الجمعة، 31 أكتوبر 2008

قـثـومـيـات 2

يبدو أن الذمذمي قد قرر أخيرا تغيير نظارات التعمية و تركيب نظارات المنطق.و يبدو أنه قد قرر أخيرا هجرة أكواخ النقل و ركوب أهوال العقل المؤدية إلى ردهات المواجهة مع الفاتيكان الإسلامي.

لم أكن أتخيل لحظة واحدة أني سأكون يوما على وفاق مع الشيخ الذمذمي. و لم أكن أتخيل الرجل سيتنكر يوما لركن من أركان المذهب السني و أحد ثوابته.

في موضوع محاكمة المغراوي حصل أن أعلنت عن أسفي البليغ لهذه المحاكمة التي مع كل الأسف سوف لن تكون إلا لعب صبيان.فحتى ما يسمى محاكمة الرأي لن يناسبها. الرجل ليس مجرما إلا في نظر المسبوقين ذهنيا. الرجل لم يزوج و لم يطلق.الرجل لم يفتر لا على القرآن و لا على السيرة النبوية و لا حتى على مدونة الأحوال الشخصية.إنما الرجل اجتهد و أخطأ عند ربطه بين الآية و زواج النبي بعائشة جاعلا منه سببا لنزولها.و هذا ما ليس باختصاص المحاكم و بالخصوص محاكم دول الحق و القانون.بل هو اختصاص الأندية الفكرية و الهيئات العلمية و المدارس و الجامعات و المعاهد الدينية. أما أن تنوب المحاكم عن كل هؤلاء فهذا ينم عن الفتور العقلي و الخمول التفكيري، الأشعري المنشئ، المتغلغل في النخاع الشوكي للمجتمع المغربي ؛ و الذي يجعل الساحة الفكرية المغربية عقيمة مستهلكة على الصعيد الديني. و إن في رد المجلس العلمي على فتوى الشيخ خير دليل على افتقاد حس الجرأة الفكرية و انعدام رؤية شجاعة لمشروع إسلامي مغربي عقلاني؛ من شأن كل متعطش أن يجد فيه مبتغاه، و كل حاقد و ناقم أن يجد فيه مقتله.

أما عن الآية موضوع الفتوى؛ فما أظن أن جملة اسمية بسيطة مثلها تحتاج إلى كل ما يثار حول معنى هذه الآية . اللهم إذا كنا ننوي التعويم و التنويم و ليس التفسير. فاللآئي لم يحضن هن النسوة اللواتي لم يعرفن دم الاستحاضة لسبب من الأسباب.و دم الحيض لا يأتي المرأة اليائس و القاعد و المرأة العاقر و المرأة المرضعة و المرأة وهي صبية أي قبل البلوغ. فاللآئي يئسن من المحيض و القواعد من النساء خصصت لهن آياتهن. تبقى العاقر و المرضعة و الصبية ، فكل هؤلاء تعنيهن: و اللآئي لم يحضن.إلا أن المفسرين يجمعون على أن الآية تعني الصبيات دون سن البلوغ متناسين كما قال الذمذمي عدم تكليف الصغير و الصغيرة شرعا. كما أن أسباب النزول لا تربط الآية بمسألة زواج النبي بعائشة.

كل هذا قلناه، و هاهو ذا العالم المبرز يقول به. لكن لماذا التوقف عند هذا الحد .؟ لماذا يقبل العالم لرسول الله و السيدة عائشة ما لا يقبله حسب قوله لنفسه و لابنته.؟ و يقول هذا شأن خاص بالنبي. لماذا يقبل للمجتمع النبوي ما لا يقبله للمجتمع المغربي المعاصر.؟ و ما هي دلائله العلمية على أن الفتاة الصحراوية في عصر النبي كانت تستطيع الزواج في سن مبكر.؟ و ما رأيه في حديث السمن على التمر و القثاء.؟أ لا يدحض هذا الحديث نظريته الفيزيولوجية في الطفلة الصحراوية.؟ اهنا يفترق أبو قثم و الذمذمي و كل من استمرأ الخمول الفكري. و بالمناسبة لا يقول عن أبي قثم ملحد إلا من لا يقرأ أو يقرأ و لا يعي . فأبو قثم يرى محمدا أكبر من أن يتزوج قاصرا أصغر من فاطمة الزهراء ابنته. و يرى أن السيدة عائشة أكبر من كل الصغائر التي يهذي بها المذعودون من على أعوادهم و التي ألصقها بها مشبوهو بني أمية. و يرى أن أسفار الأولين و على رأسهم الصحيحان و سيرة ابن هشام أولي بان تعرض على المحاكم .و يرى أن المذهب السني الأشعري قد فاته الركب و لفظته القافلة و أن التشبث به لمن قبيل تمسك الغريق بالغريق.

لا يمكن تصور ما أحدثته فتوى الدكتور المغراوي مشكورا؛ من رجة على مستوي البركة الفكرية المغربية الراكدة ؛التي تحمد الله على الهدوء، و السكينة، و الموت البطيء. و رد الفعل الأهوج الذي أبان عنه المجلس العلمي،إنما ينم على أن الرجة كانت عنيفة و مباغتة؛ الشيء الذي أنتج ردا ارتجاليا، خاليا من الموضوعية ،مغرقا في العشوائية. فمتى كان المغاربة سطحيون في أمور دينهم إلى هذه الدرجة.؟ و متى كان المغاربة ينتظرون إصلاح دينهم من الخارج..؟

إن الغليان الفكري المتقذ في مصر منذ الأربعينيات و ما قبل، قد أوشك أن ينتج نسخة إسلامية جديدة تخلصت من التخلف السني الأشعري و التزمت الشيعي الباطني. إلا أنها سوف لن تكون إلا نسخة مصرية بحثة.و لن تصلح لغير مصر بأي حال من الأحوال.فمتى سنسمح بدورنا لأنفسنا بتنقيح مذهبنا و تطوير تراثنا و جعله يناسب العقل و العصر. كل هذا لن يتم إلا بتبرئة الرسول من صغائر السنة و إعادة الاعتبار للسيدة عائشة و إعادة النظر في السنة و الحديث.

أبوقــــثم



ليست هناك تعليقات: