فلتعلم أن ابن سعد في طبقاته قد أتى على سيدنا أبي ذر الغفاري راويا: أن أبا ذر الغفاري كان رجلا يصيب الطريق، و كان شجاعا يتفرد وحده بقطع الطريق،و يغير على الصرم ـ وهم الجماعة من الناس بأعداد قليلة ـ في عماية الصبح على ظهر فرسه، أو على قدميه،كأنه السبع، فيطرق الحي و يأخذ ما يأخذ،ثم إن الله قذف في قلبه الإسلام. انتهى كلام ابن سعد .
و لتـعلم أعزك رب الرحمــة، أن سيدنا أبا ذر قال أنه كان في الإسلام رابعا.وأنه الذي ما أن انتهى إليه خبر الرجل الذي بمكة ظهر حتى خفّ إليه في غير إبطاء. وما أن به اختلى صلعم حتى قذف الله في قلبه الإسلام و الإيمان .و لتعلم أنه ما أن نطق بالشهادتين بين يدي نبي الله و حبيبه المصطفى المختار حتى خرج جاهرا بالقول بها في عز سرّيتها. فناله من القوم أخذ وخيم لولا تدخل العباس دونه منبها القوم الذين اجتمعوا عليه . فيقول سيدنا أبو ذر:
فأدركني العباس فأكب علي ثم أقبل عليهم فقال:
ويلكم، أ تقتلون رجلا من غفار و متجركم و ممركم على غفار فاقلعوا عني.
هذا مارواه البخاري عن ابن عباس عن أبي ذر.
و لتعلم أن سيدنا أبا ذر بعد هذا الإنجازالعجيب قد قفل إلى أهله عائدا ثم انزوى بهم في مكان يدعى عسفان يتربصون بقوافل قريش ، فكلما أقبلت لهم عير يحملون الطعام ،يعترضهم و يجبرهم على إلقاء أحمالهم فيقول لهم :لا يمس أحدكم شيئا حتى يقول لآ إله إلا الله، فإن هم قالوا أخذواأحمالهم، أ لا إن لله جنودا لم تروها.
ثم إن سيدنا أبا ذر قد لبث بين أهليه فِـرقا من الزمان يفقههم بالدين ويعلمهم أصوله و أحكامه التي لم أفهم بعد من أين كانت تأتيه و هو الذي لم تجمعه بالرجل الذي ظهر ببكة سوى سويعات قلائل.
كما أن علماءنا الأجلاء لم يحدثونا عن ان جبريل كان يعرج على غفار بالوحي. فكان هكذا أول و أكبرالمتخلفين عن كل جلائل الإسلام و مكرماته.فلم يحضر معجزات نزول الوحي و لم يشارك في أفضال غزوة بدر و لا أحد و لا الخندق و لا حتى تبوك .
هذا هو أبو ذر جنذب بن جنادة الغفاري الذي لم يلتحق بالنبي صلعم إلا بعد أن فات ما فات وحدث ما حدث و وقع ما وقع فلا هو من الذين رضي الله عنهم إذ يبايعونك تحت الشجرة و لا هو ممن دب عن الرسول في أحد( رغم أن حدسي يقول أنه هو و قبيلته من لعبوا دور الملائكة المسومين)و لا هو ممن رأوا الآيات يوم الفتح ولا هو ممن شاهد الملائكة المسومين. و مع هذا، ورغم كل هذا فقد استحق الرجل لقب الصحابي الجليل. ولله جنود السماوات و الأرض و لكن المنافقين لا يفقهون.
و لتعـلم أعـزك رب الرحمة أن الرجل لم يستطع الاندماج في المجتمع النبوي المثالي الذي هيأ له الرسول الأكرم أسباب النجاح بعناية الرحمن. إذ منذ أن قدِمه في جماعة بني قومه و جيران لهم يدعون اسلم، فقالوا يا رسول الله إخوتنا،نسلم على الذي أسلموا عليه، فأسلموا فقٌال صلعم:غفار غفر الله لها و أسلم سالمها الله، لم يلبث فيه حينا حتى التحق النبي بربه. فكان أول الرافضين لبيعة ابن أبي قحافة الصديق إلا أنه ما لبث أن هدأ و استكان في عشرية عمر أمير المؤمنين ليعاود رفضه وشذوذه عن المجتمع النبوي زمن عثمان بن عفان.أيعقل أن يأنف امرؤ هكذامن مجتمع كوّنه النبي الكريم بالإلهام الرباني و حفّه الإله بالرعاية و زانه بالآيات أم لحاجة في نفس يعقوب ما قضاها
.‘عن الحارث بن يزيد الحضرمي عن ابن حجيرة الأكبر،عن أبي ذر قال: قلت يا رسول الله أ لا تستعملني فضرب بيده على منكبي ثم قال يا أبا ذر إنك ضعيف و إنها أمانة و إنها يوم القيامة خزي و ندامة إلا من أخذها بحقها و أدى الذي عليه فيها ،رواه مسلم.
هذا هو أبو ذر الرجل الخفي المحير الذي لم يشهد مناقب الإسلام و لم يلحق بمواكب الفتح و لم يعجبه المجتمع النبوي الذي بدوره لم يعجَب بالرجل و لم يقبل به نبيا آخر بل مضى عكس ما يدعوه إليه نحو التمدن والتحضر والتقدم .
فليرحم رب الرحمة أبا ذر بن جنذب بن جنادة بما رحم به سيدنا و مولانا كعبا الأحبار. و ليجازه عنا وعن الإسلام بما جازى أهل البيت الأخيار، فعن أبي حرب بن أبي الأسود قال سمعت رسول الله يقول:ما أقلت الغبراء و لا أظلت الخضراء من رجل أصدق من أبي ذر ،رواه الإمام أحمد. و عنه كان يقول صلعم: رحم الله أبا ذر يمشي وحده و يموت وحده و يبعث يوم القيامة وحده...فياسعده و يا فرحه
مقتبس من موضوع
وا معتصماه
باب جهنم
أبو نبي الصعاليك
هناك تعليق واحد:
هلوو أبو قثم
مسلية هي القصص التي تضعها بمدونتك و مادة جميلة للتسلية والتندر على الصحابة والتابعين وتابعي التابعين,, ودائماً ما اتعجب عندما أقرأ بوستاتك عن سعة إطلاعك وقدرتك على النبش في دهاليز القصص الدينية
تحياتي وحبي
إرسال تعليق