من يفكر ثم يكتب نحترمه.. و من يكتب ثم يفكر نعذره.. و من يكتب و لا يفكر نرد عليه..
أهنئك ، أختي أمال على شجاعتك ! كنت أود أن أقول لك : لا فضّ فوك. لكني رأيت أن هذه العبارة لا تستحقك؛ إذ لا تستحق عذوبتك و رقتك. فهي خشنة في حقك!.. لذا ارتأيت أن أقول لك: ما أجمل شجاعتك...إذ الشجاعة إن تلبست ذكرانا خشنين تصلبت و أضحت مرادفا للفتك و الهدم و التخريب ؛ و إن هي حطت عند امرأة وديعة حازمة حليمة استحالت بناء و تشييدا وعمرانا.
يقول السفهاء منا إن الحجاب فرض من فرائض الإسلام ، و ركن من أركانه. و تناسوا أن الإسلام إنما بني على خمس . و فاتهم أننا لا نقرأ حملتهم ضد المرأة كما يوحون به لقصيري النظر..بل نراها حملة سياسية قذرة خسيسة، مرتكزة على فكر سلفي انتهازي ترهيبي؛ يبغي الاستئثار و الاستفراد بالسلطة، و النيل من النظام و التسلط على أعناق العباد ؛ متخذين الدين و الحجاب عملة رخيصة يحققون بها مآربهم الوضيعة.فأضحى بهم الحجاب و اللحية المسدلة و السيف المسلول رمز الإسلام العالمي بامتياز و شعاره .
يقول الشاعر العراقي التنويري جميل صدقي الزهاوي :
يا ابنة الشرق مزّقي الحجابا فقد كان حارسا كذّابا
و قال شاعر الجمال ، شاعر العصر ؛الذي مازال فينا حيا نتغنى به و بأشعاره ؛ نزار قـــباني:
شــرف الــعربي بــين فــخذيه
إن الشرف في العقل
و ليس في قطعة قمــاش
الحجاب لغويا هو منع الرؤية وهو الحؤول دون اختلاس النظر.أما شرعا فإننا نجد له معاني تتغير و تختلف حسب الآيات و الظروف و الأحداث.فهو اللحاف الذي تسدله المرأة من رأسها على كافة جسمها مغطية الشعر و الوجه و الجيد و ما وصل إليه الثوب من الجسد و هذا ما نستشفه من الآية59من سورة الأحزاب ( يأيها النبي قل لأزواجك و بناتك و نساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن؛ذلك أدنى أن يعرفن؛ فلا يؤذين ؛ و كان الله غفورا رحيما) . و هو الستار كذلك في الآية 53 من نفس السورة،حيث تقول:( و إذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلك أطهر لقلوبكم و قلوبهن.).على أن هذا النوع من الحجاب قد عوّضته الأبواب و الأقفال حتى ليقال اليوم<سدّ عليها بالقفل و الساروت>. إلا أن الآية 31 من سورة النور تتحفنا بعدد آخر من أنواع الحجاب ( و قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن و يحفظن فروجهن و لا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها و ليضربن بخمرهن على جيوبهن و لا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن....و توبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون.)فغض البصر حجاب، و حفظ الفروج حجاب، و الاختمار بالنقب حجاب، و عدم إبداء الزينة حجاب. ثم نجد الآية 53 من سورة الأحزاب تقول : ( و قرن في بيوتكن و لا تبرجن تبرج الجاهلية..) فتضيف لنا معنى آخر للحجاب هو معنى الاستقرار في البيوت الذي تربطه بالتبرج.
