الحشيش حلال أم حرام
كثيرا ما تردد على مسامعنا من طرف مشاييخ الكذب
و البهت و النفاق، و لا زال يتردد، أن الحشيش و سائر المخدرات روافد غريبة عن
المجتمع العربي المسلم الورع.و كثيرا ما سمعناهم يرددون أسطواناتهم المشروخة عن
مؤامرة الغرب الذي يعمل على تفسيخ هذا المجتمع الإسلامي و تخريبه بواسطة المخدرات
و الشذوذ و الإباحية و ما إلى ذلك من العاهات التي تعكس في الواقع الحالة النفسية
المهزوزة لهؤلاء المشاييخ و من ينحو نحوهم.و كثيرا ما سمعناهم و سمعنا معهم ولاة
الأمور في هذه البلدان الأمينة يرددون أن الحشيش واحد من مخلفات الاستعمار التي زرعها
في مجتمعاتنا البريئة قصد النيل منها عبر تخريب عقول أبنائها المغسولة أصلا بصابون
الإسلام. و الشاهد يشهد و أنا أولهم أنهم لكاذبون.ذلك أنهم كانوا في ذلك الإبان و
خلال مرحلة المقاومة ضد الاستعمار يحللون الحشيش و القنب الهند، على أساس أنه
منتوج بلدي، و يحرمون السجاير التي هي من صنع الكفار. أما تراثهم العربي فيحمل في
طياته من الشهادات ما يثبت أن القنب الهندي نبات متأصل في مجتمعهم العربي المسلم و
أن استهلاكه من طرف المسلمين كان مبكرا. و فيه ما يثيت كذلك أن هذا النبات لم يكن
معروفا إبان نشأة الإسلام و لذلك لم يصدر في حقه تحليل و لا تحريم لا في السنة و
لا في القرآن
فقد دون المقريزي أول ظهور للحشيشة ، و هي اسم
يطلق على ورق نبات القنب الهندي أو الكيف عند أهل المغرب واستعمالها. وذكر أنها
تسمى بحشيشة الفقراء، و يعني بهم أهل الصوفية. وسبب ذلك حسب قوله أن شيخا للفقراء
للصوفية يعني اسمه حيدر كثير الرياضة والمجاهدة، قليل تناول الغذاء وكان قد نشأ
بخراسان واتخذ زاوية في احد جبالها ومعه جمع غفير من الفقراء، فمكث هناك أكثر من
عشر سنين لا يخرج ولا يدخل عليه إلا رجل كان خاصا بخدمته. فخرج وحده في يوم شديد
الحر ثم عاد وقد علا وجهه نشاط وحبور بخلاف ما كان عليه قبلا. فأذن لرفقائه بالدخول
عليه وجعل يكلمهم فسألوه عن الحال الذي صار إليه. فقال بينما إنا في خلوتي إذ خطر
لي الخروج إلى خارج المدينة منفرداً، فلما خرجت وجدت كل النبات ساكنا لا يتحرك
لسكون الريح ولفت نظري نبات له ورق فرأيته يميس بلطف ويتحرك تحرك السكران الثمل،
فجعلت اقطف منه أوراقا وآكلها فحدث لي من الارتياح ما ترون فهيا بنا إلى البرية
لأطلعكم عليه فتعرفوه. فخرجوا وراءه فلما رأوه قالوا له: هذا هو القنب فتهافتوا
على أوراقه فأكلوا منها فسروا وطربوا فأمرهم الشيخ كتم هذا السر إلا عن الفقراء
قائلاً: إن الله خصكم بهذا السر العجيب ليذهب عنكم همومكم الكثيفة ثم حثهم على زرع
هذا النبات حول ضريحه بعد وفاته وبقي يأكل منه بقية حياته ثم توفي سنة 618 هج،
وبني على ضريحه قبة، فاتته النذور الوافرة وكان قد أوصى أصحابه إن يوقفوا أهل
خراسان وكبرائهم على هذا العقار، فأطلعوهم على سره واستعملوه وشاع أمر الحشيشة في
بلاد خراسان وفارس ولم يكن أهل العراق يعرفونه حتى جاءهم صاحب هرمز و محمد بن محمد
صاحب البحرين وهما من ملوك سيف البحر المجاور لبلاد فارس في أيام الملك المستنصر
بالله سنة 628 هج، فحملها أصحابه معهم فاظهروا للناس أكلها فاشتهرت بالعراق ووصل
خبرها إلى الشام ومصر وبلاد الروم فاستعملوها وفي نسبتها إلى الشيخ حيدر يقول
الأديب محمد بن علي بن الأعمى الدمشقي:
دع الخمر و اشرب من مدامه حيدر ... معنبرةً
خضراء مثل الزبرجد
يعاطيكها ظبيٌ من الترك أغيدٌ ... يميس على غصنٍ
من البان أملد
فتحسبها في كفه إذ يُديرها ... كرقم عذارِ فوق
خدٍّ مورَّد
يرنحها أدنى نسيم تنسَّمتْ ... فتهفو إلى برد
النسيم المردِّدِ
وتشدو على أغصانها الورقِ في الضحى ... فيطربها
سجعُ الحمام المغرِّدِ
وفيها معانٍ ليس في الخمرِ مثلها ... فلا تستمع
فيها مقالاً مفند
هي البكرُ لم تُنكحْ بماءِ سحابةٍ ... ولا عُصرت
يوماً برجْلٍ ولا يدِ
ولا عبثَ القِسيسُ يوماً بكأسها ... ولا قرّبوا
من بدنها كل مقعدِ
ولا نصّ في تحريمها عند مالكٍ ... ولا حدّ عند
الشافعيّ وأحمدِ
ولا أثبت النعمانُ تنجيسَ عينها ... فخذها بحدِّ
المشرفيّ المهندِ
وكفَّ أكفَّ الهمَّ بالكفِ واسترح ... ولا تطرحْ
يوماً السرورِ إلى غدِ
وكذلك نَسَبَ إظهارَها إلى الشيخ حيدر الأديبُ
أحمد بن محمد بن الرسَّام الحلبيّ فقال:
ومهفهفٌ بادي النفار عَهَدْتُهُ ... لا ألتقيه
قطُ غيرَ معبسٍ
فرأيته بعضَ الليالي ضاحكاً ... سهلَ العريكةِ
ريضاً في المجلسِ
فقضيتُ منه مآربي وشكرتُهُ ... إذ صارَ من بعد
التنافرِ مؤنسي
فأجابني لا تشكرنَّ خلائقي ... واشكر شفيعَكَ
فهو خمُر المفلسِ
فحشيشَةُ الأفراحِ تشفعُ عندنا ... للعاشقينَ
ببسطها للأنفُسِ
وإذا هممتَ بصيد ظبي نافرِ ... فاجهدّ بأن يرعى
حشيشَ القنبُسِ
واشكر عصابة حيدرِ إذ أظهروا ... لذوي الخلاعةِ
مذهبَ المتخمِّسِ
ودع المعطِّلِ للسرورِ وخلني ... من حسنِ ظنِّ
الناسِ بالمنمّسِ
وقال بعضهم لم يأكل الشيخ حيدر الحشيشة طول عمره
وإنما أهل خراسان نسبوها إليه لاشتهار أصحابه بها، وان إظهارها كان قبل وجوده
بزمان طويل وذلك انه كان بالهند شيخ يسمى( بير وطن) وهو أول من اظهر لأهل الهند
أكلها ولم يكونوا يعرفونها قبل ذلك ثم شاع أمرها في بلاد الهند حتى ذاع خبرها
ببلاد اليمن، ثم اتصل خبرها بأهل فارس ومنها إلى العراق والروم والشام ومصر. وكان
بير وطن في زمان الأكاسرة وأدرك الإسلام فاسلم فاخذ الناس من ذلك الوقت يستعملونها.
وقد نسب إظهارها إلى الهند علي بن الشاعر بقوله في قصيدة:
فأقم فانفس جيش الهم واكفف بوالعنا
بهندية أمضى من البيض والسمر
بهندية في أصل إظهار أكلها
إلى الناس لا هندية اللون كالسمر
تزيل لهيب الهم عنا بأكلها
وتهدي لنا الافراح بالسر والجهر
ويقال ايضا ان هذا العقار قديم معروف منذ اوجد
الله تعالى الدنيا، وقد كان على عهد اليونانيين, والدليل على ذلك ما نقله الأطباء
في كتبهم عن ابقراط وجالينوس من مزاج هذا العقار وخواصه ومنافعه ومضاره.
وهنالك رأي آخر يقول أن الحشيشة استعملت قبل
الشيخ جلال الدين حيدر، وقد استعملها( الحسن بن الصباح) وجعلها ستارا وسرا لطائفة
الجهنمية المسماة( بالباطنية) وبها سموا( حشاشين)
الخطط المقريزية أو المواعظ و الاعتبار بذكر
الخطط و الآثار للمقريزي
و منه يتبين أن القنب الهندي منتوج شرق آسيوي
ساعد المسلمون و الإسلام على نشره في كل بقاع الأرض المسلمة حيث تتوافر ظروف
استهلاكه.لأن الإسلام بتعاليمه المهينة لكرامة الإنسان و طقوسه القامعة لطموحاته
يوفر البيئة المثالية للإدمان على مدامة حيدر.
أبو نبي الحشاشين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق