(1)
النبي الذي يقول إنه رسول من الله للناس، يحثنا على أن نسأل عما إذا كان الله بعيداً عنا وغير حاضر في وجودنا حضورا مباشراً؟
الرسالة النبوية، كما يصورها الدين، رسالة من مُرسِل محتجب عنا، ليس بيننا وبينه اتصال مباشر. والنبي ذاته، بقول التفكير الديني التقليدي، ليس على اتصال مباشر بالله، فالملائكة يمثلون حلقة وصل بين الله والنبي، والنبي حلقة وصل بين الملائكة والناس.
ولديّ، فإن من غير اليسير أن أسلم بوجود إله غير حاضر في وجودنا، غير متصل بنا اتصالا مباشرا، حيويا، ومستغرقا لكل وجودنا. الله، في تصوري حيث لا يمكن لي تصوره غير ذلك، هو أكبر من أن يحتجب عنا… آسف، إني أعتذر عن إشارتي المتعلقة بالله بالضمير "هو" لأن الله ليس غائبا، هو حاضر، وهو مطلق..
اعتذر من جديد عن استخدامي للضمير "هو"، هذا من من مخلفات تفكيري القديم… الله لا بد أن يكون مطلقا، والمطلق مالئ لكل الوجود، ولهذا الملاء فهو غير محدود بحد ولا قابل لأن يحد بحد؛ لذا فهو حر والمطلق الحر تام بالحرية، فكيف يحتجب الحر التام والاحتجاب هو أنه فاقد لحريته وتماميته لأن ما يحتجب ليس حرا ولا تاما؟! كيف نعتقد أن التام مطلقا والحر يحتاج إلى وسطاء – رسل - بيننا وبينه، فإذا كان يحتاج للغير (الرسل) وإذا كان بيننا وبينه بين فهذا يسلبه حريته وتماميته والحقيقة – في نظري - ليس بيننا وبينه بين ينتقل فيه الرسل من ملائكة وإنس لذا فإن الرسل لا تنتقل بيننا وبينه لأنه أيضا ليس بحاجة لمن ينتقل بيننا وبينه؟!
إن الله فينا حولنا، وما كان فينا حولنا لا يحتجب عنا، ولا يرسل بيننا وبينه الوسطاء.. نحن – الكيانات الوجودية - حقيقته، كل ما ندركه وكل ما نعقله حقيقته ونحن ندرك ونعقل مباشرة بالحقيقة التي فينا، بالله، بالله ندرك الله ونعقله.. بالله الذي فينا حولنا، بالله الذي نحن منه، ندرك الله ونعقله.
إن الله، كل الله، حاضر في ذاته كلها، و في كل ما ندركه ونعقله من ذاته.
ونحن حضور من حضور الله فينا، ليس بعيدا عنا، فلا نحتاج إلى رسول يصل بيننا وبينه فليس بيننا وبينه بين. . لا بين يفصلنا عنه.. النبوة حضور من حضور الله فينا… وليست بينا بيننا وبينه.
الله - في النبوة - حضور شديد..
النبوة شدة حضور الإله - الله - في فعل من أفعاله..
ولله حضور شديد في غير النبوة.. له حضوره الأشد في الإنسانية مقارنة إلى الحيوانية..
لله حضوره الأشد في عقل متفوق… وفي أخلاق أعظم و
في إرادة أقوى.. مقارنة بالجهالة والدونية والوهن!!
(2)
إذا كان الله فينا حولنا، فهو في محمد، ومحمد، بما قاله من أنه رسول ينقل من الله رسالة للناس إنما يقول ما قاله والله فيه، الله فيما قاله، أي قوله ممتلئ بالله، أي قوله حقيقة؛ فما يمتلىء بالله هو حقيقة باعتبار أن الله حقيقة لأنه يكون في الحقيقة…
فكيف أجئ أنا وأقول إن ما قاله محمد من أنه رسول بيننا وبين الله أو أنه يقع في البين الذي بيننا وبين الله هو قول غير صحيح.
والله فيما أقول، أى قولي هو قول ممتلئ بالله من حيث أن كل ما هو كيان هو كذلك بامتلائه بحضور إلاهي.. أى قولي حقيقة.. نحن إذن أمام قولين، وكل منهما حقيقة..
لكن القولين غير مجمعين على قضية واحدة.. كيف تكون قضيتان، كل منهما ممتلئة بالحقيقة، لكنهما مختلفتان وإحداهما تكذب الأخرى؟
هل الكذب هو الأخر حقيقة؟
هل الله يملأ الكذب؟
هل الكذب إلهي؟
هل الله يكذب؟
إذا كان الكذب من حقائق الكون، أي إذا كان كونا، وكل كون يكون كونا لأن الله فيه، لأن الله هو كونه – أعتذر فلتة لساني بقولي عن الله هو - لأن الله كون الكذب، فإن الله يكذب طالما الكذب كون إلهي.
ما الكذب؟
هو ما ليس كونا؟ كلا، الكذب كون، ولو لم يكن كونا ما كنا لنسأل عنه، وما كان ليفرض علينا كيانيته.
الكذب كون، لكنه كون نختلف معه.
الكذب حقيقة، وحقيقته في كونه.
وقولنا الذي نزعم به أنه ما نختلف معه هو الآخر حقيقة وحقيقته في كونه.
الكذب هو حقيقة تختلف مع حقيقة، أي كون مختلف عن كون .
ما قاله النبي محمد حقيقة لأنه كون.
وما أقوله أنا عن النبي محمد حقيقة لأنه كون..
ولكن الحقيقة هي كون كائن، كون تام، والكون التام هو كون حاضر .
قضية النبي محمد كون حاضر عن كون كان، والآن هو ليس حاضرا.
وباعتبارها كونا كان، فهي كون غير تام، هي كون، أو حقيقة تاريخية، كانت كونا تاما فيما مضى وهي كون حاضر تام في أذهان المؤمنين بها، وفي سلوكيات المؤمنين بها، الكائنين معنا، أي الكائنين في الحاضر كينونة تامة.
أما كينونة محمد المستقلة بذاتها فهي غير موجودة بذاتها، لقد جاوزها الزمن، هي موجودة بغيرها. هي موجودة كفكرة يعتقد حاضرون بها، بصحتها.
تعاطينا معها الآن هو تعاط مع فكرة، عقيدة، سلوك يعيش في الحاضر، من خلال حاضرين.
والنقد الذي يوجه لقضية النبي محمد، هو نقد لعقيدة معاصرينا في النبي محمد.
النبي محمد كوجود تام، كائن في الحاضر، غير حاضر معنا.
قضيتنا هى قضية اعتقاد الحاضرين فيما نقل عن محمد .
أي: قضيتنا هي البحث فيما إذا كان ما نقل عن محمد جدير بالاستمرار كعقيدة للمعاصرين لنا الآن. أي جدير بأن يتمتع بكونية تامة، أي بحضور تام، أي بصلاحية تامة لهذا الزمن؟
التمامية هي الحضور التام في العصر الحاضر..
التمامية هي امتلاء الكائن بالعصرية امتلاء تاما.
التمامية هي مشروعية الفكرة والسلوك بمعطيات العصر. ولكل عصر معطياته.
ومعطيات عصرنا غير معطيات عصور سابقة.
وما كان يصلح لعصور سابقة لا يصلح لعصور لاحقة.
وفكرتنا عن النبوة أنها رسالة من الله البعيد (في المكان لأن الله في الوصف القرآني أقرب لنا من حبل الوريد قربا ليس مكانيا بل قربا بالقوة) الجالس فوق كرسي فوق عرش فوق سبع سموات، فكرة أثبتت صلاحيتها لعصور سابقة، وكانت تامة تمامية مطلقة في عصر سابق، كانت استجابة أصيلة لعصر سابق، لكنه عصر مضى وفقد تماميته قياسا إلى عصرنا الراهن…
(3)
عند ظهور النبي محمد، كان العرب في مرحلة ما قبل الأمة. كانت البنية العربية السياسية مفككة، بينما كانت البيئة العربية الثقافية مترابطة وتشكل قاعدة لحركة سياسية ذات أهداف وحدوية. وحركة النبوة المحمدية، وهي حركة تطلعت إلى تحقيق الوحدة السياسية العربية المرتكزة إلى الثقافة العربية التي كان من أهم عناصرها عنصر الدين وعنصر الفن (الشعر). وبرز هذان العنصران في الدعوة المحمدية. فكان شكل القرآن، كتاب النبوة المحمدية، شكلا فنيا، وكان مضمونه عقيدة دينية هي تجديد لعقيدة العرب الدينية، عقيدة النبي الأب إبراهيم (هو – إبراهيم، يقول القرآن - سماكم المسلمين من قبل).
والشكل الفني للقرآن، هو شكل متفوق عن الشعرية العربية التي هي عبقرية العرب. وكانت دعوة النبوة المحمدية دعوة في اتجاه حالة تفوق سياسي، مع ما يتبع ذلك من تغيرات أخرى في الحياة العربية. والشكل الفني القرآني هو الأداة – الاعجاز- التي استطاع بها النبي محمد أن ينتزع دور القيادة لحركة تحول الوجود العربي من مرحلة التفكك السياسي إلى مرحلة الوحدة السياسية.
وبالشكل الفني المتفوق، جدد النبي محمد، أو ابتعث، شعورا دينيا يمتد إلى إبراهيم، لينطلق منه، باعتباره الأب للمسلمين (العرب) المؤمنين بديانة النبي محمد.
وبالنبع من ابرهيم، الأب، نجح محمد في توثيق عرى الوجود العربي، بدفعة للتمركز حول أب ديني، وبتعميق هذا التمركز بقدر ما تمنحه الثقافة العربية من أهمية لروابط القبيلة. والأخيرة ترتكز على الاعتقاد بوحدة الأصل (الجد / الأب).
والنبع من إبراهيم، يستدعي التجربة الدينية، بتنوعاتها، التي تنتمي إلى إبراهيم، وفي مقدمتها تجربة موسى، أي الديانة اليهودية. والأخيرة حاضرة بشدة لافته للنظر، فالقرآن يولي عنايته الكبيرة لليهودية، وللمسيحية المتولدة عن اليهودية. وكان لابد للنبي محمد من مواجهة عنيفة مع اتباعهما الذين، يقول محمد، انحرفوا عن دعوات المؤسسين.
ولم يضع النبي محمد كلا من موسى وعيسى في مكانة إبراهيم، لقد ظل إبراهيم هو الأب، وكان موسى وعيسى أخوين للنبي محمد. ولم يكن مفيدا للنبي محمد، بميزان سياسي، أن يغير من هذا الوضع. فالعربي الذي يخضع لإرادة الأب لا يخضع لإرادة الأخ، لكن العربي ذاته، بالحمية القبلية، ينتصر لأخيه، لا لسبب، غير السبب المتصل بعلاقة العصبية.
والعلاقات التي رسمها النبي محمد بينه وبين الأنبياء الثلاثة، ابراهيم وموسى وعيسى، منحته شروطا ممتازة لتأكيد دوره القيادي الديني في الحركة النبوية التاريخية، فهو وريث ابراهيم وموسى وعيسى معا، وهو انبعاث للأب إبراهيم، رمز الوحدة العربية الثقافية، وهو المدافع عن عقيدة كل من موسى وعيسى، أخويه. وأصبح، موسى وعيسى، خيوطا من نسيج الثقافة العربية الدينية، طالما هما نبيان يعودان إلى إبراهيم، النبي الأب للعرب، والنبي إسحاق الذي ينحدر منه أنبياء اليهود بما فيهم عيسى الذي يؤمن بهالنصارى.
والعرب لم يجادلوا في قضية أبوة إبراهيم لهم. هذا رغم ما عرفته الثقافة العربية من تقسيمات قبلية بين عرب عارية وعرب مستعربة. إبراهيم يحتل في الوعي التاريخي العربي مكانة الرمز. فهو الذي أقام الكعبة، محجة العرب… وهو الذي قدم للعرب ربا واحدا، بما يعادل الوحدة الثقافية العربية التي ظلت، تحت ظروف بيئية صعبة، بحاجة إلى أفكار تشد أزرها في مواجهة تحديات واقعها البيئي الطبيعي (قسوة المكان) والاجتماعي والمعاشي (صراع الحياة والموت ضد الطبيعة وضد تهديدات العصبية) والسياسي (ضد القوى الأجنبية الطامعة).
وفكرة الإلاه الواحد التي كان العرب القدماء بحاجة إليها، والتي منحت إبراهيم مكانة الرمز، هي الفكرة ذاتها التي جدد النبي محمد دماءها، في ظروف كانت شديدة الإلحاح في طلب فكرة تقود الوعي العربي قيادة قوية وجريئة نحو خلق وحدة سياسية عربية تعادل الوحدة العربية الثقافية.
لم يكن النبي إبراهيم ذا طموح سياسي وكانت الدعوة الإبراهيمية في شخص إبراهيم ظاهرة رفض لما هو كائن من الاعتقاد الديني. لكن إبراهيم لم يصنع أمته الخاصة به، فليس هناك أمة إبراهيمية كما هناك أمة محمدية أو موسوية… عاش إبراهيم طريدا، كان بلا أمة (ما عدا أفراد أسرته الخاصة)، سواء الأمة الأصلية أو الأمة التابعة، فهو ترك أمته، وارتحل في الأرض، وظل مرتحلاً… كان إبراهيم رجل فكر، لا رجل سياسة.
أما النبي محمد، فكان رجل سياسة (حاول في بداية حركته إغراء قبيلته – قريش - باتباعه ليجعل منهم ملوكا للعرب)، وكل سياسة تحتاج إلى فكرة. دعا النبي إبراهيم إلى عبادة الله الواحد ولم يجاوز هذه الدعوة إلى أفق الحركة السياسية. ولكن دعوة النبوة المحمدية إلى عبادة الرب الواحد، كانت دعوة سياسية، وعقيدة الرب (الله) الواحد، كانت معروفة لدى العرب، ومحمد لم يبتدعها.. ومحمد لم يتبدع شيئا من أفكار دعوته، وما جاء به النبي محمد، العقيدة والشريعة و الأخلاق، كانت معروفة في الثقافة العربية (المفتوحة على الديانتين اليهودية والنصرانية).
محمد النبي، ابتعث الأفكار التي كونت عقيدة الإسلام، دعوة محمد، وجعل منها المادة الفكرية لحركته السياسية.
والله الواحد هو أهم عناصر الدعوة المحمدية. وفكرة الله الواحد هي الفكرة التي كان يتطلبها، وبإلحاح شديد الواقع العربي المتطلع إلى وحدة سياسية لكيانه الثقافي.
الله الواحد هو المعادل الموضوعي السياسي لفكرة الأمة العربية الواحدة وحدة سياسية. وكل عناصر عقيدة وأخلاق وشريعة النبي محمد، ذات وظيفة متهجة إلى تعميق، بعد تكوين، حالة وحدة اجتماعية عربية سياسية. وعناصر النبوة المحمدية، العقيدية والأخلاقية والتشريعية، تتمركز، وبحميمية حول فكرة الله الواحد.
النبي محمد، بمعجزته الفنية المتفوقة، القرآن، هيمن على الثقافة العربية التي كانت تتعامل باحترام شديد مع الموهبة الفنية. والشاعر في الثقافة العربية، كان فارسا، أو، كان بطلا قوميا، على مستوى القبيلة، أو على مستوى أكبر.. ومحمد، لم يكن شاعرا، كان أكبر من شاعر، وكان يطمح إلى أن يكون بطلا أكبر من كل ما عرفته الثقافة العربية، والسياسة العربية من أبطال.
وبعبقريته، التي تجلت في إحدى صورها بعبقريته الفنية، اكتشف النبي محمد، أو اهتدى إلى أن، الأدوار العظيمة ترتكز إلى أفكار عظيمة.. ومن ذات الثقافة العربية، التي احتل بعبقريته الفنية موقعا مركزيا فيها التحم، بالفكرة المركزية القوية للثقافة العربية (الدينية) فكرة الله الواحد، وتوحد الني بهذه الفكرة، التي ملأت وجدانه وعقله، والتي كانت حاضرة في زمنه بما دان يدعو إليه معاصرون له ومنهم ورقة بن نوفل، وغذت طموحه السياسي، فاستخدم فكرة الله الواحد، وبعمق استغرق حضور محمد في حضور الفكرة؛ التي تماهى بها واستخدامها لخلق الكيان العربي السياسي، بمضمون ثقافي تاريخي، وعلى طريق تجلية المضمون الثقافي الجامع في وحدة عربية سياسية.
كان التفكك العربي السياسي عميقا داميا. وتجاوز هذه الحالة كان يحتاج إلى علاج عميق ودام أيضا فكانت دعوة النبي محمد عميقة بعمق فكرة الله الواحد في الوعي العربي التاريخي وكانت دعوة النبوة المحمدية دامية دموية تجسدت في الله الذي يتوعد الكافرين (بدعوة محمد) بنار جهنم الموصوفة بأوصاف مرعبة.
كما تجسدت دموية الدعوة المحمدية بفرض الجهاد الذي يحرض المسلم على الموت (الشهادة) والذي يربط هذا الموت بالجنة وبقتل الكافرين.
ولكن دموية الدعوة المحمدية ليست هي الوجه الوحيد لنبوة محمد، إن محمد العنيف مع أعدائه هو ذاته اللين مع أتباعه.
والعنيف واللين، وجها النبي محمد، أو وجها رب النبي محمد، صفتان تدوران في فلك وظيفي، فهما يعززان طموح النبي محمد لبناء كيان سياسي عربي موحد. فالنبي محمد لا يلين ولا يعنف مع العرب إلى درجة تهدد مشروعه السياسي الوحدوي والذي ارتكز إلى فكرة الله الواحد. فكان لا يعرف في الحق {بمعاييره الدينية} لومه لائم، وكان لا يتساهل في حق من حقوق الله. وحقوق الله، - يقول الفقهاء المسلمون - هي حقوق الجماعية المسلمة. ومن حقوق الجماعة تطبيق شريعة الله العقابية ضد الفاسقين (الخارجين عن الجماعة الإسلامية).
ولم يعنف محمد مع قومه العرب إذا كان من شأن هذا العنف أن يهدد مشروعه السياسي الوحدوي وأبرز المواقف الدالة على هذا النهج المحمدي، هو موقفه من أهل مكة يوم فتحها لمصلحة النبي محمد وأتباعه. وكان الآخرون، خاصة أنصار محمد من أهل يثرب، يعتقدون أن يوم الانتصار الإسلامي على أهل مكة، سيكون يوما دمويا مشهودا ضد أعداء النبي المكيين.. وفاجأهم النبي بموقف يخالف توقعاتهم، فخاطب قومه، عرب مكة بقوله: اذهبوا فأنتم الطلقاء.. كان عرب مكة هم الأشد عداء لدعوة محمد، وكان عداؤهم ممارسة عملية استهدفت القضاء على الدعوة النبوية برمتها، وحاربوا النبي بكل أسلوب ممكن وتآمروا عليه لقتله، وصبوا جم غضبهم وعذابهم على أتباعه. لقد كان عداؤهم للنبي أعنف من عداء يهود الجزيرة العربية المعاصرين للدعوة المحمدية. والنبي محمد عفا عن أهل مكة عندما انتصر عليهم، ولكنه كان قد أوقع على أعدائه من اليهود عقوبة دموية عنيفة، فقتل كل رجال قبيلة منهم في المدينة بنهمه التآمر على حياته من جانب هذه القبيلة، مستندا إلى أن قتلهم هو حكم الله العادل.
النبي محمد قتل رجال قبيلة يهودية وسبي نساءهم وأبناءهم وأموالهم بتهمة، لم يصحبها محاكمة، ولكن النبي غفر لأهله العرب سكان مكة مواقفهم العدائية ضده وضد أتباعه، وكان وراء عنفه الدموي ضد اليهود، وعفوه عن أعدائه العرب، سبب واحد، هو تطلعه إلى إنجاز مشروعه العربي الوحدوي السياسي. وهذا المشروع لا يعيق تحقيقه التضحية بيهود، (خاصة بعد أن يئس من تضامنهم معه باتباعه أو الكف عن مناهضته). وقد تكون هذه التضحية عاملا ساندا للمشروع الخاص بالنبي محمد، لما كان يختلج في نفوس العرب من عداء لليهود. لكن التضحية بعرب مكة كانت ستزلزل مشروع النبي محمد السياسي، فعرب مكة، أهل قريش، أهل النبي، هم "أشرف" العرب،ن وهم أصحاب الدور الطويل في اقامة شعائر ابراهيم، الأب، شعائر الحج، حج العرب إلى الكعبة الكائنة في مكة، موطن قبيلة قريش، ولو أن النبي انساق وراء رغبة أنصاره غير القريشين التي اتجهت إلى إبادة أهل مكة، يوم انتصار المسلمين عليهم، لو فعل النبي ذلك لكان قد ذبح دعوته كلها في ذلك اليوم، ذلك اليوم الذي عرف بيوم الفتح، وكان في الحقيقة يوم الفتح للدعوة النبوية التي سجلت انتصارها السياسي فيه، وهي الدعوة التي كانت تطمح منذ بدايتها – كما كشف النبي - لتمكين أهل قريش – قبيلة محمد – من أن يصبحوا ملوك العرب، وهو ما حدث فعلا فيما بعد كما يشهد تارخ الخلفاء والدولتين الأموية والعباسية، وكا يؤكد تشريع الفقهاء الذي ينص على أن "القرشية" شرط يجب توفره في الخليفة (الملك) المسلم.
كانت التضحية بعرب قريش هي تضحية بالمادة الثقافية العربية الوحدوية التي نبعث من أرضها وتغذت بها دعوة محمد السياسية، كان عرب قريش هم الحراس على فكرة الأب الواحد إبراهيم، وما يرتبط بها من إيمان بفكرة الله الواحد، وكلا الفكرتين ذات دور وظيفي مركزي من دعوة محمد.
وكان النبي محمد عميقا في مشاعره الإيجابية العربية، وكانت مشاعره الإيجابية نحو قبيلته – قريش – تحتل مركز مشاعره القومية. وعندما اضطر إلى الهجرة من مكة، توجه إلى موطنه، مكة، وقال: أنت أحب البلاد إلى نفسي؛ ولأنه كان متماهيا مع فكرة الله، علل هذا الحب العميق لموطنه، بقوله إن مكة هي "أحب البلاد إلى الله"، وكيف لا تكون مكة كذلك، وهي البلدة التي بنى فيها الأب إبراهيم أول بيوت الله في الأرض… فها هنا، في مكة، حضر الله في الأرض، للمرة الأولى… أليس البيت مرتبطا بإقامتنا، أي بحضورنا… أي بوجودنا المستقر… من هاهنا، من مكة، ولدت نبوة نبعث من الحضور الإلهي الأول في الأرض، الحضور الذي تحقق على يدي إبراهيم أبي المسلمين، اتباع النبي محمد، العرب الذين توجهت دعوة النبوة المحمدية إليهم، التي استحضرت الله من جديد، واستحضرته هذه المرة "ملكا" للناس.. للعرب".
ليحقق النبي محمد مشروعه السياسي العربي الوحدوي كان بحاجة إلى ملك قوي مطلق القوة.. فالعرب قوم غلاظ القلوب.. ولن يفلح ملك في الهيمنة عليهم ما لم يكن قويا ومطلق القوة… وكان الله كما صوره محمد، هو الملك( القرآن صريح في وصف الله بأنه ملك كما ورد في النصوص الأولى منه: قل أعوذ برب الناس، ملك الناس.. والناس، هنا، هم العرب ـ لكن مفهوم الناس تطور فيما بعد ليشمل الإنسانية).
الله، كما صوره النبي محمد، ملك قوي شديد العقاب.. لكنه رحيم مع المؤمنين به، مع المؤمنين بمحمد، لقد تماهى محمد مع الله تماهيا تاما (الاعتراف بالنبوة المحمدية مقترن اقترانا مطلقا بالإيمان بالله الواحد، إله محمد).
أمثال العرب، الغلاظ القلوب، يحتاجون إلى ملك (إلاه) يجمعهم بالرحمة والوعد بمكافأة عظيمة (الجنة) وبالعقاب الشديد (نار جهنم). ويكون الملك، (الذي يحتاجه محمد لنجاح دعوته) ملكا قويا بالرحمة وبالشدة معا..
والعرب، كانوا بحاجة إلى ملك قوي ليوحدهم وليواجه بوحدتهم القوى السياسية المعاصرة لظهور الدعوة المحمدية والتي كانت تتحدى فكرة ظهور أمة جديدة تمتلك عناصر قوة تهدد هيمنتها على البلاد العربية وغيرها من البلاد.
كانت هناك مملكتا الفرس والروم. وكان يحكمهما ملكان قويان، كانا، في مخيلة العربي، كيانين قريبين من الأسطورة، فاحتاج العرب إلى ملك أقوى منهما، وأشد أسطورية. ونجح محمد في رسم صورة لملك عربي (الله القرآني المحمدي) أشد أسطورية من ملوك الدول التي كانت تهدد وتحتقر العرب.
والله، كما رسمه محمد، هو الملك العربي الأشد قوة، والأشد أسطورية من كل من قيصر الروم وكسرى الفرس، وجعل محمد من الله، ملك العرب، ملكا للملوك ولم يكن الله أكبر من ملكي الروم والفرس فقط، ولكنه كذلك، أشد وأعظم من فرعون، ملك المصرين القدامى المستبد، عدو موسى، الأخ للنبي محمد، الذي كان على النبي أن ينتصر له، كما ينتصر العربي لأخيه. وموسى، بحكاية القرآن، انتصر على عدوه، فرعون، الملك القوي الذي أغرقه الله، وبشكل أسطوري، في البحر هو وجنوده.
من كسرى الفرس وقيصر الروم وفرعون مصر، انطلق النبي محمد في ابتداع حاكم عربي موحِّد وقوي وكان على هذا الحاكم العربي الجديد أن يتحدى، وفي وقت واحد، عدو الأخ موسى والأخ عيسى (أعداء عيسى كانوا يهودا) وأعداء الطموح العربي المعاصر للنبي محمد، دولتي كسرى وقيصر.. ولمواجهة هو المجال العدائي الواسع، كان لابد للحاكم العربي أن يكون واسعا.. عالميا.. فالله، ملك العرب، هو في الوقت ذاته، ملك العالمين… وهذا يمنح ملك العرب، الله المحمدي، قوة مطلقة… ويزيد محمد أسطورية إلاهه، فيجعله ملك الإنس والجن والملائكة والعالم الآخر، عالم الغيب.. وعالم ما فوق إدراك البصر..
والله المحمدي إلاه ذو مواصفات حاكم إنساني، وهي مواصفات تستجيب لحاجة المرحلة التي قادها النبي محمد..
إله محمد حاكم إنساني.. له عرش وكرسي.. له مجلسه الأعلى: الملأ الأعلى.. له جنوده.. عرشه محمول.. له رسله.. له أعداء أيضا كما له اتباع وله راجمات (يرجم الشياطين الذين يسترقون السمع على "اجتماعات" الملأ الأعلى، يرجمها بالنجوم التي تزين السماء الدنيا).. ويكافئ المطيع ويعاقب العاصي وقاهر، ككل حاكم مستبد، قاهر فوق عباده (هذا الإله هو الأصل المسئول عن استبدادية النظام السياسي العربي طوال تاريخه وحتى الآن، الذي تجاهل مبدأ: أمرهم شورى بينهم ذي الطابع الإنساني المعارض لألوهية الحاكم وبالتالي لمصالحه.. لكن مصلحة محمد من وجهه الحاكمي الإنساني ولإنجاح دعوته كانت تقتضي منه مشاورة قومه عندما تواجهه الأزمات)..
والعرب كانوا بحاجة إلى (حاكم) قاهر يقهرهم ثم يقهر أعداءهم.. يقهرهم فينتصر على قساوة قلوبهم، ويعيد تشكيلهم من جديد ليصبحوا مادة مناسبة لخلق أمة موحدة وذات مدنية مثل مدنيات الروم والفرس، ثم يقهر أعداءهم..
الله المحمدي يستقبل رسله أيضا.. رحلة النبي محمد إلى القدس ثم إلى سدرة المنتهى (دون العرش الإلهي) للمثول في حضرة الله، ويتدخل لإنقاذ رسله في الوقت المناسب.. رفع النبي عيسى إليه عندما واجه الأخير مؤامرة اليهود لقتله.. (لاحظ: النبي محمد انتصر لأخيه عيسى بالصعود إلى عيسى، من نقطة صعود عيسى إلى ربه، وبالموقف المتشدد تجاه اليهود، واللين تجاه اتباع عيسى)..
والإله المحمدي حاضر مع أسرارنا، ولكنه متعال مفارق لنا.. هو الحاضر البعيد (مكانا لا قوة: أقرب إليكم من حبل الوليد = أجهزة مخابرات تحصى على المواطنين كل شيء حتى أنفاسهم) .. هو الحاكم الإنسان الإله الذي يعلم كل شيء ويشارك في كل شئ، ويخلق كل شئ، ومع ذلك يعاقب عباده (المؤمنين بمحمد) وعبيده (الكافرين بمحمد) على عمل شئ من خلقه هو (القرآن يقول: خلقكم وما تفعلون)، ليثبت أنه حاكم بمواصفات الحاكم المستبد (غير الديمقراطي بمصطلحاتنا الحديثة) الحاكم الذي لا يقع تحت طائلة المساءلة.. الذي – يقول القرآن - لا يُسأل عما يفعل…
والعرب القساة القلوب، ذوو المراس الصعب، غير المتحضرين، يحتاجون إلى مثل هذا الحاكم .
دعوة محمد (التي طمحت إلى توحيد العرب لمواجهة أعدائهم التاريخيين: فرعون مصر (عدو أبناء عمومتهم اليهود، الذين يرتبطون مع النبي محمد والقرشيين بجد واحد هو إبراهيم)، وأعدائهم المعاصرين لدعوة محمد، قيصر الروم وكسرى الروم.. المستبدين أيضا.. دعوة محمد هذه تحتاج إلى إله (ملك) مستبد.
ولتحقيق مشروعه السياسي، ارتكز محمد إلى الله بالصورة التي رسمها له، وما كان ذا جدوى أن يحاول محمد قيادة العرب بدعوة تجعل منه هو ملكا لقومه بهذه المواصفات التي رسم بها صورة الله، لو فعل ذلك ما كان قد حقق النجاح الذي حققه… فهو لم يكن يمتلك العناصر الموضوعية لتجسيد صورة حاكم ملك لقومه له القوة المطلقة والأسطورية بالدرجة المطلوبة لتفجير طاقات العرب وتوحيدها لإنجاز مشروع محمد العربي الوحدوي السياسي.
أما ما أنجزه محمد باسم الله فإنما أنجزه لنفسه وذلك من خلال تماهي محمد بالله تماهيا تاما.
وقبل أن ينجح داعية ما إلى فكرة يعتقد بها، فلا بد أولا أن يحقق هذه الفكرة في ذاته، وكانت دعوة محمد هي دعوة وحدوية، ولنجاحها، كان على محمد الداعية أن يحقق هذه الوحدة، بمعانيها العميقة، في ذاته. وقد توحد محمد النبي مع الله، الفكرة المركزية في العقيدة الدينية العربية التي تعود إلى إبراهيم… وتوحد محمد بإبراهيم الرمز العربي الثقافي المحوري، وتوحد محمد بالإرث الديني كله، وتوحد محمد بثقافة قومه بإبداعه الفني القرآني.. وتوحد بتطلعات قومه النامية تجاه بناء كيان سياسي ينافس الكيانات السياسية القائمة آنئذ… توحد النبي محمد مع عناصر الكيانية العربية المعاصرة له، وكان توحده معها ذا طابع وظيفي، حيث استفاد استفادة وظيفية من المعاني الجامعة لعناصر الكيانية العربية، واستثمرها بعبقريته القيادية الفذة لإنجاز مشروعه السياسي الذي كان تطلعا عربيا نحو توحيد العرب في أمة واحدة..
نجاح الدعوات مرهون بالاستجابة لمتطلبات عصورها. ولو لم تكن الوحدة العربية السياسية متطلبا عصريا في عهد النبي محمد، لما كان في مقدور دعوة محمد أن تحقق نجاحها الكبير.
وثمة عامل آخر يجب اعتباره وبأهمية لنجاح الدعوات، وهو التمثل الواعي للعناصر البنائية الثقافية للكيان موضوع الدعوة، حيث هذا التمثل كفيل بإعادة صياغة مقومات الكيان موضوع الدعوة، بما يستجيب، ويدعم، المتطلب العصري. واثبت محمد قدرته الفذة في استخدام عناصر الثقافة العربية لتحقيق المتطلب العربي العصري المعاصر له.
وكل صياغة جديدة لمقومات كيان قائم هي ثورة عظمى. وكانت دعوة النبي محمد ثورة عظمى، ودليل ثوريتها هو الموقف العدائي الذي وقفه أساطين قومه، أو عنصر السلطة الاجتماعية، السياسية والدينية والاقتصادية، الذي رأوا أن الدعوة الجديدة تهدد هيمنتهم الاجتماعية، وتهدد بسلب الامتيازات التي توفرها لهم الهيمنة. ومن خصائص كل سلطة جمودها، والدعوات الجديدة حركات "فاسقة"، حركات ترفض الجمود في صياغات الماضي.
والنقطة الأخيرة، هي الدرس التاريخي الهام الذي يتوجب على كل دعوة عربية نهضوية معاصرة، معاصرة لنا الآن، أن تستوعبها، وتنطلق منها، مستفيدة من عنصر "الفسق"ا، باعتباره عنصر تكوين في البناء الكياني العربي المعاصر المطموح فيه، وهو عنصر التحرر من الجمود، وقد حملت الدعوة المحمدية بشدة على الجمود – وهذا من أسرار عظمتها - وكانت، بعظمتها كلها ثورة على الجمود، لكنها كانت ثورة العقل الواعي، والأخلاقي أيضا (جعلت الفضيلة الأخلاقية الفردية والمجتمعية وبمعايير عصرها قانونا).. العقل والأخلاق المحمدية المترفعة بمعايير عصر الدعوة النبوية المحمدية هما سر نجاح أو أحد أهم أسرار نجاح دعوة النبي محمد…
وسيظل أهم عوامل نجاح اية دعوة جديدة، هو قدرتها التفوقية على صياغة مقومات التكوين التاريخية على محور المستجدات والطموحات.. هذا هو التجديد وهذه هي الثورة…
(4)
كان تفجير إرادة الوحدة لدى العرب، وخلق الكيان العربي الواحد، هو المعادل الموضوعي لفكرة الله الواحد التي رفضت رفضا مطلقا فكرة التعدد الإلهي التي كانت تشكل عقيدة العرب الدينية المهيمنة في عصر بروز الدعوة المحمدية.
كان النبي محمد يعرف طريقه معرفة دقيقة واعية مستنيرة (بمعايير عصره)، وكان يمتلك إرادة ماضية. ورفض مقترح قومه بتتويجه ملكا عليهم، على قريش، فإن هذا التتوتج لا يمثل خطوة في اتجاه تحقيق مشروعه السياسي الوحدوي الشامل للأمة العربية التي كانت تمتلك المقومات الثقافية (التحتية) للأمة الواحدة. كان تتويجه ملكا لقريش سيحمل تأكيدا على الواقع العربي المجزأ سياسيا. فمضى محمد، بقوة وإصرار (قال ردا على محاولة من عمه لإثنائه عن دعوته: يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته) يدعو للإله "الملك" الواحد للناس (للعرب)، وهو في الحقيقة يدعو إلى وحدة الناس (العرب) السياسية، معمقا هذه الدعوة، بربطها تاريخيا، بالأب إبراهيم، وبالتجربة، الدينية كلها (موسى، عيسى، ..)، وبربطها وجوديا بما تصور أنه الخالق للعالم كله، الله رب العالمين…
حققت دعوة النبوة المحمدية وحدة الأمة العربية السياسية وقاوم النبي وأتباعه (بعد وفاته) الدعوات التي ظهرت في أخريات أيام حياة النبي محمد، التي عرفت بحركات الردة، التي شملت مساحة كبيرة جدا من أراضي الجزيرة العربية بعد أن كانت قد دانت بالدعوة المحمدية. وكان أهم أخطار حركات الردة، هو ما يمثله هذا الموقف الديني، المناهض للنبوة المحمدية، من خطر ضد المشروع الوحدوي العربي السياسي. وأوضحت رسالة مسيلمة المتنبئ (الكذاب كما تصفه الكتب الإسلامية) الذي قاد أهم حركات الردة، أوضحت رسالته إلى النبي محمد، وبجلاء، توجهات تحدي الردة ضد النبوة المحمدية ومشروعها العربي السياسي… قال مسيلمة للنبي محمد: نصف الأرض لقريش (قبيلة محمد) ونصفها لنا. ومحمد، الذي كان الله، أو فكرة الله، في مشروعه، هي مصدر قوته، رد على مسيلمة يقول: الأرض لله يورثها لمن يشاء.
وبانتصار المسلمين في حروب الردة، نجح مشروع النبوة المحمدية العربي الوحدوي، وبدأت الأمة العربية تسجيل حضورها التاريخي، وخرجت جيوش العرب، المسلمة، الموحدة سياسيا وثقافيا، لتحارب أقوى دولتين في عصر ظهور الإسلام، دولتي الفرس والروم، فانتصر الله، ملك الناس (مفهوم الناس تطور في وقت لاحق من الدعوة المحمدية ليشمل الإنسانية وليستجيب لمفهوم: الله رب العالمين)، الملك القوى من كسرى وقيصر، انتصر ملك الناس (العرب) على العجم، وتجلت قوته بمزيد من القوة اللائقة بملك الملوك، رب العالمين.
(5)
أخذت النبوة المحمدية من الحقيقة الإلهية (الوجود واقعا ومتمنى) ما كانت بحاجة إليه. الإله فعل خلْقٍ سارٍ فينا نحن أفعاله. إنه لا ينفك عنا، وهو فينا لا يزيد عما نحتاجه (واقعا ورجاء) لا يزيد عما نستوعبه منه، ونحن نستوعب منه أو نسعه على قدر ما يخدم فعليتنا، أو يبدع فعليتنا، فعليتنا التي هي فعله. لكن فعله، أو كل فعل، ليس مطلقا، لو كان أي فعل مطلقا لكان الفعل الإلهي قد توقف عن الاستمرار بهذا الفعل المطلق ، (أعني بالمطلقية هنا اللاتيا هي - في أماكن أخرى كنت استخدمها بمعنى الحرية، واللاتناهي والحرية يحملان نفس المعنى من جهة أنها ينفيان المحدودية). المطللق الذي يعني استيعاب الألوهية كلها، أو سلبها كلها، الاستيلاء عليها كلها وبالتالي انتهاءها. وهي - الألوهية - غير قابلة للسلب أو للاستيلاء عليها من شئ غيرها لعدم وجود غيرها (الالوهية = الوجود كله الواقع والمرتجى (المتمنى، المتخيل)).
محمد، بنبوته، فعل إلهي ليس مطلقا، إنه لم يأت بالكلمة الأخيرة لله. إن الله لم يقرر أن يضع خاتمة لوجوده، ليعلن كلمته النهائية، أو ليظهر ظهوره الأخير . إنه لا يستطيع فعل ذلك، هذا ضد طبيعته، إنه لا أول له ولا آخر، فلا يجوز أن نزعم أن ثمة كلمة (ظهور) أخير له، إن أي تحقق له هو تحقق أخير في لحظته، ليس فيما يأتي بعدها. وجود الله حر منفتح، لا يتوقف عند أية لحظة، إنه دوما يتحرر من كل لحظة.
كلمة النبوة المحمدية عن الله، التي هي من الله، هي لحظة من الله الحر المنفتح بفعلية هي ذاته، فعلية متجددة لأنها فعلية الحر المتفتح الذي لا يستطيع الجمود ولا الانغلاق بطبيعته. نبوة محمد، ككل الأفكار عن الله، التي هي من الله (كل الأفكار والأفعال من الله) لا تستغرق حقيقة الإله (التي وقعت والواقعة والتي تتقدم نحو الوقوع) كلها، ولا تتنافى أيضا مع حقيقة الإله التي هي متجددة بفعلية هي الله.
التصور المحمدي لله، والتجلي الإلهي (التحقق ربما أدق) محدد بالحاجة الزمانية المكانية، لثورة محمد الروحية. وهو تصور غير منفك عن تصورات الزمان الذي ظهر فيه، (والمكان). لذلك، إن إله النبي محمد، هو إله زمان ومكان ظهوره. الله في القرآن مناسب تماما لزمان ومكان النبوة المحمدية، عند ظهورها.
إني لا أتهم النبي محمد بالكذب في قوله إنه يتحدث باسم الحقيقة الإلهية. لكن يجب أن أبادر وأضيف أنه تحدث باسم حقيقة إلهية نسبية (ظرفية)، إنها حقيقة بنت زمانها وأم زمانها (ومكانها).
إن ظرفيتنا الراهنة باتت مختلفة عن ظرفية ظهور النبوة المحمدية، لذلك، فكرة النبي محمد عن الله، لم تعد متطابقة تطابقا تاما - بالنسبة لي – مع الفهم المطلوب لوقتنا الراهن عن الله. لأن الفكرة المحمدية هي جزء حميم من محمد الكائن الإنساني، والأخير لم يعد ذا وجود تام، لقد مضى، ومضت معه كل دعوى بأن فكرته الإلهية النبوية هي فكرة ذات وجود تام أو أن لها حق الحضور التام، ليس للماضي وجود تام، الوجود التام للحاضر فقط.
أقول من جديد: محمد بنبوته، والنبوات كلها، والإصلاحات كلها، والخلق كله، هم ناتج الخاصة الأساس، الشاملة، للألوهية (=الوجود)، التي هي خاصة الحرية (الفعلية الحرة). ولا تسمح هذه الخاصة بتحولها إلى ضديتها (إن حريتها حرة حرية مطلقة فلا تقبل التصور بما يلغيها). الفعلية المستمرة (الحرية المستمرة) للألوهية لا تقبل الجمود، ولو قبلت الجمود لألغت ذاتها، ولله وجود لا يلغي ذاته ولا يلغيه غيره لعدم وجود غيره)، فماذا يصير الوجود (الله) إذا تصورنا نهايته؟ إننا لا نستطيع تصوره لا شيء مطلقا، فما دام الله موضوعا تصوريا، وما دمنا لا نستطيع تصوره لا شيء مطلقا، فإننا لا نستطيع أن نجعل من الله تصورا للا شئ مطلقا.
الفعلية (خلال الفعل المحمدي) ناتج للحرية، فكيف تتحول فعلية محمد (نبوته) إلى أداة قمع للحرية ، لحرية كيانات وجودية أخرى. النبوة المحمدية بنت أصيلة للصفة الأصلية لله. صفة الحرية، ولو ادعت النبوة المحمدية أنها تمتلك الحقيقة المطلقة، فإنها تمارس القمعية ضد أمها الحرية، ولن تكون ممارستها للقمعية واقعية، لأنها لا تستطيع ذلك، أنها ستمارس جمودها، ستمارس موتها.
ولكن النبوة المحمدية، ستحتفظ بقيمتها الأصلية عندما تعترف بالحرية كحق لكيانات الحاضر، الكيانات التامة.
ستحفظ النبوة المحمدية بعظمتها عندما تعترف بأن دعوة الحرية هي دعوتها. ودعوة الحرية ترفض تقييد حرية الحاضر بمفاهيم مرتبطة بالماضي الذي لم يعد يتمتع بحق وجودي تام.
الإسلام كان دعوة انفتاحية، فإذا جعل نفسه حجابا يحجب الأنوار المتجددة عن الناس، فإن الأنوار ستخترق الحجاب وهذا الأخير سيذهب من الخيال كما قد ذهب من تمامية الوجود.
والنبي محمد عظيم بقدر ما جاهد في سبيل الحرية، وهو أحد أئمة الحرية التاريخيين، لكنه ليس الإمام مطلقا.. أنني أحمل له تقديرا كبيرا، ومن هذا التقدير، فإني ارفض أن اصنع منه صنما، لقد قاوم الصنمية التي لا تعني غير الجمود، وهذا أحد أعظم الدروس التي تعلمتها منه.
(6)
بلغت النبوة المحمدية ذروتها في آخر حج للنبي، وهو المعروف بحجة الوداع.
في هذا الحج، أحرز النبي نصرا كفل له الزعامة العربية السياسية (الدينية) التي أعطت للأمة العربية لبنتها التأسيسة، والتي كانت حجة الوداع هي انطلاقة الأمة العربية (الإسلامية) الكبرى.
وفي هذا الحج، توحدت جميع عناصر الدعوة النبوية المحمدية الوحدوية (السياسية - الدينية).
في زمان واحد، في مكان واحد، دان العرب للقائد الواحد محمد، في الرحاب التاريخي للأب الواحد (ابراهيم، باني الكعبة التي يحج إليها العرب - مشرِّع الحج هكذا في الوجدان العربي)، تحت راية الرب الواحد الله، رب الأنبياء إبراهيم وموسى وعيسى.. إلخ.
وتوحدت التجربة الدينية (تجربة إبراهيم الأب، والأبناء موسى وعيسى وكل الأنبياء) مع التجربة الأبوية (إبراهيم أبو الأنبياء - أبو العرب - أبو محمد قائد العرب الجديد) .
وبعض المفسرين للدين، يعتقدون أنه يعود في نشأته إلى عبادة الأب.. واختلاط مفاهيم الأبوة مع مفاهيم الدين، في التجربة المحمدية، التي بلغت ذروتها في حج النبي الأخير إلى بيت إبراهيم (أول بيت بني لله في الأرض - يقول التراث الديني، هذا الاختلاط فيه ما يدعم تفسير نشأة الدين من عباده الأب. ولكنها خضعت، هذه النظرية، في التجربة المحمدية إلى ضرورات المشروع المحمدي السياسي، الذي كان يريد إلاها حيا، مطلقا، يخدم تطلعاته إلى خلق الأمة العربية الواحدة.
اخترعت النبوة المحمدية فكرتها الإلهية، المتصلة بفكرة الأب الواحد للأنبياء (التجارب الدينية) الذي هو الأب الواحد للعرب، الذين جعل منهم النبي محمد أمة واحدة لرب واحد.
وانتصرت النبوة المحمدية، بقدر ما امتلكت من تجلية للحقيقة الوجودية الشاملة، هذه الأخيرة، التي تجلت، على يد محمد، في فكرة الله، خالق كل شئ.
والفكرة، كل فكرة، لها زمانها الذي تتجلى فيه وتنتصر.
ولكن ليس ثمة فكرة، تملك أن تستمر، كما هي بدقة، في زمان غير زمان إبداعها البكر.
الأفكار مرتبطة بالوقائع. الوقائع تتغير، الأفكار لا تظل هي هي، كما كانت في بكارتها. الأفكار تتصل بالوقائع اتصال المقدمات بالنتائج. الوقائع تلد أفكاراً، والأفكار تحرك الوقائع، ولكنها ما أن تشرع في تحريكها للوقائع، فإنها تكون قد شرعت في تحولها هي ذاتها، فلا تبقى فكرة ما، ما كانت عليه، كلما طرأ جديد، وطروء الجديد مستمر.
والفكرة، كل فكرة، هي تنسيق عقلي لوقائع (عقلية أو شيئية- مادية) كائنة. ليس هناك فكرة معلقة في فراغ، ولا يوجد بين الفكرة ومعطيات العقل الكائنة فاصل. هناك تمايز، لكن دون قطعية.
الفكرة وهي تصنع من وقائع كائنة، عالما جديدا، كما فعلت النبوة المحمدية، فإنها تخلق واقعها الخاص، هذا الأخير يتجاوز الفكرة الخالقة له، هذا الأخير يكون جديدا، وترتد الفكرة الأم إلى الماضي، كما المرأة التي تعطي، ابنة أو ابنا جديدين، فتصبح أما… يكون ما تعطيه جديدا، وتصبح هي قديما، ولا تعود مطلقا إلى ما كانت عليه.
الأشياء التي أبدعها زمن ماضٍ هي غيرها في الزمن الحاضر. الحاضر لا يفسح صدره واسعا للماضي.. نحن نلد البنات والأبناء… هم يمضون قدما.. ونحن ننطوي في الماضي.. هذا قانون الكون.. هذا قانون الحقيقة الشاملة.. هذه هي الحقيقة التي لا تتغير.
الشئ الوحيد الثابت المستمر هو التغير، ووقائعه اليكونية (التغير) هي الواقع الثابت، هي الفكرة المطلقة التي لا يحبسها زمان ولا مكان.. كل الأفكار الأخرى، كل الوقائع الأخرى بنات متغيرة للتغبير.
النبوة المحمدية عندما دخلت التاريخ، دخلت، ودون فاصل زمني، في دوامة التغير.
محمد لم يعد بيننا.. بيننا نساء ورجال يتبعون محمدا الذي مضى، وبكل أفكاره البكر، وفي مقدمتها، وأهمها، فكرة الله كما رسمها.
الله، في الدعوة المحمدية ليس مطلقا. هو فكرة زمانية مكانية، ذهب زمانها، واختلف مكانها.
ولكني لا أقول إنها باطلة، إنها صادقة بقدر ما تجلت في التاريخ.
ولكنها ليست مطلقة.. ليست "الكل الشامل".
الله، لدى محمد، متحيز، يجلس على كرسي، الكرسي يَحمل، ويًحمل .. ويتنقل… الله غير العالم (المخلوق ) .. الله له أولياء، له جنود.. له أعداء.. هو أول وآخر.. وفي عقيدتي: الكل الشامل لا أول له ولا آخر… هو المطلق من غير بداية ومن غير نهاية… هو الواسع الذي لا بعد بعده.. هو التغير (اليكونية)، هو الحرية... لكن الله المحمدي يريد عبادا لله (رعيّة للحاكم النبي وخلفائه).. الحرية لا تقبل أن يكون لها عبادا (مؤمنين) ولا عبيدا (كافرين)، (في المحمدية حرية، لكن بسقف إلهي، وهذا تحديد لها، بينما الحرية اليكونية – مفهومي عن الله - هي حرية للكل الشامل الواسع الذي لا بعد بعد، المطلق، التي لا سقف لها.
النبوة المحمدية من التجليات الكبرى في أصالتها وعمقها لليكونية، وهذه حقيقتها، ومن هنا نشأت قوتها ومصداقيتها. كانت نورا من النور المطلق. والله فيها نور السماوات والأرض.. لكن النورانية الإلهية فيها محدودة (مثل نوره كمشكاة.. بقول القرآن وهذا تحديد) … والنور المطلق – في نورانيتي - حقيقة شاملة لا يحصرها التحديد، ولكنها تتجلى في التحديدات المفتوحة التي تتحرر باستمرار من حديتها..
(7)
كانت النبوة المحمدية في بدايتها مثالية أخلاقية. كان أنصار النبي الأوائل من الفقراء العبيد المضطهدين، وكان المثالي أبو بكر الصديق من أهم أنصاره.. كذلك، كان علي، الفتي الحالم، ذي الأخلاق البطولية المثالية التي لم يتركها طول حياته.
في البدء، وعندما حاولت السيدة خديجة، زوجة الرسول محمد الأولى، إدخال الطمأنينة على نفس النبي، عندما شك، عند أول ابتدائه بالرسالة (تلقي الوحي)، فإن خديجة ذكرت له خصاله الأخلاقية. وكان النبي يُعرف بأخلاقه الرفيعة في قومه (الصادق الأمين - ناصر المظلوم).
ومثالية النبي الأخلاقية واضحة غاية الوضوح في نظريته الاقتصادية التي تلخصها الآية "ويسألونك ماذا ينفقون، قل العفو" (والعفو هو الزيادة عن الحاجة) وهذا مبدأ شيوعي مثالي، يرفض الملكية لما فوق الحاجة رفضا واضحا وحاسما.
كان هذا إيمان النبي في بداية دعوته. ولكنه تحول عن هذا الموقف، لصالح مبدأ التملك، ومبدأ حق الأفراد في تنمية ثرواتهم الخاصة، ووضع فريضة الزكاة على الأغنياء، وحث الأغنياء على الصدقة على الفقراء، (بما يعكس تشبثه بمثاليته الأولى التي زحزحها إلى الخلف تحت ضغوط احتياجات الدعوة السياسية) وذلك، عندما صارت الدعوة دولة، وعندما أصبح على النبي، القائد السياسي، أن يكسب تأييد أصحاب الثروات.
وهو لم ينحز بالكلية إلى الأغنياء، ففرض عليهم نصيبا من أموالهم ينفقونه على الفقراء. ولكن الفرق واضح وكبير بين مبدأ "العفو" ومبدأ "الصدقات": الأول يلغي الفوارق بين الطبقات، من ناحية اقتصادية، والثاني يعزز هذه الفوارق باقراره الحق الفردي في تنمية الثروات، وباعترافه بمشروعية وجود الفقر.
وكان النبي في بداية الدعوة يتهدد الذين يكنزون الذهب والفضة بأشد العذاب. وفي مراحل متقدمة، مرحلة الدولة السياسية، صار إخراج زكاة الذهب والفضة كافيا لدرء العذاب عمن يكتنزها.
والنبي محمد، الذي كان عربيا أصيلا وحتى النخاع، الذي عكس ذكرية الثقافة العربية، بإطلاق العنان أمام الرجل بحرية لنسج العلاقات جنسية، بالزواج، أو بالتملك، الذي جارى بذلك، احتياجات قومه، واحتياجات طاقته الجنسية (الروحية) هو أيضا؛ هذا النبي، رفض أن يتزوج علي، الذي كان زوجا لإحدي بنات النبي، رفض عليه أن يتزوج مرأة أخرى يجمعها مع زوجته التي هي بنت النبي. وهذا موقف يبدو متناقضا تاما مع سماح النبي بتعدد الزوجات… لكن.. المسألة تتعلق ببنته؟!
(8)
العبادات في الإسلام…
الصلاة = طقوس ولاء لتأكيد الخضوع والاحترام لله الحاكم كما يطلب الحكام الآخرين (سجود/ ركوع تكرار الأوامر / انسلاب الذات).
خفاء النية تعادل خفاء الله.
الصوم = إثبات الولاء في السر/ استحضار الإله في كل الأحوال السرية = نقاء السريرة من أية فكرة قد تشوب عقل المواطن ولا تكون في مصلحة دوام حكم السلطان.
بينما الصلاة استحضار لله في العلن.
صلاة الجماعة = حشد المواطنين في مكان واحد للاستماع للقائد الملهم فريد عصره وكل العصور كما الله).
الحج = تلبية دعوة حضور من كل مكان = دعوة لتجديد شعائر الأب (الحاكم = أبو العائلة) وتقديس ذكراه (ذكرى الحاكم بعد موته – إشباع الجشع الوجودي له على حساب الخائفين الضعفاء الجهلاء).
الزكاة = مشاركة الحاكم في مال المخلوق (المحكوم) وإنفاقها على الفقراء لإسكات جوعهم ولمصادرة تفكيرهم الممكن في الثورة على استغلال الأقوياء ماليا وسياسيا لهم – لا يرد على ذلك بأن الزكاة تعادل الضرائب التي تنفقها الدولة على المؤسسات العامة المشتركة للمواطنين، فهذا مفهوم لم يكن قائما في عهد النبي الذي لم يؤسس دولة مؤسسات).
الشهادة = مبايعة العبد المحكوم للحاكم مبايعة مطلقة.
هذه المعاني لا تلغي الوظيفة الوضعية للعبادات والتي تتركز حول تعزيز وحدة الجماعة بالرؤية الإسلامية.
الخروج عن الجماعة كفر - الكافر يُقتل (حرية التفكير كفر – وكان أمام العربي في زمن النبي وحتى الآن: الإسلام أو القتل، وآية: لكم دينك ولي دين محكومة بالظرف الذي كان النبي ودعوته فيه بحاجة إلى حرية الاعتقاد، وهي لا تزال مقبولة في إطار العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين، وليس في إطار الجماعة المسلمة بحكم الإرث الثقافي).
الالتزام بالبيعة للحاكم الذي يحكم في الإسلام بالنيابة عن النبي والله الحاكمين المطلقين التزاما مطلقا = الحكام العرب في التاريخ الإسلامي لا يخلعون ثوب الحكم أبدا (الذي يلبسه الله لهم – كما قال الخليفة عثمان مسوغا رفضه بالتنازل عن الخلافة تلبية لدعوة الثائرين عليه) – الحاكم العربي، وبنص دستوري ديني حاكم حتى الموت (أو الخلع بالقوة).
النبي الذي يقول إنه رسول من الله للناس، يحثنا على أن نسأل عما إذا كان الله بعيداً عنا وغير حاضر في وجودنا حضورا مباشراً؟
الرسالة النبوية، كما يصورها الدين، رسالة من مُرسِل محتجب عنا، ليس بيننا وبينه اتصال مباشر. والنبي ذاته، بقول التفكير الديني التقليدي، ليس على اتصال مباشر بالله، فالملائكة يمثلون حلقة وصل بين الله والنبي، والنبي حلقة وصل بين الملائكة والناس.
ولديّ، فإن من غير اليسير أن أسلم بوجود إله غير حاضر في وجودنا، غير متصل بنا اتصالا مباشرا، حيويا، ومستغرقا لكل وجودنا. الله، في تصوري حيث لا يمكن لي تصوره غير ذلك، هو أكبر من أن يحتجب عنا… آسف، إني أعتذر عن إشارتي المتعلقة بالله بالضمير "هو" لأن الله ليس غائبا، هو حاضر، وهو مطلق..
اعتذر من جديد عن استخدامي للضمير "هو"، هذا من من مخلفات تفكيري القديم… الله لا بد أن يكون مطلقا، والمطلق مالئ لكل الوجود، ولهذا الملاء فهو غير محدود بحد ولا قابل لأن يحد بحد؛ لذا فهو حر والمطلق الحر تام بالحرية، فكيف يحتجب الحر التام والاحتجاب هو أنه فاقد لحريته وتماميته لأن ما يحتجب ليس حرا ولا تاما؟! كيف نعتقد أن التام مطلقا والحر يحتاج إلى وسطاء – رسل - بيننا وبينه، فإذا كان يحتاج للغير (الرسل) وإذا كان بيننا وبينه بين فهذا يسلبه حريته وتماميته والحقيقة – في نظري - ليس بيننا وبينه بين ينتقل فيه الرسل من ملائكة وإنس لذا فإن الرسل لا تنتقل بيننا وبينه لأنه أيضا ليس بحاجة لمن ينتقل بيننا وبينه؟!
إن الله فينا حولنا، وما كان فينا حولنا لا يحتجب عنا، ولا يرسل بيننا وبينه الوسطاء.. نحن – الكيانات الوجودية - حقيقته، كل ما ندركه وكل ما نعقله حقيقته ونحن ندرك ونعقل مباشرة بالحقيقة التي فينا، بالله، بالله ندرك الله ونعقله.. بالله الذي فينا حولنا، بالله الذي نحن منه، ندرك الله ونعقله.
إن الله، كل الله، حاضر في ذاته كلها، و في كل ما ندركه ونعقله من ذاته.
ونحن حضور من حضور الله فينا، ليس بعيدا عنا، فلا نحتاج إلى رسول يصل بيننا وبينه فليس بيننا وبينه بين. . لا بين يفصلنا عنه.. النبوة حضور من حضور الله فينا… وليست بينا بيننا وبينه.
الله - في النبوة - حضور شديد..
النبوة شدة حضور الإله - الله - في فعل من أفعاله..
ولله حضور شديد في غير النبوة.. له حضوره الأشد في الإنسانية مقارنة إلى الحيوانية..
لله حضوره الأشد في عقل متفوق… وفي أخلاق أعظم و
في إرادة أقوى.. مقارنة بالجهالة والدونية والوهن!!
(2)
إذا كان الله فينا حولنا، فهو في محمد، ومحمد، بما قاله من أنه رسول ينقل من الله رسالة للناس إنما يقول ما قاله والله فيه، الله فيما قاله، أي قوله ممتلئ بالله، أي قوله حقيقة؛ فما يمتلىء بالله هو حقيقة باعتبار أن الله حقيقة لأنه يكون في الحقيقة…
فكيف أجئ أنا وأقول إن ما قاله محمد من أنه رسول بيننا وبين الله أو أنه يقع في البين الذي بيننا وبين الله هو قول غير صحيح.
والله فيما أقول، أى قولي هو قول ممتلئ بالله من حيث أن كل ما هو كيان هو كذلك بامتلائه بحضور إلاهي.. أى قولي حقيقة.. نحن إذن أمام قولين، وكل منهما حقيقة..
لكن القولين غير مجمعين على قضية واحدة.. كيف تكون قضيتان، كل منهما ممتلئة بالحقيقة، لكنهما مختلفتان وإحداهما تكذب الأخرى؟
هل الكذب هو الأخر حقيقة؟
هل الله يملأ الكذب؟
هل الكذب إلهي؟
هل الله يكذب؟
إذا كان الكذب من حقائق الكون، أي إذا كان كونا، وكل كون يكون كونا لأن الله فيه، لأن الله هو كونه – أعتذر فلتة لساني بقولي عن الله هو - لأن الله كون الكذب، فإن الله يكذب طالما الكذب كون إلهي.
ما الكذب؟
هو ما ليس كونا؟ كلا، الكذب كون، ولو لم يكن كونا ما كنا لنسأل عنه، وما كان ليفرض علينا كيانيته.
الكذب كون، لكنه كون نختلف معه.
الكذب حقيقة، وحقيقته في كونه.
وقولنا الذي نزعم به أنه ما نختلف معه هو الآخر حقيقة وحقيقته في كونه.
الكذب هو حقيقة تختلف مع حقيقة، أي كون مختلف عن كون .
ما قاله النبي محمد حقيقة لأنه كون.
وما أقوله أنا عن النبي محمد حقيقة لأنه كون..
ولكن الحقيقة هي كون كائن، كون تام، والكون التام هو كون حاضر .
قضية النبي محمد كون حاضر عن كون كان، والآن هو ليس حاضرا.
وباعتبارها كونا كان، فهي كون غير تام، هي كون، أو حقيقة تاريخية، كانت كونا تاما فيما مضى وهي كون حاضر تام في أذهان المؤمنين بها، وفي سلوكيات المؤمنين بها، الكائنين معنا، أي الكائنين في الحاضر كينونة تامة.
أما كينونة محمد المستقلة بذاتها فهي غير موجودة بذاتها، لقد جاوزها الزمن، هي موجودة بغيرها. هي موجودة كفكرة يعتقد حاضرون بها، بصحتها.
تعاطينا معها الآن هو تعاط مع فكرة، عقيدة، سلوك يعيش في الحاضر، من خلال حاضرين.
والنقد الذي يوجه لقضية النبي محمد، هو نقد لعقيدة معاصرينا في النبي محمد.
النبي محمد كوجود تام، كائن في الحاضر، غير حاضر معنا.
قضيتنا هى قضية اعتقاد الحاضرين فيما نقل عن محمد .
أي: قضيتنا هي البحث فيما إذا كان ما نقل عن محمد جدير بالاستمرار كعقيدة للمعاصرين لنا الآن. أي جدير بأن يتمتع بكونية تامة، أي بحضور تام، أي بصلاحية تامة لهذا الزمن؟
التمامية هي الحضور التام في العصر الحاضر..
التمامية هي امتلاء الكائن بالعصرية امتلاء تاما.
التمامية هي مشروعية الفكرة والسلوك بمعطيات العصر. ولكل عصر معطياته.
ومعطيات عصرنا غير معطيات عصور سابقة.
وما كان يصلح لعصور سابقة لا يصلح لعصور لاحقة.
وفكرتنا عن النبوة أنها رسالة من الله البعيد (في المكان لأن الله في الوصف القرآني أقرب لنا من حبل الوريد قربا ليس مكانيا بل قربا بالقوة) الجالس فوق كرسي فوق عرش فوق سبع سموات، فكرة أثبتت صلاحيتها لعصور سابقة، وكانت تامة تمامية مطلقة في عصر سابق، كانت استجابة أصيلة لعصر سابق، لكنه عصر مضى وفقد تماميته قياسا إلى عصرنا الراهن…
(3)
عند ظهور النبي محمد، كان العرب في مرحلة ما قبل الأمة. كانت البنية العربية السياسية مفككة، بينما كانت البيئة العربية الثقافية مترابطة وتشكل قاعدة لحركة سياسية ذات أهداف وحدوية. وحركة النبوة المحمدية، وهي حركة تطلعت إلى تحقيق الوحدة السياسية العربية المرتكزة إلى الثقافة العربية التي كان من أهم عناصرها عنصر الدين وعنصر الفن (الشعر). وبرز هذان العنصران في الدعوة المحمدية. فكان شكل القرآن، كتاب النبوة المحمدية، شكلا فنيا، وكان مضمونه عقيدة دينية هي تجديد لعقيدة العرب الدينية، عقيدة النبي الأب إبراهيم (هو – إبراهيم، يقول القرآن - سماكم المسلمين من قبل).
والشكل الفني للقرآن، هو شكل متفوق عن الشعرية العربية التي هي عبقرية العرب. وكانت دعوة النبوة المحمدية دعوة في اتجاه حالة تفوق سياسي، مع ما يتبع ذلك من تغيرات أخرى في الحياة العربية. والشكل الفني القرآني هو الأداة – الاعجاز- التي استطاع بها النبي محمد أن ينتزع دور القيادة لحركة تحول الوجود العربي من مرحلة التفكك السياسي إلى مرحلة الوحدة السياسية.
وبالشكل الفني المتفوق، جدد النبي محمد، أو ابتعث، شعورا دينيا يمتد إلى إبراهيم، لينطلق منه، باعتباره الأب للمسلمين (العرب) المؤمنين بديانة النبي محمد.
وبالنبع من ابرهيم، الأب، نجح محمد في توثيق عرى الوجود العربي، بدفعة للتمركز حول أب ديني، وبتعميق هذا التمركز بقدر ما تمنحه الثقافة العربية من أهمية لروابط القبيلة. والأخيرة ترتكز على الاعتقاد بوحدة الأصل (الجد / الأب).
والنبع من إبراهيم، يستدعي التجربة الدينية، بتنوعاتها، التي تنتمي إلى إبراهيم، وفي مقدمتها تجربة موسى، أي الديانة اليهودية. والأخيرة حاضرة بشدة لافته للنظر، فالقرآن يولي عنايته الكبيرة لليهودية، وللمسيحية المتولدة عن اليهودية. وكان لابد للنبي محمد من مواجهة عنيفة مع اتباعهما الذين، يقول محمد، انحرفوا عن دعوات المؤسسين.
ولم يضع النبي محمد كلا من موسى وعيسى في مكانة إبراهيم، لقد ظل إبراهيم هو الأب، وكان موسى وعيسى أخوين للنبي محمد. ولم يكن مفيدا للنبي محمد، بميزان سياسي، أن يغير من هذا الوضع. فالعربي الذي يخضع لإرادة الأب لا يخضع لإرادة الأخ، لكن العربي ذاته، بالحمية القبلية، ينتصر لأخيه، لا لسبب، غير السبب المتصل بعلاقة العصبية.
والعلاقات التي رسمها النبي محمد بينه وبين الأنبياء الثلاثة، ابراهيم وموسى وعيسى، منحته شروطا ممتازة لتأكيد دوره القيادي الديني في الحركة النبوية التاريخية، فهو وريث ابراهيم وموسى وعيسى معا، وهو انبعاث للأب إبراهيم، رمز الوحدة العربية الثقافية، وهو المدافع عن عقيدة كل من موسى وعيسى، أخويه. وأصبح، موسى وعيسى، خيوطا من نسيج الثقافة العربية الدينية، طالما هما نبيان يعودان إلى إبراهيم، النبي الأب للعرب، والنبي إسحاق الذي ينحدر منه أنبياء اليهود بما فيهم عيسى الذي يؤمن بهالنصارى.
والعرب لم يجادلوا في قضية أبوة إبراهيم لهم. هذا رغم ما عرفته الثقافة العربية من تقسيمات قبلية بين عرب عارية وعرب مستعربة. إبراهيم يحتل في الوعي التاريخي العربي مكانة الرمز. فهو الذي أقام الكعبة، محجة العرب… وهو الذي قدم للعرب ربا واحدا، بما يعادل الوحدة الثقافية العربية التي ظلت، تحت ظروف بيئية صعبة، بحاجة إلى أفكار تشد أزرها في مواجهة تحديات واقعها البيئي الطبيعي (قسوة المكان) والاجتماعي والمعاشي (صراع الحياة والموت ضد الطبيعة وضد تهديدات العصبية) والسياسي (ضد القوى الأجنبية الطامعة).
وفكرة الإلاه الواحد التي كان العرب القدماء بحاجة إليها، والتي منحت إبراهيم مكانة الرمز، هي الفكرة ذاتها التي جدد النبي محمد دماءها، في ظروف كانت شديدة الإلحاح في طلب فكرة تقود الوعي العربي قيادة قوية وجريئة نحو خلق وحدة سياسية عربية تعادل الوحدة العربية الثقافية.
لم يكن النبي إبراهيم ذا طموح سياسي وكانت الدعوة الإبراهيمية في شخص إبراهيم ظاهرة رفض لما هو كائن من الاعتقاد الديني. لكن إبراهيم لم يصنع أمته الخاصة به، فليس هناك أمة إبراهيمية كما هناك أمة محمدية أو موسوية… عاش إبراهيم طريدا، كان بلا أمة (ما عدا أفراد أسرته الخاصة)، سواء الأمة الأصلية أو الأمة التابعة، فهو ترك أمته، وارتحل في الأرض، وظل مرتحلاً… كان إبراهيم رجل فكر، لا رجل سياسة.
أما النبي محمد، فكان رجل سياسة (حاول في بداية حركته إغراء قبيلته – قريش - باتباعه ليجعل منهم ملوكا للعرب)، وكل سياسة تحتاج إلى فكرة. دعا النبي إبراهيم إلى عبادة الله الواحد ولم يجاوز هذه الدعوة إلى أفق الحركة السياسية. ولكن دعوة النبوة المحمدية إلى عبادة الرب الواحد، كانت دعوة سياسية، وعقيدة الرب (الله) الواحد، كانت معروفة لدى العرب، ومحمد لم يبتدعها.. ومحمد لم يتبدع شيئا من أفكار دعوته، وما جاء به النبي محمد، العقيدة والشريعة و الأخلاق، كانت معروفة في الثقافة العربية (المفتوحة على الديانتين اليهودية والنصرانية).
محمد النبي، ابتعث الأفكار التي كونت عقيدة الإسلام، دعوة محمد، وجعل منها المادة الفكرية لحركته السياسية.
والله الواحد هو أهم عناصر الدعوة المحمدية. وفكرة الله الواحد هي الفكرة التي كان يتطلبها، وبإلحاح شديد الواقع العربي المتطلع إلى وحدة سياسية لكيانه الثقافي.
الله الواحد هو المعادل الموضوعي السياسي لفكرة الأمة العربية الواحدة وحدة سياسية. وكل عناصر عقيدة وأخلاق وشريعة النبي محمد، ذات وظيفة متهجة إلى تعميق، بعد تكوين، حالة وحدة اجتماعية عربية سياسية. وعناصر النبوة المحمدية، العقيدية والأخلاقية والتشريعية، تتمركز، وبحميمية حول فكرة الله الواحد.
النبي محمد، بمعجزته الفنية المتفوقة، القرآن، هيمن على الثقافة العربية التي كانت تتعامل باحترام شديد مع الموهبة الفنية. والشاعر في الثقافة العربية، كان فارسا، أو، كان بطلا قوميا، على مستوى القبيلة، أو على مستوى أكبر.. ومحمد، لم يكن شاعرا، كان أكبر من شاعر، وكان يطمح إلى أن يكون بطلا أكبر من كل ما عرفته الثقافة العربية، والسياسة العربية من أبطال.
وبعبقريته، التي تجلت في إحدى صورها بعبقريته الفنية، اكتشف النبي محمد، أو اهتدى إلى أن، الأدوار العظيمة ترتكز إلى أفكار عظيمة.. ومن ذات الثقافة العربية، التي احتل بعبقريته الفنية موقعا مركزيا فيها التحم، بالفكرة المركزية القوية للثقافة العربية (الدينية) فكرة الله الواحد، وتوحد الني بهذه الفكرة، التي ملأت وجدانه وعقله، والتي كانت حاضرة في زمنه بما دان يدعو إليه معاصرون له ومنهم ورقة بن نوفل، وغذت طموحه السياسي، فاستخدم فكرة الله الواحد، وبعمق استغرق حضور محمد في حضور الفكرة؛ التي تماهى بها واستخدامها لخلق الكيان العربي السياسي، بمضمون ثقافي تاريخي، وعلى طريق تجلية المضمون الثقافي الجامع في وحدة عربية سياسية.
كان التفكك العربي السياسي عميقا داميا. وتجاوز هذه الحالة كان يحتاج إلى علاج عميق ودام أيضا فكانت دعوة النبي محمد عميقة بعمق فكرة الله الواحد في الوعي العربي التاريخي وكانت دعوة النبوة المحمدية دامية دموية تجسدت في الله الذي يتوعد الكافرين (بدعوة محمد) بنار جهنم الموصوفة بأوصاف مرعبة.
كما تجسدت دموية الدعوة المحمدية بفرض الجهاد الذي يحرض المسلم على الموت (الشهادة) والذي يربط هذا الموت بالجنة وبقتل الكافرين.
ولكن دموية الدعوة المحمدية ليست هي الوجه الوحيد لنبوة محمد، إن محمد العنيف مع أعدائه هو ذاته اللين مع أتباعه.
والعنيف واللين، وجها النبي محمد، أو وجها رب النبي محمد، صفتان تدوران في فلك وظيفي، فهما يعززان طموح النبي محمد لبناء كيان سياسي عربي موحد. فالنبي محمد لا يلين ولا يعنف مع العرب إلى درجة تهدد مشروعه السياسي الوحدوي والذي ارتكز إلى فكرة الله الواحد. فكان لا يعرف في الحق {بمعاييره الدينية} لومه لائم، وكان لا يتساهل في حق من حقوق الله. وحقوق الله، - يقول الفقهاء المسلمون - هي حقوق الجماعية المسلمة. ومن حقوق الجماعة تطبيق شريعة الله العقابية ضد الفاسقين (الخارجين عن الجماعة الإسلامية).
ولم يعنف محمد مع قومه العرب إذا كان من شأن هذا العنف أن يهدد مشروعه السياسي الوحدوي وأبرز المواقف الدالة على هذا النهج المحمدي، هو موقفه من أهل مكة يوم فتحها لمصلحة النبي محمد وأتباعه. وكان الآخرون، خاصة أنصار محمد من أهل يثرب، يعتقدون أن يوم الانتصار الإسلامي على أهل مكة، سيكون يوما دمويا مشهودا ضد أعداء النبي المكيين.. وفاجأهم النبي بموقف يخالف توقعاتهم، فخاطب قومه، عرب مكة بقوله: اذهبوا فأنتم الطلقاء.. كان عرب مكة هم الأشد عداء لدعوة محمد، وكان عداؤهم ممارسة عملية استهدفت القضاء على الدعوة النبوية برمتها، وحاربوا النبي بكل أسلوب ممكن وتآمروا عليه لقتله، وصبوا جم غضبهم وعذابهم على أتباعه. لقد كان عداؤهم للنبي أعنف من عداء يهود الجزيرة العربية المعاصرين للدعوة المحمدية. والنبي محمد عفا عن أهل مكة عندما انتصر عليهم، ولكنه كان قد أوقع على أعدائه من اليهود عقوبة دموية عنيفة، فقتل كل رجال قبيلة منهم في المدينة بنهمه التآمر على حياته من جانب هذه القبيلة، مستندا إلى أن قتلهم هو حكم الله العادل.
النبي محمد قتل رجال قبيلة يهودية وسبي نساءهم وأبناءهم وأموالهم بتهمة، لم يصحبها محاكمة، ولكن النبي غفر لأهله العرب سكان مكة مواقفهم العدائية ضده وضد أتباعه، وكان وراء عنفه الدموي ضد اليهود، وعفوه عن أعدائه العرب، سبب واحد، هو تطلعه إلى إنجاز مشروعه العربي الوحدوي السياسي. وهذا المشروع لا يعيق تحقيقه التضحية بيهود، (خاصة بعد أن يئس من تضامنهم معه باتباعه أو الكف عن مناهضته). وقد تكون هذه التضحية عاملا ساندا للمشروع الخاص بالنبي محمد، لما كان يختلج في نفوس العرب من عداء لليهود. لكن التضحية بعرب مكة كانت ستزلزل مشروع النبي محمد السياسي، فعرب مكة، أهل قريش، أهل النبي، هم "أشرف" العرب،ن وهم أصحاب الدور الطويل في اقامة شعائر ابراهيم، الأب، شعائر الحج، حج العرب إلى الكعبة الكائنة في مكة، موطن قبيلة قريش، ولو أن النبي انساق وراء رغبة أنصاره غير القريشين التي اتجهت إلى إبادة أهل مكة، يوم انتصار المسلمين عليهم، لو فعل النبي ذلك لكان قد ذبح دعوته كلها في ذلك اليوم، ذلك اليوم الذي عرف بيوم الفتح، وكان في الحقيقة يوم الفتح للدعوة النبوية التي سجلت انتصارها السياسي فيه، وهي الدعوة التي كانت تطمح منذ بدايتها – كما كشف النبي - لتمكين أهل قريش – قبيلة محمد – من أن يصبحوا ملوك العرب، وهو ما حدث فعلا فيما بعد كما يشهد تارخ الخلفاء والدولتين الأموية والعباسية، وكا يؤكد تشريع الفقهاء الذي ينص على أن "القرشية" شرط يجب توفره في الخليفة (الملك) المسلم.
كانت التضحية بعرب قريش هي تضحية بالمادة الثقافية العربية الوحدوية التي نبعث من أرضها وتغذت بها دعوة محمد السياسية، كان عرب قريش هم الحراس على فكرة الأب الواحد إبراهيم، وما يرتبط بها من إيمان بفكرة الله الواحد، وكلا الفكرتين ذات دور وظيفي مركزي من دعوة محمد.
وكان النبي محمد عميقا في مشاعره الإيجابية العربية، وكانت مشاعره الإيجابية نحو قبيلته – قريش – تحتل مركز مشاعره القومية. وعندما اضطر إلى الهجرة من مكة، توجه إلى موطنه، مكة، وقال: أنت أحب البلاد إلى نفسي؛ ولأنه كان متماهيا مع فكرة الله، علل هذا الحب العميق لموطنه، بقوله إن مكة هي "أحب البلاد إلى الله"، وكيف لا تكون مكة كذلك، وهي البلدة التي بنى فيها الأب إبراهيم أول بيوت الله في الأرض… فها هنا، في مكة، حضر الله في الأرض، للمرة الأولى… أليس البيت مرتبطا بإقامتنا، أي بحضورنا… أي بوجودنا المستقر… من هاهنا، من مكة، ولدت نبوة نبعث من الحضور الإلهي الأول في الأرض، الحضور الذي تحقق على يدي إبراهيم أبي المسلمين، اتباع النبي محمد، العرب الذين توجهت دعوة النبوة المحمدية إليهم، التي استحضرت الله من جديد، واستحضرته هذه المرة "ملكا" للناس.. للعرب".
ليحقق النبي محمد مشروعه السياسي العربي الوحدوي كان بحاجة إلى ملك قوي مطلق القوة.. فالعرب قوم غلاظ القلوب.. ولن يفلح ملك في الهيمنة عليهم ما لم يكن قويا ومطلق القوة… وكان الله كما صوره محمد، هو الملك( القرآن صريح في وصف الله بأنه ملك كما ورد في النصوص الأولى منه: قل أعوذ برب الناس، ملك الناس.. والناس، هنا، هم العرب ـ لكن مفهوم الناس تطور فيما بعد ليشمل الإنسانية).
الله، كما صوره النبي محمد، ملك قوي شديد العقاب.. لكنه رحيم مع المؤمنين به، مع المؤمنين بمحمد، لقد تماهى محمد مع الله تماهيا تاما (الاعتراف بالنبوة المحمدية مقترن اقترانا مطلقا بالإيمان بالله الواحد، إله محمد).
أمثال العرب، الغلاظ القلوب، يحتاجون إلى ملك (إلاه) يجمعهم بالرحمة والوعد بمكافأة عظيمة (الجنة) وبالعقاب الشديد (نار جهنم). ويكون الملك، (الذي يحتاجه محمد لنجاح دعوته) ملكا قويا بالرحمة وبالشدة معا..
والعرب، كانوا بحاجة إلى ملك قوي ليوحدهم وليواجه بوحدتهم القوى السياسية المعاصرة لظهور الدعوة المحمدية والتي كانت تتحدى فكرة ظهور أمة جديدة تمتلك عناصر قوة تهدد هيمنتها على البلاد العربية وغيرها من البلاد.
كانت هناك مملكتا الفرس والروم. وكان يحكمهما ملكان قويان، كانا، في مخيلة العربي، كيانين قريبين من الأسطورة، فاحتاج العرب إلى ملك أقوى منهما، وأشد أسطورية. ونجح محمد في رسم صورة لملك عربي (الله القرآني المحمدي) أشد أسطورية من ملوك الدول التي كانت تهدد وتحتقر العرب.
والله، كما رسمه محمد، هو الملك العربي الأشد قوة، والأشد أسطورية من كل من قيصر الروم وكسرى الفرس، وجعل محمد من الله، ملك العرب، ملكا للملوك ولم يكن الله أكبر من ملكي الروم والفرس فقط، ولكنه كذلك، أشد وأعظم من فرعون، ملك المصرين القدامى المستبد، عدو موسى، الأخ للنبي محمد، الذي كان على النبي أن ينتصر له، كما ينتصر العربي لأخيه. وموسى، بحكاية القرآن، انتصر على عدوه، فرعون، الملك القوي الذي أغرقه الله، وبشكل أسطوري، في البحر هو وجنوده.
من كسرى الفرس وقيصر الروم وفرعون مصر، انطلق النبي محمد في ابتداع حاكم عربي موحِّد وقوي وكان على هذا الحاكم العربي الجديد أن يتحدى، وفي وقت واحد، عدو الأخ موسى والأخ عيسى (أعداء عيسى كانوا يهودا) وأعداء الطموح العربي المعاصر للنبي محمد، دولتي كسرى وقيصر.. ولمواجهة هو المجال العدائي الواسع، كان لابد للحاكم العربي أن يكون واسعا.. عالميا.. فالله، ملك العرب، هو في الوقت ذاته، ملك العالمين… وهذا يمنح ملك العرب، الله المحمدي، قوة مطلقة… ويزيد محمد أسطورية إلاهه، فيجعله ملك الإنس والجن والملائكة والعالم الآخر، عالم الغيب.. وعالم ما فوق إدراك البصر..
والله المحمدي إلاه ذو مواصفات حاكم إنساني، وهي مواصفات تستجيب لحاجة المرحلة التي قادها النبي محمد..
إله محمد حاكم إنساني.. له عرش وكرسي.. له مجلسه الأعلى: الملأ الأعلى.. له جنوده.. عرشه محمول.. له رسله.. له أعداء أيضا كما له اتباع وله راجمات (يرجم الشياطين الذين يسترقون السمع على "اجتماعات" الملأ الأعلى، يرجمها بالنجوم التي تزين السماء الدنيا).. ويكافئ المطيع ويعاقب العاصي وقاهر، ككل حاكم مستبد، قاهر فوق عباده (هذا الإله هو الأصل المسئول عن استبدادية النظام السياسي العربي طوال تاريخه وحتى الآن، الذي تجاهل مبدأ: أمرهم شورى بينهم ذي الطابع الإنساني المعارض لألوهية الحاكم وبالتالي لمصالحه.. لكن مصلحة محمد من وجهه الحاكمي الإنساني ولإنجاح دعوته كانت تقتضي منه مشاورة قومه عندما تواجهه الأزمات)..
والعرب كانوا بحاجة إلى (حاكم) قاهر يقهرهم ثم يقهر أعداءهم.. يقهرهم فينتصر على قساوة قلوبهم، ويعيد تشكيلهم من جديد ليصبحوا مادة مناسبة لخلق أمة موحدة وذات مدنية مثل مدنيات الروم والفرس، ثم يقهر أعداءهم..
الله المحمدي يستقبل رسله أيضا.. رحلة النبي محمد إلى القدس ثم إلى سدرة المنتهى (دون العرش الإلهي) للمثول في حضرة الله، ويتدخل لإنقاذ رسله في الوقت المناسب.. رفع النبي عيسى إليه عندما واجه الأخير مؤامرة اليهود لقتله.. (لاحظ: النبي محمد انتصر لأخيه عيسى بالصعود إلى عيسى، من نقطة صعود عيسى إلى ربه، وبالموقف المتشدد تجاه اليهود، واللين تجاه اتباع عيسى)..
والإله المحمدي حاضر مع أسرارنا، ولكنه متعال مفارق لنا.. هو الحاضر البعيد (مكانا لا قوة: أقرب إليكم من حبل الوليد = أجهزة مخابرات تحصى على المواطنين كل شيء حتى أنفاسهم) .. هو الحاكم الإنسان الإله الذي يعلم كل شيء ويشارك في كل شئ، ويخلق كل شئ، ومع ذلك يعاقب عباده (المؤمنين بمحمد) وعبيده (الكافرين بمحمد) على عمل شئ من خلقه هو (القرآن يقول: خلقكم وما تفعلون)، ليثبت أنه حاكم بمواصفات الحاكم المستبد (غير الديمقراطي بمصطلحاتنا الحديثة) الحاكم الذي لا يقع تحت طائلة المساءلة.. الذي – يقول القرآن - لا يُسأل عما يفعل…
والعرب القساة القلوب، ذوو المراس الصعب، غير المتحضرين، يحتاجون إلى مثل هذا الحاكم .
دعوة محمد (التي طمحت إلى توحيد العرب لمواجهة أعدائهم التاريخيين: فرعون مصر (عدو أبناء عمومتهم اليهود، الذين يرتبطون مع النبي محمد والقرشيين بجد واحد هو إبراهيم)، وأعدائهم المعاصرين لدعوة محمد، قيصر الروم وكسرى الروم.. المستبدين أيضا.. دعوة محمد هذه تحتاج إلى إله (ملك) مستبد.
ولتحقيق مشروعه السياسي، ارتكز محمد إلى الله بالصورة التي رسمها له، وما كان ذا جدوى أن يحاول محمد قيادة العرب بدعوة تجعل منه هو ملكا لقومه بهذه المواصفات التي رسم بها صورة الله، لو فعل ذلك ما كان قد حقق النجاح الذي حققه… فهو لم يكن يمتلك العناصر الموضوعية لتجسيد صورة حاكم ملك لقومه له القوة المطلقة والأسطورية بالدرجة المطلوبة لتفجير طاقات العرب وتوحيدها لإنجاز مشروع محمد العربي الوحدوي السياسي.
أما ما أنجزه محمد باسم الله فإنما أنجزه لنفسه وذلك من خلال تماهي محمد بالله تماهيا تاما.
وقبل أن ينجح داعية ما إلى فكرة يعتقد بها، فلا بد أولا أن يحقق هذه الفكرة في ذاته، وكانت دعوة محمد هي دعوة وحدوية، ولنجاحها، كان على محمد الداعية أن يحقق هذه الوحدة، بمعانيها العميقة، في ذاته. وقد توحد محمد النبي مع الله، الفكرة المركزية في العقيدة الدينية العربية التي تعود إلى إبراهيم… وتوحد محمد بإبراهيم الرمز العربي الثقافي المحوري، وتوحد محمد بالإرث الديني كله، وتوحد محمد بثقافة قومه بإبداعه الفني القرآني.. وتوحد بتطلعات قومه النامية تجاه بناء كيان سياسي ينافس الكيانات السياسية القائمة آنئذ… توحد النبي محمد مع عناصر الكيانية العربية المعاصرة له، وكان توحده معها ذا طابع وظيفي، حيث استفاد استفادة وظيفية من المعاني الجامعة لعناصر الكيانية العربية، واستثمرها بعبقريته القيادية الفذة لإنجاز مشروعه السياسي الذي كان تطلعا عربيا نحو توحيد العرب في أمة واحدة..
نجاح الدعوات مرهون بالاستجابة لمتطلبات عصورها. ولو لم تكن الوحدة العربية السياسية متطلبا عصريا في عهد النبي محمد، لما كان في مقدور دعوة محمد أن تحقق نجاحها الكبير.
وثمة عامل آخر يجب اعتباره وبأهمية لنجاح الدعوات، وهو التمثل الواعي للعناصر البنائية الثقافية للكيان موضوع الدعوة، حيث هذا التمثل كفيل بإعادة صياغة مقومات الكيان موضوع الدعوة، بما يستجيب، ويدعم، المتطلب العصري. واثبت محمد قدرته الفذة في استخدام عناصر الثقافة العربية لتحقيق المتطلب العربي العصري المعاصر له.
وكل صياغة جديدة لمقومات كيان قائم هي ثورة عظمى. وكانت دعوة النبي محمد ثورة عظمى، ودليل ثوريتها هو الموقف العدائي الذي وقفه أساطين قومه، أو عنصر السلطة الاجتماعية، السياسية والدينية والاقتصادية، الذي رأوا أن الدعوة الجديدة تهدد هيمنتهم الاجتماعية، وتهدد بسلب الامتيازات التي توفرها لهم الهيمنة. ومن خصائص كل سلطة جمودها، والدعوات الجديدة حركات "فاسقة"، حركات ترفض الجمود في صياغات الماضي.
والنقطة الأخيرة، هي الدرس التاريخي الهام الذي يتوجب على كل دعوة عربية نهضوية معاصرة، معاصرة لنا الآن، أن تستوعبها، وتنطلق منها، مستفيدة من عنصر "الفسق"ا، باعتباره عنصر تكوين في البناء الكياني العربي المعاصر المطموح فيه، وهو عنصر التحرر من الجمود، وقد حملت الدعوة المحمدية بشدة على الجمود – وهذا من أسرار عظمتها - وكانت، بعظمتها كلها ثورة على الجمود، لكنها كانت ثورة العقل الواعي، والأخلاقي أيضا (جعلت الفضيلة الأخلاقية الفردية والمجتمعية وبمعايير عصرها قانونا).. العقل والأخلاق المحمدية المترفعة بمعايير عصر الدعوة النبوية المحمدية هما سر نجاح أو أحد أهم أسرار نجاح دعوة النبي محمد…
وسيظل أهم عوامل نجاح اية دعوة جديدة، هو قدرتها التفوقية على صياغة مقومات التكوين التاريخية على محور المستجدات والطموحات.. هذا هو التجديد وهذه هي الثورة…
(4)
كان تفجير إرادة الوحدة لدى العرب، وخلق الكيان العربي الواحد، هو المعادل الموضوعي لفكرة الله الواحد التي رفضت رفضا مطلقا فكرة التعدد الإلهي التي كانت تشكل عقيدة العرب الدينية المهيمنة في عصر بروز الدعوة المحمدية.
كان النبي محمد يعرف طريقه معرفة دقيقة واعية مستنيرة (بمعايير عصره)، وكان يمتلك إرادة ماضية. ورفض مقترح قومه بتتويجه ملكا عليهم، على قريش، فإن هذا التتوتج لا يمثل خطوة في اتجاه تحقيق مشروعه السياسي الوحدوي الشامل للأمة العربية التي كانت تمتلك المقومات الثقافية (التحتية) للأمة الواحدة. كان تتويجه ملكا لقريش سيحمل تأكيدا على الواقع العربي المجزأ سياسيا. فمضى محمد، بقوة وإصرار (قال ردا على محاولة من عمه لإثنائه عن دعوته: يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته) يدعو للإله "الملك" الواحد للناس (للعرب)، وهو في الحقيقة يدعو إلى وحدة الناس (العرب) السياسية، معمقا هذه الدعوة، بربطها تاريخيا، بالأب إبراهيم، وبالتجربة، الدينية كلها (موسى، عيسى، ..)، وبربطها وجوديا بما تصور أنه الخالق للعالم كله، الله رب العالمين…
حققت دعوة النبوة المحمدية وحدة الأمة العربية السياسية وقاوم النبي وأتباعه (بعد وفاته) الدعوات التي ظهرت في أخريات أيام حياة النبي محمد، التي عرفت بحركات الردة، التي شملت مساحة كبيرة جدا من أراضي الجزيرة العربية بعد أن كانت قد دانت بالدعوة المحمدية. وكان أهم أخطار حركات الردة، هو ما يمثله هذا الموقف الديني، المناهض للنبوة المحمدية، من خطر ضد المشروع الوحدوي العربي السياسي. وأوضحت رسالة مسيلمة المتنبئ (الكذاب كما تصفه الكتب الإسلامية) الذي قاد أهم حركات الردة، أوضحت رسالته إلى النبي محمد، وبجلاء، توجهات تحدي الردة ضد النبوة المحمدية ومشروعها العربي السياسي… قال مسيلمة للنبي محمد: نصف الأرض لقريش (قبيلة محمد) ونصفها لنا. ومحمد، الذي كان الله، أو فكرة الله، في مشروعه، هي مصدر قوته، رد على مسيلمة يقول: الأرض لله يورثها لمن يشاء.
وبانتصار المسلمين في حروب الردة، نجح مشروع النبوة المحمدية العربي الوحدوي، وبدأت الأمة العربية تسجيل حضورها التاريخي، وخرجت جيوش العرب، المسلمة، الموحدة سياسيا وثقافيا، لتحارب أقوى دولتين في عصر ظهور الإسلام، دولتي الفرس والروم، فانتصر الله، ملك الناس (مفهوم الناس تطور في وقت لاحق من الدعوة المحمدية ليشمل الإنسانية وليستجيب لمفهوم: الله رب العالمين)، الملك القوى من كسرى وقيصر، انتصر ملك الناس (العرب) على العجم، وتجلت قوته بمزيد من القوة اللائقة بملك الملوك، رب العالمين.
(5)
أخذت النبوة المحمدية من الحقيقة الإلهية (الوجود واقعا ومتمنى) ما كانت بحاجة إليه. الإله فعل خلْقٍ سارٍ فينا نحن أفعاله. إنه لا ينفك عنا، وهو فينا لا يزيد عما نحتاجه (واقعا ورجاء) لا يزيد عما نستوعبه منه، ونحن نستوعب منه أو نسعه على قدر ما يخدم فعليتنا، أو يبدع فعليتنا، فعليتنا التي هي فعله. لكن فعله، أو كل فعل، ليس مطلقا، لو كان أي فعل مطلقا لكان الفعل الإلهي قد توقف عن الاستمرار بهذا الفعل المطلق ، (أعني بالمطلقية هنا اللاتيا هي - في أماكن أخرى كنت استخدمها بمعنى الحرية، واللاتناهي والحرية يحملان نفس المعنى من جهة أنها ينفيان المحدودية). المطللق الذي يعني استيعاب الألوهية كلها، أو سلبها كلها، الاستيلاء عليها كلها وبالتالي انتهاءها. وهي - الألوهية - غير قابلة للسلب أو للاستيلاء عليها من شئ غيرها لعدم وجود غيرها (الالوهية = الوجود كله الواقع والمرتجى (المتمنى، المتخيل)).
محمد، بنبوته، فعل إلهي ليس مطلقا، إنه لم يأت بالكلمة الأخيرة لله. إن الله لم يقرر أن يضع خاتمة لوجوده، ليعلن كلمته النهائية، أو ليظهر ظهوره الأخير . إنه لا يستطيع فعل ذلك، هذا ضد طبيعته، إنه لا أول له ولا آخر، فلا يجوز أن نزعم أن ثمة كلمة (ظهور) أخير له، إن أي تحقق له هو تحقق أخير في لحظته، ليس فيما يأتي بعدها. وجود الله حر منفتح، لا يتوقف عند أية لحظة، إنه دوما يتحرر من كل لحظة.
كلمة النبوة المحمدية عن الله، التي هي من الله، هي لحظة من الله الحر المنفتح بفعلية هي ذاته، فعلية متجددة لأنها فعلية الحر المتفتح الذي لا يستطيع الجمود ولا الانغلاق بطبيعته. نبوة محمد، ككل الأفكار عن الله، التي هي من الله (كل الأفكار والأفعال من الله) لا تستغرق حقيقة الإله (التي وقعت والواقعة والتي تتقدم نحو الوقوع) كلها، ولا تتنافى أيضا مع حقيقة الإله التي هي متجددة بفعلية هي الله.
التصور المحمدي لله، والتجلي الإلهي (التحقق ربما أدق) محدد بالحاجة الزمانية المكانية، لثورة محمد الروحية. وهو تصور غير منفك عن تصورات الزمان الذي ظهر فيه، (والمكان). لذلك، إن إله النبي محمد، هو إله زمان ومكان ظهوره. الله في القرآن مناسب تماما لزمان ومكان النبوة المحمدية، عند ظهورها.
إني لا أتهم النبي محمد بالكذب في قوله إنه يتحدث باسم الحقيقة الإلهية. لكن يجب أن أبادر وأضيف أنه تحدث باسم حقيقة إلهية نسبية (ظرفية)، إنها حقيقة بنت زمانها وأم زمانها (ومكانها).
إن ظرفيتنا الراهنة باتت مختلفة عن ظرفية ظهور النبوة المحمدية، لذلك، فكرة النبي محمد عن الله، لم تعد متطابقة تطابقا تاما - بالنسبة لي – مع الفهم المطلوب لوقتنا الراهن عن الله. لأن الفكرة المحمدية هي جزء حميم من محمد الكائن الإنساني، والأخير لم يعد ذا وجود تام، لقد مضى، ومضت معه كل دعوى بأن فكرته الإلهية النبوية هي فكرة ذات وجود تام أو أن لها حق الحضور التام، ليس للماضي وجود تام، الوجود التام للحاضر فقط.
أقول من جديد: محمد بنبوته، والنبوات كلها، والإصلاحات كلها، والخلق كله، هم ناتج الخاصة الأساس، الشاملة، للألوهية (=الوجود)، التي هي خاصة الحرية (الفعلية الحرة). ولا تسمح هذه الخاصة بتحولها إلى ضديتها (إن حريتها حرة حرية مطلقة فلا تقبل التصور بما يلغيها). الفعلية المستمرة (الحرية المستمرة) للألوهية لا تقبل الجمود، ولو قبلت الجمود لألغت ذاتها، ولله وجود لا يلغي ذاته ولا يلغيه غيره لعدم وجود غيره)، فماذا يصير الوجود (الله) إذا تصورنا نهايته؟ إننا لا نستطيع تصوره لا شيء مطلقا، فما دام الله موضوعا تصوريا، وما دمنا لا نستطيع تصوره لا شيء مطلقا، فإننا لا نستطيع أن نجعل من الله تصورا للا شئ مطلقا.
الفعلية (خلال الفعل المحمدي) ناتج للحرية، فكيف تتحول فعلية محمد (نبوته) إلى أداة قمع للحرية ، لحرية كيانات وجودية أخرى. النبوة المحمدية بنت أصيلة للصفة الأصلية لله. صفة الحرية، ولو ادعت النبوة المحمدية أنها تمتلك الحقيقة المطلقة، فإنها تمارس القمعية ضد أمها الحرية، ولن تكون ممارستها للقمعية واقعية، لأنها لا تستطيع ذلك، أنها ستمارس جمودها، ستمارس موتها.
ولكن النبوة المحمدية، ستحتفظ بقيمتها الأصلية عندما تعترف بالحرية كحق لكيانات الحاضر، الكيانات التامة.
ستحفظ النبوة المحمدية بعظمتها عندما تعترف بأن دعوة الحرية هي دعوتها. ودعوة الحرية ترفض تقييد حرية الحاضر بمفاهيم مرتبطة بالماضي الذي لم يعد يتمتع بحق وجودي تام.
الإسلام كان دعوة انفتاحية، فإذا جعل نفسه حجابا يحجب الأنوار المتجددة عن الناس، فإن الأنوار ستخترق الحجاب وهذا الأخير سيذهب من الخيال كما قد ذهب من تمامية الوجود.
والنبي محمد عظيم بقدر ما جاهد في سبيل الحرية، وهو أحد أئمة الحرية التاريخيين، لكنه ليس الإمام مطلقا.. أنني أحمل له تقديرا كبيرا، ومن هذا التقدير، فإني ارفض أن اصنع منه صنما، لقد قاوم الصنمية التي لا تعني غير الجمود، وهذا أحد أعظم الدروس التي تعلمتها منه.
(6)
بلغت النبوة المحمدية ذروتها في آخر حج للنبي، وهو المعروف بحجة الوداع.
في هذا الحج، أحرز النبي نصرا كفل له الزعامة العربية السياسية (الدينية) التي أعطت للأمة العربية لبنتها التأسيسة، والتي كانت حجة الوداع هي انطلاقة الأمة العربية (الإسلامية) الكبرى.
وفي هذا الحج، توحدت جميع عناصر الدعوة النبوية المحمدية الوحدوية (السياسية - الدينية).
في زمان واحد، في مكان واحد، دان العرب للقائد الواحد محمد، في الرحاب التاريخي للأب الواحد (ابراهيم، باني الكعبة التي يحج إليها العرب - مشرِّع الحج هكذا في الوجدان العربي)، تحت راية الرب الواحد الله، رب الأنبياء إبراهيم وموسى وعيسى.. إلخ.
وتوحدت التجربة الدينية (تجربة إبراهيم الأب، والأبناء موسى وعيسى وكل الأنبياء) مع التجربة الأبوية (إبراهيم أبو الأنبياء - أبو العرب - أبو محمد قائد العرب الجديد) .
وبعض المفسرين للدين، يعتقدون أنه يعود في نشأته إلى عبادة الأب.. واختلاط مفاهيم الأبوة مع مفاهيم الدين، في التجربة المحمدية، التي بلغت ذروتها في حج النبي الأخير إلى بيت إبراهيم (أول بيت بني لله في الأرض - يقول التراث الديني، هذا الاختلاط فيه ما يدعم تفسير نشأة الدين من عباده الأب. ولكنها خضعت، هذه النظرية، في التجربة المحمدية إلى ضرورات المشروع المحمدي السياسي، الذي كان يريد إلاها حيا، مطلقا، يخدم تطلعاته إلى خلق الأمة العربية الواحدة.
اخترعت النبوة المحمدية فكرتها الإلهية، المتصلة بفكرة الأب الواحد للأنبياء (التجارب الدينية) الذي هو الأب الواحد للعرب، الذين جعل منهم النبي محمد أمة واحدة لرب واحد.
وانتصرت النبوة المحمدية، بقدر ما امتلكت من تجلية للحقيقة الوجودية الشاملة، هذه الأخيرة، التي تجلت، على يد محمد، في فكرة الله، خالق كل شئ.
والفكرة، كل فكرة، لها زمانها الذي تتجلى فيه وتنتصر.
ولكن ليس ثمة فكرة، تملك أن تستمر، كما هي بدقة، في زمان غير زمان إبداعها البكر.
الأفكار مرتبطة بالوقائع. الوقائع تتغير، الأفكار لا تظل هي هي، كما كانت في بكارتها. الأفكار تتصل بالوقائع اتصال المقدمات بالنتائج. الوقائع تلد أفكاراً، والأفكار تحرك الوقائع، ولكنها ما أن تشرع في تحريكها للوقائع، فإنها تكون قد شرعت في تحولها هي ذاتها، فلا تبقى فكرة ما، ما كانت عليه، كلما طرأ جديد، وطروء الجديد مستمر.
والفكرة، كل فكرة، هي تنسيق عقلي لوقائع (عقلية أو شيئية- مادية) كائنة. ليس هناك فكرة معلقة في فراغ، ولا يوجد بين الفكرة ومعطيات العقل الكائنة فاصل. هناك تمايز، لكن دون قطعية.
الفكرة وهي تصنع من وقائع كائنة، عالما جديدا، كما فعلت النبوة المحمدية، فإنها تخلق واقعها الخاص، هذا الأخير يتجاوز الفكرة الخالقة له، هذا الأخير يكون جديدا، وترتد الفكرة الأم إلى الماضي، كما المرأة التي تعطي، ابنة أو ابنا جديدين، فتصبح أما… يكون ما تعطيه جديدا، وتصبح هي قديما، ولا تعود مطلقا إلى ما كانت عليه.
الأشياء التي أبدعها زمن ماضٍ هي غيرها في الزمن الحاضر. الحاضر لا يفسح صدره واسعا للماضي.. نحن نلد البنات والأبناء… هم يمضون قدما.. ونحن ننطوي في الماضي.. هذا قانون الكون.. هذا قانون الحقيقة الشاملة.. هذه هي الحقيقة التي لا تتغير.
الشئ الوحيد الثابت المستمر هو التغير، ووقائعه اليكونية (التغير) هي الواقع الثابت، هي الفكرة المطلقة التي لا يحبسها زمان ولا مكان.. كل الأفكار الأخرى، كل الوقائع الأخرى بنات متغيرة للتغبير.
النبوة المحمدية عندما دخلت التاريخ، دخلت، ودون فاصل زمني، في دوامة التغير.
محمد لم يعد بيننا.. بيننا نساء ورجال يتبعون محمدا الذي مضى، وبكل أفكاره البكر، وفي مقدمتها، وأهمها، فكرة الله كما رسمها.
الله، في الدعوة المحمدية ليس مطلقا. هو فكرة زمانية مكانية، ذهب زمانها، واختلف مكانها.
ولكني لا أقول إنها باطلة، إنها صادقة بقدر ما تجلت في التاريخ.
ولكنها ليست مطلقة.. ليست "الكل الشامل".
الله، لدى محمد، متحيز، يجلس على كرسي، الكرسي يَحمل، ويًحمل .. ويتنقل… الله غير العالم (المخلوق ) .. الله له أولياء، له جنود.. له أعداء.. هو أول وآخر.. وفي عقيدتي: الكل الشامل لا أول له ولا آخر… هو المطلق من غير بداية ومن غير نهاية… هو الواسع الذي لا بعد بعده.. هو التغير (اليكونية)، هو الحرية... لكن الله المحمدي يريد عبادا لله (رعيّة للحاكم النبي وخلفائه).. الحرية لا تقبل أن يكون لها عبادا (مؤمنين) ولا عبيدا (كافرين)، (في المحمدية حرية، لكن بسقف إلهي، وهذا تحديد لها، بينما الحرية اليكونية – مفهومي عن الله - هي حرية للكل الشامل الواسع الذي لا بعد بعد، المطلق، التي لا سقف لها.
النبوة المحمدية من التجليات الكبرى في أصالتها وعمقها لليكونية، وهذه حقيقتها، ومن هنا نشأت قوتها ومصداقيتها. كانت نورا من النور المطلق. والله فيها نور السماوات والأرض.. لكن النورانية الإلهية فيها محدودة (مثل نوره كمشكاة.. بقول القرآن وهذا تحديد) … والنور المطلق – في نورانيتي - حقيقة شاملة لا يحصرها التحديد، ولكنها تتجلى في التحديدات المفتوحة التي تتحرر باستمرار من حديتها..
(7)
كانت النبوة المحمدية في بدايتها مثالية أخلاقية. كان أنصار النبي الأوائل من الفقراء العبيد المضطهدين، وكان المثالي أبو بكر الصديق من أهم أنصاره.. كذلك، كان علي، الفتي الحالم، ذي الأخلاق البطولية المثالية التي لم يتركها طول حياته.
في البدء، وعندما حاولت السيدة خديجة، زوجة الرسول محمد الأولى، إدخال الطمأنينة على نفس النبي، عندما شك، عند أول ابتدائه بالرسالة (تلقي الوحي)، فإن خديجة ذكرت له خصاله الأخلاقية. وكان النبي يُعرف بأخلاقه الرفيعة في قومه (الصادق الأمين - ناصر المظلوم).
ومثالية النبي الأخلاقية واضحة غاية الوضوح في نظريته الاقتصادية التي تلخصها الآية "ويسألونك ماذا ينفقون، قل العفو" (والعفو هو الزيادة عن الحاجة) وهذا مبدأ شيوعي مثالي، يرفض الملكية لما فوق الحاجة رفضا واضحا وحاسما.
كان هذا إيمان النبي في بداية دعوته. ولكنه تحول عن هذا الموقف، لصالح مبدأ التملك، ومبدأ حق الأفراد في تنمية ثرواتهم الخاصة، ووضع فريضة الزكاة على الأغنياء، وحث الأغنياء على الصدقة على الفقراء، (بما يعكس تشبثه بمثاليته الأولى التي زحزحها إلى الخلف تحت ضغوط احتياجات الدعوة السياسية) وذلك، عندما صارت الدعوة دولة، وعندما أصبح على النبي، القائد السياسي، أن يكسب تأييد أصحاب الثروات.
وهو لم ينحز بالكلية إلى الأغنياء، ففرض عليهم نصيبا من أموالهم ينفقونه على الفقراء. ولكن الفرق واضح وكبير بين مبدأ "العفو" ومبدأ "الصدقات": الأول يلغي الفوارق بين الطبقات، من ناحية اقتصادية، والثاني يعزز هذه الفوارق باقراره الحق الفردي في تنمية الثروات، وباعترافه بمشروعية وجود الفقر.
وكان النبي في بداية الدعوة يتهدد الذين يكنزون الذهب والفضة بأشد العذاب. وفي مراحل متقدمة، مرحلة الدولة السياسية، صار إخراج زكاة الذهب والفضة كافيا لدرء العذاب عمن يكتنزها.
والنبي محمد، الذي كان عربيا أصيلا وحتى النخاع، الذي عكس ذكرية الثقافة العربية، بإطلاق العنان أمام الرجل بحرية لنسج العلاقات جنسية، بالزواج، أو بالتملك، الذي جارى بذلك، احتياجات قومه، واحتياجات طاقته الجنسية (الروحية) هو أيضا؛ هذا النبي، رفض أن يتزوج علي، الذي كان زوجا لإحدي بنات النبي، رفض عليه أن يتزوج مرأة أخرى يجمعها مع زوجته التي هي بنت النبي. وهذا موقف يبدو متناقضا تاما مع سماح النبي بتعدد الزوجات… لكن.. المسألة تتعلق ببنته؟!
(8)
العبادات في الإسلام…
الصلاة = طقوس ولاء لتأكيد الخضوع والاحترام لله الحاكم كما يطلب الحكام الآخرين (سجود/ ركوع تكرار الأوامر / انسلاب الذات).
خفاء النية تعادل خفاء الله.
الصوم = إثبات الولاء في السر/ استحضار الإله في كل الأحوال السرية = نقاء السريرة من أية فكرة قد تشوب عقل المواطن ولا تكون في مصلحة دوام حكم السلطان.
بينما الصلاة استحضار لله في العلن.
صلاة الجماعة = حشد المواطنين في مكان واحد للاستماع للقائد الملهم فريد عصره وكل العصور كما الله).
الحج = تلبية دعوة حضور من كل مكان = دعوة لتجديد شعائر الأب (الحاكم = أبو العائلة) وتقديس ذكراه (ذكرى الحاكم بعد موته – إشباع الجشع الوجودي له على حساب الخائفين الضعفاء الجهلاء).
الزكاة = مشاركة الحاكم في مال المخلوق (المحكوم) وإنفاقها على الفقراء لإسكات جوعهم ولمصادرة تفكيرهم الممكن في الثورة على استغلال الأقوياء ماليا وسياسيا لهم – لا يرد على ذلك بأن الزكاة تعادل الضرائب التي تنفقها الدولة على المؤسسات العامة المشتركة للمواطنين، فهذا مفهوم لم يكن قائما في عهد النبي الذي لم يؤسس دولة مؤسسات).
الشهادة = مبايعة العبد المحكوم للحاكم مبايعة مطلقة.
هذه المعاني لا تلغي الوظيفة الوضعية للعبادات والتي تتركز حول تعزيز وحدة الجماعة بالرؤية الإسلامية.
الخروج عن الجماعة كفر - الكافر يُقتل (حرية التفكير كفر – وكان أمام العربي في زمن النبي وحتى الآن: الإسلام أو القتل، وآية: لكم دينك ولي دين محكومة بالظرف الذي كان النبي ودعوته فيه بحاجة إلى حرية الاعتقاد، وهي لا تزال مقبولة في إطار العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين، وليس في إطار الجماعة المسلمة بحكم الإرث الثقافي).
الالتزام بالبيعة للحاكم الذي يحكم في الإسلام بالنيابة عن النبي والله الحاكمين المطلقين التزاما مطلقا = الحكام العرب في التاريخ الإسلامي لا يخلعون ثوب الحكم أبدا (الذي يلبسه الله لهم – كما قال الخليفة عثمان مسوغا رفضه بالتنازل عن الخلافة تلبية لدعوة الثائرين عليه) – الحاكم العربي، وبنص دستوري ديني حاكم حتى الموت (أو الخلع بالقوة).
حسن ميّ النوراني
هناك 5 تعليقات:
ملحوظة بسيطة : لم يكن هناك مايسمى بالأمة العربية فى زمن محمد !! كانت هناك شبه الجزيرة العربية وهى التى كانت عربية أما باقى الأمصار التى استولى عليها المسلمون العرب كسوريا ومصر وليبيا والسودان وتونس ؛ فقد محو هويات شعوبها ولغاتها وتم تعريب ألسنة الناس فى تلك الدول بواسطة الولاة الذين فرضوا اللغة العربية على الناس فى تلك الدول بالترغيب تارة والاجبار تارات عندما أصروا على تعليم الناس مسائل الدين والقرآن باللغة العربية فقط !!!!
أشاطرك الرأي غير معرف المحترم، كما أن الأمة العربية المشار إليها ليست بالضرورة هي ما أضحى يصطلح عليه بالعالم العربي و إنما هي الكتلة البشرية المستهدفة من طرف مشروع محمد السياسي، و هي نفس الكتلة البشرية التي عناها في سورة الأنبياء بقوله: ( إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون ( 92 ) وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون ( 93 ) فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون ( 94 ) ) .
أبوقثم
شكراً على التوضيح
ادم عبد الحي
كم هو جميل هذا الفكر
لكنه يحتاج وعاءً مرجعيا يصوغه صياغة شعبية سلسله كقران محمد لينهل منه الناس على الدوام وعلى اختلاف درجاتهم فتظل طاقة الحريه الفكريه منفتحه في وعيهم لا يحدها التصور المحمدي عن الوجود .. تقبل مروري
ادم عبد الحي ..
الى المسلمين فقط: سلام عليكم..
الموقع التالي يساعدكم في الرد على كثير من شبهات الملحدين..
http://debatewithatheist.blogspot.com/
إرسال تعليق