حدثني بكر بن الهيثم قال: حدثنا عبد الله بن
صالح عن الليث بن سعد عن يونس بن يزيد الأيلى، عن الزهري قال: أتى رسول الله صلى
الله عليه وسلم السيد والعاقب وافدا أهل نجران اليمن فسألاه الصلح. فصالحهما عن
أهل نجران على ألفى حلة في صفر وألف حلة في رجب، ثمن كل حلة أوقية، والأوقية وزن
أربعين درهما. فإن أدوا حلة بما فوق الأوقية حسب لهم فضل ذلك، وإن أدوها بما دون
الأوقية أخذ منهم النقصان، وعلى أن يؤخذ منهم ما أعطوا من سلاحٍٍ أو خيلٍ أو ركابٍ
أو عرضٍ من العروض بقيمته قصاصاً من الحلل، وعلى أن يضيفوا رسل رسول الله صلى الله
عليه وسلم شهراً فما دونه ولا يحبسوهم فوق شهر، وعلى أن عليهم عارية ثلاثين درعاً
وثلاثين فرساً وثلاثين بعيراً إن كان باليمن كيد، وأن ما هلك من تلك العارية
فالرسل ضامنون له حتى يردوه، وجعل لهم ذمة الله وعهده، وأن لا يفتنوا عن دينهم
ومراتبهم فيه، ولا يحشروا ولا يعسروا. واشترط عليهم أن لا يأكلوا الربا ولا
يتعاملوا به.
حدثني الحسين بن السود حدثنا وكيع قال: حدثنا
مبارك بن فضالة ، عن الحسن قال: جاء راهبا نجران إلى النبي صلى الله عليه وسلم،
فعرض عليهما الاسلام فقالا: إنا قد أسلمنا قبلك. فقال كذبتما. يمنعكما من الاسلام
ثلاث: أكلكما الخنزير، وعبادتكما الصليب، وقولكما لله ولد. قالا: فمن أبو عيسى؟ - قال
الحسن: وكان صلى الله عليه وسلم لا يعجل حتى يأمره ربه - فأنزل الله تعالى: "ذلك
نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم. إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب
ثم قال له كن فيكون. - إلى قوله - الكازبين". فقرأ رسول الله صلى الله عليه
وسلم عليهما، ثم دعاهما إلى المباهلة وأخذ بيد فاطمة والحسن والحسين. فقال أحدهما
لصاحبه: اصعد الجبل ولا تباهله، فإنك إن باهلته بوءت باللعنة. قال: فما ترى؟ قال: أرى
أن نعطيه الخراج ولا نباهله.
حدثني الحسين قال: حدثني يحيى بن آدم قال: أخذت
نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل نجران من كتاب رجل عن الحسن بن صالح
رحمه الله وهي: "بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما كتب النبي رسول الله محمد
لنجران إذ كان له عليهم حكمة في كل ثمرة وصفراء وبيضاء وسوداء ورقيق، فافضل عليهم
وترك ذلك ألفى حلة حلل الأواقي. في كل رجب ألف حلة وفي كل صفر الف حلة. كل حلة
أوقية، وما زادت حلل الخراج أو نقصت عن الأواقي فبالحساب، وما قضوا من درع أو خيل
أو ركاب أو عرض أخذ منهم بالحساب، وعلى نجران مثواة رسلى شهراً فدونه، ولا يحبس
رسلى فوق شهر، وعليهم عارية ثلاثين درعاً وثلاثين فرساً وثلاثين بعيراً، إ1ا كان
كيد باليمن ذو مغدرة - أي إذا كان كيد بغدرٍ منهم - وما هلك مما أعاروا رسلى من
خيل أو ركاب فهم ضمنٌ حتى يردوه إليهم. ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة. محمد
النبي رسول الله على أنفسهم، وملتهم، وأرضهم، وأموالهم، وغائبهم، وشاهدهم، وغيرهم،
وبعثهم، وأمثلتهم ، لا يغير ما كانوا عليه ولا يغير حق من حقوقهم وأمثلتهم، لا
يفتن أسقف من أسقفيته، ولا راهب من رهبانيته، ولا واقهٌ من وقاهيته، على ماتحت
أيديهم من قليل أو كثير، وليس عليهم رهقٌ ولا دم جاهلية، ولا يحشرون ولا يعشرون،
ولا يطأ أرضهم جيشٌ، من سأل منهم حقاً فبينهم النصف غير ظالمين ولا مظلومين
بنجران، ومن أكل منهم رباً من ذى قبل فذمتى منه بريئة، ولا يؤخذ منهم رجلُ بظلم
آخر ، ولهم على ما في هذه الصحيفة جوار الله وذمة محمد النبي أبداً حتى يأتي أمر
الله، ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم، غير مكلفين شيئاً بظلم". شهد أبو سفيان
ابن حرب وغيلان بن عمرو ومالك بن عوف من بنى نصر والأقرع ابن حابس الحنظلي
والمغيرة وكتب.
وقال يخيى بن آدم: وقد رأيت كتاباً في أيي
النجرانيين كانت نسخته شبيه بهذه النسخة وفي أسفله " وكتب علي بن أوب طالب"
ولا أدري ما أقول فيه.
قالوا: ولما استخلف أبو بكر الصديق رضي الله عنه
حملهم على ذلك. فكتب لهم كتاباً على نحو كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما
استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصابوا الربا وكثروا. فخافهم على الإسلام
فأجلاهم وكتب لهم: "أما بعد فمن وقعوا به من أهل السام والعراق فليوسعهم من
حرث الأرض، وما اعتملوا من شيء فهو لهم مكان أرضهم باليمن".
فتفرقوا. فنزل بعضهم الشام، ونزل بعضهم النجرانية
بناحية الكوفة، وبهم سميث.ودخل يهود نجران مع النصارى في الصلح، وكانوا كالأتباع
لهم. فلما استخلف عثمان بن عفان كتب إلى الوليد بن عقبة بن أبي معيط وهو عامله على
الكوفة: "أما بعد فإن العاقب والأسقف وسارة نجران أتوني بكتاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأروني شرط عمر. وقد سالت عثمان بن حنيف عن ذلك فأنباني أنه كان
بحث عن أمرهم فوجده ضاراً للدهاقين لردعهم عن ارضهم. وإني قد وضعت عنهم من جزيتهم
مائتي حلة لوجه الله، وعقبى لهم من أرضهم. وإني أوصيك بهم فإنهم قوم لهم ذمة".
وسمعت بعض العلماء يذكر أن عمر كتب لهم: "أما
بعد، فمن وقعوا به من أهل الشام والعراق فليوسعهم من حرث الأرض. وسمعت بعضهم يقول:
من جريب الأرض"، وحدثني عبد الأعلى بن حماد النرسي اقل: حدثنا حماد بن سلمة
عن يحيى بن سعيد عن اسماعيل بن حكيم، عن عمر بن عبد العزيز أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال في مرضه: لا يبقين دينان في ارض العرب.فلما استخلف عمر بن الخطاب
رضي الله عنه أجلى أهل نجران إلى النجرانية، واشترى عقاراتهم وأموالهم.
وحدثني العباس بن هشام الكلبي عن أبيه، عن جده
قال: سميت نجران اليمن بنجران بن زيد بن سبأ بن يشجب ابن يعرب بن قحطان.
وحدثني الحسين بن ألسود قال: حدثنا وكيع بن
الجراح قال: حدثنا الأعمش عن سالم بن أبي الجعد قال: كان أهل نجران قد بلغوا
أربعين ألفاً، فتحاسدوا بينهم، فأتوا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالوا: أجلنا. وكان
عمر قد خافهم على المسلمين، فاغتنمها فأجلاهم. فندموا بعد ذلك وأتوه فقالوا: أقلنا.
فأبى ذلك. فلما قام علي بن أبي طالب رضي الله عنه أتوه فقالوا: ننشدك خطك بيمينك،
وشفاعتك لنا عند نبيك، إلا أقلتنا، فقال: إن عمر كان رشيد الأمر وأنا أكره خلافه.
وحدثني أبو مسعود الكوفي قال: حدثني محمد بن
مروان والهيثم بن عدة، عن الكلبي أن صاحب النجرانية بالكوفة كان يبعث رسله إلى
جميع من بالشام والنواحي من أهل نجران فيجبونهم مالاً يقسمه عليهم لإقامة الحلل. فلما
ولى معاوية أو يزيد بن معاوية شكوا إليه تفرقهم وموت من مات وإسلام من أسلم منهم،
وأحضروه كتاب عثمان بن عفان بما حطهم من الحلل، وقالوا: إنما ازددنا تقصاناً
وضعفاً. فوضع عنهم مائتي حلة تتمة أربع مئة حلة.
فلما ولى الحجاج بن يوسف العراق وخرج ابن الاشعث
عليه اتهم الدهاقين بموالاته واتهمهم معهم، فردهم إلى ألف وثمان مئة حلة، وأخذهم
بحلل وشيٍ.
فلما ولي عمر بن عبد العزيز شكوا إليه فناءهم
ونقصانهم، وإلحاح الأعراب بالغارة عليهم، وتحميلهم إياهم المؤن المجحفة بهم، وظلم
الحجاج إياهم. فأمر جزيةً على رؤوسهم وليس هو بصلح عن أرضيهم، وجزية الميت والمسلم
ساقطة. فألزمهم مائتي حلة قيمتها ثمانية آلاف درهم.
فلما ولي يوسف بن عمر العراق في أيام الوليد بن
يزيد ردهم إلى أمرهم الأول عصبيةً للحجاجز فلما استخلف أمير المؤمنين أبو العباس
رحمه الله عمدوا إلى طريقه يوم ظهرٍ بالموفة، فألقوا فيه الريحان ونثروا عليه وهو
منصرف إلى منزله من المسجد. فأعجبه ذلك من فعلهم، ثم إنهم رفعوا إليه في أمرهم
وأعلموه قلتهم وما كان من عمر بن عبد العزيز ويوسف بن عمر، وقالوا: إن لنا نسباً
في أخوالك بني الحارث بن كعب، وتكلم فيهم عبد الله بن الربيع الحارثي، وصدقهم
الحجاج بن أرطاة فيما ادعوا، فردهم أبو العباس، صلوات الله عليه، إلى مائتي حلة قيمتها
ثمانية آلاف درهم.
قال أبو مسعود: فلما استخلف الرشيد هارون أمير
المؤمنين وشخص إلى الكوفة يريد الحج، رفعوا إليه في أمرهم، وشكوا تعنت العمال
إياهم. فأمر فكتب لهم كتابٌ بالمائتي حلة قد رأيته. وأمر أن يعفوا من معاملة
العمال، وأن يكون مؤداهم بيت المال بالحضرة.
حدثنا عمرو الناقد قال: أخبرنا عبد الله بن وهب
المصري عن يوني بن يزيد، عن ابن شهاب الزهري اقل: أنزلت في كفار قريش والعرب "وقاتلوهم
حتى لا تكون فتنةٌ ويكون الدين لله" وأنزلت في أهل الكتاب "قاتلوا الذين
لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون دين
الحق، إلى قوله صاغرون" فكان أول من أعطى الجزية من أهل الكتاب أهل نجران
فيما علمنا، ومانو نصارى، ثم أعطى أهل أيلة وأذرح وأهل أذرعات الجزية في غزوة تبوك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق