الاثنين، 21 ديسمبر 2009

ابن المعتز يبرئ ساحة صالح بن عبد القدوس

باب ـ أخبار صالح بن عبد القدوس



يقول ابن المعتز و هو يعيد محاكمة شهيد الكلمة و الرأي ابن عبد القدوس في طبقاته:

حدثني محمد بن يزيد قال: حدَّثني العوفيّ قال: أخذ صالح بن عبد القدوس في الزندقة، فأدخل على المهدي، فلما خاطبه أعجب به، لغزارة أدبه وعلمه وبراعته، وبما رأى من فصاحته وحسن بيانه وكثرة حكمته، فأمر بتخلية سبيله، فلما ولّى ردّه وقال: ألست القائل: وإن من أدبته في الصبا كالعود يسقي الماء في غرسه

حتى تراه مورقاً ناضراً****من بعد ما أبصرت من يبسه

والشيخ لا يترك أخلاقه****حتى يواري في ثرى رمسه

إذا ارعوى عاد إلى جهله **** كذي الضنا عاد إلى نكسه

قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: وأنت تترك أخلاقك? ونحن نحكم في نفسك بحكمك. فأمر به فقتل.

وحدثت من غير هذا الوجه بما هو عندي أثبت من الأول، وذلك ما رويناه أنه أنهى إلى الرشيد عنه هذه الأبيات، يعرض فيها بالنبي صلى الله عليه وآله:

غصب المسكين زوجته **** فجرت عيناه من درره

ما قضى المسكين من وطر **** لا ولا المعشار من وطره

عذت بالله اللطيف بنا **** أن يكون الجور من قدره

- عليه لعنة الله إن كان قالها- فقال له الرشيد: أنت القائل هذه الأبيات? قال: لا، والله يا أمير المؤمنين، ما أشركت بالله طرفة عين، ولا تسفك دمي على الشبهة، فقد قال النبي صلى الله عليه وآله: "ادرءوا الحدود بالشبهات ما استطعتم" وأخذ يرقق قلبه، ويستنزله عما عزم عليه بفصاحته وبيانه، ويتلو القرآن، حتى رقّ له وأمر بتخلية سبيله، فلما أراد أن يخرج من بين يديه قال: أنشدني قصيدتك السينية فأنشده حتى إذا بلغ قوله: والشيخ لا يترك أخلاقه حتى يواري في ثرى رمسه

قال: يا شيخ، هذا الكلام يشبه هذا الكلام، وهذا الشعر من نمط ذلك الشعر- يعني الأبيات التي نسبت إليه- ونحن نتمثل وصيتك، ثم أمر فضربت عنقه وصلب على الجسر.

وحدثني أبو جعفر قال: حدَّثني زياد بن أحمد قال: اجتمع قوم من أهل الأدب في مجلس فيهم صالح بن عبد القدوس، يتناشدون الأشعار، إلى أن حانت الصلاة، فقام القوم إلى ذلك، وقام صالح فتوضأ وأحسن ثم صلى أتم صلاة وأحسنها، فقال بعضهم: أتصلي هذه الصلاة ومذهبك ما تذكر? فقال: إنما هو رسم البلد، وعادة الجسد.

والله أعلم بتحقيق ذلك.

أما الرجل فله في الزهد في الدنيا، والترغيب في الجنة، والحث على الطاعة لله عز وجل، والأمر بمحاسن الأخلاق، وذكر الموت والقبر، ما ليس لأحد وكان شعره كله أمثالاً وحكماً فمما يستحسن له قوله: تأوبني هم فبت أخاطبه وبت أراعي النجم ثم أراقبه

لما رابني من ريب دهر أضر **** ني فأنيابه يبرينني ومخالبه

وأسهرني طول التفكير، إنني **** عجيب لدهر ما تقضي عجائبه

أرى عاجزاً يدعى جليداً لغشمه **** ولو كلف التقوى لفلت مضاربه

وعفّا يسمى عاجزاً لعفافه و ***** لو لا التقى ما أعجزته مذاهبه

وأحمق مصنوعاً له في أمو **** ره يسوده إخوانه وأقاربه

على غير حزم في الأمور ولا تقى **** ولا نائل جزل تعد مواهبه

وليس بعجز المرء إخطاؤه الغنى **** ولا باحتيال أدرك المال كاسبه

ولكنه قبض الإله وبسطه **** فلا ذا يجاريه ولا ذا يغالبه

إذا كمل الرحمن للمرء عقله **** فقد كملت أخلاقه ومناقبه

فيا عجبا كيف يمكن أن يقول زنديق مثل هذا القول?! وكيف يكون قائله زنديقاً? ومما يستحسن له قوله:

ألا أحد يبكي لأهل محلةٍ **** مقيمين في الدنيا وقد فارقوا الدنيا

كأنهم لم يعرفوا غير دارهم **** ولم يعرفوا غير التضايق والبلوى

ومما يختار من شعره قوله:

فو حق من سمك السماء بقدرة **** والأرض صير للعباد مهادا

إن المصر على الذنوب لهالك ***** صدقت قولي أو أردت عنادا

وحدثني أحمد بن إبراهيم المعبر قال: رأيت صالح بن عبد القدوس في المنام ضاحكاً مستبشراً، فقلت له: ما فعل الله بك? وكيف نجوت مما كنت فيه? فقال: إني وردت على رب لا تخفى عليه خافية، فاستقبلني برحمته وقال: قد علمت براءتك مما كنت تعرف به وترمى باعتقاده.

وأشعاره كثيرة، إلا أنها موجودة عند جميع الناس مستفيضة فيهم، فاقتصرنا على ما ذكرنا منها

الصفحة 24 / 25 طبقات الشعراء ـ عبد اللع بن المعتز

لقد قتل صالح بن عبد القدوس و معه كثير من المسلمين المتقين الورعين على الشبهة و الظنة ، فبقدر ما يضحكنا من المسلمين قتلهم بعضهم لبعض بقدر ما يبكينا مصير رجال أبرياء لا ذنب لهم إلا أن قالوا كلمة حقّ ليس عليها جواب.. فياله من دينِ نزاهةٍ و عدل !!!. و يا له من تاريخ أسود قاتم مرصع بدماء الأبرياء بدءا بعمرو بن الحضرمي إلى آخر القائمة التي لا زالت و ستبقى مفتوحة ما دام يدبّ على وجه الأرض خبث اسمه الإسلام

الكافر بالله حقا و تحقيقا

أبو قثم

أخزاه الله

ليست هناك تعليقات: