انعطافة خطيرة في تاريخها....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق