الجمعة، 29 أغسطس 2008



الخطة التعليمية الاستعجالية


الخطة الاستعجالية ليست هي الحل الذي يحتاج إليه التعليم . إنه في حاجة ماسة إلى إعادة النظر في السياسة التعليمية التي تنهجها الدولة






عموما. و التي رغم ما صاحبتها من مجهودات مادية و معنوية مكلفة ،لم تثمر إلا الانتكاسات المتوالية و التي يذهب ضحيتها أجيال من أبناء و بنات هذا الوطن.
إن المدرسة التي ورثتها الدولة عن الاستعمار سنة 56 أضحت جد متطورة قياسا بمدرستنا الحالية.
فمنذ أن تسلمت الدولة زمام التعليم أول ما استهلت به سياستها التعليمية هو أسلمة النظام التعليمي. فأدخلت في المناهج ما يسمى بالتربية الإسلامية و الدراسات القرآنية و التاريخ و الفكر الإسلامي على حساب الأعمال التطبيقية (علوم تطبيقية، تكنولوجيا تطبيقية، صناعات تقنية) و الأنشطة الموازية (ندوات ، فنون ،مسرح...)، التي كانت منتشرة في جميع الثانويات و المدارس والكليات. و ما لبثت السبعينيات أن حلت ، فجاءت معها موجة مغربة و تعريب القطاعات الحكومية بما فيها التعليم. فكان أن أضيفت التربية الوطنية و الملاحم الإشهارية على حساب الفيزياء و الطبيعيات و الفلسفة.
نريد من المدرسة أن تكوّن لنا أفرادا منتجين مبدعين ؛ يعتمدون على أنفسهم في بناء مستقبلهم الذي يليق بهم... نريد من المدرسة أن تكون لنا نشئا كفؤا يتحمل مسؤوليته الشخصية و مسؤولية بلده... نريد من المدرسة أن تكون لنا أجيالا من الشجعان يستطيعون مواجهة التحديات الراهنة و المستقبلية. فهل مدرستنا تستطيع أن تلبي هذه الحاجيات الملحة أم لا ؟
أسكن في عمارة مجاورة لمدرسة الحي.كلما فتحت نافذتي الموالية جهتها، تأتيني أصوات التلاميذ الصغار يرددون بأعلى أصواتهم القرآن...في الصبح كما في المساء. و عندما أعود في المساء تعودت أن أجد أبناء العمارة يملئون الدرجات و هم يتعاونون على إنجاز فروضهم اليومية.فكلما سألتهم ما هي الفروض التي تنجزون اليوم يكون ردهم التربية الإسلامية ،قواعد التجويد ، آداب إسلامية ،حديث نبوي، تربية على المواطنة.. و هكذا.. و ناذرا ما أجدهم يتحينون وصولي لا، لأساعدهم على إنجاز مسألة رياضية، بل لأتكلف بها و أعطيهم النتيجة.
عندما يتخرج المعلم و هو شاب تملأه الحيوية و النشاط فيقدم على العمل و العطاء بكل جدية، مضنيا نفسه ،و تلامذته، و من حوله؛ متفانيا كل التفاني لا يهمه راتب و لا سلم غير أداء ما يظنه الرسالة التربوية المثلى . و شيئا فشيئا يدخله التكاسل والتقاعس و هو يلحظ مجهوداته تتبخر؛ و آماله في تلامذته لا تتحقق ؛ و تعليمه و علمه لا ينفعان... فيتساءل عن السبب إن بدافع الضمير أ و الوطنية أو غيرهما...فيجد أن داء تعليمه قد أصابه هو قبل غيره. فهو الذي درس أصل التطور الحضاري، والتحليل المادي للتاريخ، و أصل الأنواع و الرأسمال.. و درس الفلسفة اليونانية وفلسفة الأنوار و منابع الحداثة..كما درس الفكر بكل أنواعه السحري و الديني و العلمي و عرج على الفكر الإسلامي تاريخه وعقائده و مذاهبه . أصبح ملتحيا يتعوذ بالله من المعلمة المتبرجة و المعلم المتصهين. حتى التلاميذ الذين في ذمته بعد أن يغلق عليهم الأبواب و النوافذ يميزهم حسب مستواهم المعيشي إلى مؤمنين و كفار. يسمعهم أناشيد الظلام؛ و يغرس في أذهانهم الخرافات مثل ولادة المسيح و سفره إلى السماء و انتظار الناس عودته. و النمل الذي ينطق و النون الذي يحمل الأرض و إن عطس بفعل بعرة تحرك و تحركت الأرض من فوقه و حدث ما يسميه الناس الزلزال. و يشككهم في العلوم التي يسميها تعسفا بالنقلية و ينفرهم في أهلها... فتجده يحل المسألة الرياضية و يكتب تحتها الله أعلم. هذا ما كلفته الدولة بتعليمه للناس فأصابه بالتدين و الزهد و أصاب تلامذته بالعطالة و الانفجار البشري.
مشكل مدرستنا أنها تضم داخلها مدرستين متنافرتين لا تلتقيان هما المدرسة المدنية و المدرسة الدينية.حل مشكل التعليم بكل أمانة و موضوعية يكمن في الفصل بين المدرستين. من يرد أن يتأهل للحياة الدنيا يَستقبل في المدرسة المدنية . و من يرد أن يتأهل إلى الحياة الأخرى يَرحّب به في المدرسة الدينية...لقد هدرت خمسون سنة في محاولة التوفيق بين المدرستين و النظامين التعليميين المدني و الديني ، فباءت كلها كما باءت نظيراتها من محاولات التوفيق بين الأصالة و المعاصرة بين إحياء التراث و الحداثة بين الثابت و المتحرك بين النقل و العقل بالفشل الذريع
أبـــــــــــــوقـــــــــــثم

ليست هناك تعليقات: