الاثنين، 18 فبراير 2008


وا معتصماه
بـخٍ ، بـخٍ ! ما أكثر الصخب و العويل و النعيق من حولك ، أي معتصم ،أيا حبيب.

بـخٍ لـك، ما أضخم خميس المؤمنين خلفك ينتظرون أن يُشفي رب الرحمة صدورهم منك ، و من أهل العلمانية أمثالك، و ينظرون... هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون؟... بـخٍ ، بـخٍ... كم صرت أغبطك على هذه المنزلة المباركة التي نلت يا معتصم، يا حبيب. و التي ما فتئت تزيدك نصرا على كل شانئيك. ألا فلتجازيك السماء و الأرض، و الأنهـار و البحار، و البيع و المعابد، و الكنائس و الصوامع، الخير كل الخير، على العلمانية و أهليها.
ألا إني قد رأيت فيما رأيت أن شرذمة من بهاليل الإيمان قد تطوّقت من حولك يٌهمّون بك و يمكرون. يظنون بك الظنون و يحسبون كل صيحة عليهم، هم العدوّ. فاحذرهم، قاتلهم الله،أنّا يؤفكون.أمّا و أن لـك عليّ حقّ النصيحة و حقّ العتاب فإني لأراك قد فرطت الحرب سلاحها،و أفرغت الحقيبة زادها، إذ نزلت ميدان الوغى، نزول المنتحر.لا سلاح عليه تعوّل
و لا ركن به تحتمي. وكأني بك، لست أنت الذي خبر القوم، سعيهم في المكر. و لست أنت الذي بلوت جدّهم في الكيد، ويكيدون كيدا و اكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا. أو لا تعلم حفظك رب الرحمة أن للعلمانية عليك بدون منّ ولا سلوى حقوق وواجبات. و أن أكبر ما تدين لها به لهو إيمانك بعقلك وتقديسك لنفسك و تكريمك لشخصك و لا أظن أنه يخفى عليك أن هذه السجايا و المكرمات، ما كان للعلمانيين أن يتوفروا عليها، لولا استبحارهم في العلوم بكل أصنافها، و سبرهم أغوار المعرفة بكل أنواعها، و اتجاهاتها؛ مما يزيد بلهاء الإيمان حقدا على حقد و غيضا على غيض.أ لا إن بحر العلم لا قرار له، و أن من يدعي فيه معرفة فقد علم شيئا و غابت عنه أشياء . أ لا إن حق العلمانية عليك الاستزادة من هذا اللج العميق كي تكمُل فيك العزائم، و يقوى سلاحك على المحاجة، و تفلّ سيوف الحاقدين المتربصين. فلتستزدن، رعاك رب الرحمة. و ما أظنك من الكسالى الذين بما أوتوا يقنعون و يحسبون أنهم على شيء أ لا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون. ألا إني قد رأيت أن أحقدهم عليك قلبا و أسلطهم عليك لسانا و أخسهم بك نية و أوجسهم منك خيفة صاحبك المنتحل لشخص المدعو أبا ذر الغفاري. أ لا إني قد رأيت أن افجأكما بأشياء و أشياء مما قد انتهى إلى علمي المتواضع عن هذه الشخصية المحيرة في التاريخ . على أن بيننا قراء و قراء وإنا لهؤلاء و هؤلاء كل التقدير و الإجلال نكنّ.و أن بيننا مقص رقابة ما لنا عنه من محيد.فلتــعلم بحق العلمانية عليك و أن صاحبك أكبر العارفين، أن ابن سعد في طبقاته قد أتى على سيدنا أبي ذر الغفاري راويا: أن أبا ذر الغفاري كان رجلا يصيب الطريق، و كان شجاعا يتفرد وحده بقطع الطريق،و يغير على الصرم ـ وهم الجماعة من الناس بأعداد قليلة ـ في عماية الصبح على ظهر فرسه، أو على قدميه،كأنه السبع، فيطرق الحي و يأخذ ما يأخذ،ثم إن الله قذف في قلبه الإسلام. انتهى كلام بن سعد . و لتـعلم أعزك رب الرحمــة، و صاحبك خير العارفين، أن سيدنا أبا ذر قال انه كان في الإسلام رابعا.و انه الذي ما أن انتهى إليه خبر الرجل الذي بمكة ظهر حتى خفّ إليه في غير إبطاء. و ما أن به اختلى صلعم حتى قذف الله في قلبه الإسلام و الإيمان .و لتعلم أنه ما أن نطق بالشهادتين بين يدي نبي الله و حبيبه المصطفى المختار حتى خرج جاهرا بالقول بها في عز سرّيتها. فناله من القوم أخذ وخيم لولا تدخل العباس دونه منبها القوم الذين اجتمعوا عليه . فيقول سيدنا أبو ذر:فأدركني العباس فأكب علي ثم أقبل عليهم فقال:ويلكم، أ تقتلون رجلا من غفار و متجركم و ممركم على غفار فاقلعوا عني. هذا ما رواه البخاري عن ابن عباس عن أبي ذر. و لتعلم أن سيدنا أبا ذر بعد هذا الإعجاز العجيب قد قفل إلى أهله عائدا ثم انزوى بهم في مكان يدعى عسفان يتربصون بقوافل قريش ، فكلما أقبلت لهم عير يحملون الطعام ،يعترضهم و يجبرهم على إلقاء أحمالهم فيقول لهم :لا يمس أحدكم شيئا حتى يقول لآ إله إلا الله، فإن هم قالوا أخذوا أحمالهم، أ لا إن لله جنودا لم تروها. ثم إن سيدنا أبا ذر قد لبث بين أهليه فِـرقا من الزمان يفقههم بالدين ويعلمهم أصوله و أحكامه التي لم أفهم بعد من أين كانت تأتيه و هو الذي لم تجمعه بالرجل الذي ظهر ببكة سوى سويعات قلائل.