نلاحظ إذا أن معنى الحجاب قد تغير من آية لأخرى و لكنها كلها تضافرت في الأمر به .!! طيب!! فنضع السؤال الذي لا يقبل حراس الإيمان، و المتطفلون على الفكر، طرحه :لماذا يجب على المرأة أن تتحجب إذا ؟ و ما هي الأسباب الداعية إلى فرض الحجاب ؟ يربط الإسلامويون الجدد بين العفة و الفضيلة و الحشمة من جهة و الحجاب من جهة أخرى. فيجعلون من الحجاب مرادفا للعفة و الأخلاق الفاضلة. و يقيمون المعادلة العوجاء التي مفادها أن لا عفة و لا أخلاق في غياب الحجاب.و أن حيثما و كلما توفر الحجاب ،توفرت العفة و الطهر و الأخلاق الفاضلة...ويبدو أن هذه المعادلة تستقيم في بعض العقول المنغلقة... لكن لنتجاوز الواقع المحكَّ و تعالي نبحث صحتها في سير الأحداث.
ففي الصحيحين أن عمر بن الخطاب قال: يا رسول الله أحجِب نساءك؛ قالت عائشة:فأنزل الله آية الحجاب... و فيهما أيضا أنه قال:يا رسول الله لو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب ... و عن البخاري في كتاب التفسير لسورة الأحزاب رقم 4517 من كتاب الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ؛ عن عائشة أم المؤمنين قالت : كنت أنا وسودة بعدما ضرب الحجاب خرجنا لحاجتنا عشاء، فرآها عمر، فعرفها. و كانت سودة امرأة طويلة بائنة الطول،فناداها عمر و قال : و الله ما تخفين علينا يا سودة.فرجعت إلى النبي و في يده عرق (عظم بلحم) يأكل. فنزل الوحي على النبي و العرق بيده ما وضعه. و قال النبي قد أذن لكم أن تخرجن لحاجتكن.) فنزلت بشهادة أم المؤمنين : ( يأيها النبي قل لأزواجك..... و كان الله غفورا رحيما ) و التي سمتها آية الحجاب.
في تفسير هذه الآية يقول القرطبي :< لما كانت عادات العربيات التبذل، و كن يكشفن عن وجوههن كما يفعل الإماء ، و كان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن، و تشعّب الفكرة فيهن ؛ أمر الله رسوله أن يأمرهن بارتداء الحجاب عليهن إذا أردن الخروج إلى حوائجهن، و كن يتبرزن في الصحراء قبل أن تتخذ الكنف، فيقع الفرق بينهن و بين الإماء....و كانت المرأة من نساء المؤمنين قبل نزول هذه الآية تتبرز للحاجة فيتعرض لها بعض الفجار يظن أنها أمة، فتصيح به فيذهب. فشكوا ذلك إلى النبي فنزلت هذه الآية > . أين هي إذا الملائكية التي يتحدث بها المتشدقون؟؟... و يخبرنا ابن كثير في تفسيره : < كان فساق أهل المدينة يخرجون بالليل فإذا رأوا المرأة عليها جلبابا قالوا:هذه حرة فكفوا عنها. و إذا رأوا المرأة ليس عليها جلباب قالوا: هذه أمة!! فوثبوا عليها!!!!> أبن كثير (855/3). يا سلام!!! و أما في طبقات ابن سعد فيزداد الأمر سوءا حين تعلمنا إحدى الروايات أنه كان نساء النبي يخرجن بالليل لحاجتهن و كان الناس من المنافقين يتعرضون إليهن فيؤذين ، فشكوا ذلك للنبي ، فقيل ذلك للمنافقين فقالوا: إنما نفعل ذلك بالإماء!!!فنزلت هذه الآية آية الحجاب> ..طبقات ابن سعد (141/8)...كما أن الطبري يقول في تفسير الأحزاب:< يأيها النبي قل لأزواجك و نساء المؤمنين لا يتشبهن بالإماء في لباسهن إذا هن خرجن من بيوتهن لحاجتهن فكشفن شعورهن و وجوههن. و لكن ليدنين عليهن من جلابيبهن لئلا يتعرض لهن فاسق.>
الحجاب إذا، و من خلال كل ما استعرضناه لحد الآن، كرامة أنعم بها سيدنا عمر على أمهات و نساء المؤمنين. فالمعروف عنه رضي الله عنه أنه كان يشتدّ على الرسول . و ها هو ذا ينشد الحِجر على نسائه. ولسيدنا عمر كرامات أخرى على المؤمنين غير الحجاب. فبعد أن طالب به و ألح عليه و عاتب نساء النبي على الخروج ليلا للتبرز خارج البيت ، نزلت الآية 59 من سورة الأحزاب ، ترخص للنساء الخروج لقضاء حاجتهن شرط أن يستترن بجلابيبهن و يتغطين بأطرافها، عندما يتبرزن أو يتبولن .لأن الصحراء ليس بها شجر و لا عشب و لا هضبة تختبئ وراءها النسوة. إنما يضطررن إلى الابتعاد أكبر قدر ممكن و قضاء الحاجة في أقل وقت ممكن. فلله درهن كم عانين!!و كم قاسين!!
كما أن جميع التفاسير تذهب إلى أن الآية لا تعني جميع النساء و إنما تعني طبقة الحرائر منهن دون الإماء و القواعد من النساء اللواتي خصتهن الآية 53 من الأحزاب بالقول: (و القواعد من النساء اللائي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة و أن يستعففن خير لهن و الله سميع عليم.) فالحجاب المأمور به إذا يميز طبقة معينة من النساء عن غيرهن. و هذه الطبقة من خصائصها أن تكون النساء نساء المؤمنين و لا يشترط فيهن لا الإيمان و لا الإسلام و لا الرق و لا الحرية!!! فالحرائر هن نساء المؤمنين لا غير . ونحن نعلم أن نساء المؤمنين أنواع؛ فهناك من تزوجها المؤمن الزواج الدائم وهؤلاء قد يصلن إلى أربع، و هناك من تزوجها للتسري و عددهن لا حصر له و هناك من قد تكون خاضعة لزواج المتعة. فكل النسوة اللائي ينتمين لخيمة مؤمن يجب عليهن أن يدنين عليهن بجلابيبهن و يضربن بخمرهن على جيوبهن.(فيقال هكذا تلك نسوة زيد. و هؤلاء نساء عمرو تماما كقولهم تلك شياه زيد و هذه نوق عمرو.) . كما أن الآية لم تذكر المؤمنات المتزوجات بغير المؤمنين...فأين العلاقة الإسلاموية بين الحجاب و الأخلاق الفاضلة !؟ و أين هي الأخلاق من كل تلك المواقف المخزية !؟ بل الحجاب؛ عكس ذلك كله؛ شعار طبقي يميز طبقة نساء المؤمنين البورجوازيين الذين إذا خاطبهم الجاهلون الفقراء قالوا سلاما؛ عن عامة نساء المجتمع من إماء و فقيرات و مطلقات و يهوديات و مسيحيات أجبرن هن الأخريات على ارتداء نوع آخر من الأزياء.فها هو عمر نفسه صاحب كرامة الحجاب ،نجده يطوف في المدينة،فإذا رأى أمة متحجبة ضربها بدرّته الشهيرة حتى يسقط الحجاب عن رأسها و يقول: فيم الإماء يتشبهن بالحرائر.طبقات ابن سعد( 127/7 )
و الحقيقة أن هناك إجماعا على أن آية الحجاب إنما نزلت لمجرد تمييز الحرة عن الأمة. ففي تفسير البيضاوي( و ذلك أدنى أن يعرفن : يميزن من الإماء و القينات. فلا يؤذين: فلا يؤذيهن أهل الريبة بالتعرض إليهن) تفسير البيضاوي 386/4 . (يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص) يأيها النبي قل لأزواجك و بناتك و نساء المؤمنين ألا يتشبهن بالإماء في لباسهن....)تفسير الطبري 45/22 . و أخرج ابن جرير عن أبي صالح رضي الله عنه قال قدم النبي (ص) المدينة على غير منزل، فكان نساء النبي (ص) و غيرهن إذا كان الليل خرجن يقضين حوائجهن و كان رجال يجلسون على الطريق للغزل. فأنزل الله يأيها النبي قل لأزواجك و بناتك يعني بالجلباب حتى تعرف الأمة من الحرة.و أخرج ابن سعد عن محمد القرضي رضي الله عنه قال كان رجل من المنافقين يتعرض لنساء المؤمنين يؤذيهن فإذا قيل له قال كنت أحسبها أمة ، فأمرهن الله تعالى أن يخالفن زي الإماء و يدنين عليهن من جلابيبهن ،تخمر وجهها إلا إحدى عينيها ذلك أدنى يقول أحرى أن يعرفن .. الدر المنثور (659/6)
و لأن هذه الأسباب قد انتفت في عصرنا الحاضر؛ حيث أصبحت كل النساء حرائر، سواء كن متزوجات أو مطلقات، محجبات أو سافرات، صغيرات أو كبيرات،مشتغلات أو مستقرات في بيوتهن؛ و ذلك بفضل الشرك الأكبر لدى أئمة التضليل ـ حقوق الإنسان و القوانين الوضعية(الجائرة) ـ فإنهم بمكرهم و خستهم ربطوا بين الحجاب و الأخلاق و العفة و الحشمة.
الكنف أصبحت متوفرة في كل منزل. المنافقون و السفهاء الذين يترصدون النساء و غيرهن على الطرقات ألهتهم كثرة مشاغل الحياة، وردعهم الأمن الذي لم يكن متوفرا في عصر السلف الصالح. ثم من كان يترصد الآخر..؟ أ ليس هم الرجال..؟ فلماذا نزل الحكم في النساء الضحية؟..أ ليس الرجال هم المعتدون..؟و هم الغمازون..؟و هم المتحرشون..؟ فكيف لم يصدر العقاب في حقهم و تجاوزهم الحكم إلى الضحايا من النساء..؟!!!!
الحجاب عنوان طبقة اجتماعية لا وجود لها اليوم في المجتمع المعاصر.فالمؤمنون الذين تتوجه إليهم آية الحجاب بالقول كانوا يملكون أسرابا من النساء من أزواج أربع و ما استطاعوا إليه سبيلا من ما ملكت أيمانهم و الجواري المسرى بهن . كما أن النساء المعنيات كن مسبيات و معتوقات و جواري حسان لا وجود لهن في المجتمع اليوم.
المجتمع المسلم الذي نزلت فيه آية الحجاب و غيرها إنما نزلت فيه لتطهره مما رأينا فيه من الأعراض و تنقيه مما عرفناه من الشوائب و تربيه على الفضيلة و العمل، و تطوره ؛ لا ليصبح المدينة الفاضلة؛ و لكن من أجل أن يتمكن من التأقلم مع المحيط الذي كان يتهيأ للانفتاح عليه،محيط المدنية و التحضر. والأمر بالحجاب اليوم يعني أننا لا زلنا لم نتطهر بعد ، و لم نتنق بعد ، و لم نتربّ بعد، و بالتالي فإننا لا زلنا في حاجة لمن يحجر علينا و يتكلف بنا في ظلمات العصر... فيقبَل بلهاء الإيمان الذين أسكرهم الوعاظ أن يصبحوا عميانا و هم يبصرون،في آذانهم وقر وهم يسمعون،أغبياء و هم يفهمون..فتنسيهم سكرة الإيمان أن هذا المجتمع المسلم المعاصر هو ذاك المجتمع، و قد أحدثت فيه عوامل التاريخ و التمدن و الرقي الأهداف التي تقصدها آية الحجاب.فأصبح بفضل العلم و التربية و التجربة ، المجتمع الكامل الذي كان يصبو إليه أولئك الأجداد. فالعفة و الاحترام اليوم أصبحا بموجب قانون متفق عليه ؛يحدد العقوبات و يزجر المخالفين . و ليسا بمقتضى نصوص و أحاديث مختلف حول كثيرها.
هذا رأيي إ؛ أيتها الأخت المحترمة؛ أسوقه إليك مشفوعا بأمنية غالية وهي أ لا يأتي يوم ترين فيه أنت الأخرى نفسك عورة . فقد أكون أتفهم رجلا يرمي النساء بالعورات و الضلع الأعوج و قلة الدين و الإيمان...لكن كل أدوات الفهم تضيع مني عندما تقول لي امرأة عن نفسها مثل هذه الأشياء..
أبـــــــــو قـــــــــثم
أهنئك ، أختي أمال على شجاعتك ! كنت أود أن أقول لك : لا فضّ فوك. لكني رأيت أن هذه العبارة لا تستحقك؛ إذ لا تستحق عذوبتك و رقتك. فهي خشنة في حقك!.. لذا ارتأيت أن أقول لك: ما أجمل شجاعتك...إذ الشجاعة إن تلبست ذكرانا خشنين تصلبت و أضحت مرادفا للفتك و الهدم و التخريب ؛ و إن هي حطت عند امرأة وديعة حازمة حليمة استحالت بناء و تشييدا وعمرانا.
يقول السفهاء منا إن الحجاب فرض من فرائض الإسلام ، و ركن من أركانه. و تناسوا أن الإسلام إنما بني على خمس . و فاتهم أننا لا نقرأ حملتهم ضد المرأة كما يوحون به لقصيري النظر..بل نراها حملة سياسية قذرة خسيسة، مرتكزة على فكر سلفي انتهازي ترهيبي؛ يبغي الاستئثار و الاستفراد بالسلطة، و النيل من النظام و التسلط على أعناق العباد ؛ متخذين الدين و الحجاب عملة رخيصة يحققون بها مآربهم الوضيعة.فأضحى بهم الحجاب و اللحية المسدلة و السيف المسلول رمز الإسلام العالمي بامتياز و شعاره .
يقول الشاعر العراقي التنويري جميل صدقي الزهاوي :
يا ابنة الشرق مزّقي الحجابا فقد كان حارسا كذّابا
و قال شاعر الجمال ، شاعر العصر ؛الذي مازال فينا حيا نتغنى به و بأشعاره ؛ نزار قـــباني:
شــرف الــعربي بــين فــخذيه
إن الشرف في العقل
و ليس في قطعة قمــاش
الحجاب لغويا هو منع الرؤية وهو الحؤول دون اختلاس النظر.أما شرعا فإننا نجد له معاني تتغير و تختلف حسب الآيات و الظروف و الأحداث.فهو اللحاف الذي تسدله المرأة من رأسها على كافة جسمها مغطية الشعر و الوجه و الجيد و ما وصل إليه الثوب من الجسد و هذا ما نستشفه من الآية59من سورة الأحزاب ( يأيها النبي قل لأزواجك و بناتك و نساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن؛ذلك أدنى أن يعرفن؛ فلا يؤذين ؛ و كان الله غفورا رحيما) . و هو الستار كذلك في الآية 53 من نفس السورة،حيث تقول:( و إذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلك أطهر لقلوبكم و قلوبهن.).على أن هذا النوع من الحجاب قد عوّضته الأبواب و الأقفال حتى ليقال اليوم<سدّ عليها بالقفل و الساروت>. إلا أن الآية 31 من سورة النور تتحفنا بعدد آخر من أنواع الحجاب ( و قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن و يحفظن فروجهن و لا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها و ليضربن بخمرهن على جيوبهن و لا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن....و توبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون.)فغض البصر حجاب، و حفظ الفروج حجاب، و الاختمار بالنقب حجاب، و عدم إبداء الزينة حجاب. ثم نجد الآية 53 من سورة الأحزاب تقول : ( و قرن في بيوتكن و لا تبرجن تبرج الجاهلية..) فتضيف لنا معنى آخر للحجاب هو معنى الاستقرار في البيوت الذي تربطه بالتبرج.
نلاحظ إذا أن معنى الحجاب قد تغير من آية لأخرى و لكنها كلها تضافرت في الأمر به .!! طيب!! فنضع السؤال الذي لا يقبل حراس الإيمان، و المتطفلون على الفكر، طرحه :لماذا يجب على المرأة أن تتحجب إذا ؟ و ما هي الأسباب الداعية إلى فرض الحجاب ؟ يربط الإسلامويون الجدد بين العفة و الفضيلة و الحشمة من جهة و الحجاب من جهة أخرى. فيجعلون من الحجاب مرادفا للعفة و الأخلاق الفاضلة. و يقيمون المعادلة العوجاء التي مفادها أن لا عفة و لا أخلاق في غياب الحجاب.و أن حيثما و كلما توفر الحجاب ،توفرت العفة و الطهر و الأخلاق الفاضلة...ويبدو أن هذه المعادلة تستقيم في بعض العقول المنغلقة... لكن لنتجاوز الواقع المحكَّ و تعالي نبحث صحتها في سير الأحداث.
ففي الصحيحين أن عمر بن الخطاب قال: يا رسول الله أحجِب نساءك؛ قالت عائشة:فأنزل الله آية الحجاب... و فيهما أيضا أنه قال:يا رسول الله لو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب ... و عن البخاري في كتاب التفسير لسورة الأحزاب رقم 4517 من كتاب الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ؛ عن عائشة أم المؤمنين قالت : كنت أنا وسودة بعدما ضرب الحجاب خرجنا لحاجتنا عشاء، فرآها عمر، فعرفها. و كانت سودة امرأة طويلة بائنة الطول،فناداها عمر و قال : و الله ما تخفين علينا يا سودة.فرجعت إلى النبي و في يده عرق (عظم بلحم) يأكل. فنزل الوحي على النبي و العرق بيده ما وضعه. و قال النبي قد أذن لكم أن تخرجن لحاجتكن.) فنزلت بشهادة أم المؤمنين : ( يأيها النبي قل لأزواجك..... و كان الله غفورا رحيما ) و التي سمتها آية الحجاب.
في تفسير هذه الآية يقول القرطبي :< لما كانت عادات العربيات التبذل، و كن يكشفن عن وجوههن كما يفعل الإماء ، و كان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن، و تشعّب الفكرة فيهن ؛ أمر الله رسوله أن يأمرهن بارتداء الحجاب عليهن إذا أردن الخروج إلى حوائجهن، و كن يتبرزن في الصحراء قبل أن تتخذ الكنف، فيقع الفرق بينهن و بين الإماء....و كانت المرأة من نساء المؤمنين قبل نزول هذه الآية تتبرز للحاجة فيتعرض لها بعض الفجار يظن أنها أمة، فتصيح به فيذهب. فشكوا ذلك إلى النبي فنزلت هذه الآية > . أين هي إذا الملائكية التي يتحدث بها المتشدقون؟؟... و يخبرنا ابن كثير في تفسيره : < كان فساق أهل المدينة يخرجون بالليل فإذا رأوا المرأة عليها جلبابا قالوا:هذه حرة فكفوا عنها. و إذا رأوا المرأة ليس عليها جلباب قالوا: هذه أمة!! فوثبوا عليها!!!!> أبن كثير (855/3). يا سلام!!! و أما في طبقات ابن سعد فيزداد الأمر سوءا حين تعلمنا إحدى الروايات أنه كان نساء النبي يخرجن بالليل لحاجتهن و كان الناس من المنافقين يتعرضون إليهن فيؤذين ، فشكوا ذلك للنبي ، فقيل ذلك للمنافقين فقالوا: إنما نفعل ذلك بالإماء!!!فنزلت هذه الآية آية الحجاب> ..طبقات ابن سعد (141/8)...كما أن الطبري يقول في تفسير الأحزاب:< يأيها النبي قل لأزواجك و نساء المؤمنين لا يتشبهن بالإماء في لباسهن إذا هن خرجن من بيوتهن لحاجتهن فكشفن شعورهن و وجوههن. و لكن ليدنين عليهن من جلابيبهن لئلا يتعرض لهن فاسق.>
الحجاب إذا، و من خلال كل ما استعرضناه لحد الآن، كرامة أنعم بها سيدنا عمر على أمهات و نساء المؤمنين. فالمعروف عنه رضي الله عنه أنه كان يشتدّ على الرسول . و ها هو ذا ينشد الحِجر على نسائه. ولسيدنا عمر كرامات أخرى على المؤمنين غير الحجاب. فبعد أن طالب به و ألح عليه و عاتب نساء النبي على الخروج ليلا للتبرز خارج البيت ، نزلت الآية 59 من سورة الأحزاب ، ترخص للنساء الخروج لقضاء حاجتهن شرط أن يستترن بجلابيبهن و يتغطين بأطرافها، عندما يتبرزن أو يتبولن .لأن الصحراء ليس بها شجر و لا عشب و لا هضبة تختبئ وراءها النسوة. إنما يضطررن إلى الابتعاد أكبر قدر ممكن و قضاء الحاجة في أقل وقت ممكن. فلله درهن كم عانين!!و كم قاسين!!
كما أن جميع التفاسير تذهب إلى أن الآية لا تعني جميع النساء و إنما تعني طبقة الحرائر منهن دون الإماء و القواعد من النساء اللواتي خصتهن الآية 53 من الأحزاب بالقول: (و القواعد من النساء اللائي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة و أن يستعففن خير لهن و الله سميع عليم.) فالحجاب المأمور به إذا يميز طبقة معينة من النساء عن غيرهن. و هذه الطبقة من خصائصها أن تكون النساء نساء المؤمنين و لا يشترط فيهن لا الإيمان و لا الإسلام و لا الرق و لا الحرية!!! فالحرائر هن نساء المؤمنين لا غير . ونحن نعلم أن نساء المؤمنين أنواع؛ فهناك من تزوجها المؤمن الزواج الدائم وهؤلاء قد يصلن إلى أربع، و هناك من تزوجها للتسري و عددهن لا حصر له و هناك من قد تكون خاضعة لزواج المتعة. فكل النسوة اللائي ينتمين لخيمة مؤمن يجب عليهن أن يدنين عليهن بجلابيبهن و يضربن بخمرهن على جيوبهن.(فيقال هكذا تلك نسوة زيد. و هؤلاء نساء عمرو تماما كقولهم تلك شياه زيد و هذه نوق عمرو.) . كما أن الآية لم تذكر المؤمنات المتزوجات بغير المؤمنين...فأين العلاقة الإسلاموية بين الحجاب و الأخلاق الفاضلة !؟ و أين هي الأخلاق من كل تلك المواقف المخزية !؟ بل الحجاب؛ عكس ذلك كله؛ شعار طبقي يميز طبقة نساء المؤمنين البورجوازيين الذين إذا خاطبهم الجاهلون الفقراء قالوا سلاما؛ عن عامة نساء المجتمع من إماء و فقيرات و مطلقات و يهوديات و مسيحيات أجبرن هن الأخريات على ارتداء نوع آخر من الأزياء.فها هو عمر نفسه صاحب كرامة الحجاب ،نجده يطوف في المدينة،فإذا رأى أمة متحجبة ضربها بدرّته الشهيرة حتى يسقط الحجاب عن رأسها و يقول: فيم الإماء يتشبهن بالحرائر.طبقات ابن سعد( 127/7 )
و الحقيقة أن هناك إجماعا على أن آية الحجاب إنما نزلت لمجرد تمييز الحرة عن الأمة. ففي تفسير البيضاوي( و ذلك أدنى أن يعرفن : يميزن من الإماء و القينات. فلا يؤذين: فلا يؤذيهن أهل الريبة بالتعرض إليهن) تفسير البيضاوي 386/4 . (يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص) يأيها النبي قل لأزواجك و بناتك و نساء المؤمنين ألا يتشبهن بالإماء في لباسهن....)تفسير الطبري 45/22 . و أخرج ابن جرير عن أبي صالح رضي الله عنه قال قدم النبي (ص) المدينة على غير منزل، فكان نساء النبي (ص) و غيرهن إذا كان الليل خرجن يقضين حوائجهن و كان رجال يجلسون على الطريق للغزل. فأنزل الله يأيها النبي قل لأزواجك و بناتك يعني بالجلباب حتى تعرف الأمة من الحرة.و أخرج ابن سعد عن محمد القرضي رضي الله عنه قال كان رجل من المنافقين يتعرض لنساء المؤمنين يؤذيهن فإذا قيل له قال كنت أحسبها أمة ، فأمرهن الله تعالى أن يخالفن زي الإماء و يدنين عليهن من جلابيبهن ،تخمر وجهها إلا إحدى عينيها ذلك أدنى يقول أحرى أن يعرفن .. الدر المنثور (659/6)
و لأن هذه الأسباب قد انتفت في عصرنا الحاضر؛ حيث أصبحت كل النساء حرائر، سواء كن متزوجات أو مطلقات، محجبات أو سافرات، صغيرات أو كبيرات،مشتغلات أو مستقرات في بيوتهن؛ و ذلك بفضل الشرك الأكبر لدى أئمة التضليل ـ حقوق الإنسان و القوانين الوضعية(الجائرة) ـ فإنهم بمكرهم و خستهم ربطوا بين الحجاب و الأخلاق و العفة و الحشمة.
الكنف أصبحت متوفرة في كل منزل. المنافقون و السفهاء الذين يترصدون النساء و غيرهن على الطرقات ألهتهم كثرة مشاغل الحياة، وردعهم الأمن الذي لم يكن متوفرا في عصر السلف الصالح. ثم من كان يترصد الآخر..؟ أ ليس هم الرجال..؟ فلماذا نزل الحكم في النساء الضحية؟..أ ليس الرجال هم المعتدون..؟و هم الغمازون..؟و هم المتحرشون..؟ فكيف لم يصدر العقاب في حقهم و تجاوزهم الحكم إلى الضحايا من النساء..؟!!!!
الحجاب عنوان طبقة اجتماعية لا وجود لها اليوم في المجتمع المعاصر.فالمؤمنون الذين تتوجه إليهم آية الحجاب بالقول كانوا يملكون أسرابا من النساء من أزواج أربع و ما استطاعوا إليه سبيلا من ما ملكت أيمانهم و الجواري المسرى بهن . كما أن النساء المعنيات كن مسبيات و معتوقات و جواري حسان لا وجود لهن في المجتمع اليوم.
المجتمع المسلم الذي نزلت فيه آية الحجاب و غيرها إنما نزلت فيه لتطهره مما رأينا فيه من الأعراض و تنقيه مما عرفناه من الشوائب و تربيه على الفضيلة و العمل، و تطوره ؛ لا ليصبح المدينة الفاضلة؛ و لكن من أجل أن يتمكن من التأقلم مع المحيط الذي كان يتهيأ للانفتاح عليه،محيط المدنية و التحضر. والأمر بالحجاب اليوم يعني أننا لا زلنا لم نتطهر بعد ، و لم نتنق بعد ، و لم نتربّ بعد، و بالتالي فإننا لا زلنا في حاجة لمن يحجر علينا و يتكلف بنا في ظلمات العصر... فيقبَل بلهاء الإيمان الذين أسكرهم الوعاظ أن يصبحوا عميانا و هم يبصرون،في آذانهم وقر وهم يسمعون،أغبياء و هم يفهمون..فتنسيهم سكرة الإيمان أن هذا المجتمع المسلم المعاصر هو ذاك المجتمع، و قد أحدثت فيه عوامل التاريخ و التمدن و الرقي الأهداف التي تقصدها آية الحجاب.فأصبح بفضل العلم و التربية و التجربة ، المجتمع الكامل الذي كان يصبو إليه أولئك الأجداد. فالعفة و الاحترام اليوم أصبحا بموجب قانون متفق عليه ؛يحدد العقوبات و يزجر المخالفين . و ليسا بمقتضى نصوص و أحاديث مختلف حول كثيرها.
هذا رأيي إ؛ أيتها الأخت المحترمة؛ أسوقه إليك مشفوعا بأمنية غالية وهي أ لا يأتي يوم ترين فيه أنت الأخرى نفسك عورة . فقد أكون أتفهم رجلا يرمي النساء بالعورات و الضلع الأعوج و قلة الدين و الإيمان...لكن كل أدوات الفهم تضيع مني عندما تقول لي امرأة عن نفسها مثل هذه الأشياء..
أبـــــــــو قـــــــــثم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق