الأحد، 8 أغسطس 2010

لصوص التجارة ـ تجارة الطيوب


يدعي لصوص التجارة أن مكة ورثت تجارة اليمن التي كانت تمر منها قوافلها نحو الشام لما انهارت دول اليمن السعيد. و هذه  المقولة، لوحدها ، تتضمن اعترافا صريحا بالنصب و التربص و التبييت و  السطو على ما هو للآخرين.فكيف ترث قريش حضارة قوم و أبناؤهم أحياء يبصرون؟ أ لم يكن لليمنيين ورثة شرعيون ، حتى ترثهم قريش؟؟؟ إن المتمعن في تاريخ اليمن القديم ، يخرج منه بانطباع يرى فيه اليمن جزيرة يحيط بها من الجنوب ، المحيط الهادي الذي يصطلح عليه بالبحر الإريثيري، و من الشرق و الغرب البحران الأحمر و الفارسي و يحيط به من شماله محيط الجوع و الخوف و الجفاف و القحط و الرمل و الصخور. و يجد أن أهل اليمن قوم متفتحون على البحار الثلاثة أكثر من تفتحهم على أهوال الصحاري و الفيافي و الرمال.فقد كان أهل اليمن و الأثيوبيون و أهل الهند يتداولون السيادة على شمال غرب المحيط الهندي و البحر الأحمر، اللذين من خلالهما كانوا على صلة وطيدة بالعالمين الشرقي و الغربي .فاليمنيون اتصلوا بالهنود و الصين و بالروم و الإغريق و بأهل فارس حتى من قبل أن تعرفهم مكة. و هذا ما سنفيض فيه في هذه الحلقة.فنبدأ بالتساؤل حول ماهية هذه التجارة اليمنية التي استولى عليها لصوص مكة؟ لتقودنا المصادر الأدبية الثانوية و البحوث الإسلامية إلى شهرة أهل العربية الجنوبية في إنتاج و تصدير الطيوب و التوابل و الذهب و الفضة. و أما الذهب و الفضة فتلك منتجات لم تتوفر في اليمن إلا إثر التدخل الفارسي فيه، و هو ما سنقف عليه فيما بعد.و أما التوابل فكان أهل اليمن يتوفرون على بعض منها عن طريق المقايضة.و أما الطيوب فتلك منتوجات يمنية اشتهرت بها اليمنمنذ فجر التاريخ. هذه الشهرة استغلها الإخباريون و البحاث المسلمون و كثير من المستشرقين ابتداء من لامينز و اتخذوها، إلى جانب قصة الإيلاف، أساسا لبناء نظرية تربع مكة على عرش التجارة العالمية. فيقولون بأن لتجارة الطيوب في العصور القديمة أثر كبير على تجارة مكة ذلك أن سبب قيام هذه يرجع في الأساس إلى انهيار تجارة الطيوب ومن جهة أخرى إلى التدخل الأجنبي فيها. أما الطيوب المعنية بالذكر فهي كل المواد التي تنبعث منها رائحة طيبة عند حرقها كالعطور والمراهم و المواد المعطرة ذات المذاق المستساغ التي تستخدم في الطعام و الشراب و المواد التي تجدد الشباب و تطيل العمر نظرا لأهميتها الطبية و السحرية ، و كان منها أيضا المواد المضادة للسموم(1)
و  يعد اللبان الحر و المرّ النوعين الأساسين في البخور العربي . و أما الأول فهو لبانة حمضية زيتية يمكن استحلابها. و منها عدة أنواع تستخرج من العائلة النباتية التي تسمى بورْسيراكاي .و يتم جنيه عن طريق عمل شقوق في اللحاء .و تعدّ كل من بلاد العرب الجنوبية و سقطرة و شرق إفريقيا و الهند هي الموطن الأصلي .و هناك نوعان من هذا القسم من النبات يعدّان من أنواعه الأصلية التي تنتج اللبان الذكر الأصلي الذي كانت له أهمية كبيرة في العالم القديم و هذان النوعان هما
(2) B.Carteri  و B.Sacra
و موطنهما الأصلي العربية الجنوبية و شرق إفريقيا. و لقد رغب المصريون و اليهود و الإغريق و الرومان و الفرس في هذا النوع بل و طمع فيه الهنود و الصينيون أيضا. و كان يتم حرق اللبان في المعابد تمجيدا للآلهة ، و في الطقوس الجنائزية و في المنازل و الأغراض الطبية و تركيب العطور في بعض الأحايين. و أما المر فهو لبان صمغي زيتي يمكن استحلابه. منه المسمى كوميفورا و المسمى بلسامودندرون.
 و ينتمي إلى العائلة النباتية التي ينتمي إليها اللبان الذكر.و شجرة المر الشائعة هي تلك التي تسمى كوميفورا، والتي كانت أكثر انتشارا من أشجار اللبان الذكر، والتي وجدت بكثرة في الصومال ، و منه أنواع في الهند يستخرج منها الصمغ النباتي بديليوم
وكانت أول إشارة للمر و اللبان وردت في التاريخ القديم، هي ما ذكر عن قيام المصريين القدامى من استيراده من بلاد بونت على الجانب الإفريقي والمعروفة بإنتاج العاج و الأبنوس و الزراف و الأكواخ المقامة من سيقان النباتات الجافة. (3)
ثم تسكت المصادر اللاتينية و الإغريقية عن ذكره، إلى أن تتفق مع المصادر الإسلامية، و بالخصوص الحديثة منها، على الإشارات إليه الواردة في التوراة .حيث نجد في العهد القديم عدة إشارات إلى الطيوب عند ذكر مملكة سبأ، تختار منها المصادر الإسلامية بضع آيات كأنهن أم التوراة،  فتستهلكهن في مسألة الاستدلال على غنى جنوب العربية و ثرواتها المتنوعة التي فازت باحتكارها مكة في القرن السادس. و من هذه الآيات ما أورده العلامة جواد علي في مصنفه إذ يقول : وفي "المزامير" أن "شبا" ستعطي "الذهب" لملك العبرانيين في جملة الشعوب التي ستخضع له، تقدم له الجزية (4). وورد في "أرميا" أن "شبا" كانت ترسل "اللبان" إلى إسرائيل (5). وقد ذكروا في سفر "حزقيال" في جملة كبار التجار. كانوا يتاجرون بأفخر أنواع الطيب وبكل حجر كريم وبالذهب (6). وأشير في "أيوب" إلى قوافل "شبا" التي كانت تسير نحو الشمال حتى تبلغ إسرائيل (7)).
و يعلق جواد علي بأن في هذه الإشارات دلالة على الصلات المستمرة التي كانت بين العبرانيين و السبئيين، وعلى أن السبئيين كانوا هم الذين يذهبون إلى العبرانيين، يحملون إليهم الذهب و الأحجار الكريمة والطيب واللبان. فتبيع قوافلهم ما عندها في أسواق فلسطين، ثم تعود حاملة ما تحتاج إليه من حاصلات بلاد الشام ومصر وفلسطين (8). ثم يستطرد قائلا : ويظهر من سفر "يوئيل" إن السبئيين كانوا يشترون السبي من فلسطين، من "بني يهوذا"، حيث جاء فيه تهديد لأهل صور وصيدا بأن رب إسرائيل سينتقم منهم جزاء اعتدائهم على الإسرائيليين ونهبهم ذهبهم وفضتهم. وسيجعلهم عبيداً يباعون في الأسواق إلى السبئيين: "وأبيع بنيكم وبناتكم بيد بني يهوذا تبيعونهم للسبئيين، لأمة بعيدة، لأن الرب قد تكلم". مما يدل على أنهم كانوا من المشترين للرقيق، ينقلونه إلى بلادهم للاستفادة منهم في مختلف نواحي الحياة، يتخذون النساء الجميلات زوجات لهم، ويتخذون البشعات والقويات للخدمة، و يعهدون للرجال بالأعمال المختلفة التي تحتاج إلى ذكاء ومهارة وفن و إتقان، وبأعمال أخرى صناعية وزراعية، وأمثال ذلك(9).
و عليه فمن خلال القراءة السريعة لهذه الآيات يلاحظ القارئ ورود عبارات مثل (شبا" كانت ترسل اللبان) و( يحملون إليهم الذهب و الأحجار الكريمة والطيب واللبان) أو (كانوا يتاجرون بأفخر أنواع الطيب وبكل حجر كريم وبالذهب) و كذلك (إن السبئيين كانوا يشترون السبي من فلسطين) ، مما يفيد أن الذهب كان هو المادة الأساسية في تجارة و ثروة السبئيين الذين يفترض أنهم من اليمن.وتتبعه في المرتبة الطيوب و اللبان و الأحجار الكريمة. كما يفيد أن السبئيين كانوا يستوردون في المقابل الرقيق. و أول ما يتبادر إلى الأذهان فهو ما حاجة السبئيين اليمنيين إلى الرقيق و هم الذين يسكنون الحبشة و يستعمرونها؟؟ كما أن العرب يعرف عنهم استعبادهم بعضهم البعض من خلال سنة الغزو، ما يجعلهم في غنى عن استقدام الرقيق من مكان آخر.و إن حدث و وُجد عندهم عبيد من غير العرب فهؤلاء هم الذين يستغلون في النخاسة. فما حاجة السبئيين إلى رقيق الشام إذا؟ كما أنه من جهة أخرى لم تذكر المصادر الأدبية و لا الأثرية أي شيء يدل على تجارة سبأ في العبيد ، إنما كانت شهرة السبئيين محصورة في الطيوب بكل أنواعها. أما الذهب و الفضة فتتفق المصادر الإسلامية و الكلاسيكية من إغريقية و لاتينية على أن معادن الذهب و الفضة لم تشتهر بها اليمن إلا بعد التدخل الفارسي فيها إثر قيام الإثيوبيين بغزوها للمرة الثانية عام 525م.آنذاك عثر الفارسيون على منجم الرضراض الشهير الذي يذكر الهمداني أنه "يوجد في إقليم حمدان و أنه كان يقوم بإدارته من أطلق عليهم فرس المنجم ، و هم الذين قدموا إليه في العصر الجاهلي و ظلوا موجودين هناك حتى القرن التاسع"(10). و في كتابه الصفة نجده يسمي الجيل الثاني من فرس المنجم بالأبناء ،فيقول:
"وكان يعمل في معدن الرضراض في اليمن عدد من الأبناء وهم من أصول فارسية" (11) ،و يضيف في نفس المصدر " أما الجاليات الأجنبية التي شكلت قوة العمل الأخرى بجانب الرقيق فتتمثل في الأبناء, وهم أفراد الجالية الفارسية في بلاد اليمن, الذين كانوا بالأساس يمثلون بقايا الجنود الفرس. وهم  أرسلوا على دفعتين إلى هذه البلاد من أجل محاربة الأحباش.و تركز الأبناء في ما بعد حول معدن الرضراض عاملين ومستثمرين, وهو أهم معادن الفضة في اليمن. و يؤكد الهمداني أن أهله كانوا كلهم من الفرس. ولكثرتهم وهيمنتهم على المعدن سموا بفرس المعدن". (12).و في الجوهرتين يشيد بوجود عدة مناجم للذهب في اليمن و جودة معدنها (13). أما ما يوردونه من أن  الملك سليمان قد عثر على الذهب في منطقة عسير فذلك خيال نحن الآن في صدد تبديده شيئا فشيئا. و عليه فالذهب و الفضة و الأحجار الكريمة لم تشتهر بها اليمن في العصور القديمة إلا في هذه الآيات البينات التي يختارها جواد علي و من سار على هديه. و مما يثير الانتباه هو عدم إشارته لا من بعيد و لا من قريب إلى ما ورد في سورة النمل من الآية 20إلى الآية 44 من أمر ملكة سبأ و الملك سليمان و قصة الهدهد و القرية و العرش. فهذه القصة رغم قصرها و اختزالها، فهي تحفل بعدة معطيات في غاية الأهمية من ضمنها الطيوب و الأموال. وبالإضافة إليهما فهي تفيدنا في تحديد تاريخ شبا الواردة في العهد القديم و ذلك في شخص الملك سليمان الذي نعرف أنه قد حكم حوالي 900 قبل الميلاد. كما أن أسطورة الهدهد الواردة فيها تفيد أن قوم سبأ المعنيون بالذكر كانوا يعبدون الشمس و كانت تحكمهم امرأة. و هذان أمران لا ينطبقان على أهل اليمن. إذ لم يثبت في أي تاريخ أن عرب الجنوب كانوا يتخذون النساء ملكات و لا حتى في الحبشة، و إنما هم عرب الشمال من نجد في تاريخ دولهم ملكات مثل زنوبيا و غيرها.كما أن جميع المصادر تتفق على أن الشمس لم تكن تعبد في العربية الجنوبية ، إنما كان أهل سبأ اليمنيون يعبدون القمر ويسمونه الإله مقة. كما أنه لم يثبت في قائمة ملوك سبأ اليمنيون اسم امرأة إطلاقا. ثم نضيف أن ما قالته الملكة في القرآن بأن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها و جعلوا أعزة أهلها لا يفيد أن الملكة تتحدث عن مملكة سبأ العظمى المعروفة بالحروب و الملاحم و الغزوات و الانتصارات، إنما هي تتحدث عن قرية أي دويلة مغمورة صغيرة لا شأن لها. و عليه فإذا افترضنا صحة ما ورد في العهد القديم و القرآن من أمر سبأ فإننا سنكون أمام معضلة من هم هؤلاء السبأ الذين يعبدون الشمس و تحكمهم امرأة؟ فلا نجد علاجا لهذه المشكلة إلا بافتراض أن سبأ الواردة في العهد القديم و المصادر الآشورية و الكلاسيكية ثم القرآن، ليست سبأ اليمن إنما هي مستعمرة أو دويلة في العربية الشمالية، يكون موقعها الافتراضي قرب مملكة سليمان المفترضة. و تنتج الذهب و الفضة و تغزو ممالك بني إسرائيل و تسبي أبناءهم و عليها امرأة و تعبد الشمس من دون القمر.
 و هذا ما ذهب إليه فيلبي و أشار إليه في كتابه ملكة شبا ،الفقرة 1 ، و هذا ما توصل إليه فيما بعد إيرفين و أشار إليه في كتاب العرب و الإثيوبيين الصفحة29 كما عززه جروم و ناقشه دون الارتباط برأي إيرفين في مؤلفه الطيوب (فرانكنسانس ، الفقرة 3). و ما يثبت هذا الاعتقاد أكثر و يرسخه هو تواجد الفضة و الذهب في العربية الشمالية و كذلك الطيوب التي كانت أنواع منها تنمو بهذه المنطقة. و يظهر أن جواد علي قد تحاشى جميع هذه المناقشات الجادة بعدم إشارته إلى قصة ملكة سبأ و اعتمد بدلا عنها ما ورد في الكتاب المقدس علما أنه من المؤمنين بتحريفه، و بمصداقية القرآن المطلقة.
و لوضع حل لهذا الإشكال فقد افترض المؤرخون أن هؤلاء السبئيين كانوا يمثلون مستعمرة تجارية أصلها من الجنوب و ذلك في ضوء ظهورهم كقوم محاربين في المصادر الآشورية و كمغيرين على قطيع يعقوب كما ورد في العهد القديم(14)
و أنهم ما لبثوا أن توسعوا شمالا فأقاموا لهم المستوطنات التجارية على طول الطريق من العربية الجنوبية إلى فلسطين. و هذا ما لا تدعمه المصادر الأثرية التي تشير إلى أعداد هائلة من النقوش السبئية على طول أرض اليمن وعرضها و في بعض مناطق العربية الشمالية و مصر و حتى في بعض الجزر القريبة من اليونان، و لا تشير إلى أي أثر للسبئيين يذكر في المنطقة الشاسعة الفاصلة بين العربية الشمالية و اليمن السعيد. و بما أن سبأ هذه التي نتحدث عنها قد وجدت في القرن العاشر قبل الميلاد زمن نبي الله سليمان فما الداعي إلى افتراض أنهم قد قدموا إلى جوار مملكة سليمان من الجنوب حيث الخصب و الثروات الخالية و الازدهار التجاري و قلة البشر و وفرة فرص الكسب و العمل؟.أما الهجرة إلى الشمال  فلم تثبت في حق اليمنيين إلا بعد مسألة انهيار السد و سقوط مأرب،و الغزو الروماني والإثيوبي ثم الفارسي لها!!. فإذا عكسنا الفرضية هذه و أخذنا بعين الاعتبار أن طيوب اليمن لا يرجع تاريخ ظهورها إلى أبعد من القرن السابع قبل الميلاد فإنه يحق لنا أ، نقترض أن قوم سبأ جيران سليمان كانوا يسكنون العربية الشمالية في أول أمرهم، و لما اكتظت بهم الأرض، و شحت المصادر، و كثرت الحروب من حولهم، و انتهى إليهم ما انتهى من خبر جنان اليمن و سواحله و فرص العيش المغرية فيه،( لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15)، فارتحلوا إليه حاملين معهم مهاراتهم و تقنياتهم و سكنوه و استغلوا إمكانياته الاقتصادية و الزراعية فاكتشفوا بخوره الذي اشتهروا به و اشتهرت به اليمن معهم منذئذ.
 و على أية حال فباب البحث في مسألة سبأ الواردة في العهد القديم و القرآن لا زال لم يوصد بعد و أن النقاش فيه لا زال محتدما و لم يحسم فيه لغاية الآن. و آخر ما ورد في هذا الباب هو ما تتداوله الصحف الإلكترونية مؤخرا عن قيام أحد الباحثين السعوديين، و يدعى بالدكتور أحمد عويدي العبادي بالإعلان في إحدى محاضراته في شهر مايوه الأخير عن أن سبأ التي وردت في القرآن ليست هي سبأ الجنوب المشهورة في اليمن و إنما هي دومة الجندل، مستشهدا بقربها من موقع سيدنا سليمان بعكس ما كانت عليه سبأ اليمن البعيدة  كثيرا عن موقع الحدث. وأكد  العبادي أن هذه المملكة القائمة في دومة الجندل كانت تتمتع بنظام حكم ديموقراطي قائم على مجلس شورى أو نواب أو مستشارين كما هو حال تسميتهم اليوم في الحكومات والدول ، مستشهدا على ذلك بكلمة " الملأ " التي وردت بالقرآن الكريم على لسان الملكة بعد أن جاءها كتاب سيدنا سليمان.  كما أكد العبادي على أن مملكة دومة الجندل كان دورها بين الممالك العربية عامة ، حيث كانت تعد نقطة استقطاب لقبائل شرق جزيرة العرب، وقبائل الرافدين ومركزا إستراتيجيا  للتجارة العربية المتبادلة بين الشعوب في الممالك العربية وبلاد الشام ، حيث كانت تحط بها وقتها القوافل وتنطلق منها. وتابع العبادي: ان الملك العربي جندب الذي انضم إلى حلف مع الآراميين كان في دومة الجندل، ذاكرا أن هذا الملك أول من أشار إلى العرب في نص من النصوص التاريخية.(16)
أما بخور الجنوب الذي تدعي مكة الاستيلاء على طرقه فيبدو أن التجارة فيه ابتدأت مع القرن السابع و ليس قبله كما تذهب إليه المصادر الإسلامية.  فالمصادر الآشورية تذكر الطيوب من بين البضائع التي كان يقدّمها حكام العرب ضريبة لملوك آشور في القرنين الثامن و السابع قبل الميلاد، فهذا "تغلاتبليزر" الثالث مثلا" يذكر أنه أخذ الجزبة من السبئيين،أخذها ذهباً وفضة وإبلاً: جمالاً ونوقاً ولباناً وبخوراً من جميع الأنواع، كما ذكر "سرجون" أنه أخذ الجزية من "يثع أمر" ملك سبأ، أخذها ذهباً وخيلا وجمالاً ومن مصنوعات الجبال. (17) . و قد ذكر البخور في إحدى الوصفات الطبية التي تؤرخ بأواخر العصر الآشوري في فترة ليست بالطويلة قبل الفتح الفارسي (18). و كثيرا ما ورد المر و لكن ليس في صيغة الضرائب التي يدفعها العرب للآشوريين و إنما في إطار استعمالاته المتنوعة كاستخدام بذوره مع مواد أخرى في الدباغة . و يبدو من خلال الهدية التي قدمها توسهارتا الميتاني أن زيت المر الذي عرفه الآشوريون كان من منتجات العربية الجنوبية.
و هذا نفس ما تذهب إليه المصادر الأدبية الكلاسيكية حيث نجد اللبان و المر يعرفان باسمهميهما الساميين في المناطق البعيدة مثل اليونان حوالي القرن السادس ق.م حيث يرد ذكرهما في أشعار صافو(19). و يرد كذلك لدى الشاعر الإغريقي بيندال حوالي 490 ق.م و عند ميلانيبيديس حوالي 450 ق.م و لدى المؤرخ هيرودوت بطبيعة الحال حوالي عام450 ق.م (20)

و نفس الشيء يذكر بالنسبة للمصادر الأثرية التي لا تفيد في أكثر من أن تعزز نفس الطرح.فقد عثر على أختام طينية عربية في بيثيل ، و هو معبد يقع على بعد 10كبلومترات من القدس. و مع كل الأسف فإنها لا تدل بالتأكيد على وجود هذه التجارة في القرن 9 ق.م، و ذلك لوجود من يرى أن هذه الأختام وصلت إلى بيثيل في العصر الحديث، و أنها من جهة أخرى غير مؤرخة.(21)
إلا أن جيم  و بيك  أشارا إلى أن العثور على هذين الخاتمين قد تم خارج أسوار المدينة، أو أكثر تحديدا في تلك الأنقاض التي يرجع تاريخها إلى الفترة الممتدة من عصر الحديد إلى العصر البيزنطي.و علبه فهما يؤرخان للأختام بالقرن التاسع قبل الميلاد على أساس أنه لا بد أن تكون لها ارتباط بتجارة الطيوب، التي ترتبط من جانب آخر مع المعبد بيثيل و الذي كان موجودا في الفترة ما بين922 و 722 ، و هذا تخمين لا يلبث أن يتداعى بمجرد استحضار حقيقة أن اليهود لم يكن لديهم شعائر لاستخدام البخور في تلك المرحلة و إنما  يتفق دارسو العهد القديم على أن الطقوس اليهودية لا يعود تاريخها إلى أبعد من القرن السابع ق.م .
 كما عثر كذلك على قطع خزفية تعود إلى العربية الجنوبية في العقبة و هي عبارة عن بقايا آنية فخارية كبيرة مهشمة عليها حرفان من الكتابة الجنوبية أرخها ريكمان بالقرن الثامن قبل الميلاد على أساس تاريخ علم تاريخ طبقات الأرض ، و تمّ قبول تاريخ النقش و صنف على أنه نقش معيني (22). ثم قرر ريكمان  بعد ذلك إرجاع تاريخ النقش إلى القرن السادس قبل الميلاد. و هناك قطعة أخرى من الفخار يبدو أنها أيضا معينية لنفس المؤلف و تؤرخ بالقرن السابع أو السادس للميلاد(23)
كما عثر على حامل ذي قوائم ثلاثة في العراق يؤرخ بدوره إلى القرن السادس أو الرابع قبل الميلاد(24)
و ينطبق الشيء نفسه على البقايا الأخرى التي عثر عليها و التي يرجع ارتباطها بالتجارة بين بلاد العرب الجنوبية و بين بلاد ما بين النهرين و الشام.و لهذا يمكننا القول بأنه لا يوجد في مصادرنا التاريخية ما يثبت وجود تجارة البخور في المنطقة الشاسعة بين جنوب جزيرة العرب و شمالها.في الجزء المقيل سنبحث عن طرق تجارة اليمن التي تدعي المصادر الإسلامية أنها تمر من مكة و أن قريشا سيطرت عليها.و إلى ذلك الخين ها هو أبو قثم يحييكم

أبو نبي الصعاليك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـ 1  (J.I.Miller, The Spice trade of the Romain Empire.P2)
 ـ 2 ( Groom , Frankincese, cf.6)
ـ 3 (Muller, weihrauch, cols 739 K 740)
المزامير، المزمور الثاني و السبعون ، الآية 15 ـ 4
أرميا ، الإصحاح السادس، الآية 20 ـ 5
حزقيال ، الإصحاح السابع و العشرون ، الآية 22 و ما بعدها ـ 6
أيوب ، الإصحاح السادس ، اية 19 ـ 7
المصنف 7/233 ـ 8
نفس الصفحة من نفس المصدر أعلاه ـ 9
جوهرة العيان /149 ـ 10
الهمداني, صفة, 151_152, 240 ـ 11
الهمداني,  صفة, 146 ـ 12
الهمداني ، الجوهرتين 139 ـ 13
ـ 14 Rosmarin «Aribi und Arabian /9..14, Strabo , Geography 16/4 :21
سورة سبإ الآية 15 ـ 15
ـ 17Hastings p 842
ـ 18Muller, weihrauch, col.742
ـ 19Muller.weihrauch.cols 708
ـ 20 cf.G.Liddell & R.Scott, A Greek English lexicon.S.V.Libanos
 ـ 21 (G.w.Beek & A.Jamme, An Inscribd South Arabia Clay Stamp from Bethet
ـ 22 Glueck, Tell el – Kheleifeh Inscriptions /236
ـ 23 The other Side of Jordan 128 -132
24 – cf. T.C. Mitchell ,A South Arabian Tripod Offering Saucer Side to be from Ur p/113

ليست هناك تعليقات: