الخميس، 15 يوليو 2010

مملكة الصعاليك ـ إيلاف في مهب الريح





الثابت إذن من كل ما أوردناه سابقا، أن مكة حسب الروايات و الأخبار كانت عشية وفاة قصي تعيش تحت رحمة قوتين عسكريتين تتحكمان في مصيرها ، أما إحداهما فقوة شبه منظمة أو نظامية سميت على استحياء بالأحابيش، وأما الثانية فهي قوة عسكرية منفلتة عن التنظيم و القوانين ،مشكلة من عصابات و مرتزقة تنتشر في كل مكان من شبه جزيرة العرب و مركزها مكة و تسمى بالصعاليك. و الثابت في شأن الأحابيش أنهم حسب السير و أهل الأخبار قوة عسكرية قوامها الأحباش و بعض القبائل العربية المهجنة نتيجة التواجد الحبشي القديم بتهامة، و الذي يعود إلى القرن الثالث الميلادي.و أن عبد الدار إما أن يكون قد قبل الخضوع لهذه القوات و سيطرتها على الحجاز بلا قيد و لا شرط و بدون مناقشة و لا مقاومة، و ذلك امتثالا لأوامر قيصر الروم الذي طلب إلى النجاشي أن يدخل قريشا أرضه ، إذا أخذنا بعين الاعتبار رواية ابن سعد الواردة أعلاه(الطبقات ـذكر هاشم بن عبد مناف ج2)، و إما أن عبد الدار و أخاه عبد مناف أنشآ هذه القوات نتيجة تردي الأوضاع الأمنية و حاجة مكة الماسة إلى الأمن و الأمان في ظل تنامي تواجد و تعاظم قوة الصعاليك غير المرغوب فيها. و الثابت تاريخيا أن قريشا لما أصبح لها الملك و تحرشت بالأمم احترمت الحبشة و وقرت جانبها ،لما لها من فضل في استقبال المهاجرين الأولين حسب السير و الأخبار. و بالرغم من ذلك فقد هاجم عمر بن الخطاب ميناء أدوليس و كانت الهزيمة من نصيب قريش. إلا أن الملاحظ هو أن قريشا لم تثأر للهزيمة و لم تُعد الكرة مرة ثانية و لم تفعل بالحبشة ما فعلته بسائر بلدان أفريقية التي دخلت إليها ، مما يعزز الانطباع على أنه كانت هناك بين الاثنين ،في الماضي الذي نتحدث عنه، علاقات خاصة متميزة، أقل ما يقال عنها أن السير و الأخبار قد نجحت نجاحا في التستر عليها و تمويهها.
و الثابت كذلك من ثنايا هذه السير أن هذه القوات كانت نذير شؤم على بني عبد الدار الذين رغم بقاء وظائف الزعامة فيهم بالتعاقب لغاية مجيء الإسلام و بعده، فإن ذكرهم سيتوارى في الأخبار و تطردهم السير من سجلات الشرفاء و الأخيار. فعبد الدار السياسي المحنك،برفضه احتواء الصعاليك و محاولته التخلص من نفوذهم و تبنيه فكرة التوفر على قوات نظامية في البلاد ، يكون قد تنكر لفضل أولئك المرتزقة على مكة و على أمن طرقها و مسالكها، و نقض ما بينهم و بين قريش ، في شخص هاشم، من العهود و الأيمان و الإيلاف.فالإيلاف، كما مر بنا ذكره، تورد الأخبار أنه تأليف للقبائل مقابل حق المرور في أراضيها، و يكون بجعل تعطى للقبيلة و أرباح و هدايا تقدم لها.إلا أن نفس الأخبار تفيد من جهة أخرى أن هذا الضرب من العهود كان معروفا في الجزيرة ساري المفعول فيها."فكل قبيلة كانت تستقضي جعلا من كل من يمر بحماها و أرضها.حتى كسرى نفسه عندما كان يبعث بتجارة داخل الجزيرة كان يدفع جعلا لكل قبيلة تمر هذه التجارة بأرضها، برغم أنها كانت محروسة ب"أساورة" كسرى ،أي جنوده الأشداء. و عندما كان يتقاعس كسرى لسبب أو لآخر عن دفع الجعالة لأي قبيلة تمرّ بها قافلة، كانت القبيلة تعتدي عليها. و قد حدث أن قافلة لكسرى مرت بأرض قبيلة تميم لم تدفع الجعالة المعهودة، قام بنو تميم بنهبها ، و أسر جنودها.بل إنهم أسروا هوذة بن علي و كان ملكا على قبيلة بني حنيفة، و لم يفكوا أسره إلا بعد أن دفع دية مضاعفة"(محمد أحمد جاد المولى بك و آخرون ـ أيام العرب في الجاهلية ـ ص2). أما الجديد في إيلاف هاشم بن عبد مناف فهو تأليف الخلعاء و الصعاليك المنتشرين على طرق القوافل، و ذلك بإيوائهم في مكة و حمايتهم و فرض حق معلوم لهم في أموال أهل قريش و حلفائهم , و إشراكهم و استعمالهم في التجارة، مقابل تأمين الطرق من القطاع و المنافسين و الدود عن حمى الديار.
فمبدأ الإيلاف و الأمان الذي تفرط الأخبار في الكلام عنه و تستفيض، إنما قصد به احتواء الصعاليك و التحكم فيهم، و تأطير عصاباتهم المنفلتة عن الحراسة و القانون، و تسخيرها في سبيل مصالح قريش. ففي حين كانت القبائل العربية أجمعها تخلع مجرميها و تتبرأ منهم كتابة و في الأسواق، فإن قريش كانت تؤويهم و تحميهم و تجيرهم و تمنحهم الحصانة أينما مروا يكونون آمنين. و في هذا الباب يعلق العلامة جود علي قائلا : بل نجد أهل مكة يجيرون كل غريب حتى إذا كان صعلوكا أو خليعا أو مستهترا بالعرف و الأخلاق أو قاتلا غادرا أملا في الاستفادة منهم و في عدم التحرش برجالهم إن خرجوا متاجرين يحملون أموالهم لبيعها في الأسواق البعيدة و لاستخدامهم في حمايتهم ممن قد يتحرش بهم من الأعداء الأعراب، و نجد في كتب الأخبار أسماء عدد من أمثال هؤلاء كانوا قد لجأوا إلى مكة و أقاموا بها و استقروا و عاشوا بها مجاورين لسادتها آمنين على حياتهم لأنهم في جوار سيد من قريش(المصنف7/289). فيتبين لنا من خلال تعليقه هذا أن أعداء قريش الحقيقيين هم الأعراب البدو أي القبائل العربية المنتشرة في الصحراء الذين يتحرشون برجالهم و الذين تفترض الروايات أن الإيلافات عقدت معهم! فإذا كان الحال كذلك ،فما حاجة قريش بإيواء الصعاليك إذا؟ و التودد إليهم؟.كما يفيد التعليق بأن هذه الفئة كانت تشكل جزءا هاما من النسيج الاجتماعي لمكة،لأن عددا منهم أقاموا بها و استقروا و عاشوا بها فأصبحوا بذلك جزءا لا يتجزأ من ساكنتها.كما أن أولئك البدو الأعراب الذين يصفهم التعليق بأعداء قريش هم في نفس الوقت أعداء دول الشمال من غساسنة ومناذرة و روم و ساسان، أو قل بالأحرى، هم أعداء الروم قبل أن يكونوا أعداء لغيرهم.فمن يا ترى سيكون بحاجة إلى إيلاف هؤلاء القبائل من أجل تأمين تجارته؟ أ قريش أم الروم؟؟ثم من جهة أخرى ما هي هذه التجارة المكية التي تستحق كل هذه العهود و الحبال و العصم التي سميت إيلافا؟؟تلك أسئلة من ضمن جملة من الأسئلة المشروعة التي سوف نتناولها على طول هذا البحث الذي نتوخى منها استقراء الظروف الموضوعية لنشأة ما يسمى بالإسلام.لكن قبل ذلك دعونا نقف و لو وقفة موجزة على هندسة القبيلة العربية الاجتماعية، عموما؛ لنتبين ملامحها العامة و نستوضح هيكلتها الأساسية فمن خلال الغربلة الدقيقة للأخبار يتبين أنها تتفق جميعها على تقديم القبيلة العربية على أنها وحدة اجتماعية تجمعها أهداف اقتصادية و سياسية أكثر منها عرقية أو دموية، و يرتبط أفرادها بعلاقات تنظمها الأعراف العربية السائدة.و تنقسم في بنيتها إلى طبقتين رئيسيتين: طبقة الفقراء و هم أغلب أفرادها كانوا يعيشون عيشة الكفاف قانعين به أحيانا و ساخطين عليه أحيانا(عبد الجواد الطيب ـهذيل في جاهليتها و إسلامها ـ ص 119)، و طبقة الأغنياء الذين يمتلكون قطعان الإبل و الشياه وعلى درجة كبيرة من الغنى و اليسار.و من بينهم فئة يسمون "السادة" يمتازون بتحمل المسؤوليات في إصلاح ذوات البين بين أفراد و عشائر و بطون و أفخاذ القبيلة ذاتها ،أو بين قبيلة و أخرى، و قد يتحملون التزامات مادية مثل دفع ديات القتلى. و بجانب هاتين الطبقتين كانت توجد فئة تسمى بالموالي، و تسميهم قواميس اللغة"الزعانف" و يطلق على الواحد "الزنيم" و"التنواط" و هو الذي يناط بالقوم أو يلصق بهم و ليس منهم ( اللغوي عيسى بن إبراهيم الحميري، نظام الغريب في اللغة ص87) و هم في غالبيتهم عرب التجأوا إلى قبائل غير قبائلهم الأصلية كي تسبغ عليهم حمايتها، أو من أسرى غزوات القبائل فيما بينها، مُنَّ عليهم بفك الأسر فتحولوا إلى موالي.و قد يكونون من الأعاجم الأرقاء، افتدوا أنفسهم من ناتج أعمالهم أو منّ عليهم سادتهم بالعتق نظير خدمات أدوها لمن يملكهم أو للقبيلة كلها، كإظهار شجاعة في إحدى الغزوات أو مهارة في أحد الأعمال. و هم أقل مرتبة من أبناء القبيلة الخلص الصرحاء و لو وجد بينهم نوع من التوارث.و في مقابل الموالي تأتي فئة الخلعاء ثم العبيد الذين هم دون الخلعاء . و يتكون العبيد أو الرقيق من أسرى الغارات و الحروب أو بالجلب من الخارج كالحبشة أو بالشراء من سوق النخاسة، و كانوا يقومون بأشق الأعمال و أحقرها. فكانوا بذلك "في هذه الفترة يشكلون قوة منتجة لا استهلاكية فقط...إلى جانب كونهم كانوا يشكلون حينئذ إحدى السلع الشائعة و الرابحة"(حسين مروة ـ النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية ـ 1/200).فعبد الله ابن جدعان كان من كبار النخاسين..و كان لا يتورع من تشغيل الإماء في الزنا و يحصل على أجورهن من ذلك كما أنه كان يبيع أولادهن من الزنا (برهان الدين دلو، جزيرة العرب قبل الإسلام ،1/168)..أما الخلعاء فهم الأشخاص الذين تلفظهم قبائلهم و تتبرأ منهم و من فعالهم. و قد يتم ذلك كتابة أو بموجب إعلان يذاع عادة في الأسواق العامة، و هم في أغلبهم" شبان فقراء أمثال عروة بن الورد و تأبط شرا و السليك بن السلكة و الشنفرى.و يسمون أيضا ذؤبان العرب جمع ذئب، لأنهم كانوا مشهورين بسرعة العدو، و لكن مع فقرهم كانوا نبلاء و من نبلهم أنهم كانوا لا يهجمون إلا على الأشحاء البخلاء من الأغنياء. و كانوا يسمون بالعدائين لأنهم كانوا مشهورين بسرعة العدو في السلب و النهب (أحمد أمين ـ الصعلكة و الفتوة في الإسلام ص88). و يجمع أهل الأخبار على أن الصعلكة كانت نتاجا طبيعيا للتراكمات المختلة في مجتمع شبه الجزيرة و تَركّز الثروة في أيدي طبقة محدودة من الناس ، و في هذا الطرح يؤيدهم أحمد أمين إذ يبين في نفس الصفحة من نفس المصدر أعلاه ، أن " الحالة الاجتماعية في جزيرة العرب قد أنتجت هذه الصعلكة لأن أكثرهم فقراء لا يجدون ما يأكلون، و إذا حصلوا على شيء من تجارة أو نحوها ، فشيخ القبيلة هو الذي يأخذ من الغنيمة حصة الأسد و هم لا يأكلون إلا الفتات."..انتهى .."فكانت النتيجة الطبيعية لهذا كله أن فرّ الصعاليك من مجتمعهم النظامي ليقيموا بأنفسهم مجتمعا فوضويا  شريعته القوة و وسيلته الغزو و الإغارة و هدفه النهب و السلب (د . يوسف خليف ـ الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي ـ ص 55).فعلى سبيل المثال ، في قبيلة هذيل " فأغلب الأفراد في هذه القبيلة كانوا من الدهماء يعيشون عيشة الكفاف قانعين أحيانا سخاطين عليه أحيانا أخرى و بعضهم أو كثير منهم، كان يعد من الصعاليك و الذؤبان مثل "الأعلم" و "صخر الغى" و "أبي جندب" و غيرهم . و مع ذلك كان الخلعاء من هذيل أقل من غيرهم "( هذيل في جاهليتها و إسلامها ـ د.عبد الجواد الطيب ص119).و من خلال كل هذه القراءات نتلمس مبلغ ما يكنه أهل السير و الإخباريون من تعاطف اتجاه هذه الطبقة من المجرمين الأقحاح و من تنويه بفعالهم و تبرير لنذالتهم و خستهم، فهم يعني " الصعاليك أو الخلعاء أو الذؤبان امتازوا على فئة الموالي و طبقة العبيد بالشهامة ( و ما معنى الشهامة غير حمل السلاح ؟؟) و المروءة (يا سلام و هل من مروءة في الغدر و القتل و السلب و السبي و النهب؟؟ هذا ما يدفعنا إلى التساؤل حول المعايير الأخلاقية التي يقيس عليها هؤلاء الإخباريون أحكامهم الأخلاقية ؟؟؟).إذ أنهم ما كانوا يستأثرون لأنفسهم يما كانوا ينهبونه من الأغنياء البخلاء( و ما هي المقاييس التي كانوا يتخذونها في الحكم عليهم بالبخل من غيره؟؟).بل كانوا يعطونه طواعية و اختيارا( لأنهم لم يشقوا فيه و لم يتعبوا عليه بل كان رزقا ساقه الله إليهم ) للفقراء و المعدمين الذين حكم عليهم المجتمع القبلي بالعوز و الفاقة و الحرمان(سؤال يطرح نفسه بإلحاح هنا هو إذا ما كان المجتمع القبلي يشكومن كل هذه السلبيات و النقائص فلماذا بقي صامدا لحد الآن؟؟؟؟).و يتوج منذر الجابوري تهليله بالصعاليك معلنا أنهم امتازوا بنظرات إنسانية متقدمة إذ كانوا يعمدون إلى تلك المآتي لإغاثة المعوزين (أيام العرب و أثرها في الشعر الجاهلي ، منذر الجابوري،ص 16)
نلك هي البنية الرئيسية و الهندسة الاجتماعية للقبيلة العربية عموما و لقريش خصوصا، كما ترسمها لنا السير و الأخبار. و يتبين من خلالها أن المادة الرئيسية التي تتشكل منها التركيبة الاجتماعية للقبائل العربية هي طبقة الفقراء الطويلة العريضة  المتذمرة و الساخطة ، و التي تمتد لتشمل العبيد و الموالي و الصعاليك  و الخلعاء و الطرداء و المحرومين و أبناء السبيل.و هؤلاء للتذكير هم الذين جمعهم قصي أول أمره ، و أجهز بهم على بني خزاعة و كنانة و بكر ، ثم أدخلهم الحرم و اقتطع لهم الأرباع و أسكنهم الأبطح و سمّاهم قريشا و وعدهم بالسيادة على كل العرب. و ها هو ذا عبد الدار يتجاسر عليهم و يتجاوزهم  و يستن القواعد و القوانين ليضيق عليهم و يحد من نفوذهم و ينال من مكانتهم السياسية و الاجتماعية في البنية المختلة التي تعرضها علينا السير و الأخبار.
أما هاشم بن عبد مناف فيقدمه لنا ابن الكلبي على أنه هو صاحب الإيلاف و منظمه و الساهر على تنفيذ بنوده. و هو السفير بين قصي و أهل الشام الذين كانت تعنيهم الأوضاع الأمنية بالحجاز إما لسبب الاتجار أو لحماية الحدود. فهاشم كان هو المتعهد لهم بالأمن و الضامن عندهم للأمان. إذ لا يعقل أن تكون تجارة البخور و الجلود و السمن و الزبيب و الحمير الحجازية بحاجة إلى أمان من قيصر الروم أي إلى معاهدة على أعلى مستوى حسب مصطلحاتنا المعاصرة تسمح لها بأن تدخل أسواق الروم . أما إذا كانت هناك فعلا من تجارة فعلية بين بيزنطة و مكة، فإن التجار الروم هم الأولى بأخذ الأمان في هذه الحال و تجارتهم أولى بالتأمين و الحراسة.لأنهم مقدمون على أرض تحكمها قواعد الغدر و السطو و شريعة الخلاء، أسيادها الذؤبان و رجالها العداءون..و الروم من جهة أخرى ليسوا في حاجة اقتصادية لتجارة مكة إذ ليس لقريش من مواد حيوية تحتاجها الروم الشرقية في حياتها اليومية أو حركتها الاقتصادية.و لكن بالعكس ، فأهل مكة و ورش مكة  هم من يحتاج منتجات بيزنطة المختلفة و المتنوعة و رؤوس الأموال الرومية.فإذا كان هناك من شيء اسمه الأمان فالأحرى أن يكون قد أعطي للروم و أهل الشام و ليس العكس كما توحي لنا به السير. و أمان (معاهدة يعني) بهذا الحجم المهول و بهذه الأهمية الخطيرة، كما يصور الإخباريون، لو أن البيزنطيين أخذوه من أي جهة أو أعطوه إليها لكانوا كتبوه و أشهروه و ذكروه في مقالاتهم و أخبارهم ، و الحال أن هذا الأمان لا تجد له أثرا في كتابات الإغريق و الرومان التي على العكس، تحدثت بإسهاب عن عرب اليمن السعيد الذين قاموا بمدّهم بالطيوب في العصور السالفة، وقدمت لنا وصفا عن مدنهم و قبائلهم و نظمهم السياسية و قوافلهم التجارية. كما كتبوا عن الحبشة و أدوليس في القرن السادس،لما كانت الأوضاع السياسية و الاقتصادية في الجزيرة العربية تجذب انتباههم، و مع ذلك لم يرد أي ذكر لقريش و لا لنشاطها التجاري الخطير و لا لأمان قيصر لهاشم لا عند الإغريق و اللاتين و لا عند السوريين و الآراميين و الأقباط و كل الكتابات التي تم تأليفها خارج بلاد العرب قبل الفتوحات.
فهاشم هو من أعطى الأمان لأهل الشام، لأنه  بكل بساطة هو المتحكم في قراصنة الصحراء و قطاع الطرق و النائب عنهم و المتحدث باسمهم ، بموجب الإيلافات التي عقدها معهم.فلو أن هذه العهود أبرمت مع شيوخ القبائل البدوية العدوة كما يوحي تعليق العلامة جواد علي ، فإن سؤالا هنا يطرح نفسه ، وهو: ما موقع الغساسنة من الإيلاف؟ فالسير تخطت الغساسنة و أخرجتهم من مسرح الأخبار، و حصرت الإيلاف في قريش و القبائل العدوة، أما الغساسنة الدولة التجارية التي تملك أرض الشام متجر قريش و تمتد حدودها الجنوبية لغاية يثرب فغيبت ذكرها السير و مسحت اسمها الأخبار حتى لتكاد لا تجد للغساسنة ذكرا منذ قصي إلى غاية خيانات الفتوحات التي سنتحدث عنها بإسهاب في حينها و كأن ما يحدث بين الروم و أهل قريش لا يهم بني غسان !!! و الواقع أن الغساسنة قوم تجار و صناع و مزارعون مهرة تشهد لهم  الآثار و كتابات الإغريق و الرومان و معاملاتهم التجارية مع الأقوام في مصر و بيزنطة و أرض ما بين النهرين. و الأدهى و الأمر أنهم كانوا يتاجرون فيما يتاجرون في الزبيب و الجلود المدبوغة و العطور و البخور ، نفس البضائع التي تدعي قريش المتاجرة فيها!!! فأ ليس من غير المعقول ألا يتخوف الغساسنة من أي توسع تجاري لغيرهم على حسابهم؟؟؟ فالمصادر الإسلامية لا تحدثنا عن أي رد فعل للغساسنة  اتجاه الاجتياح التجاري المكي المزعوم لأرضهم و التضييق على تجارتهم. كما أن كتب الإغريق و اللاتين لا تحدثنا عن أي مضايقة أو منافسة خضعت لها تجارة بني غسان.فما موقع الغساسنة من الإيلاف و الأمان؟و إذا ما افترضنا أن هذه المعاهدات إنما تمت مع الغساسنة بين قريش وملوك الشام وليس  قياصرة الروم، باعتبار أنه لا يوجد لدينا أي دليل مادي يؤكد لنا أن العرب و خصوصا قريشا و بالأخص هاشما بن عبد مناف قد وصلوا إلى أنقرة أو القسطنطينية، فيبقى السؤال المشكلة هو هل يعقل أن تبرم غسان معاهدات لاستيراد نفس المنتوجات التي تنتجها داخليا بوفرة و تسهر على تصديرها لكل البلدان؟؟ و إذا ما حصل و عقد مثل هذا الأمان أ لن يكون له تأثير سلبي على الحركية الاقتصادية الداخلية في غسان خصوصا و أن السير تخبرنا عن أمواج متلاطمة من قوافل الزبيب و السمن و الطيوب التي تتدفق على الشام من مكة...؟
لندع أمر التجارة قليلا ، و التساؤلات المشروعة المنبثقة عنها فإننا سنفرد لذلك بابا خاصا به. و لنعد الآن لهاشم و بني عبد الدار لنقول بأن إيلافات هاشم قد تمت كلها في حياة قصي.ذلك أن هاشما الذي يرجح النسابون و الإخباريون أنه عاش ما بين عشرين و خمس و عشرين سنة (البلاذري ـ أنساب ـ 1/63) تثبت الأخبار أنه توفي بعد جده قصي بسبع عشرة سنة، و  بالضبط سنة سبع و تسعين و أربعمائة للميلاد.فإذا حذفنا سبع عشرة سنة من خمسة و عشرين التي يرجح أن هاشما عاشها فستبقى لدينا ثمان سنوات. فهل يعقل أن يكون قصي قد أرسل لقيصر الروم طفلا سفيرا عمره ثمان سنين ليعقد معه معاهدات الأمان؟ثم قصة زواجه من سلمى بنت عمرو بن زيد الخزرجية التي أخرجها ابن سعد في طبقاته هل حدثت في هذا العهد هي الأخرى؟ و هل يعقل أن ينجز فتى توفي في ريعان شبابه كل تلك المآثر و الأعمال التي تنسبها السير إلى هاشم؟؟.و من جهة أخرى نجد السير تؤكد على أن عبد المطلب بن هاشم قد عاش مائة و ثمان سنين ، و أنه توفي لما بلغ الرسول ثمانية أعوام.فإذا كانت السير تتفق على أن الرسول قد ازداد عام الفيل الموافق لسنة 570م، فإن عبد المطلب سيكون قد توفي سنة 578م . و عليه فإذا حذفنا من تاريخ وفاته هذا ، تلك المائة و الثمانية سنين التي عاشها فإننا سنحصل على تاريخ ميلاده الذي لا تسعفنا به السير و الذي سيكون هو سنة 470م.و عليه فسيكون الفارق بين تاريخ ازدياد عبد المطلب الابن و تاريخ وفاة هاشم الأب هو 29 سنة، بينما السير تقول أن هاشما لم يعش إلا خمسا و عشرين سنة على أبعد تقدير.فهل هذا يعني أن عبد المطلب قد ازداد قبل أبيه بأربعة سنين؟؟؟؟. لقد عاش هاشم أكثر من خمس و عشرين سنة أبرم الاتفاقات في عهد أبيه و بمجرد وفاة قصي و وصايته بمقاليد الزعامة لعبد الدار و إقدام عبد الدار على مسألة الأحابيش ثار هاشم و إخوته بنو عبد مناف في وجه عبد الدار و " أجمعوا على أن يأخذوا ما بأيديهم من الحجابة و اللواء و الرفادة و السقاية و الندوة و رأوا أنهم أحق به منهم لشرفهم عليهم و فضلهم في قومهم (طبقات ابن سعد الجزء الثاني ذكر هاشم بن عبد مناف) فكان حلف المطيبين مع هاشم و لعقة الدم مع عبد الدار .و لما كادت الحرب أن تنشب "تداعوا إلى الصلح على أن يعطوا بني عبد مناف الرفادة و السقاية (نفس المصدر السابق و نفس الصفحة). فالظاهر مما أخرجه ابن سعد عن ابن الكلبي و عن عبد الله بن نوفل بن الحارث و غيرهما أن هاشما كان يطمع في الرفادة و السقاية أكثر من أي وظيفة أخرى من وظائف الزعامة. و السبب في ذلك هو اتصالها المباشر بالإيلاف مع الصعاليك.تقول السير بأن الرفادة هي إطعام الحاج و المعتمر لغاية رحيله عن مكة. و نحن نسأل أي حاج هذا الذي يحتاج إلى كل هذا الطعام الذي يهيأ بمكة حسب الأخبار؟؟فالحاج يفترض فيه أنه قادم إلى مكة قصد التبرك و التصدق و الاستبضاع من أسواق مكة، و كل هذه الأمور تتطلب من  الحاج أن يكون معه مال لينفق منه على نفسه و على سفره.كما أننا من جهة أخرى نعلم أن أهل قريشا كانوا يفرضون على الزائر حقا يدعونه حق قريش و من جملة ما كانوا يأخذونه من الغريب القادم إليهم ثيابه أو بعض بذنته التي ينحر(الاشتقاق 172 ـ المصنف 2/21) فمن هم الحجاج الذين كانت تطعمهم مكة على حسابها إذن؟؟؟ ثم من جهة أخرى إذا كان أهل مكة ينفقون على الحجاج سنويا كل هذه الأموال التي تجمع باسم الرفادة لأنهم معدمون و فقراء محرومون فما الجدوى إذا من موسم الحج و ما الجدوى من مثل هؤلاء الزوار و ما الجدوى من السكن بمكة إذا؟؟؟ ثم من جهة أخرى مع من كان يتاجر هؤلاء المكيون أيام موسم الحج؟ و بمن كانت تعمر أسواق عكاظ و مجنة و ذي المجاز؟؟؟.فمن جهة تعلمك السير أن الأسواق تزدهر في موسم الحج و من جهة أخرى تقدم لك أفواج الفقراء و المعدمين متجهة لتأكل السخينة في مكة.و ذاك ديدن المصادر العربية في كل وقت و حين . أما الحجاج ، فكما هو حالهم اليوم كانوا يحملون أموالهم و زادهم و أقواتهم التي يتصدقون منها على متسولي القروش ناكري الجميل. و ما كانوا أبدا بحاجة لسخينة و لا عصيد قريش.إنما الرفادة كانت حقا معلوما للصعاليك و الخلعاء في أموال قريش.
و إلى حلقة أخرى في القريب العاجل

أبو نبي الصعاليك

هناك 4 تعليقات:

rawndy يقول...

أثابك اللات شيخنا

وننتظر كيف تم نشوء الصعلكة الكبرى وماذا فعلوا ليتكاثروا

غير معرف يقول...

وحشششششششششششششششششتوني
فرويد-رانيا-رايلا-حميد شيخنا الجليل - بابلو007 - اسباني-متمرد- سنسن -جاك-نور-كارلوس ابن خالتي :)

والجميع الجميع ...

بأفطر كل يوم تيس اسلامي محمر خخخخخ

( ملعونة الوالدين ) نانا وبس

غير معرف يقول...

قصدت بشيخنا الجليل انت ياأباقثم الكافر اللذيذ :)

نانا وبس

abou9othoum يقول...

أهلا بالعزيزة الكبيرة نانا وبس
أبو قثم