الاثنين، 7 سبتمبر 2009

فلسفــة ابن الراوندي

فلسفـــة ابن الراوندي

كان ابن الراوندي فيلسوفا إنساني النزعة ، ذا أفق فكري أوسع من عصره الذي عاش فيه ،قصر فلسفته على الإنسان ، و لم يتقيد بمذهب من المذاهب. عايش نكبات زمانه و كان لها بالغ الأثر في تحديد مساره الفكري ،.كانت النكبات تلاحقه فلم تترك له مجالا للشعور بطعم الفرح أو السعادة ، مما دفعه إلى البحث عن عالم خال من أية منغصات للبشر

إلا أن البحث في فلسفة ابن الراوندي طالما يصطدم في كل الحالات بصعوبتين أساسيتين:

أولاهما :تدمير كتبه، و تناقض ما نسب إليه من الأقوال حول الله و الإنسان و الطبيعة التي حفلت بها تلك النصوص التي رواها أعداؤه عنه.

ثانيهما : أن ابن الراوندي لم يبلغ مرتبة النظام في تمثل الفلسفة اليونانية ،مما لم يجعله قادرا على تشكيل مذهب فلسفي خاص به، و أن كل محاولاته الفكرية الممتازة لم تخرجه عن إطار علماء كلام عصره المستنيرين.

علاقة الله بالإنسان و العالم

الله في نظر المعتزلة ، واحد ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، و ليس بجسم و لا شبح ، و لا جثة و لا صورة و لا شخص و لا جوهر و لا عرض و لا بذي لون و لا طعم و لا رائحة و لا طول و لا عرض و لا عمق ، لا يتحرك و لا يستكين ، و ليس بذي أبعاض و لا أجزاء ، و لا تدركه الحواس ، و لا يقاس بالناس ، و إنه القديم وحده، ليس بذي غاية فيتناهى و لا يجوز عليه الفناء ، و تقدس عن اتخاذ الصاحب و الأبناء (مقالات الإسلاميين ج 2 صص116 لأبي الحسن الأشعري. تحقيق : محمد محي الدين). و أن الله سبحانه و تعالى لم يزل عالما حيا قادرا بنفسه لا بعلم مستحدث.

وكذا ابن الراوندي فإنه قال:

إنّ المعلومات ، معلومات قبل كونها. و إنه لا شيء إلا موجود. و إن المأمور به و المنهي عنه و كذلك كل ما تعلق بغيره يوصف به الشيء قبل كونه . و كل ما كان رجوعا إلى نفس الشيء القديم لم يسم و لم يوصف به قبل كونه (الانتصار ص 11/12)

و هذه إشارة واضحة الدلالة على أخذ ابن الراوندي و بعض المعتزلة بفلسفة أفلاطون ، التي مفادها: إن الله صانع العالم على ما في ذهنه من مثل ، و إن علم الله أزلي لأنه يعرف الأشياء قبل كونها. و لا صحة لما نسبه إليه أبو الحسن الخياط عندما يقول:

أن له كتاب التاج أبطل فيه حدوث الأجسام، و أن العالم لم يزل لا صانع له و لا مبرر و لا محدث و لا خالق ، و إن من ثبت للعالم خالقا قديما أحال و ناقض (مقالات الإسلاميين ج1 ص26)

و يجب إضافة مذهبه في قدم العالم إلى مذهب أبي عيسى الوراق في قدم الاثنين ( الله ، و الهيولى) (طبقات الشافعية الكبرى ج3 ص97)

أراد المعتزلة عندما نازعوه الرئاسة بعد وفاة النظّام و طردوه، أن يشوّهوا صورته لدى العامة فنحلوه قولا:

لا يتم التوحيد لموحد إلا أن يصف الباري بالقدرة على الجمع بين الحياة و الموت و الحركة و السكون ، و أن يجعل الجسم في مكانين في وقت واحد ، و أن يجعل الواحد الذي لا ينقسم (الجوهر الفرد) مائة ألف شيء من غير زيادة ، و أن يجعل مائة آلاف شيء شيئا واحدا من غير أن ينقص في ذلك شيئا و لا يبطله؛ بل و أنه قال أيضا: إنهم وصفوا الباري بالقدرة على أن يجعل الدنيا في بيضة و الدنيا على كبرها و البيضة على صغرها: و بالقدرة على أن يخلق مثله و أن يخلق نفسه و أن يجعل المحدثات قديمة و القديم محدثا.) (نفس المرجع السابق)

و نسب المعتزلة إلى ابن الراوندي كتابا هو (عبث الحكمة الإلهية) ، و اتهموه بالقول إن الإنسان أودع عقلا يميز به بين القبيح و الحسن،و يميز بين الخير و الشر،و إن الله لا يتدخل في أعمال العباد ، ثم نسبوا إليه شعرا يدل على عبث الحكمة أو العناية الإلهية ، قال:

سبحان من أنزل الأيام منزلها ****و صيّر الناس مرموقا و مرفوضا

كم عاقل في الورى أعيت مذاهبه ****و جاهل في الورى تلقاه مرزوقا

هذا الذي ترك الأيام حائرة ****و صيّر العالم النحرير زنديقا

فعلق السبكي على هذا القول:

قبحه الله ، ما أجرأه على الله (كتاب المحصل ص63 ، فخر الدين الرازي)

هذا التناقض في فكر ابن الراوندي إن حصل ،فمردّه إلى تناقضات عصره،و هو شاهد على ظلم العصر.فحوله كانت تجري معارك ثورة الزنج (255 ـ 270ه) . و هو ممن وضع كتابا في الإمامة ، فالإمام هو الذي يملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا. و كان يميل إلى الإمام غلي بن محمد الزيدي ، قائد الزنج. و ربما كان هذا هو السبب في طلب الدولة له.

الإنسان و النفس

اتفق كافة مؤرخي الفلسفة الإسلامية أن (القول بالجزء الذي لا يتجزأ في القلب هو مذهب ابن الراوندي، و زعم النظّام أنه أجزاء) . و أن الأنا أو الإنسان هي النفس (الموسوعة الفلسفية الروسية ص 547 ترجمة سمير كرم). هذا القول بالأساس هو لأفلاطون ، فالجسم عندما ينحل بالموت تبقى النفس لأنها بسيطة و هي مؤلفة من أجزاء لا تقبل التجزئة و هي أبدية أزلية (مقالات الإسلاميين ج1 ص26).قال ابن الراوندي:

الإنسان هو في القلب و هو غير الروح، و الروح ساكنة في هذا البدن (الإمتاع و المؤانسة ج1 ص 229)

و معنى هذا ما قاله أبو سليمان السجستاني:

النفس وحدها ليست بإنسان و البدن وحده ليس بإنسان بل الإنسان بهما معا. (رسالة في النفس الإنسانية ، ابن العبري ، ص 33)

كان جالينوس يقول: إن الدماغ هو معدن الإدراك و القوة المتحركة و ليس القلب. و لكن علماء الكنيسة و فلاسفتها أبطلوا هذا القول و قالوا مع غريغوريوس اللاهوتي : إن الإنسان الخفي هو في القلب (مقالات الإسلاميين ج1 ص27)

و ينسبون قول ابن الراوندي في النفس إلى المنانية ، و أن المنانية تقول:

النفس معنى موجود ذات حدود و أركان و طول و عرض و عمق و أنها غير مفارقة هذا العالم لغيرها مما يجري عليه حكم الطول و العرض و العمق، فكل واحد منها يجمعها صفة الحد و النهاية. (الفيلسوف اللاهوتي موسى بن كيفا ص 31 للمطران بولس بنهام). و معنى هذا أن النفس جوهر مادي أو جسم ذو أبعاد. هذا ما قاله الأشعري و بقية علماء الإسلام. أما علماء السريان و هم على اطلاع مباشر على فكر المنانية من خلال كتاباتهم السريانية فلهم رأي آخر، يقول المطران موسى بن كيفا المتوفى سنة 903 ه :

النفس عند المنانية بسيطة غير مجسمة، و إنها خالدة لا تموت إلا أنها تنقسم إلى أقسام كثيرة لا تحصى فيصيب كل جسم من الأجسام الحية و غير الحية قسم منها فتأخذ الأجسام الحية القسم الأكبر بينما تكتفي الأجسام غير الحية بشيء ضئيل. و هذا هو رأي ابن الراوندي و إن كان لا يقول بالتناسخ مثلهم.

لقد نسب المطهر بن طاهر المقدسي إلى ابن الراوندي قولا في النفس:

إن الإنسان مقدار ما في القلب من الروح و يحس الجسد بها و هي عرض قد بطل بالموت و الميت يعلم ضربين من العلم محتجا بالخبر المروي عن الرسول ، إن الميت على النعش يسمع نوح أهله (البدء و التاريخ ج2 ص120 ، طاهر بن المطهر المقدسي)

في هذا النص نلمح فلسفة هشام بن الحكم صديق ابن الراوندي و الذي كان مذهبه في النفس أنها عرض ، و العرض ما يعترض الشيء و يقوم به ، ومنه ما يختص بالأحياء و هو الحياة و الشهوة و النفرة و القدرة و الإرادة و الاعتقاد و النظر و الظن و الألم . (هشان بن الحكم ص 161). كان ابن الراوندي يعتبر النفس مبدأ الحركة فهو تابع لمذهب أفلاطون الذي يرى أن المتحرك إما أن يتحرك بنفسه ، و إما أن يتحرك بغيره و هذه تقف عن الحركة بعد حين ، أما الأولى فلا تقف لأن حركتها من ذاتها فهي لا تكون و لا تفسد. و كل ما يتحرك بنفسه فلا يتولد من شيء آخر فهو مبدأ. و من التناقض أن يفسد المبدأ.و إذا كانت النفس هي المبدأ؛ وهذه هي حقيقتها و ماهيتها؛ يمكن أن نعرفها بأنها ما تحرك نفسها. (أفلاطون ؛أعلام الغرب؛ ص 99 ، أحمد فؤاد الأهواني).من ذاك النص السابق يمكننا تفسير القول الذي نسبه عبد القاهر البغدادي لابن الراوندي ، قال : و منهم من قال إن الحركة كونان في مكانين أحدهما يوجد في المتحرك و هو في المكان الأول ، و الثاني يوجد فيه و هو المكان الثاني و هذا قول ابن الراوندي (الفرق بين الفرق ص 144 عبد القادر البغدادي ، تحقيق محمد بدران.

و هذا النص لا يفهم إلا بعرضه على فلسفة أفلاطون

قول ابن الراوندي في القتل

فاعل القتل في حال فعله ، و المقتول مقتول في حال وقوع القتل به عند من عرف أن القاتل استعمل السيف ، بضرب ما يقع بعده خروج الروح.و قال: ليس يكون الإنسان قاتلا على الحقيقة إلا لمن خرج روحه من ضربته و القضاء على الظاهر(مقالات الإسلاميين ج2 ص97/98) 1250 و قد زعم أصحاب التوالد أنه يحدث عن الضربة في بدنه شيء هو الألم و القتل. قال: و ذلك الحادث في قولهم مشتغل و ليس عندنا إلا عمل الضد و عمل الروح فإنهما يحدثان منهما طباعا (المصدر السابق ص102)

قوله في الخواطر

اختلفت المعتزلة في الخواطر .قال أبو الهذيل و سائر المعتزلة: الخاطر الداعي إلى الطاعة هو من الله ، و خاطر المعصية من الشيطان ـ و ثبتوا الخواطر أعراضا. و كان النظّام يقول : لا بدّ من خاطرين، أحدهما يأمر بالإقدام و الآخر يأمر بالكفّ ليصبح الاختيار و لا تلتزم الحجة التفكر إلا بخاطر.

و حكى عنه ابن الراوندي : أنه كان يقول إن خاطر المعصية من الله إلا أنه وضعه للتعديل لا ليقضي. و كان يقول : إن الخاطرين جسمان.

و لكن الأشعري قال : و أظنه غلط في الحكاية الأخيرة.لأن الأفعال التي من شأن النفس أن تفعلها و تجمعها و تميل إليها و تحبها فليس تحتاج إلى خاطر يدعو إليها

كما قال ابن الراوندي عن النظّام : أما الأفعال التي تكرهها النفس و تنفر منها ، فإن الله تعالى أمر بها فأحدث لها من الدواعي مقدار ما يوازي من كراهتها لها و نفارها منها.و إن دعا الشيطان إلى ما تميل إليه النفس و تحبه زادها من الدواعي و الترغيب ما يوازي داعي الشيطان، و يمنعه من الغلبة ، و إن أراد الله سبحانه أن يقع من النفس فعل ما تكرهه و تنفر طباعا منه، جعل الداعي و الترغيب و التنفير و الترهيب يفصل ما عندها من الكراهية لذلك منه.فتميل النفس إلى ما دعيت إليه و رغبت فيه طباعا. (المصدر السابق 239).و كان ابن الراوندي يقول بقول ابن النظّام في عملية اتخاذ القرار في الفعل الإرادي

قوله في خلق القرآن

حكى ابن الراوندي: أنه سمع بعض المعتزلة يقول : إن القرآن مخلوق ، و إنه كلام في الجوّ ، و إن القارئ يزيل مانعه بقراءته فيسمع عند ذلك ، و هذا قول إبراهيم النظّام.

أما رأي ابن الراوندي فهو أن القرآن معنى من المعاني ، و عين من الأعيان، خلقه الله عزّ و جلّ ليس بجسم و لا عرض قائم بالله. و هو غيره و محال أن يقوم بغير الله . فإذا تلاه التالي أو حفظه الحافظ أو خطه الكاتب ، فإنه يُخلق مثلَ تلاوة كل تال، و حفظ كل حافظ ، و خط كل كاتب ، قرآنٌ آخر مثل القرآن، قائما بالله دون التالي و الكاتب و الحافظ (نفس المصدر 68/69)

قوله في المحال

قال بعض علماء الكلام: كل كذب محال ، و كل محال كذب.. و لكن من الكذب ما ليس بمحال كقولهم ( الغائب حاضر).و الكذب المحال كقولهم(القديم محدث).أما ابن الراوندي فإنه يرى ، إن كل كلام لا معنى له فهو محال.و كل قول أزيل عن منهاجه و اتسق على غير سبيله و يقصر به عن موقعه و إفهام معناه ، فهو محال، و ذلك كقول القائل (أتيتك غدا) و ( سآتيك أمس)( نفس المصدر)

أبو قثم

هناك تعليقان (2):

rawndy يقول...

هلا بو قثم

الراوندي بل ومعارضي محمد من القرشيين والمعري والجاحظ والتوحيدي رغم خلافنا مع بعضهم إلا أنهم أعطوا الكثير


سأل ابن الراوندي كبير علماء اللغة والنحو والصرف المسمى ابن الأعرابي:
فقال له :

هل يُـــــــــذاق اللباس؟؟؟ فرد الغبي: نعم يا نسناس و00 بكلام حقير وتهرب من الإجابة والراوندي الملحد يلمح لآية محمد
فإذقناه لباس الخوف والجوع000
هههههههههه
تحية

abou9othoum يقول...

قيل كان ابن الراوندي يناظر في مجلس بالبصرة ، فاشتدّ عليه الحال ، و ناجى ربه في سره ،يا رب فرّج عليّ كربتي ،و تحرك فضرط ، فقال ، : يا رب ما لأجل هذا دعوتك.

نورت المدونة أي شيخنا المبجل

أبو قثم ،