الجمعة، 18 نوفمبر 2011

النضر بن الحارث الصحابي الجليل






تنسب الى وزير الدعاية النازية بول جوزيف جوبلز تلك المقولة الشهيرة ( كلما سمعت كلمة مثقف اتحسس مسدسي ).
وعلى منوال ذلك لانشك ان محمدآ بن عبد الله كان يتحسس سيفه كلما سمع اسم النضر بن الحارث كبير مثقفي قريش آنذاك.. فالحقد الذي حمله الديماغوجي المتعطش للسلطة والتسلط على المثقف العقلاني كان ذا جذوة لا تنطفئ...فقد كان للنضر بثقافته ومعارفه القدح المعلى في افشال الدعوة المحمدية في مرحلتها المكية ولذا لم يتردد في سفك دمه دون رحمة بمجرد ان ظفر به.

شخصيتان متعارضتان

النضر بن الحارث بن كلدة كان مثقف عصره في قريش طاف بلاد الروم والفرس ونجران وتعلم علومها وعرف اساطيرها وقصصها وتاريخها..يقول ابن هشام في سيرته انه () قد قدم الحيرة ، وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس ، وأحاديث رستم واسبنديار ) (...ويقول المستشرق البريطاني الكبير ديفيد صمويل مرجليوث في كتابه ( محمد ونهوض الاسلام )..انه اشترى كتب اليونان والفرس وعرب الحيرة واطلع عليها.. 
وجاء في كتاب ( المنمق من تاريخ قريش ) لمحمد بن حبيب بن امية بن عمرو البغدادي انه كان ضمن آخرين من زنادقة قريش (( تعلموا الزندقة من نصارى الحيرة ))...وكل هذه النتف الاخبارية تشكل في مجموعها في نهاية المطاف لوحة مقربة لهذا المثقف المكي الذي الم بعلوم عصره وقصص الاقدمين واساطيرهم من مصادرها ومنابعها الاصلية وافسد بها على محمد مزاعم النبوة في طورها المكي...... 

وفي المقابل، هناك محمد الديماغوجي البليغ المفوه وذو النزعة السياسية الطامح الى السلطة المطلقة والتسلط على رقاب العرب والعجم...
تمعّنوا في هذه العبارة التي قالها محمد لعمه ابي طالب عندما ذهب اليه بعض من ملأ قريش يطلب منه ان يلجم ابن اخيه ويضع حدآ لتسفييه لآلهتهم قال كما جاء في " سيرة ابن هشام و" الطبقات الكبرى لابن سعد " وغيرهما (( يا عم إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب ويملكون رقاب العجم )) ... 
والكلمة التي كان يريدها محمد هي كلمة ( لا اله الا الله محمد رسول الله ) اي انهم لو سلموا بقيادته وآمنوا بنبوته فسيجعل الجزيرة العربية كلها بالاضافة الى بلاد العجم.خاضعة لهم.... 
اهذا كلام نبي لو سلمنا جدلآ بوجود شئ اسمه نبوة ام هو كلام رجل ذي نزعة سياسية يحلم بالسلطة... 

وفي الواقع ان المستشرق البريطاني النابه مارجليوث هو اول من صنف محمد في خانة السياسيين بل ويراه سياسيآ بارعآ في اختيار الشخص المناسب من اتباعه للمهمة المناسبة ويعرف كيف يقتنص الفرص ويدرك نقاط ضعف العرب وما الى ذلك من الصفات الجديرة بسياسي بينما يراه مفتقرآ الى كل الصفات الجديرة بنبي وخاصة على الجانب الاخلاقي..... 
ونستطيع ان نقول ان محمدآ كان ديماغوجيآ من الطراز الاول وكانت الديماغوجية طريقه للوصول الى مراميه السياسية في تأسيس دولة يجلس على سدتها بادعاء النبوة واستثارة الغرائز الدنيا بالزعم بان من يؤمن به تنتظره جنات عدن فيها حور عين وغلمان مخلدون وانهار من الخمور والعسل وقطوف دانية من الاعناب والرومان ولحم طير مما يشتهون...ومستخدمآ في نفس الوقت اسلوب الترهيب والتخويف والترويع ضد الذين ينكرون نبوته متوعدآ اياهم باله سادي شوّاء يشوي المنكرين ويعيد جلودهم ليشويهم من جديد وهكذا دواليك الى ابد الابدين....ولتأكيد نبوته اخذ يأتي بأيات تتضمن اخبار الاولين وقصصهم على اعتبار انها موحى بها من الله... وهي قصص واساطير منها ما هي من الاسرائيليات.. ومنها ما هي من بلاد الفرس والروم وبلاد الرافدين كقصة الطوفان ومنها ما هي من اليمن...وهي قصص واساطير وصلت اليه مشوشة فلذا زاد في بعضها من خياله الواسع واعاد تركيب بعضها وغيّر في بعضها اسماء الشخوص او حرفها وذلك بالاضافة الى خلط في الازمان والشخوص كمخاطبة مريم ( العذراء ) باخت هارون ..... 

يقول المستشرق البريطاني كانون ادوارد سيل في كتابه ( التطور التاريخي للقرآن ) ان محمدآ حتى قدومه الى يثرب لم يكن يعرف الفرق بين اليهودية والمسيحية وكان يظن ان تعاليمهما متطابقة.....والحالة هذي، كان من الطبيعي ان يحدث الصدام الفكري بين الدعي الذي يروى تلك الاساطير للمكيين بسجع كسجع الكهان ويزعم انها من وحي الله اليه عن طريق الملك المزعوم جبريل وبين المثقف المكي الذي يعرف حقيقة تلك الاساطير ومصادرها ويعمل على تنوير قومه بالقول انها ليست سوى قصص الاقدمين.

شوكة في حلق محمد

لعل الفشل الكامل الذي انتهى اليه محمد في مكة التي فر منها مهزومآ يعود الى النضر بن الحارث الذي تصدى لخرافاته واساطيره التي اراد ان يضلل بها المكيين بزعم انها من وحي الله...فهو اول من قال للقرشيين ان ما يقوله محمد ما هي الا اساطير الاولين .. 
وقد رد عليه محمد بآية يقول فيها ( إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ )...يقول ابن هشام في سيرته (( فكان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا فذكَّر فيه بالله ، وحذر قومه ما أصاب من قبلهم من الأمم من نقمة الله ، خلفه في مجلسه إذا قام ، ثم قال ‏‏:‏‏ أنا والله يا معشر قريش ، أحسن حديثا منه ، فهلم إليّ ، فأنا أحدثكم أحسن من حديثه ، ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم واسبنديار ، ثم يقول ‏‏:‏‏ بماذا محمد أحسن حديثا مني ‏‏؟‏‏ ‏‏.‏‏)) انتهى.... 

ويقول مارجليوث في كتابه ( محمد ونهوض الاسلام ) ان النضر بن الحارث كان يقول للمكيين اذا كانت تلك القصص التي يرويها محمد معيارآ للنبوة فانه ايضآ يستطيع ان يدعي النبوة مثلما ما يفعل لانه يستطيع ان يروى افضل منها....ويرى مارجليوث ان محمدآ بعد عجزه الاتيان باية معجزة من المعجزات التي طلبها منه المكيون قام واعلن ان القرآن نفسه هو المعجزة وتحدى المكيين بان يأتوا بعشر سور مثلها او حتى بسورة واحدة مؤكدآ انهم لن يستطيعوا وان استعانوا بالجن ..وهنا انبرى له النضر بن الحارث... 
يقول مارجليوث " في كتابه المذكور آنفآ "
One man, Al-Nadir Ibn
Harith, accepted the challenge to produce anything
as good, and either versified or put into rhyme the
tales of the Persian kings which Firdausi some four
centuries later rendered immortal or perhaps those
of the kings of Hirah. These " surahs " he read out
at seances similar to those in which the Prophet pub
lished the Koran. The effect of this criticism must
have been very damaging ; for when the Prophet at
the battle of Badr got the man into his power, he
executed him at once, while he allowed the other
prisoners to be ransomed.." 

ما يمكن ترجمته كالآتي : 
(( رجل واحد هو النضر بن الحارث قبل التحدي معلنآ انه يستطيع ان ينظم شعرآ او سجعآ اي شئ بما هو احسن، اكان عن قصص ملوك الفرس التي احياها وخلدها الفردوسي بعد ذلك باربعة قرون ، او ربما عن قصص ملوك الحيرة. ان تلك السور التي كان يتلوها في المجالس كانت شبيهة بسور القرآن. ان تأثير ذلك النقد لابد انه كان مدمرآ جدآ ولذا فان النبي اعدمه على الفور عندما وقع في قبضته في غزوة بدر دون بقية الاسرى الذين اطلق سراحهم مقابل فدية. )) انتهى... 

وحول هذا التحدي الذي قبله النضر بن الحارث يقول ابن هشام (( هو الذي قال فيما بلغني ‏‏:‏‏" سأنزل مثل ما أنزل الله "‏‏.)) .....وقد رد محمد على النضر بآية منه تقول (( وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين )) .. 
وفي تفسير هذه الآية يقول القرطبي (( قوله تعالى وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين نزلت في النضر بن الحارث ، كان خرج إلى الحيرة في التجارة فاشترى أحاديث كليلة ودمنة ، وكسرى وقيصر ; فلما قص رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبار من مضى قال النضر : لو شئت لقلت مثل هذا . وكان هذا وقاحة وكذبا . وقيل : إنهم توهموا أنهم يأتون بمثله ، كما توهمت سحرة موسى ، ثم راموا ذلك فعجزوا عنه وقالوا عنادا : إن هذا إلا أساطير الأولين .)) انتهى....وجاء في تفسير البغوي (( وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين ( 31 ) ) " وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا " يعني النضر بن الحارث ، " قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا " [ ص: 351 ] وذلك أنه كان يختلف تاجرا إلى فارس والحيرة فيسمع أخبار رستم واسفنديار ، وأحاديث العجم ويمر باليهود والنصارى فيراهم يقرءون التوراة والإنجيل ويركعون ويسجدون ، فجاء إلى مكة فوجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي ويقرأ القرآن فقال النضر : قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا " إن هذا إلا أساطير الأولين " أخبار الأمم الماضية وأسماؤهم وما سطر الأولون في كتبهم . والأساطير : جمع أسطورة ، وهي المكتوبة ، من قولهم سطرت أي كتبت .)) انتهى..... 

ولعل اكبر شاهد على الخطر الماحق الذي شكله النضر على محمد ودعوته وقرآنه بسجعه وخرافاته هو ان يتيم بني هاشم خصص ثماني آيات في الرد على النضر كما يشير الي ذلك ابن هشام في سيرته..ومن المؤسف ان جميع ما كتبه او قاله النضر في معارضة قرآن محمد شعرآ ونثرآ قد اندثركما اندثرت اشعار الهجاء التي قيلت في محمد من مختلف الشعراء كشعر حسان بن ثابت قبل اسلامه ...فمن يردد مثل ذلك الشعر او يسجله كان مصيره الموت..ولعلنا نذكر كيف ان عمر بن الخطاب وهو امير للمؤمنين امسك باذن حسان بن ثابت وهو ينشد الشعر في ( مسجد الرسول ) بيثرب وقال له " ارغاء كرغاء البعير "..هذا ما حدث لمن لقب بشاعر الرسول بعد ان استنفذ اغراضه بالطبع... فالى اي مصير كان سينتهي غيره لو تجرأ وردد اشعار الهجاء في محمد او ما قاله وسطره النضر بن الحارث... 

وهكذا لم يبق في التاريخ العربي الاسلامي الا الاشعار والقصص والسير التي تبجل محمدآ وتؤلهه وتنسب اليه اساطير ومعجزات لم يجترحها وتسجل له انتصارات فكرية لم يتمكن من تحقيقها على المكيين وذلك في اكبر عملية تزييف للتاريخ.وكما قيل فان المنتصر هو الذي يكتب التاريخ وقد انتصر محمد بالسيف.

سقوط محمد في الامتحان

يعد الامتحان الذي اعده له المكيون نقطة مفصلية في الدعوة المحمدية في الحقبة المكية من جهة الفرصة التي اتيحت له لتأكيد نبوته المزعومة من خلال اختبار بسيط...يقول ابن هشام ان القرشيين بعثوا النضر بن الحارث ومعه عقبة بن أبي معيط الى يهود يثرب لانهم اهل كتاب وعندهم علم الانبياء ليسألا عن امر محمد فاقترح اليهود على النضر ان يسألوه ثلاثة اسئلة ان اجاب عليها فهو نبي والا فهو متقول.. 

السؤال الاول ( عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان أمرهم ؛ فإنه قد كان لهم حديث عجب ) ..والثاني ( عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه ، وسلوه ما هي ‏‏؟‏‏) ..والثالث ( عن الروح ما هي )... 

وكما يقول ابن هشام ان النضر ومعه عقبة عادا الى مكة وقالا ( يا معشر قريش ، قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد )....ولكن المستشرق البريطاني مارجليوث ينوه في كتابه ( محمد ونهوض الاسلام ) الى انه على قناعة بان اليهود لم يقترحوا هذه الاسئلة لان السؤال الاول يتعلق بالنائمين السبعة ( اهل الكهف في الادبيات الاسلامية ) بينما يتعلق السؤال الثاني بالاسكندر الكبير.... 

واذا صحت شكوك مارجليوث فهل ترى ان النضر بن الحارث هو واضع تلك الاسئلة وخاصة انه لم يكن في حاجة الى الاستعانة باليهود فهو قد اطلع على التوراة والانجيل واساطير الفرس والروم وقصصهم واخبارهم وعلومهم بالاضافة الى انه كان شاعرآ وناثرآ؟.... 
مهما يكن من امر، فان عواقب هذه الاسئلة كانت مدمرة لمحمد الذي طلب من المكيين ان يمهلوه لليوم التالي حتى يأتيهم بالاجوبة ... 

جاء اليوم التالي وذهب دون ان يفي محمد بوعده...واخذت الايام تمضي وهو عاجز عن الخروج من عجزه....وحزن للاقاويل التي ملأت مكة بانه مجرد متقول وكان اكثر ما احزنه كما تقول كتب السيرة قول امرأة من قريش (( ابطأ عنه شيطانه )) ..يقول مارجليوث ان ذلك التأخير الطويل عزز لدى المكيين ما كانوا يظنونه بان ملقنآ يلقن محمدآ تلك الاساطير والقصص...وتشير ( السيرة الحلبية ) الى ان الاقاويل كانت تحوم حول يهودي من اليمامة اسمه ( الرحمن ) بانه الملقن.. 

..بعد خمسة عشر يومآ كانت كافية ليتصل بمن هم في مقدورهم ان يعينوه، ظهر محمد بآيات تتضمن اجاباته عن الاسئلة التي طرحت له، وقبل تناولها يحسن بنا ان نقف لنرى الاعذار الواهية التي قدمها تبريرآ لذلك التأخير... وهما عذران ساذجان.. 
الاول: لانه لم يقل ( ان شاء الله ) حين وعد المكيين بالرد في اليوم التالي..وجاء هذا التبرير في شكل آية في سورة الكهف ( وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا (23))... 
والثاني: حديث له رواه ابوهريرة يقول فيه ان جبريل اخبره بان سبب انقطاعه في تلك الايام لوجود كلب او بالاحرى جرو للحسن والحسين في بيته وان الملائكة لاتدخل بيتآ فيه كلب..... 

اما في ما يتعلق بالاجابات فقد جاءت لتفضح عجز اله محمد وجهله... 
في السؤال المتعلق باهل الكهف يشير مارجليوث الى ان محمدآ اخطأ في عدد " النائمين " ثم يقول في نهاية الآية الله اعلم بعددهم.....وبالفعل انظروا الى الآية التي يزعم ان الهه قد بعث بها اليه ( سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ۖ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ۚ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ۗ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22))..فاله محمد لا يعرف العدد الصحيح اهم ثلاثة ام خمسة او سبعة...يا للهول اله محمد مرتبك لا يعرف العدد الصحيح...والمضحك انه يقول لمحمد في نفس الآية ( قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ )..حسنآ، اذا كان هو اعلم بعدتهم فلماذا لايخبر بعددهم مباشرة بلا لف او دوران؟....لماذا هذا الارتباك والجهل: ربما ثلاثة او خمسة او سبعة.....وهذا يعني ان محمدآ بعد خمسة عشر يومآ لم يأت بالاجابة الحاسمة وان من اعانه على الاجابة قد زوده بمعلومات مشوشة.... 
ولسوء حظ محمد انه مات دون ان يدري ان قصة اهل الكهف قصة خيالية الفها رجل دين مسيحي بيزنطي في القرن السادس الميلادي كقصة تعليمية وعظية وانتشرت في اجزاء واسعة من اوربا ومن هناك جاءت الى الشرق الادني مع التجار وغيرهم... 
من المثير للسخرية ان يروي اله محمد في قرآنه قصة خيالية كتبها رجل الدين المسيحي جيرجيوري ذاتاور كما لو كانت قصة حقيقية تاريخية من قصص الامم السابقة دون ان يشير الى انها من نسج الخيال... 

ونأتي الى اجابة محمد عن سؤال القرشيين له عمن يكون الرجل الطوّاف الذي بلغ مشارق الارض ومغاربها...كانت الاجابة عنها اكثر ضبابية ورخاوة من الاجابة الاولى...تقول آية اله محمد 
( وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ۖ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا ۗ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَىٰ ۖ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88) ...الخ..)
...وهنا عجز محمد ايضآ ان يأتي بالاسم الحقيقي لصاحب اسطورة ذي القرنين وجعل صحابته وكاتبي سيرته ومفسري قرآنه يتخبطون ايما تخبط
قال ابن اسحق (‏‏ أن ذا القرنين كان رجلا من أهل مصر ، اسمه مرزُبان بن مرذبة اليوناني ، من ولد يونان بن يافث بن نوح ‏‏.‏‏) وقال ابن هشام ( اسمه الإسكندر ، وهو الذي بنى الإسكندرية فنسبت إليه ) ..ويقول ابن هشام في سيرته ان عليآ بن ابي طالب عندما سئل عمن يكون ذو القرنين قال ( كان عبدا ناصحا لله فناصحه دعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فمات فأحياه الله فدعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فمات فسمي ذا القرنين )...
وجاء في الخطط المقريزية ان ذا القرنين هو (( الصعب بن ذي مرائد بن الحارث الرائش بن الهمال ذي سدد بن عاد ذي منح بن عار الملطاط بن سكسك بن وائل بن حمير بن سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود " عليه السلام " بن عابر بن شالح بن أرفخشد بن سام بن نوح "عليه السلام"، وأنه ملك من ملوك حمير ملوك اليمن وهم العرب العاربة...)) .. 
اليس كل هذا التخبط دليلآ على ان تلك الآية المحمدية لم تجئ بأية فائدة تذكر وفشلت في الاجابة عن السؤال الذي طرح عليه وحتى اقرب الناس الى محمد وهو علي بن ابي طالب فشل في ان يقول لسائله من هو ذو القرنين وهرطق بكلام لا يدخل العقل... 

اما السؤال الثالث وهو ( ما هي الروح ؟ ) فقد تهرب منه اله محمد بقوله ( قل الروح من امر ربي )..اليس محمد هو من زعم ان اله قال ( قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدادا ) فكيف عجز هذا الاله رغم كلماته التي لا تنفذ عن ان يعرّف الناس بماهية الروح بعدة كلمات منه...امر يدعو للعجب... 

وهكذا كان سقوط محمد في الامتحان مدويآ...فبعد خمسة عشر يوما من الغياب خلافآ لوعده اتى القرشيين باجوبة ركيكة عجز فيها ان يعطي الرقم الحقيقي لفتية اهل الكهف وفشل في ان يحدد شخصية ذي القرنين وماهية الروح ...وهل كانت هذه الاجوبة التي تركت اصحابه واتباعه في حيرة وتخبط بوسعها ان تقنع القرشيين وخاصة النضر بن الحارث الشخصية المثقفة الواسعة الاطلاع بمستوى عصره؟ ..ولذا ازداد المكيون اقتناعآ بكذب محمد وادعائه النبوة واتصال الوحي به وظلوا على ثقة بانه مسحور او مجنون...وكان من الطبيعي ان يفر الى يثرب نتيجة لفشله ويتحول هناك الى قاطع طريق يرتزق من الغزوات والسلب والنهب والسبي ويفرض دينه بوضع السيف على رقاب الناس...ولعلنا لسنا في حاجة الى ايراد شواهد عن التزييف الذي يملأ كتب التاريخ والسير الاسلامية عن انتصارات محمد الفكرية الوهمية على القرشيين وافحامه لهم واستكبارهم بعد ما عرفوا الحقيقة وما الى ذلك من الترهات...وهل افصح محمد عن حقيقة ؟!!

المثقف المكي في قبضة السياف

في معركة بدر التي يصفها المسلمون بالكبرى والتي نشبت نتيجة قطع محمد الطريق على قافلة ابي سفيان القادمة من الشام وقع النضر بن الحارث في الاسر ضمن سبعين من المكيين...امر محمد باطلاق سراح الاسرى مقابل فدية مالية واشترط على الاسير الفقير ان تكون فديته تعليم عشرة من اليثربيين الكتابة.واستثني النضر وعقبة بن ابي معيط وامر بقتلهما...وعقبة بن ابي معيط هو الذي كان ذهب مع النضر الي يهود يثرب للنظر في امر امتحان محمد كما جاء في كتب السيرة المحمدية ...ورد في ( السيرة الحلبية ) ان النضر قال بعد اسره للاسير الذي بجانبه (( محمد والله لقاتلي فانه نظر اليّ بعينين فيهما الموت )) ولكم ان تتخيلوا من هذا القول كمية الحقد الذي كان يختزنه محمد ضد النضر...وعندما امر عليآ بن ابي طالب ( السفاح الذي كان يوكل اليه مهمات القتل ) بقتل النضر قال له المقداد ( ان النضر اسيري ) لانه هو الذي كان اسره محاولآ الحؤول دون قتله فاسكته محمد بقوله (( انه كان يقول في كتاب الله ما يقول ))..... 

افرغ (( نبي الرحمة ! )) حقده المسموم وقتله بدم بارد ولم ينس ابدآ دور النضر في فشله وذلك بفضحه لاساطيره وخرافاته التي زعم انها اخبار الامم السابقة التي اوحيت اليه ...ولم ينس ذلك الامتحان المهين الذي كشف بالدليل مزاعم نبوته الكاذبة....وكان يوم قتل النضر بن الحارث هو يوم انتصار السيف والاستبداد والجهل على العقل والمعرفة والثقافة...وكان بداية انتصار جاهلية الاسلام....وما يزال ذلك السيف مسلطآ منذ الف واربعمائة سنة على كل من يفكر تفكيرآ حرآ ويقول مثل النضر بن الحارث ( تلك اساطير الاولين )...ان العصر الذي عاش فيه محمد كان عصر الفروسية في اوربا وكان من اخلاقيات الفرسان ان الواحد منهم اذا ما ظفر بخصمه ووقع في قبضته لا يقتله...فاين محمد من اخلاقيات فرسان ذلك الزمان او من فرسان عصرنا الراهن من امثال نلسون مانديلا الذي عفا عن جلاديه الذين سجنوه حوالي ربع قرن بعد ان جاء الى السلطة....نبي مزعوم فشل في ان يكون باخلاقيات الفرسان ناهيكم عن اخلاقيات الانبياء المفترضة..اذا صح ان هناك انبياء! 
أحمد القاضي


  


الأربعاء، 9 نوفمبر 2011

و السماء رفعها و وضع الميزان



القرآن كتاب سياسة همجية  استبدادية ديكتاتورية  تعتمد الحق الإلهي في التمكن من رقاب العباد و تفرض شرعيتها على الأرض و الأنام بواسطة قوانين تستنزلها و تستقطرها من السماء. لغته الوعد و الوعيد و الجنة و النار و الجزاء و الثواب، و أسلوبه الخطابة و الصعصة و الجعجعة، و منطقه البهت و الكذب و النفاق و التعويم و الاستغباء.و أي علاقة مفتراة له بالعقل و الفكر إنما هي من باب الحشو السياسي و اللغط البيزنطي الذي لا فائدة منه. فليس القرآن كتاب علوم و لا يمكن له أن يكون. إذ لا سياسة في العلوم و لا أغراض اعتبارية فيها، و لا حقيقة مطلقة في العلوم و لا جنة و لا نار فيها. و أي كلام لا يعتمد المنطق العقلي و الفرز و التصنيف و البرهنة و الدليل، و الجبر و الهندسة و الحساب،  و التجزيء و التعميم، و الملاحظة و الفرضية و الشك و اليقين و التجريب؛ فهو ليس بعلم. أمّا و أنّ القرآن لأنه يتكلم عن الإنسان و الكون  فهو كتاب علوم أو مرجعا نقيس عليه مدى صدقية هذا العلم أو ذاك، فهذا لغط سياسي متعمّد و تنويم عقلي ممنهج  قاعدته اللعب على أوتار الكلمات الرنانة و المزايدة العقلية الفارغة.فالقرآن لا يتحدث عن الظواهر الطبيعية و الاجتماعية على سبيل الدراسة  و التحليل كي يستخلص قوانينها العلمية و يحدد خواصها و مميزاتها و يتبين سبل استغلالها؛ إنما يورد القرآن بعضا من هذه الظواهر في إطار ضرب الأمثال التي لا تستغني عنها الخطب الارتجالية؛ إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها، و يضرب الله الأمثال للناسلعلهم يتذكرون، و ضرب الله مثلا. فظاهرة الرياح ،مثلاـ لا يقدمها لنا القرآن على أنها كتل هوائية تتحرك في مسارات معينة بين ضغطين جويين متعاكسين و متقابلين، أحدهما مرتفع و الثاني منخفض؛ إنما هو يقدمها لنا على أساس أنها عصى خلقها الله بقدرته و علمه؛ فهي في يده دائما أو في عُهدة ملَكه إسرافيل، يلقّح بها النبات تارة، و يسيّر بها السفن في البحار تارة، و يهشّ بها في تارات أخرى على الحشرات البشرية التي ترفض الانصياع له  و الانقياد لأوامره  و الاتفاق مع رأيه و الإيمان به و تخصيصه دون غيره بفروض الطاعة و الولاء.و أما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال و ثمانية أيام  حسوما ، فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية، فهل ترى لهم من باقية؟( و يجدر بالذكر هنا أن آخر ما أدخل الرهبة و أنزل الإيمان في قلب أمير المؤمنين عمر و بدّد الشكوك  و ثبّت اليقين في عقله هو سورة الحاقة هذه، فلمّا سمعها أسلم و حسن إسلامه رضي الله عنه و أرضاه).كذلك  هي ظاهرة الزلازل، فهذه الأخرى مخلوق كالرياح خلقه الله و يذكره صاحب القرآن قصد التعجيز و التخويف و الوعيد. و لا ننسى الرعد و البرق و المرض و الظلمة و النور ، كل أولئك مخلوقات خلقها الله و يذكرها صاحب القرآن على أساس أنها أسلحة فتاكة يقاوم بها الله الذين يخالفونه في الرأي و يعارضون سياسته العنجهية الفاشلة التي لم تفلح في القضاء على الطبقية  و العبودية و التمييز، و لا على الفقر و الجهل و الفساد. و مثل ما يفعله صاحب القرآن بالظواهر الطبيعية الفيزيائية حين يذكرها ، فإنه يفعله بالظواهر الاجتماعية حين يستشهد بها. فالفقر مثلا و الطبقية و الفساد مخلوقات بيد الله يسلطها على من يشاء من البشر سواء أ أذنبوا أم لم يكونوا مذنبين. وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا. و عليه فليبيا و تونس و سوريا و اليمن قرى أراد بها رب صاحب القرآن الهلاك فأمر مترفيها فاستبدوا فيها باسمه و عثوا الفساد حتى أحرق البوعزيزي نفسه فدمرها صعاليك الله تدميرا. و لقد سمعت مؤخرا أخد سفهاء الإخوان المصريين يقول بأنه ليس الشعب المصري من أسقط النظام بل هو الله من أسقط النظام و كان يقولها و ابتسامة الذئب تعلو وجهه 
أما جملتنا الأدبية الفنية الرائعة، و السماء رفعها و وضع الميزان ، فهي الجملة السابعة من الخطبة الرتيبة  الارتجالية الخامسة و الخمسين من القرآن، و التي كان جديرا بمصنفه تسميتها سورة أو خطبة فبأي آلاء ربكما تكذبان عوض الرحمن. فهذه الخطبة حسب  صاحب القرآن موجهة للجن و الإنس، و به يثبت عدم علميتها منذ الانطلاق.فلا جنّ يؤمن به العلم و لا ملائكة و لا شياطين ..و مجرد مخاطبة الجن  هذا  لغو لا طائل بعده و كلام فارغ لا مصداقية له في العقل و لا في الواقع. ففي هذه الخطبة يتجرأ الله على عباده جنّا و إنسا ، يدعوهم للاعتراف بولائه عليهم  و أحقيته باستعبادهم متحديا إياهم بأسلحته الفتاكة و مثبطا من هممهم بعجزهم عن الرقيّ في آفاق السماء ، الشيء الذي أضحوا يقومون به اليوم رغم أنفه و أنف خطبه (فالإنس استطاعوا أن ينفذوا من أقطار السماوات و الأرض، و هاهم يخططون لاستعمار الكواكب و النجوم و لن يستطيع شواظ النار و النحاس أن يحولا دون ذلك) ،ثم يتوعدهم فيها بحميمه و سعيره و جهنمه و يعدهم بحوره و ولدانه و فاكهته و خمره.و ذلك دأب كل خطب القرآن. أما السماء التي أوردها في هذه المقابلة البديعة مع الميزان فهي ليست السماء العلمية التي فسّرتها الفيزياء الحديثة بل هي سقف عجيب مرفوع بدون عمد يغطي المعمور أو البسيطة المدحوة المنقوصة الأطراف التابثة بواسطة الجبال.هذا السقف يُطوى طي السجل و يُكشط و يُمزّق فيظهر كوردة حمراء تتلظى كزيت متوهجة.و هو مرتفع الحرارة من شدة الشهب التي يُنتجها و له جسم و هيئة و هيكل و مكوّن من مواد لا يعلمها إلا الله و الراسخون في العلم؛ و إنا لمسنا السماء فوجدناها قد ملئت حرسا شديدا و شهبا..تسكن فوقه عوالم الشياطين و الملائكة و الأرواح و حتى الأنبياء الذين قضوا نحبهم ، و من تحته تسبح الشمس و القمر و الطير تسيّرهم عصى الله و يمسكهم الرحمن في أفلاكهم بقدرته و حسبانه. إذا أذِن الله و طلعت الشمس كسا بزرقته أديمَ السماء مخلوقٌ اسمه النور؛ و إذا أفَلَت حلَّ محلَّه مخلوقٌ جديدٌ اسمه الظلمة.كما تتوفر هذه السماء على جبال من برَد يسلّطه الله على الحشرات البشرية فيصيب به من يشاء من عباده و يصرفه عمّن يشاء...هذه السماء... سماء القرآن ، و كما يظهر للعيان ليست بالسماء العلمية ...و هذه النظرة السطحية للكون  و الإنسان ليست بالنظرة العلمية، و لا داعي لاستلهام أي وصف لها فهي لا تستحق أن توصف إلا بالنظرة الإسلامية.أما الميزان الوارد في جملتنا فهو الآخر ليس تلك الأدوات العلمية التي نقيس بها الأوزان و الحرارة و الضغط و ما إلى ذلك مما يخضع للوزن و القياس. إنما الميزان في جملتنا هذه كناية عن العدل.و إنما رمز إليه بالميزان لكون الخطاب القرآني عموما يفترض فيه أنه موجه لقوم تجار ، لذلك فهو يستعير مفاهيم التجارة و أدوات التجار ليعبر بها عن مفاهيم أرقى و قيم أعلا منها.
  ياأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم
في هذه الفقرة من خطبة الصف يختصر صاحب القرآن العلاقة بين الله و الناس في عملية ربح و خسارة تجارية بخسة تكون فيها جنة عدن بالذات و مغفرة الذنوب التي يستوجب عقاب مرتكبيها هما ثمن الإيمان بالله.
و إذا عدنا إلى ميزان جملتنا فإن الميزان قبل ظهور الإسلام ، كان رمزا للعدل و العدالة، كان في أثينا و روما و الإسكندرية و في حواضر بيزنطة يعلق فوق منصات المحاكم .فليس عجيبا أن يكني القرآن عن العدل بالميزان و لكن العجيب هو أن يكني به عن القوانين الطبيعية التي وضعت للاستمرار و ليس للفناء. ـ و كأن الفناء ليس قانونا طبيعيا بل هو خارج عنها ـ. كما أن المفسرين و المحدثين و أصحاب التأويل قد أجمعوا على أن الميزان في هذه الجملة إنما هو العدل.فهذا ابن كثير في تفسيره لسورة الرحمن يقول: وقوله تعالى: {والسماء رفعها ووضع الميزان} يعني العدل كما قال تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط).انتهى.فالكتاب هو القانون و الميزان هو العدل الذي يخضع لذلك الكتاب. و بنفس ما يقول ابن كثير يقول القرطبي ،فليس ميزان جملتنا عنده هو الآخر سوى العدل، يقول القرطبي : وقوله: والسّماءَ رَفَعَها يقول تعالى ذكره: والسماء رفعها فوق الأرض.
وقوله: وَوَضَعَ المِيزَانَ يقول: ووضع العدل بين خلقه في الأرض
و إلى حدّ الآن نرى أن لا علمية في هذه الجملة فلا هي  بنظرية و لا مفهوم و لا بمبرهنة و لا قانون؛ إنما هي جملة بلاغية  حكيمة تمتاز بتقابل فني بديع بين خبرين متضادين خبر الرفعة و الضعة أو الوضع، و مفهومين متعارضين عُبّر عنهما بكلمتين متباينتين إحداهما على صيغة المذكر و هي الميزان و الأخرى مونثة هي السماء، إحداهما منيعة حصينة من صنع الخالق كما يدّعي و الأخرى وضيعة هينة من وضع الإنسان.و لقد تستحق هذه الجملة لقب آية هذه الخطبة في البلاغة و الجمال لِما اشتملت عليه هي و سابقتها من فنون البديع و البيان و الاستعارة و المقابلة و الكناية. ففي جملة مفيدة واحدة مؤلفة من أربع أو خمس كلمات تتراءى لك جميع فنون البلاغة مجتمعة في تناسق أخاذ يذهب بالألباب و يعطل العقول و يُفْغِر الأفواه.ففي حين نجد علماء المسلمين و فقهاءهم و محدثيهم يفسرون هذه الآية مؤولين الميزان بالعدل إلا أنهم لا يتطرقون إلى سرّ و الحكمة من مقابلة رفع السماء بخفض الميزان، فالوضع في لسان العرب هو ضد الرفعة، و ضد الرفعة هو الخفض كقوله: و الجهل يخفض أمة و يذلّها و العلم يرفعها أجل مقام. و قبل الخوض في سر هذا التقابل البديع لا بدّ من استحضار الجملة البليغة التي تسبق جملتنا، حيث يقول صاحب القرآن و النجم و الشجر يسجدان.فرغم أن الخبر في هذه الجملة واحد هو فعل السجود فإن المقابلة بين النجم المتوهج بكبريائه المتبختر في عليائه الوحيد في أبهته و عظمته، وبين الشجر الذليل الحقير الخانع الثابت الذي إذا مالت الريح مال حيث تميل تبقى مقابلة غاية في البلاغة و البيان. و رغم أن القرطبي و ابن كثير قد سبرا غور هذه المقابلة العجيبة  قطعا للطريق على التفكير و التأمل فجعلا من النجم ذاك النبات الطبيعي ذا الساق الواحدة الذي يغطي الأرض في فصل الشتاء.إلا أن النجم يبقى في جميع الحضارات التي  اصطبغ الإسلام بأخلاقها و فنونها و آدابها رمزا لكبار القوم و عليتهم و أصحاب الشوكة فيهم و ذوي الفضل عليهم. فلا عجب أن تكون الجملة موجهة لأعيان مكة و زعمائها زمن الرسول و لغيرهم من الزعماء و الملوك و الأعيان في كل زمان و كل مكان.فما دمنا نتحدث في السياسة و ما دمنا أمام لوحة فنية مدهشة آية في الرونق و الجمال؛ و ما دمنا أمام خطبة آية  في الاستهتار و الاستغفال فكل الحواجز العقلية تتهاوى و كل قوانين المنطق تسقط، ليسود الهمز و الإيهام  و الوقع على وتر المعنى الرنان و اللعب بالكلمات الطنانة.و تلك هي سمة السياسة العربية الإسلامية التي لا زلنا   لليوم مع كل الأسف نجر ذيولها. و أية حركة أو انتفاضة شعبية لم تثر على هذه المبادئ البدائية  و تلك الثوابت الصدئة لن يكتب لها أن تحدث أي تغيير، و هي بالتالي ستكون غير أهل بتسميتها ثورة.لأن الثورة بكل بساطة هي كل ما غيّر عالما قديما بعالم جديد و ما غيّر نمطا قديما من العيش و التفكير بنمط من العيش و التفكير جديد، و ليست الثورة قطع الطرق و سفك الدماء و سلب الناس أموالهم و متاعهم و الذهاب بقوم و الإتيان بآخرين ....و لقد كان لمكة رجالاتها و نجومها إبان نشوء الإسلام،مثل الوليد بن المغيرة و أمية بن خلف و أبي لهب و أبي الحكم و عقبة بن أبي معيط.كل هؤلاء كانوا سادة نجوما في قومهم و كلهم كان معارضا لدودا لدعوة صاحب القرآن.و كلنا يعلم ماذا كان مصير كل نجم منهم  فلا عجب إذا في أن تكون الجملة تعنيهم و تبلغ في وصفهم نفاقا و تملقا غاية النجوم التي يتوجّب عليها السجود و الخنوع و تقديم فروض البيعة و الطاعة  حتى تهتدي بهديهم الرعية التي يرمز إليها صاحب القرآن بالشجر. و عودا إلى جملتنا فإن السماء التي كما أتينا على تعريفها القرآني سابقا ليست إلا بناء ماديا مثل السقوف التي يبنيها سائر البشر إلا أن هذا السقف يتميز عن سائر السقوف بأنه صنع الله الذي منّ به على الأرض كلها و جميع من عليها من شجر و حجر و جبال و وديان و هوام و بشر.فهو الذي يغطي عالم الله و يحجبه عن أنهار و بحار و نيران و أفاعي المجهول الدامس التي تتربص به من كل جانب، و من هنا يستمد هذا البناء مكانته المرموقة و يستحق بالتالي عند صاحب القرآن الرفعة والقيمة العليا.أما العدل فيقول القرطبي وقوله: وَوَضَعَ المِيزَانَ يقول: ووضع العدل بين خلقه في الأرض.انتهى.فما معنى هذا الوضع إذا، الذي يستحق مقابلة رفعة السماء في هذه الجملة؟ هل هو اليسر كما يذهب إليه معظم المفسرين و المؤولين إذ يقولون وضع العدل بين الناس أي جعله يسيرا في متناول الجميع. فالعدل كما نعلم هو أعلا قيمة في الوجود،منه و عنه تتفرع كل القيم و المثل العليا.فلا مُلك بدون العدل و لا مساواة و لا تساكن و لا تعايش بدون العدل و لا إيمان و لا تقوى و لا هدى بدون عدل و لا أمن و لا أمان و لا عهد و لا دين بدون العدل و لا شرف و لا كرامة و لا عزة و لا عيش بدون العدل. فالعدل هو أس القيم و جذرها التربيعي فكيف له أن يكون دون السماء قيمة و أهمية عند الله و عند صاحب القرآن؟؟  و كيف له أن يجعله يسيرا هينا في متناول الكبير و الصغير ،العاقل و السفيه ، الحالم و المغرور ؟ الجواب بكل بساطة هو أن العدل ليس من صنع الله بل هو قواعد فكرية تميز الحدود بين الحق و الباطل وبين الصدق و الكذب وضعها العقل الإنساني الضعيف ليحكم بها على الأحداث و الأشياء من حوله.و هذا العدل مثل الميزان أداة عقلية ما فتئت تتقدم و تتطور بتقدم و تطور العقل و تراكم تجاربه و كثرة معارفه وتنوع أدواته الفكرية و تشعبها.و لذلك فهو ممقوت من طرف الله و من طرف صاحب القرآن.و كل ما هو عقلي إنساني محض هو مستهجن في الخطاب القرآني مبخوس الحق منزوع القيمة، حتى و لو كان العدلَ الحق الذي يستوي في ظله الأسود و الأبيض و ذو المحتد و مجهول النسب و العربي و الأعجمي. ذلك العدل الذي كان يسود مكة و أفرز نجوما مثل الذين ذكرناهم و مثل من لم نجد لذكرهم متسعا، كأمية بن أبي الصلت و عمرا ابن نفيل و غيرهما من أئمة السياسة و الدين. فالسماء رفيعة لأن الله هو من صنعها و العدل ذليل وضيع حقير لأنه من صنع الإنسان و يستمد الشرعية من عقله دون سواه  فهو لا يخضع لسلطة و لا يصطبغ بلون و لا يتمذهب بدين و لا يتحيز لملة، متجرد عن الأهواء و الأغراض الشخصية بعيد عن الأفكار المسبقة يكره التحيز و التمييز و الاصطفاء و يذم الانتهاز والمحسوبية و الوصولية و الريع.و لأن كل ذلك لا يتلاءم و مزاج حاكم مستبد من طينة الله و لا يناسب نظاما ديكتاتوريا تسلطيا مثل نظام القرآن فإن العدل العقلي  بات عند الله و عند صاحب القرآن وضيعا حقيرا.
و تبعا لهذه النتيجة فإن الحكم أي حكم أصبح لا يكون عدلا إلا إذا خضع لمسطرة مرجعية القرآن و وافق أحكامه و ضوابطه. و في العرف القرآني يعتبر اغتصاب الأطفال و النساء عدلا، و يعتبر قتل الآخر و المخالف عدلا، و يعتبر سلب الكافر و سبيه و نهب أرضه و متاعه عدلا. و من هنا تتضح الحكمة السياسية من وراء ازدراء العدل و مقاربته بالسماء و تفضيلها عليه في جرة قلم عجيبة مدهشة للذين في نفوسهم نزغ من الله فزادهم الله مكرا و نفاقا و الذين سدّت عقولهم بأبواب أحكمت أقفالها و الذين من سذاجتهم يصدقون بيوم الدين و يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة.
تلك هي سياسة صاحب القرآن ، قمع المحكوم و ازدراؤه و الحط من قيمته و هدم معنوياته و سلبه حقوقه المادية و المعنوية و النيل من أنفته و عزته و كرامته و الحط من قدره و إنسانيته، و التي  يلخّص خطوطها الطويلة و العريضة و يجمعها بين دفتي ما يصطلح عليه بالقرآن. و لتكلأ عين الرحمة ذاك الشيخ الشيعي الذي قال " القرآن كتاب همج لا يليق قياس العلوم به و لا يجوز قياسه على العلوم

أبو النبي الأمي