كما أن علماءنا الأجلاء لم يحدثونا عن ان جبريل كان يعرج على غفار بالوحي. فكان هكذا أول و أكبر المتخلفين عن كل جلائل الإسلام و مكرماته.فلم يحضر معجزات نزول الوحي و لم يشارك في أفضال غزوة بدر و لا أحد و لا الخندق و لا حتى تبوك . هذا هو أبو ذر جنذب بن جنادة الغفاري الذي لم يلتحق بالنبي صلعم إلا بعد أن فات ما فات وحدث ما حدث و وقع ما وقع فلا هو من الذين رضي الله عنهم إذ يبايعونك تحت الشجرة و لا هو ممن دب عن الرسول في أحد و لا هو ممن رأوا الآيات يوم الفتح ولا هو ممن شاهد الملائكة المسومين. و مع هذا، و رغم كل هذا فقد استحق الرجل لقب الصحابي الجليل. ولله جنود السماوات و الأرض و لكن المنافقين لا يفقهون.و لتعـلم أعـزك رب الرحمة أن الرجل لم يستطع الاندماج في المجتمع النبوي المثالي الذي هيأ له الرسول الأكرم أسباب النجاح بعناية الرحمن. إذ منذ أن قدِمه في جماعة بني قومه و جيران لهم يدعون اسلم، فقالوا يا رسول الله إخوتنا،نسلم على الذي أسلموا عليه، فأسلموا فقٌال صلعم:غفار غفر الله لها و أسلم سالمها الله، لم يلبث فيه حينا حتى التحق النبي بربه. فكان أول الرافضين لبيعة ابن أبي قحافة الصديق إلا أنه ما لبث أن هدأ و استكان في عشرية عمر أمير المؤمنين ليعاود رفضه وشذوذه عن المجتمع النبوي زمن عثمان بن عفان.أيعقل أن يأنف امرؤ هكذا من مجتمع كوّنه النبي الكريم بالإلهام الرباني و حفّه الإله بالرعاية و زانه بالآيات أم لحاجة في نفس يعقوب ما قضاها.‘عن الحارث بن يزيد الحضرمي عن ابن حجيرة الأكبر،عن أبي ذر قال: قلت يا رسول الله أ لا تستعملني فضرب بيده على منكبي ثم قال يا أبا ذر إنك ضعيف و إنها أمانة و إنها يوم القيامة خزي و ندامة إلا من أخذها بحقها و أدى الذي عليه فيها ،رواه مسلم. هذا هو أبو ذر الرجل الخفي المحير الذي لم يشهد مناقب الإسلام و لم يلحق بمواكب الفتح و لم يعجبه المجتمع النبوي الذي بدوره لم يعجَب بالرجل و لم يقبل به نبيا آخر بل مضى عكس ما يدعوه إليه نحو التمدن و التحضر والتقدم .
فليرحم رب الرحمة أبا ذر بن جنذب بن جنادة بما رحم به سيدنا و مولانا كعبا الأخبار و ليجازه عنا وعن الإسلام بما جازى أهل البيت الأخيار، فعن أبي حرب بن أبي الأسود قال سمعت رسول الله يقول:ما أقلت الغبراء و لا أظلت الخضراء من رجل أصدق من أبي ذر ،رواه الإمام أحمد. و عنه كان يقول صلعم رحم الله أبا ذر يمشي وحده و يموت وحده و يبعث يوم القيامة وحده...فيا سعده و يا فرحه
و الآن الآن، أنبئنا بحق العلمانية عليك عن أوجه التشابه بين صاحبك أبي ضر القندهاري و سيدنا أبي ذر الغفاري و عن سرّ انتحاله شخصيته و تقمصه اسمه؛ على أن لا تلتنا من أمره شيئا. فإنا لنراه بك شغوفا، و بسبّك و لعنك ولوعا.ألا إن القوم أصل الفجور، تسعة رهط يفسدون في الأرض و لا يصلحون. أ لا إن العلمانية مجموع ما أنتجه المجتمع البشري الإنساني ومجموع ما أجمع عليه البشر من القيم و الأخلاق و أن الجــمع بينها و بين البغي و الشذوذ الجنسي مروق عن العقل . ألا إن العلمانية لتقدس و تعظم الإنسان قويه و ضعيفه ، صحيحه و عليله، و ليس الإنسان من يقدسها .و أن الشذوذ بكل أشكاله و ألوانه طبيعة الإنسان الحر الأبي، فطرة الله ـ فاطر السماوات والأرض ـ التي فطر الناس عليها و لن تجد لسنة الله تحويلا . ألا إن العلمانية لتعترف بالشذوذ الجنسي اعترافها بحقوق الإنسان المتصف به عليها.قاصدة كشف المستور و المسكوت عنه بغية وضعه على أهل العلاج ممن يستطيعون استقصاء أسبابه و تشخيص علله واستنباط طرق استئصاله. أ لا إن هذا لهو ما يحزّ في نفوس الذين في قلوبهم مرض الذين اتخذوا أصحاب الظاهرة فيئا خالصا لهم، يستغلون ضعفهم و يمتهنون كرامتهم. ألا قبحوا من قوم وخسئت أعمالهم.
و أخيرا وليس بآخر أدعوك بحق العلمانية عليك و العلمانيين إلى إعادة قراءة القرآن الكريم والسيرة العطرة و السنة النبوية الشريفة معززا بالتاريخ و الآداب و الفلسفة و لا تنس المنطق فإنه من لم يقرإ المنطق لا يدخل علينا

أبــــو قـــــــــــــــــثم

ليست هناك تعليقات: