الأربعاء، 26 أغسطس 2009

قراءة في ابن الراوندي 3

ابن الراوندي

قراءة في

كتاب الزمرّدة

إن من أهمّ ما ألفه ابن الراوندي كتاب الزمردة الذي عرض فيه رأيه في إبطال النبوة

و قد سمي هذا الكتاب باسم آخر هو: في إبطال حجج الرسل و أدلّتها

قال الخياط:

و بوضعكَ كتاب الزمرّدة تطعن فيه على الرسل و تقدح في أعلامها ، و بوضعك فيه بابا ترجمته على المحمّدية خاصة (الانتصار 123)

ثم يضيف

ثمّ أنت إذ ألفت كتابا في إبطال حجج الرسل و أدلتها و جعلت فيه بابا أوّله على المحمدية خاصة (الانتصار 111)

و هكذا نحد الخياط ذكر الكتاب مرّة بعنوانه و مرّة بموضوعه

فابن الراوندي إذا هو أول من طعن في كتاب مستقل على الرسل و اعتبرهم أهل مخاريق مموهين سحرة ممخرقين ، و أنّ القرآن فيه تناقض و خطأ و كلام يستحيل (الانتصار 12)

يقال أن ابن الراوندي و أبا عيسى الوراق قد تنازعا حول تأليف كتاب الزمرّدة فكلّ يدّعي تأليفه (المنتظم في التاريخ ج6 ص100) ، لهذا السبب لم يذكره أبو العلاء المعري في رسالة الغفران بين كتب ابن الراوندي.

عابه أبو عليّ الجبّائي في تلك التسمية. قال :

إنه أخطأ و جهل في تلقيب العلم بالجواهر، و إنّ أهل العلم لا يعبّرون العلوم بأسماء ما دونها، و الجواهر ناقصة بالإضافة إلى العلوم

فردّ عليه ابن عقيل بقوله:

إنّ ما قصده هو أخبث مما ظننته يا أبا علي.إنّ للزمرّدة خاصة هي أنه إذا رأته الأفعى و سائر الحيوانات عميت (المنتطم في التاريخ ج6 ص 99)

و لكنّ أبا الريحان البيروني ينفي هذا الخطأ الشائع منذ أيام اليونان قال

امتحنت الأفعى تسعة أشهر في زماني الحر و البرد فلم يؤثر الزمرد في عينيها (الجماهر في معرفة الجواهر البيروني ص273)

ضاع الكتاب أثناء الحملات التي شنّها علماء الحديث و الكلام على ابن الراوندي و لكن حفظت لنا منه نصوص كثيرة في كتاب المجالس المؤيدية ، للمؤيد في الدين هبة الله بن أبي عمران الشيرازي الإسماعيلي ( المتوفى سنة 470 ه / 1070 م)، الذي كان داعي الدّعاة في عصر الخليفة المستنصر بالله الفاطمي

كان الكتاب قد صاغه ابن الراوندي على أسلوب الحكاية ، و وضع قدحه للأنبياء و الرسل على ألسنة البراهمة الذين لم يرسل الله إليهم نبيا، و إنما هداهم العقل البشري إلى السيرة المستقيمة و الصالحة في الحياة.

ناقش هذه المجالس المستشرق (بول كراوس) و عرضها عرضا علميا دقيقا و ترجمها الدكتور عبد الرحمن بدوي في كتابه من تاريخ الإلحاد في الإسلام الذي نشره عام 45

و التصوّر الذي وضعه كراوس للكتاب ، كان على الشكل التالي:

1 ـ المدخل في سمو العقل

2 ـ صلب الموضوع و فيه نقد للإسلام و الشريعة

ـ قال أن الإسلام يناقض العقل

ـ نقد معجزات الرسول

ـ نقده لتواريخ المعجزات

ـ نقده لإعجاز القرآن

ـ نقده لخبر التواتر و أن القرآن جاء بالتواتر

3 ـ خاتمة الكتاب بيّن فيها أن العقل يناقض النبوة

ـ و إن الكلام الإنساني حادث بطبعه و لا يرجع في أصله إلى الأنبياء

ـ و الفلك و الموسيقى لا يرجعان في أصلهما إلى الأنبياء

هذا التصوّر قائم على أنقاض ما وجد من الكتاب الأصلي في المجالس المؤيدية ، و هو قد عرضها من خلال عدائة لابن الراوندي

فالكتاب بصورة عامة معروض شأنه شأن المائة والأربعة عشر كتابا لابن الراوندي من خلال الرأي الآخر المعادي له.

القول الأول : العقل و النبوة

قال المؤيد في الدين:

وقع أحد دعاتنا في تصنيف صنّفه ابن الراوندي على ألسنة البراهمة في ردّ النبوات و إبطال مراتب من أقامهم الله، لتبليغ كلامه، سماه الزمردة و نسبها إلى البراهمة، لكي يمنع إحداد شفار القتل عن نفسه.

قال ابن الراوندي :

إنّ البراهمة يقولون إنه قد ثبت عندنا ، و عند خصومنا أن العقل أعظم نعم الله على خلقه، و أنه هو الذي يُعرف به الرب و نعمه ،و من أجله صحّ الأمر و النهي و الترغيب و الترهيب ؛ و أنّ الرسول يأتي مؤكدا لِما فيه من التحسين و التقبيح و الإيجاب و الحظر ، فساقط عنّا النظر في حجته و إجابة دعوته ، إذ غنيَنا ما في العقل عنه. و إن كان بخلاف ما في العقل من التحسين و التقبيح و الإطلاق و الحظر، فحينئذ يسقط عنّا الإقرار بنبوّته (من تاريخ الإلحاد 80)

القول الثاني : نقده للمناسك و الطقوس

قال ابن الراوندي

إن الرسول عليه السلام أتى بما كان منافرا للعقول مثل الصلاة و غسل الجنابة و رمي الجمار و الطواف حول بيت لا يسمع و لا يبصر، و العدو بين حجرين لا ينفعان و لا يضرّان، و هذا كله مما لا يقتضيه عقل ، فما الفرق بين الصفا و المروة إلا كالفرق بين أبي قبيس و حرى. و ما الطواف على البيت إلا كالطواف على غيره من البيوت. و إن الرسول شهد للعقل برفعته و جلاله فلماذا أتى بما ينافره إن كان صادقا (من تاريخ الإلحاد84)

القول الثالث: نقده لمعجزات الرسول

قال ابن الراوندي:

في شان المعجزات و الدفع في وجوهها. إنّ المخاريق شتى و إن فيها ما يبعد الوصول إلى معرفته و يدق على المعارف لدقته، و إن أورد أخبارها عن شرذمة قليلة يجوز عليها المواطأة و الكذب كقولهم بتسبيح الحصى و كلام الذئب و شاة أم معبد و حديث سراقة ، و كلام ضلع الشاة المسمومة ( من تاريخ الإلحاد 90)، فهذه كلها مما تنكره العقول

القول الرابع : في قول المسيح

قال ابن الراوندي:

وما قاله النبي في دفع أقوال ملّتين عظيمتين متساويتين اتفقتا على صحّة قتل المسيح و صلبه فكذّبهما.و إن كان سائغا أن يبطل خبر ذلك الجمهور العظيم المتكاثر العدد، و ينسبها إلى الإفك و الزور ، كان ردّ الشرذمة القليلة من نقلة أخباره أمكن و أجوز بحجة الوضع و القانون الذي قنّنه في المباهلة(من تاريخ الإلحاد 90)

القول الخامس: نقده لنظم القرآن و إعجازه

قال ابن الراوندي

إنه لا يمتنع أن تكون قبيلة أفصح من القبائل كلها، وتكون عدة من تلك القبيلة أفصح من كل القبيلة ، و يكون واحد من تلك العدة أفصحها جميعا...إلى أن قال : و هب أن باع فصاحته طالت على العرب فما حكمه على العجم الذين لا يعرفون اللسان ، و ما حجّته عليهم (من تاريخ الإلحاد 87)

و يبدو أن مسألة إعجاز القرآن قد بحثها في كتابه ( الدافع للقرآن) أيضا.

قال ابن الجوزي

و زعم ابن الراوندي إنّ في القرآن لحنا..و أننا نجد في كلام أكثم بن صيفي أبلغ من إنّا أعطيناك الكوثر.و قال أبو هشام بن علي الجبّائي:ابتدأ ابن الراوندي في كتاب الفريد،فقال: إنّ المسلمين احتجوا لنبوة نبيهم بالكتاب الذي أتى به و تحدى الفصحاء به فلم يقدروا على معارضته.قال : فيقال لهم غلطتم و غلبت العصبية على قلوبكم، أخبرونا لو ادعى مدّع لمن تقدّم من الفلاسفة،مثل دعواكم في القرآن، و قال: الدليل على صدق بطليموس و إقليدس فيما ادعيا أنّ صاحب إقليدس جاء به فادعى أن الخلق يعجزون عنه لكانت ثبتت نبوته ( المنتظم في التاريخ ج6 ص101)

و قال ابن الجوزي :

تقشعرّ منه الأبدان ، قال عن الله تعالى

من ليس عنده الدواء للداء إلا القتل فعل العدوّ الحنق الغضوب فما حاجته إلى كتاب و رسول؟؟.

و قال:

أهلك ثمودا لأجل ناقة و ما قدر ناقة؟ وجدناه يفتخر بالفتنة التي ألقاها بينهم ، كقوله تعالى < و كذلك فتنا بعضهم ببعض . سورة الأنعام الآية 53 >، و قوله <و لقد فتنا الذين من قبلكم : سورة العنكبوت الآية3> وقال في وصف الجنة < فيها أنهار من لبن لم يتغير طعمه> و هو الحليب و لا يكاد يشتهيه إلا الجائع و ذكر العسل و لا يطيب صرفا،و الزنجبيل و ليس من لذيذ الأشربة و السندس يفرش و لا يلبس، و كذلك الإستبرق ، و هو غليظ من الديباج. و من تخايل أنه في الجنة ، يلبس هذا الغليظ و يشرب الحليب و الزنجبيل صار كعروس الأكراد أو النبط (المنتظم في التاريخ خ6 ص 103)

القول السادس: نقده نصرة الملائكة للرسول

قال ابن الراوندي :

إنّ الملائكة الذين أنزلهم الله تعالى في يوم بدر لنصرة النبي بزعمكم.كانوا مغلولي الشوكة قليلي البطشة على كثرة عددهم و اجتماع أيديهم و أيدي المسلمين، فلم يقدروا أن يقتلوا زيادة على سبعين رجلا. أين كانت الملائكة يوم أحد؟ لما توارى النبي ما بين القتلى فزعا و ما بالهم لم ينصروه في ذلك المقام؟ (من تاريخ الإلحاد 93)

القول السابع : نقده لإخبار الرسول في الإسراء

قال ابن الراوندي :

و أمّا قول الرسول في إخباره عن بيت المقدس ، و إعطائه علامته للناس ، إنه مخرق بذلك لأنه يمكن المسير إليه من مكة و مشاهدته له و العودة ليلته لقرب المسافة بين مكة و بينه ( المصدر السابق 94)

القول الثامن : الإلهام و التوقيف

من المسائل الهامة التي طرحها ابن الراوندي ، مسألة اللغة . فبينما الوحي يقول< و علّم آدم الأسماء كلها ، آل عمران 29> نجد ابن الراوندي يربط اللغة بقدم العالم ، و تبعه في ذلك الرازي مستخدما عبارته:

أخبرونا بأي لغة وقف نبي أو إمام من أئمتكم على اللغات؟ و هل في ذلك بدّ من الرجوع إلى الإلهام؟ على أن إماما لو عرف لغة ثمّ أراد أن يعرفها الناس لما قدر على ذلك، إذا لم تكن عندهم سابقة ، فليس بد من الرجوع إلى الإيهام بتة ( نفس المصدر 126) و أما قوله لمن يقول بالنبوات ، قال ابن الراوندي ،

أخبرونا عن الرسول ، كيف يفهم ما لا تفهمه الأمة ؟

فإن قلتم بإلهام ففهم الأمة أيضا بإلهام ، و إن قلتم بتوقيف فليس في العقل توقيف (نقس المصدر 94)

القول التاسع:

قال ابن الراوندي ردّا على من قال: لولا النبي الذي يخبر عن السماء لكان الناس قاصري القدرة على فهم وضع الأرصاد على النجوم :

إنّ الناس هم الذين وضعوا الأرصاد على النجوم حتى عرفوا مطالعها و مغاربها و لا حاجة إلى الأنبياء بهم إلى ذلك

و أورد مثالا على معرفة بطليموس للكواكب أكثر مما عرفه العرب المسلمون مجتمعون.(نفس المصدر 95)

القول العاشر : نقده لخبر الغيلان

قال ابن الراوندي :

ورد في الأخبار أن الغول خلق يغتال الناس و يهلكهم و برمي بهم في الأجراف و الآبار ، و أن كثرة بأسه على الأعزاب و الصبيان. و قالوا: إن سبب ذلك أنها تظهر في صورة المرأة الحسناء ، و تعترض للأعزاب ، فتحركهم الشهوة فيتبعونها فتتنكب بهم عن طريق الجادّة إلى المجاهل حتى ترميهم في البئر أو الجرف. و يؤثر عن النبي إذا تغولت الغيلان فأذّنوا بالصلاة تهتدوا إلى الطريق (من تاريخ الإلحاد96)

القول الحادي عشر : إنّ الله أمر رسوله أن يعلم صوت العيدان.

قال ابن الراوندي على سبيل الاستهزاء:

إنه يلزم من يقول بالنبوة أن ربهم أمر الرسول ، أن يعلمهم صوت العيدان ، و إلا فمن أين يُعرف أن أمعاء الشاة إذا جفّت و عُلقت على خشبة ، فضُربت جاء منها صوت طيب( نفس المصدر97)

القول الثاني عشر : نقده لإخبار الرسول عن الغيب

قال ابن الراوندي :

أما قول الرّسول لعمّار بن ياسر (تقتلك الفئة الباغية يا عمّار) فإنّ المنجّم يقول هذا ، إذا عرف المولد ، و أخذ الطالع ثم قد لا يصيب ( المنتظم في التاريخ ج6 ص 101)

أبو قثم

هناك 6 تعليقات:

888 يقول...

هذا المقال وبلامجاملة
اعطيك عليه اعلى الدرجات
يجب ان يستخدم كمرجع لكل الملاحدة
ياشيخهم
رائع
سلمت الانامل

rawndy يقول...

تحية لك على المقال
وهناك مسألة الموت التي طرحها ابن الراوندي فكان مما قاله ــ بتصرفي ــ : (( لو أن إنساناً مات ثم رجع للحياة فإنه لا يشعر بما مر به) وكذلك قال(الموت شيء طبيعي كلنا سنمر به والخوف منه غباء إذ كيف تخاف من شيء ينهي جميع الأشياء والأحاسيس)

وقال عن علاج بعض الأمراض المستعصية

( إذا لم يوجد دواء للمرض الفلاني وكان هناك مرض أقوى منه وله دواء عندها فإن شفاءوه يكون بأن يصاب المريض بالمرض الآخر الأقوى الذي له دواء وعليهم الانتظار حتى يتمكن المرض الأقوى من قتل المرض الأضعف ثم يداوونه) واستخدم هذا الطبيب الفرنسي الذي حقن ابنه بمرض الطاعون ثم حقنة بمادة أخذها من البقر


تحية لك وللبابلي العزيز

abou9othoum يقول...

أهلا بالعظيمين
أهلا بالكبيرين

أسعدتماني كالعادة
لك علي أن أستخرج من الراجم كل ما قلته و جمعته عن الراوندي
لك علي تحليل واف و مستوف لكتاب الراجم رغم ضخامته
يا راوند يا حبيب

شكرا لك أيها الراعي الأمين

صديقكما
أبو قثم

abou9othoum يقول...

&&

نبراس العتمة يقول...

رائع هذا الراوندي في مواقفه وآرائه. بل هو سابق عصره
كثير من كلامه ما زال يقال إلى اليوم والبعض يظن أنه كلام جديد
هذه القراءة للراوندي يجب أن تجمع في كتاب يا أبا قثم
سلمت

مودتي

عين حمئ يقول...

يا هلا بيك أستاذي الكبير

نعم لا زالت الكثير من أحكام الراوندي سارية المفعول لأن ما انتقده الراوندي لا زال على حاله لم يتغير و لم يشهد أي إصلاح

و أما ما لم نستطع استخراجه هو أحكامه في النحو و البلاغة ، فهذه استولى عليها النحويون و غيرهم و أدخلوها في مؤلفاتهم و أغلقوا الأبواب

أسعدتني أستاذي بزيارتك المحترمة

بو قثم